أي القبرين هو روضة من رياض الجنة
أو حفرة من حفر النار ؟!
لكل إنسان قبران ؛
قبر يدفن فيه بعد الموت في الحياة الدنيا،
وقبر يبعث منه يوم القيامة،
القبر الذي يدفن فيه قد يكون معلومًا لأجل ثم ينسى،
وقد ينقل صاحبه إلى مكان آخر في أرض أخرى،
أو داخل مختبر أو متحف كما يفعل بمومياء فرعون وأمثاله،
وملايين الهياكل العظمية في المختبرات والمتاحف،
وقد يأتي بركان أو زلزال أو سيل فيجرف القبر،
ويغير مكانه أو يبعثره وينثره في الأرض، ويختفي أثره،
وقد لا يدفن في قبر محدد إذا حرق كما يفعل الهندوس،
الذين يذرون رماد أموتهم في نهر عندهم،
وقد تأكله الحيوانات أو يلقى في البحر،
وقد يذهب أشلاء في الحروب والتفجيرات،
أو يتبخر من شدة الحرارة فلا يعثر على أثر له،
على أي حال كان كاملا أو مقطعًا،
في مكان واحد، أو توزعت بقايا في الأرض،
فقد عاد ترابًا في الأرض وصار منها؛
كما قال سبحانه وتعالى:
: { وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ {10} السجدة.
: { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى {55} طه.
وخلايا الإنسان من اللحم إلى العظم،
كلها تتغير مرات عديدة في حياته كتغير الشعر والأظفار،
فليست خلايا جسمك التي فيك الآن هي نفسها التي ولدت بها،
فهل كل خليه كانت فيك، أو هي الآن فيك، أو ستكون فيك،
ستبعث معك يوم القيامة ؟
الجواب ... طبعا ... سيكون كلا
وإلا كان سماكة جلدك عشرات السنتيمترات.
لقد بدأت في الحياة بخلية واحدة، فنَمَت وتكاثرت وتنوعت حتى كان منها جسدك،
وكما بدأت ستعود من خلية واحدة فقط يوم القيامة؛
: { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ {104} الأنبياء.
: { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ {29} الأعراف.
: { وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا {17} ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا {18} نوح.
يكفي من الإنسان أن تبقى منه خلية واحدة يحفظها الله تعالى له إلى يوم القيامة،
ثم توضع في التراب وتبدأ بالنمو إلى أن يتكون منها جسد جديد لصاحبها،
وذلك قبل أن تعاد إليه الروح مرة أخرى،
كما أعاد الله تعالى جسد حمار العزير أمام عينه؛
: { وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {259} البقرة.
هذه الخلية، أو النطفة، أو ما كان من عجب الذنب،
تأخذ في نموها من التراب حولها ليكون جزءًا فيها،
حتى يكتمل الجسد منها، ويعود كما كان أول مرة في الدنيا،
انظر إلى الشجرة عندما تغرس في الأرض كم يكون سمك ساقها ؟،
يكون سمك ساقها بضعة سنتيمترات ، والتراب حوله،
وبعد عشرات السنين، يصبح الساق بسماكة عشرات السنتيمترات،
أو حتى في بعضها أمتارًا؛
فأين ذهب التراب الذي كان حول الساق عندما كان دقيقًا ؟!
الجواب : لقد أصبح جزءًا من الشجرة،
وكذلك يتكون جسد الإنسان يوم القيامة من التراب الذي وضع فيه،
أو قُبرت فيه بذرة حياته، ويخرج منه كما يخرج النبات ويخرج الجراد من تحت الأرض وينتشر؛
: { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ {51} قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ {52} يس.
: { يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ {7} القمر.
فإذا تحول التراب في جسد مؤمن من أصحاب الجنة،
ذوي الوجوه النضرة والرائحة العطرة، الذي يتحول به إلى الجنة،
فصار بذلك قبره الذي نبت منه جسده وبعث منه؛ روضة من رياض الجنة،
وإذا تحول التراب في جسد كافر من أصحاب النار،
والذي سيهوي بجسده في نار جهنم،
كان بذلك قبره الذي بعث منه حفرة من حفر النار،
المفضلات