الخوف والرجاء

الخوف والرجاء
ماهر محمدى يس

الخوف والرجاء دواءان يُداوى بهما القلوب ، والخوف من عقاب الله نوع من أنواع العبادة ، ورجاء ثوابه نوع آخر من أنواع العبادة، فلا بد أن يجمع المسلم بين الخوف والرجاء دائماً .
والخوف والرَّجاء للمؤمن كالجناحيْن بالنِّسبة للطائر، لكنَّه يطير بهما في سماء التعبُّد لربِّه عزَّ وجلَّ ، ولابدَّ من تَحقيق التَّكافؤ والتَّوازُن بين الخوْف والرَّجاء ؛ حتَّى تستقيمَ حياة المؤمن في الدُّنيا، ويفوز بالنَّعيم في الآخرة ؛ فالمؤمن يرجو رحمة ربه ويخاف عذابه، ويتقيه دائماً، فلا يقنط ولا يأمن، ويجب على المؤمن أن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء حتى يلقى ربه .
والخوف المحمود ما حجزكَ عنْ محارمِ اللهِ ؛ والخوف هُو منْ أجلِّ منازل الطريق وأنفعها للقلبِ، وهو فرضٌ علينا ، والرَّجاءُ هو الاستبشارُ بجودِ وفضلِ الرَّبِّ تباركَ وتعالى، والارتياحِ لمطالعةِ كرمهِ سبحانهُ ، والرَّجاءُ يكونُ مع بذلِ الجهدِ وحسنِ التَّوكُّلِ .

قال سبحانه وتعالى :
* ... إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ (سورة الأنبياء:90).
* أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً (سورة الإسراء :57).
* أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الْأَلْبَابِ (سورة الزمر: 9).
*وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (سورة النازعات:40-41).
* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (سورة البقرة:218).
*إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُوْلَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (سورة يونس: 7-8).
* ... فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (سورة الكهف: 110).
* وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (سورة إبراهيم:14).
* وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (سورة الرحمن : 46).
* يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً (سورة الإنسان:7).
* وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ (سورة الرعد:21).
* وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (سورة الأنعام :51).
* قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (سورة الأنعام :15).
* تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (سورة السجدة:16).
* لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (سورة المائدة:28).
* إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ (سورة هود:103).
* ... وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ (سورة الأعراف:56).
* وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (سورة النساء:104).
* ... إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (سورة فاطر: 28).
* لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (سورة الأحزاب: 21).
* رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (سورة النور:37).
* يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (سورة النحل:50).

* وعن أنَسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه: أن النبي صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم دخل على شابٍّ وهو في المَوْتِ، فقَالَ: "كيف تَجِدُكَ؟ قالَ: واللهِ يا رسولَ اللهِ، إنِّي أَرْجُو اللهَ، وإنِّي أخَافُ ذُنُوبِي"، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْه وسلَّم: " لا يَجْتَمِعَانِ في قَلْبِ عَبْدٍ في مِثْلِ هَذا الْمَوْطِنِ؛ إلاَّ أعْطَاهُ اللهُ ما يَرْجُو، وآمَنَهُ ممَّا يَخَافُ".
* فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ ، مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ ، مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أَحَدٌ ".
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه : رجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال : إني أخاف الله رب العالمين".
* وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة ". و"أدْلَجَ" بإسكان الدال ومعناه : سار من أول الليلِ، والمراد التشمير في الطاعة .
* وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليْه وسلَّم يقول الله عزَّ وجلَّ: " وَعزتي لا أجمعُ على عبدي خَوفينِ ولا أجمعُ له أَمْنينِ، إذا أَمِننِي في الدُّنيا أَخَفْتُه يومَ القيامةِ، وإذا خَافَنِي في الدُّنيا أَمَّنْتُهُ يومَ القيامةِ ".
* قال أبو حفص عمر بن مسلمة الحدَّاد النيسابوري: "الخوْف سِراجٌ في القلب، به يُبْصر ما فيه من الخيْر والشَّرِّ، وكل أحد إذا خفتَه هربْت منه، إلا الله عزَّ وجلَّ فإنَّك إذا خِفْتَه هربت إليه، فالخائف من ربِّه هارب إليه ".
* وقال إبراهيم بن شيبان: "إذا سكن الخوفُ القلوب، أحرق مواضع الشَّهوات منها، وطرد رغبة الدنيا عنها ".
* قال أبو عثمان الحِيري: "صِدْق الخوف هو الورع عن الآثام ظاهرًا وباطنًا ".
* وقال الصادق عليه السلام: " حسن الظن بالله أن لا ترجوا إلا الله ولا تخاف إلا ذنبك ".
* قال الامام الصادق عليه السلام : لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو ".
* وقال صلى الله عليه وآله وسلم ‏:‏ "إذا اقشعر جلد العبد من مخافة الله عز وجل تحاتت عنه ذنوبه، كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها". وفى حديث آخر‏:‏ "لن يغضب الله على من كان فيه مخافة".
* وعن الصادق عليه السلام وقد قيل له: ما كان في وصية لقمان؟ فقال: " كان فيها الأعاجيب وكان أعجب ما كان فيها أن قال لابنه: خف الله خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك، وارج الله رجاءً لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك".
* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الْكَيِّسُ (يعني العاقل) مَنْ دَانَ نَفْسَهُ يعني حاسبها ، وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأماني".
* عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ : " الْمُؤْمِنُ بَيْنَ مَخَافَتَيْنِ : ذَنْبٍ قَدْ مَضَى لَا يَدْرِي مَا صَنَعَ الله فِيه وعُمرٍ قَدْ بَقِيَ لَا يَدْرِي مَا يَكْتَسِبُ فِيه مِنَ الْمَهَالِكِ ، فَهُوَ لَا يُصْبِحُ إِلَّا خَائِفاً ولَا يُصْلِحُه إِلَّا الْخَوْفُ".
* كما قال الصادق عليه السلام: " أرج اللّه رجاءاً لا يجرئك على معاصيه، وخف اللّه خوفاً لا يؤيسك من رحمته ".
* وقال يحيى بن معاذ الرازي: "على قدر حبك الله يحبك الخلق، وعلى قدر خوفك من الله يهابك الخلق، وعلى قدر شغلك بأمر الله يشغل في أمرك الخلق".

عباد الله ، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الجمع بين الخوف والرجاء يثمر لكم العمل الصالح والإكثار من الحسنات، والتوبة من الذنوب والسيئات، فكونوا دائما بين الخوف والرجاء ولا تغفلوا عنه.
وخير الناس عند الله تعالى هم الأشدُّ خوفاً منه، والخوف هو رأس الحكمة، وأصل خير الدنيا والآخرة، ومصدر حب الله تعالى للعبد، وسجن النفس عن المعاصي ، والرجاء المستحسن والمحبوب هو تهيأة كافة الأسباب التي يمتلكها الإنسان كما أمر الله بها واستغلالها حسب القدرة التي زوّده بها الحق المتعال بعنايته الكاملة، وحسب هدايته عز وجل ليصل إِلَى ربّ العزة بقلب سليم ، وبتعادل الخوف والرجاء تنتعش النفس، ويسمو الضمير، وتتفجر الطاقات الروحية، للعمل الهادف البنّاء.
وما هذه المآسي والأرزاء التي تعيشها البشرية اليوم من شيوع الفوضى وانتشار الجرائم، واستبداد الحيرة والقلق، والخوف بالناس إلا لاعراضهم عن اللّه تعالى، وتنكبهم عن دستوره وشريعته.
فاللهم ارزقنا خوفاً منك لا يأس معه من رحمتك، ورجاء لعفوك وجودك إنك أنت الرحمن الرحيم والجواد الكريم.

ماهر محمدي يس / خبير تقني الأشعة والتصوير الطبي
عضو شبكة تعريب العلوم الصحية
منظمة الصحة العالمية – شرق المتوسط