من المؤمنين رجال ... يتكلمون في الليل ... بغير ما يتكلمون به في النهار ...
و منهم من يتكلم في غزة كلاما ... لو سافر إلى القاهرة أو الرياض أو سمح له بالانتقال إلى الضفة لأشكل عليه الأمر و تكلم مختارا محبا غير مجبر و لا كاره بكلام على خلاف كلامه الأول تماما ...
و منهم من يحب هذا اللاعب الرشيق الحاذق مسجل الأهداف الذي يربح و يربح الناس معه يربح معه صاحب الفول و الطعمية و صاحب المقهى و بائع الجريدة و تربح معه الأخت مغنية الأعراس عبسية مداحة النبي فإذا شُد عصبه أو التوى كاحله أو كسرت قصبة ساقة لعن المحبون الأوائل تلكم الساق و أختها السليمة ...
من المؤمنين رجال ... ألفوا بذلاتهم و ربطات أعناقهم و أحذيتهم و عطورهم و مقاهيهم و بيوتهم و مكيفاتها و ألفوا طاولات طعامهم ... فهم دائموا التقلب و طويلوا الحيرة و الدهشة يتابعون الأحداث و يسيرون إلى ظل كل من وقف و يتركون سوق كل من علق من عرقوبه و سيق ذليلا ... ولو كان شريفا شهيدا طيبا ...
من المؤمنين رجال لا تأبه بهم الأرض التي يمشون عليها و لا الشمس التي تطيف فوق الهامات الصلعاء و لا المطر و لا الربيع و لا السنونو و لا يحبهم القطار العابر ... لا يحبهم الوطن و لا يحبهم النشيد و لا ختم الدولة و لا يحبهم حتى المارون بين الكلمات العابرة ... إلا بقدر مايكونون مثل الذباب و القراد و القمل و القيح و التعب و ألم الأضراس ... بين ثنايا ثياب و على عواتق الإخوة الذين يذودون عن البئر و الخيمة و التراث ...
و لا أرى العيب فيهم هم ... أو بالأحرى فإن عيبهم أكبر من أن يرى عيبا أو تشعر به نفس سليمة المشاعر لشدة فظاعته و فداحة و قسوة أثره ... إنما العيب فيمن يستمع إلى نقيقهم الناشز الأليم ... و يسايرهم و يسكت عن باطلهم و يقرأ جرائدهم و يقتات من كذبهم في الانتخابات بل و يختارهم ... لعله ينزاح إليه هو الآخر لونهم ليصير منهم ... و يقفز إلى نفسه من خلال عيونهم و حناجرهم و ألوان أكتافهم ... من ترددهم و أهازيجهم و أحلامهم حول الأحذية و طاولات الطعام و مزامير السيارات العابرة مابين الأزقة المتفتتة الفانية يعبرون إلى الأوطان التي لا رايات لها ... الأوطان التي لا بنايات لها ... الأوطان التي لا شعوب تحرسها و لا كرامة تنبت على شرفاتها النائية في تراتيل الأحلام الحزينة .