في أوطاننا ... انتبه أولو الأمر إلى ضرورة تنشئة أجيال من القراء و الجند و الحرس الذين يتراصون دعما لبناء يملكه أفراد قلائل ... باستعمال وسائل شتى ... التعليم و التكوين و الثقافة و الصحافة و الدعاة و الأئمة و ربط الأسر و أربابها بحركة دواليب الدولة الاقتصادية حتى لا ينفكوا عنها و لا يصير لديهم خيار إلا في موافقتها و شرب خمرها أو على الأخف في ترك معارضتها و الصبر على أذاها و صولا إلى الذود عنها و النشاط في ترديد أهازيجها و قراءة أسفارها المرصوفة على امتداد رفوف مناسبات السنة الوطنية و الدينية ...
طبعا بالإضافة إلى شد دعائم الحكم بما يكفي من البنادق و الدبابات داخل محيط الدولة و على حوافها الخارجية و زرع الثعالب مرهفة الأحاسيس ذات الحواس المعدلة و المطورة الخاصة حتى تشتم كل رائحة رغبة في حرية أو ترى أدنى بصيص شمعة أمل تترعرع مابين حطام الأمة الفاني من الآثار و التراتيل و الترانيم التي تتغنى بالسيد المسيح عليه السلام و بالتقي النقي الزكي الفاضل محمد عليه أفضل الصلاة و السلام و التي تهز في مجملها مضاجع الكسل و ترج مراجل الكرامة في الجماجم اليابسة المتداعية ...
في هذا الوطن تاج تلمع أحجاره و تتهادى حسانه عبر القصور البيضاء المزينة و تسمع صلصلة الأجراس و هسهسة تذخير الرشاشات قريبا و بعيدا تحرس عرش السيد الغالب و معبد أمينه الفاضل الذي يطبخ له الفتاوى و يمدها و يقص منها حتى لا ترى للسيد الحاكم حركة و لا سكنة إلا ووجدت لها من الشريعة عشا تأوي إليه و كبدا حرى تقتات عليها تحت تصفيق جماهير العشاق و رضاهم و تكفيرهم بين اليدين البيضاوين اللتين تنفقان ليلا و نهارا ...
و في هذا الوطن ... سيد غيره أخضر الأثواب بعيد الغضب قريب الرضى الحليم الوسيم الجسيم اللحيم ... أوتي بسطة من الجسم و البارود ... اعتاد سمع و طاعة الأفراد و الجند فهو يختار للولاية و الخدمة كل عسكري ظل مطيعا و يظل إلى أن تمضي به الأيام و يصرعه جبروت الحمام ... و لو ثارت ثائرة هنا أو هناك اليوم أوغدا ... التوى الجسد و تلون و تمخض و تحول و طالت منه العنق و قصر الذراع و صاح بين المنشدين أثناء ارتفاع الموجة و احتدام الصرير ... و هو دائم الهمس و اللمس و التحسس و الافتراء و البهتان و الإذعان ... ثم أحاط بكتلة الشبان اليافعين و من معهم و من فوقهم و من بكى من أجل موتهم و من أطعمهم ثم ابتلعهم و لفظهم إلى الزنازين و المعسكرات و سلط عليهم الكلاب تنبح في وجوههم و تنهش أعراضهم و تسميهم كما تشاء ... و في ظلمة الأحداث و اختلاط الًأصوات و زفير الطلقات تمتد الأيادي الآثمة هذي في شمالها سلاح و تلك في شمالها خاتم و يعقدون العزم و يتنادون لحلف أسود مرباد كالكوز مجخيا ... من أجل أن يواصل ثعبان القحط و الزيف و الكسل زحفه إلى القلوب الناسية و الأنفس التي خارت من شدة الصمت و الخضوع . شكرا .