آخـــر الـــمـــشـــاركــــات

+ الرد على الموضوع
النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: هل قال النبى إن الساعة ستقوم فى حياته؟

  1. #1
    أستاذ بارز الصورة الرمزية إبراهيم عوض
    تاريخ التسجيل
    21/12/2007
    المشاركات
    828
    معدل تقييم المستوى
    17

    افتراضي هل قال النبى إن الساعة ستقوم فى حياته؟

    هل قال النبى إن الساعة ستقوم فى حياته؟
    إبراهيم عوض
    ‏(ردا على المستشرق الفرنسى پول كازانوڤا)‏

    فى كتابه: "‏Mohammed et la Fin du Monde‏" (مكتبة پول ‏چيوتنيه/ باريس 1911م)، الذى ظللت أبحث عنه عشرات الأعوام، ولم أعثر على ‏نسخة منه (ضوئية) إلا منذ سنة تقريبا، يقول المستشرق الفرنسى پول كازانوڤا ‏‏(‏Paul Casanova‏)، ضمن ما يقول، إن من حقه كإنسان غير مسلم أن يشير ‏إلى ما يقول إنها أخطاء محمد. جاء هذا الكلام فى سياق تفتيشه عن السر فى أنه ‏صلى الله عليه وسلم لم يحدد للمسلمين الطريقة التى تنتقل بها السلطة من بعده ‏إلى غيره من المسلمين، إذ كان الرسول، كما يقول، يؤمن بأنه لن تكون هناك ‏حاجة أصلا لأن يخلفه أحد، إذ سوف تقوم القيامة فى حياته وينتهى كل شىء. ‏لقد كان يظن أنه هو الذى بشر المسيح بظهوره عند نهاية العالم.‏
    فأما أن من حق كازانوڤا أن ينظر إلى النبى محمد عليه الصلاة والسلام بعين ‏غير عيون المؤمنين به فهذا من حقه، إذ إن ديننا لا يطالب الناس بالخرور على ‏وجوههم صما وبكما وعميا مؤمنين به وبنبيه وكتابه دون عقل أو تفكير. ولكننا ‏من جهة أخرى نقول له: ابحث كما تشاء، وفكر كما تشاء، ولكن عليك أن ‏تتخلص من تعصبك وتحاول أن تقترب بإخلاص نية وقوة عزيمة مما أتى به محمد ‏صلى الله عليه وسلم وأن تقول كلاما لا يدابر المنطق ويخاصم العقل ويتحداه ‏ويفتئت على وقائع التاريخ فتأتى بتفسيرات بهلوانية تتعامى عن الحقائق الناصعة. ‏بل من حق كازانوڤا أن يكفر بمحمد حتى لو ظهر له الحق ساطعا فى الآفاق، ‏لكن لا يصح أن يلف ويدور محاولا استغفال قرائه بسَوْق أدلّة مضحكة لا ‏يقتنع العقلاء بها. إن أحدا لن يحاسبه على كفره بالإسلام، لكننا سوف نقهقه ‏من بهلوانياته كثيرا. ‏
    وأما أن الرسول لم يهتم بأمر حكم المسلمين من بعده فهذا غير صحيح، بل ‏تناولها القرآن والحديث، ولكنهما اكتفيا فى هذا الميدان بإرساء المبادئ العامة ‏لأن أساليب الحكم تختلف من عصر لعصر، والعبرة بالقيم الكريمة التى ‏تحكمها من عدل وشورى واحترام للرعية وسهر على مصالحها وعدم ظلمها أو ‏الانحياز لطائفة أو طبقة منها على حساب طبقة أخرى بدون داع. وقد تكلم ‏القرآن عن الشورى مثلا فى أكثر من موضع فيه. كما طبقها الرسول تطبيقا فى كل ‏تصرفاته ومواقفه السياسية ما لم يكن نزل عليه بشأن الأمر وحى من السماء. ‏وكان الصحابة على مستوى هذا المبدإ فى حياته وبعد مماته صلى الله عليه وسلم. ‏كما تحدث الرسول عن وجوب الرفق بالرعية والعمل على مصلحتها وعدم إرهاقها ‏بما يثقل كاهلها، وبين أن هناك حكاما سوف يأتون من بعده لا يراعون مبادئ ‏الإسلام، وأثنى عليهم شرا وحذر منهم وخَوَّفهم العاقبة الأليمة التى تنتظرهم يوم ‏الحساب. كما نهى الحاكمَ أن يضرب أبشار رعيته أو يأكل مالها أو يظلم أحدا ‏منها بل حذر من ظلم أهل الذمة. أما أنه صلى الله عليه وسلم لم يحدد شخصا ‏بعينه ليخلفه فى الحكم من أهله فهذا أمر طبيعى لأن الله لم يختره للنبوة كى ‏يحولها إلى مكسب شخصىٍّ وأُسْرِىٍّ. كذلك منع الرسول المسلم من التطلع إلى ‏الحكم والتهافت عليه على غير رغبة الناس قائلا إنه لا يولِّى أحدا ولايةً بناء على ‏تشوُّفه وتحرُّقه إليها. ‏
    وعلى الناحية الأخرى نهى صلى الله عليه وسلم عن الخروج على الحاكم ‏متى اتفقت الرعية عليه، وهو ما تجرى عليه الأمم الديمقراطية الآن حين تختار ‏الأغلبيةُ حاكم الدولة، فلا يصح حينئذ أن يخرج أو يتمرد أو ينقلب عليه أحد ‏ممن لم ينتخبوه بحجة أنهم لا يريدونه، إذ متى تم انتخابه فلا اعتراض عليه من ‏هذه الجهة. ولو كان الرسول الكريم قد فعل ما يريده كازانوڤا ما سَلِم أبدا من ‏لسان كازانوڤا وضربائه واتهموه بأنه إنما ادعى النبوة كى يحوز السلطان ويورثه ‏لأهله من بعده. ولقد كان عليه السلام حازما جازما حين عرض عليه المشركون ‏فى مكة توليتهم إياه عليهم، إذ أبى وأعلن فى حسم أنه نبى لا يريد منهم الخضوع ‏لسلطانه بل الانصياع لدعوة الحق التى أتاهم بها. فهو إذن يجرى على ذات المبدإ ‏منذ أوائل نبوته حتى وفاته صلى الله عليه وسلم. ‏
    صحيح أن هناك حديثا يقول: "بُعِثْتُ أنا والساعة كهاتين" (وأشار الرسول ‏بإصبعين متجاورين من أصابعه)، لكنى أفهم مرالحديث الكريم على أنه لا نبى ‏بعده، ومن هنا فلن يفصل أحد من النبيين والمرسلين بينه وبين يوم القيامة، فقد ‏روى أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كَانَتْ بَنُو ‏إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي". ‏ولايمكن فى الواقع أن يكون معنى الحديث غير هذا، فقد تحدث القرآن، الذى ‏ينسب كازانوڤا تأليفه إلى محمد، عن عالمية الإسلام وأن محمدا رسول إلى الناس ‏جميعا، فكيف سينتهى العالم مع موت الرسول، والإسلام لم يفتح العالم بعد؟ كما ‏تنبأ النبى بأن الأرض سوف تُزْوَى لدينه فيبلغ منها ما بلغ الليل والنهار، بمعنى أنه ‏سوف ينتشر فى كل الآفاق. فكيف يحدث هذا إن صح ما يهرف به كازانوڤا من ‏سخف؟ وكيف لم تَثُرْ فتنة وتنازع بين المسلمين حين يَرَوْن أن نبيهم الذى أكد ‏لهم قيام الساعة قبل موته قد مات دون أن تقوم الساعة؟ ‏
    كذلك لو كانت الساعة ستقوم فى حياة النبى عليه السلام فلم كان جوابه فى ‏كل مرة يسأله فيها الكفار أو يستفسر المسلمون عن ميعادها أنه لا يعرف عن ‏ذلك الأمر شيئا إذ هو من الغيب الذى لا يعلمه سوى الله سبحانه؟ وقد تكرر ‏هذا فى القرآن الكريم وفى الحديث الشريف كليهما: قال تعالى "يسألونك عن ‏الساعة: أيَّان مُرْسَاها؟ فيمَ أنت مِنْ ذكراها؟ إلى ربك منتهاها"، وسأله ذات مرة ‏أحد الصحابة عنها، فرد قائلا: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل". ولو كان كلام ‏كاذابونا صحيحا لكان رده عليه السلام أنه لا وقت هناك لا للمماحكة والجدال ‏ولا للاستفسار والسؤال، فالساعة فى طريقها إلى الانفجار فى غضون سنوات ‏معدودات. ثم لو كان الأمر كذلك فلم كانت كل تلك المعارك مع المشركين واليهود ‏والروم والصراعات مع المنافقين إذا كانت الدنيا ستخرب تماما فى أعوام قلائل؟ ‏
    وحين كان الكفار يستعجلون محمدا العذاب الذى يهددهم القرآن به كان ‏رد القرآن: "وإمّا نُرِيَنَّك بعض الذى نَعِدهم أو نتوفينَّك فإنما عليك البلاغ، ‏وعلينا الحساب". ومفهوم هذا النص، الذى تكرر فى القرآن بمعناه، هو أن ‏العذاب الذى تُوُعِّد به الكفار قد يتأخر إلى ما بعد وفاة الرسول. ولو كانت القيامة ‏ستقوم فى حياته لكان سَخَرُ المشركين منه عظيما، وحَقَّ لهم، إذ يَرَوْنَه قد رجع فى ‏كلامه وقال إن القيامة قد تتأخر إلى ما بعد وفاته. وهذا السخر لم يحدث، لسبب ‏بسيط هو أنه عليه السلام لم يقل قط إنها سوف تقوم أثناء حياته.‏
    ثم لدينا حديث النبى لزوجاته أنّ أسرعهن لحوقا به إلى العالم الآخر هى التى ‏صفاتها كذا بما يدل على أنه سيموت وتبقى زوجاته بعده زمنا. عن عائشة أنه صلى ‏الله عليه وسلم قال: "أسرعكن‎ ‎لحاقًا بي أَطْوَلُكُن يدًا. قالت: فكنّ يتطاولْنَ ‏أيَّتُهنّ أطولُ يدًا. قالت: فكانت أطولَنا يدًا زينبُ. لأنها كانت تعملُ بيدِها ‏وتصَّدَّقُ"‏‎ .‎ومثله الحديث التالى، وهو عن فاطمة. قالت عائشة: "ما رأيت أحدا ‏أشبه سَمْتًا ودَلًّا وهَدْيًا برسول الله في قيامها وقعودها من‎ ‎فاطمة‎ ‎بنت رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم. قالت: وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام ‏إليها فقبَّلها وأجلسها في مجلسه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها ‏قامت من مجلسها فقبَّلته وأجلسته في مجلسها. فلما مرض النبي صلى الله عليه ‏وسلم دخلت‎ ‎فاطمة‎ ‎فأَكَبَّتْ عليه فقبَّلَتْه ثم رفعت رأسها فبكت ثم أَكَبَّت عليه ‏ثم رفعت رأسها فضحكت، فقلت: إنْ كنتُ لأظنّ أن هذه من أعقل نسائنا، فإذا ‏هي من النساء. فلما تُوُفِّيَ النبي صلى الله عليه وسلم قلت لها: أرأيتِ حين أَكْبَبْتِ ‏على النبي صلى الله عليه وسلم فرفعتِ رأسك فبكيتِ، ثم أكببتِ عليه فرفعتِ ‏رأسكِ فضحكتِ، ما حملك على ذلك؟ قالت: إني إذن لبذرة. أخبرني أنه ميت من ‏وجعه هذا، فبكيت. ثم أخبرني أني أسرع أهله لحوقا به، فذاك حين‏‎ ‎ضحكتُ".‏
    ثم ماذا عن النبوءات الأخرى الخاصة بفتح فارس والروم كقوله عليه ‏السلام مثلا: "إذا‎ ‎فُتِحَت‎ ‎عليكم‎ ‎فارسُ‎ ‎والرُّومُ أيُّ قومٍ أنتم ؟ قال عبدُ الرَّحمنِ ‏بنُ عَوفٍ: نقول كما أمرَنا اللهُ. قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أو غير ذلك. ‏تتنافَسون ثم تتحاسَدون ثم تتدَابرون ثم تتباغَضون أو نحوَ ذلك ثم تنطلِقون في ‏مساكينِ المهاجرِينَ فتجعلون بعضَهم على رقابِ بعضٍ"؟ وكيف يمكن أن يقف ‏المسلمون الأوائل ساكتين، وقد مات نبيهم دون أن تُفْتَح فارس والروم كما ‏خَبَّرَهم؟ ‏
    وماذا عن الإشارات التالية وأمثالها عن الساعة: "لا تقوم الساعةُ حتى ‏تقتتلَ فئتانِ عظيمتانِ يكونُ بينهما مقتلةٌ عظيمةٌ دعوتُهما واحدةٌ، وحتى يُبْعَثَ ‏دجَّالونَ كذَّابونَ قريبٌ من ثلاثين كلُّهم يزعمُ أنَّهُ رسولُ اللهِ، وحتى يُقبضَ العِلمُ، ‏وتكثُرَ الزلازلُ، ويتقارب الزمانُ، وتظهرُ الفِتنُ، ويكثُرَ الهرْجُ، وهو القتلُ، وحتى ‏يكثُرَ فيكمُ المالُ فيفيض‏‎ ‎حتى يهِمَّ ربُّ المالِ من يقبلُ صدقتَه، وحتى يعرِضَه، ‏فيقول الذي يعرضُه عليه:‏‎ ‎لا أَرَبَ لي به، وحتى يتطاولَ الناسُ في البنيانِ، وحتى ‏يمرَّ الرجلُ بقبرِ الرجلِ فيقول: يا ليتني مكانَه، وحتى تطلعَ الشمسُ من مغربها، ‏فإذا طلعت ورآها الناسُ آمنوا أجمعونَ. فذلك حين‏‎ ‎‏"لَا‎ ‎يَنْفَعُ نَفْسًا إِيْمَانُهَا لَمْ ‏تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيْمَانِهَا خَيْرًا". ولتقومنَّ‎ ‎الساعةُ‎ ‎وقد نشر ‏الرجلانِ ثوبَهما بينهما فلا يتبايعانِه ولا يطويانِه. ولتقومنَّ‎ ‎الساعةُ‎ ‎وقد انصرف ‏الرجلُ بلبنِ لَقْحَتِه فلا يَطْعَمُه. ولتقومنَّ‎ ‎الساعةُ‎ ‎وهو يُلِيطُ حوضَه فلا يسقي فيه. ‏ولتقومنَّ الساعةُ‎ ‎وقد رفع أُكْلَتَه إلى فيه فلا يَطْعَمُها"، "لا تقوم الساعة حتى ‏تقاتلوا التُّركَ صِغارَ الأعيُنِ تقاتلوا قومًا نعالُهم الشَّعرُ"؟
    وماذا نفعل بما جاء فى القرآن من أن الإسلام سوف ينتشر وينتصر على ‏الأديان: "هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق لينصره على الدين كله ولو كره ‏الكافرون"، وهو ما تكرر فى القرآن مرتين بنفس الألفاظ تقريبا: مرة فى "التوبة"، ‏ومرة فى "الصف"؟ ثم ماذا عن أحاديث آخر الزمان، ومؤداها أن الزمن سوف ‏يتطاول ويتطاول حتى يقع كذا وكذا مما أنبأهم به صلى الله عليه وسلم؟ وماذا ‏نصنع مع قوله صلى الله عليه وسلم مثلا إن الأمم سوف تتداعى على المسلمين ‏كتداعى الآكلين إلى القصعة رغم أنهم آنذاك سيكونون كثيرين كثرة السيل، وهو ‏ما لم يحدث إلا بعد قرون حين استطاع الغرب أن ينهض من تخلفه ويفتح الدنيا ‏ويقسمها بين دوله وتُسْتَعْمَر معظم بلاد المسلمين، ومنها ما حدث فى فلسطين ‏حين امتلخها اليهود بمعاونة الدول الغربية من أهلها وفعلوا بهم الأفاعيل وما ‏فتئوا حتى يوم الناس هذا، ومنها ما حدث للعراق حين تجمعت الجيوش من كثير ‏من بلاد العالم وحطموه ومزقوه على أعيننا جميعا، وما زال الحبل على الجرار مع ‏غيره من بلاد المسلمين؟ ‏
    نعم كيف كان يمكن أن يتم هذا دون أن يمتد الزمان بأمة الإسلام بعد ‏وفاة النبى عليه السلام، أى دون أن تقوم القيامة مع موته؟ وما العمل مع قوله ‏تعالى، الذى يزعم كازانوڤا أن محمدا هو صاحبه: "وما محمد إلا رسول قد خَلَتْ ‏من قبله الرسل. أفإن مات أو قُتِل انقلبتم على أعقابكم؟ ومن ينقلبْ على عقبيه ‏فلن يضرَّ اللهَ شيئا"؟ أليس معناه بكل جلاء وسطوع أن محمدا سيموت قبل ‏أمته، بما يعنى أن القيامة لن تقوم مع وفاته؟ ولنكن على ذكر من أن ذلك قد وقع ‏كما ألمح القرآن، فاستغرب عمر أن يموت النبى، وظن فى البداية أنه إنما ذهب ‏للقاء ربه وسيعود كما عاد موسى من لقائه بربه فوق الجبل. ولنسمع أيضا هذا ‏الحديث النبوى الكاشف:‏‎ ‎‏"أنا فَرَطُكم على الحوضِ. ولأنازعن أقوامًا ثم لأغلبن ‏عليهم، فأقولُ: يا ربِّ،‎ ‎أصحابي‎ ‎أصحابي!‏‎ ‎فيقالُ: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك". ‏أى أن الدنيا لن تنطوى صفحتها بموت الرسول بل سيكون هناك "بَعْدٌ" يُحْدِث فيه ‏ناسٌ ينتسبون إليه ما يُغْضِب ربَّهم عليهم.‏
    ويشبه هذا الحديث فى مسألة "البَعْدِيّة" ما رُوِى عن العرباض بن سارية. ‏قال: "صلَّى بِنَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ الصبحَ ثُمَّ وعظَنَا موعظةً بليغةً ‏ذرَفَتْ مِنها الأعينُ ووجِلَتْ مِنها القلوبُ، فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ، كأنَّها موعظةُ ‏مُوَدِّعٍ. فأوْصنا. قال: أوصيكُمْ بتقْوَى اللهِ عز وجل والسمعِ والطاعةِ، وإنْ كان ‏عبدًا حبشيًّا. فإنَّهُ مَنْ يعشْ مِنكمْ بعدِي فسيَرَى اختلافًا كثيرًا. فعليكُمْ بسنَّتِي ‏وسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديينَ‎ ‎مِنْ‎ ‎بَعْدي،‎ ‎وعضُّوا عليها بالنواجذِ، وإيَّاكُمْ ‏ومحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٍ".‏
    ويشبهه أيضا أنه صلى الله عليه وسلم كان عنده يوما نفر من قريشٍ فقال ‏لهم: "ألا إنَّكم وُلاةُ هذا الأمرِ‎ ‎مِن‎ ‎بعدِ‎ ‎، فلا أعرِفُني ما شَقَقْتُم علَى أمتي من ‏بعدي.‏‎ ‎اللَّهمَّ مَن شَقَّ على أُمَّتي فَشُقَّ علَيهِ"، وكذلك ما روته عائشة من قوله عليه ‏السلام لها: "إن قومَكِ استقْصَروا مِنْ بنيانِ البيْتِ. ولولا حَدَاثَةُ عهْدِهِمْ بالشِّرْكِ ‏أعدتُ ما تركوا منه. فإِنْ بدَا لقومِكِ‎ ‎مِنْ‎ ‎بعدِي أن يَبْنُوه فهَلُمِّي لأُرِيَكِ ما تَرَكُوا ‏منه. فأرَاها قريبًا مِنْ سبْعَةِ أذرُعٍ". ومثله "إنَّ الدِّينَ ليأرِزُ إلى الحجازِ كما تأرِزُ ‏الحيَّةُ إلى جُحْرِها وليعقلنَّ الدِّينُ منَ الحجازِ معقِلَ الأرويَّةِ من رأسِ الجبلِ. إنَّ ‏الدِّينَ بدأَ غريبًا ويرجِعُ غريبًا، فطوبَى للغرباءِ الَّذينَ يُصلِحونَ ما أفسدَ ‏النَّاسُ‎ ‎مِن‎ ‎بعدي‎ ‎مِن سُنَّتي"، "سيكونُ أُمَراءُ‎ ‎مِن‎ ‎بعدي‎ ‎يقولونَ ما لا يفعَلونَ ‏ويفعَلونَ ما لا يُؤمَرونَ. فمَن جاهَدهم بيدِه فهو مُؤمِنٌ، ومَن جاهَدهم بلسانِه فهو ‏مُؤمِنٌ، ومَن جاهَدهم بقلبِه فهو مُؤمِنٌ. لا إيمانَ بعدَه"، "اللهَ اللهَ في أصحابي. لا ‏تتَّخذوهم غرضًا‎ ‎من‎ ‎بعدي. فمن أحبَّهم فبحُبِّي أحبَّهم، ومن أبغضهم فببُغضي ‏أبغضهم. ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذَى اللهَ ، ومن آذَى اللهَ يُوشكُ أن ‏يأخذَه".‏
    وهناك حديث أبى هريرة التالى، وهو "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ‏أتى المقبرةَ فقال: السلامُ عليكُمْ دارَ قومٍ مُؤمنينَ. وإنا إنْ شاء اللهُ بكمْ ‏لاحقونَ. وددتُ أنَّا قدْ رأينا إخوانَنا. قالوا: أوَلسنَا إخوانَك يا رسولَ اللهِ؟ ‏قال:‏‎ ‎أنتمْ‎ ‎أصحابي،‎ ‎وإخوانُنا الذين لمْ يأتوا بعدُ. فقالوا: كيفَ تعرفُ منْ لم يأتِ ‏بعدُ من أمتكِ يا رسول اللهِ؟ فقال: أرأيتَ لو أنَّ رجلًا لهُ خيلٌ غُرٌّ محجَّلةٌ بين ‏ظَهْرَيْ خيلٍ دُهْمٍ بُهْمْ، ألا يعرف خيلَهُ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ! قال: فإنهمْ يأتونَ ‏غُرًّا مُحجَّلينَ منَ الوضوءِ. وأنا فرَطُهمْ على الحوضِ. ألا ليُذَادَنَّ رجالٌ عنْ حوضِي ‏كما يُذَادُ البعيرُ الضالُّ. أُناديهم: ألا هَلُمّ! فيقال: إنهمْ قد بدَّلوا بَعْدَكَ. فأقولُ: ‏سُحْقًا سُحْقًا". ومثله: "اللهَ اللهَ في قِبْطِ مصرَ، فإنكم ستظهرون عليهم، ‏ويكونون لكم عُدَّةً‎ ‎وأعوانًا‎ ‎في سبيلِ اللهِ". ‏
    ومثله حديث حذيفة بن اليمان: "كان الناسُ يَسأَلونَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ ‏عليه وسلَّم عنِ‎ ‎الخيرِ، وكنتُ أسأَلُه عنِ الشرِّ مَخافَةَ أن يُدْرِكَني، فقلتُ: يا رسولَ ‏اللهِ، إنا كنا في جاهليةٍ وشرٍّ، فجاءنا اللهُ بهذا‏‎ ‎الخيرِ، فهل بعدَ هذا‏‎ ‎الخيرِ‎ ‎من شرٍّ؟ ‏قال: نعمْ. قلتُ: وهل بعدَ ذلك الشرِّ من‏‎ ‎خيرٍ؟ قال: نعمْ، وفيه دَخَنٌ. قلتُ: وما ‏دَخَنُه؟ قال: قومٌ يَهْدُونَ بغيرِ هَدْيِي تَعرِفُ منهم وتُنكِرُ. قلتُ: فهل بعدَ ‏ذلك‎ ‎الخيرِ‎ ‎من شرٍّ؟ قال: نعمْ، دُعاةٌ‏‎ ‎على‎ ‎أبوابِ جَهَنَّمَ. مَن أجابهم إليها قَذَفوه ‏فيها. قلتُ: يا رسولَ اللهِ صِفْهم لنا. قال: هم من جِلدَتِنا، ويتكَلَّمونَ بألسِنَتِنا. ‏قلتُ: فما تأمُرُني إن أدرَكني ذلك؟ قال: تَلزَمُ جماعةَ المسلمينَ وإمامَهم. قلتُ: ‏فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمامٌ؟ قال: فاعتَزِلْ تلك الفِرَقَ كلَّها، ولو أن تَعَضَّ ‏بأصلِ شجرةٍ، حتى يُدرِكَك الموتُ وأنت‎ ‎على‎ ‎ذلك". ومثله كذلك الحديث الذى ‏رواه عتبة بن غزوان، ونصه: "إنَّ مِن ورائِكم أيامَ الصَّبرِ. لِلمُتَمَسِّكِ فيهنَّ ‏يومئذٍ بما أنتم عليه‎ ‎أجرُ‎ ‎خمسين منكم. قالوا: يا نبيَّ اللهِ، أو منهم؟ قال، بل ‏منْكم".‏
    ثم أين فى القرآن المجيد أو فى الحديث الشريف ما يربط بين موت الرسول ‏عليه السلام وبين قيام الساعة؟ أتحدى أى كازانوڤا أو كاذابونا أن يأتينا بشىء ‏من ذلك. وهذا هو النص القرآنى الوحيد الذى يشير إلى إخبار السيد المسيح ‏بمجىء نبينا من بعده برسالة السماء: "وإذ قال عيسى بن مريم: يا بنى إسرائيلَ، إنى ‏رسول الله إليكم جميعا مصدِّقًا لما بين يدىَّ من التوراة ومبشِّرًا برسولٍ يأتى من ‏بعدى اسمُه أحمدُ". وكما نرى جميعا ليس فيه أى ربط بينه وبين وقوع الساعة. ‏بل إن النص الذى يعتمد عليه المسلمون فى القول بتنبؤ المسيح بمحمد عليهما ‏السلام ليخلو من هذا الربط تماما. يقول يوحنا فى الإصحاحات الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر على ‏التوالى من إنجيله على لسان السيد المسيح: "وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي ‏سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ"، ‏‏"وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ ‏الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي"، "لَكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، ‏لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلَكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ"‏‎.‎
    ليس ذلك فحسب، بل إن القرآن والرسول ليخطِّئان، بدلا من ذلك، ‏النصرانية فى بعض الأشياء، ويؤكدان أن عيسى عليه السلام ما هو إلا عبد لله ‏ونبى من أنبيائه وأنه لم يصلب بل رفعه الله إليه أيا كان معنى الرفع: هل هو ‏بالجسد أم بالمكانة والمجد؟ إن كلام كازانوڤا ليوحى بأن النبى كان يجد فى ربط ‏نفسه بعيسى عليه السلام مفخرة مع أنه صلى الله عليه وسلم رغم تواضعه قد ‏بين ما خص الله به دينه من امتيازات فاق بها أديان إخوانه الرسل جميعا بما فيهم ‏عيسى عليه السلام: "فُضِّلْتُ‎ ‎على‎ ‎الأنبياءِ‎ ‎بسِتٍّ: أُعْطِيتُ جوامِعَ الكَلِم، ونُصِرْتُ ‏بالرُّعْبِ، وأُحِلَّت لي الغنائمُ. وجُعِلَت لي الأرضُ طَهورًا ومسجِدًا، وأُرسِلْتُ إلى ‏الخَلقِ كافَّةً، وخُتِمَ بي النبيُّونَ"‏‎.‎‏ وهناك أيضا الحديث التالى الذى يؤكد أن عيسى ‏عليه السلام متى ما عاد إلى الدنيا فلسوف يحكم بشريعة الإسلام: "لا تقومُ ‏السَّاعةُ حتَّى‎ ‎ينزلَ‎ ‎فيكم ابنُ‎ ‎مريمَ‎ ‎حَكَمًا مُقْسِطًا فيَكْسِرَ الصَّليبَ ويقتلَ ‏الخنزيرَ ويضعَ الجزيةَ ويفيضَ المالُ حتَّى لا يقبلَهُ أحدٌ".‏
    ولقد فهمت، من خلال ما انتهيت منه من صفحات كتاب المستشرق ‏الفرنسى، أنه يقول بأن أتباع محمد قد غيروا فى القرآن ونقحوا بعد موته حتى لا ‏تظهر عورة نبوءته بقيام الساعة فى عهده. وهذا هو السخف بعينه، إذ لا دليل على ‏ما يقول ولا نص ولا وثيقة. ثم كم من الوقت يا ترى أخذ أولئك المنقحون حتى ‏أتموا مهمتهم الشيطانية هذه؟ وأين ومتى فعلوا ذلك؟ ومن يا ترى قام بذلك ‏العمل؟ وأين النصوص التى كانت موجودة فى الأصل فحذفوها، والنصوص التى ‏وضعوها مكانها لتدارى العورة التى كانت موجودة؟ وكيف فى ذلك الزمن المتقدم ‏استطاعوا أن ينجزوا تلك المهمة العجيبة، فيضعوا أيديهم على النصوص التى ‏تدين رسولهم وغيروها بنصوص أخرى تستر تلك العورة؟ لا يوجد طبعا شىء ‏كهذا ولا يمكن أن يوجد لأنه لم يحدث إلا فى تخيلات كازانوڤا الباطلة ‏وبهلوانياته المتساخفة. إنه لو حدث شىء من هذا لكانت فتنة وهياج ومعارك. ‏ونحن نعرف أن من المسلمين من لم يقبل جمع عثمان المسلمين على قراءة واحدة ‏رغم ما فى ذلك من خير ورغم ما قدم من خدمات جُلَّى للإسلام، فاشتعلت الفتنة ‏ولم تنته إلا بمقتله عليه رضوان الله. فكيف لو جرت أيدى العبث فى كتاب الله ‏كله حذفا وإضافة وتقديما وتأخيرا وتخليطا؟ الواقع أن كازانوڤا وأمثاله إنما ‏ينطلقون من التعصب المقيت على الإسلام يريدون أن يشيعوا التشكيك فيه ‏والتقليل من شأنه وينشروا عنه الاتهامات الزائفة الجزاف معولين على أن كثرة ‏الدوىّ فى الآذان أَمَرُّ من السحر. ‏
    ترى لو أن النبى عليه السلام كان يعتقد وينشر بين أصحابه أن الساعة ‏ستقوم فى حياته بحيث يتزامن موته ووقوعها فلم يا ترى كتب فى قرآنه الذى ألفه ‏طبقا لمزاعم كازانوڤا أنه لا يصح أن يتزوج المسلمون أزواجه من بعده أبدا؟ معنى ‏ذلك أنه سيموت قبل الساعة وتبقى زوجاته وأصحابه من بعده بحيث يمكن أن ‏يفكر بعضهم أن يأخذ هذه أو تلك من نسائه زوجة له. ولو افترضنا أن المزورين ‏الذين عكفوا على القرآن هم من أضاف هذا الشرط فلم هجست نفوسهم بهذه ‏الفكرة التى لا يمكن أن تخطر على بال أحد، والتى كانت قمينة أن تهيج نساء ‏النبى عليه السلام إذ تحرمهن من مزاولة حياتهن الفطرية لقاء لاشىء، بخلاف ‏ما لو نزل هذا الحكم من السماء، فإنهن سوف ينزلن عليه راضيات مؤمنات كما ‏حدث فعلا؟ كما كان عدد من الصحابة كُفَلاء أن يعترضوا على أمر كهذا لم يقله ‏الرسول نفسه، إذ كان هناك من يتطلع إلى التزوج بهذه أو تلك من زوجاته، ‏وبخاصة بعدما ثبت أن كلامه فشنك وأن محور رسالته قد انتقض تماما بعدم قيام ‏الساعة فى حياته.‏
    كذلك لو كان القرآن قد ربط بين قيام الساعة وموت الرسول ثم مات ‏الرسول، كما وقع فعلا، أكان الصحابة يَبْقَوْن على إيمانهم به وينطلقون فى عزم ‏وثيق يفتحون العالم؟ إن وقوع الأمر على ذلك النحو كان كفيلا بأن يُفْقِد ‏الصحابةَ اتزانهم وإيمانهم برسولهم ويبين لهم أنه إنما كان يكذب عليهم ‏فيرتدوا، أو فى أقل الليل كان من شأنه أن يحبطهم ويقضى على الأمل بين جنباتهم ‏فى الانتصار على الدنيا والدين كله فلا يفكروا مجرد تفكير فى فتح البلاد ونشر ‏الدين. لكن كازانوڤا قد أعماه التعصب، فصال وجال فى بيداء الهزل والوهم، ‏وضل عن بينة وبصيرة وسبق إصرار. ‏

    التعديل الأخير تم بواسطة إبراهيم عوض ; 24/07/2017 الساعة 11:38 PM

+ الرد على الموضوع

الأعضاء الذين شاهدوا هذا الموضوع : 0

You do not have permission to view the list of names.

لا يوجد أعضاء لوضعهم في القائمة في هذا الوقت.

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •