الأسباب التي غابت فيها الولاية التاريخية الأولى عن حضور مؤتمر "الصومام" بقيادة الشهيد عبان رمضان




تميز مؤتمر الصومام المنعقد في 20 أوت 1956 بإنشاء لجنة التنسيق و التنفيذ، و المجلس الوطني للثورة الجزائرية، غير أن أحمد بن بلة لم يعترف بالمؤتمر، لأن الثورة فصلت في قضية الزعامة، و الصراع على السلطة، بمبدأ القيادة الجماعية، فاتصل بأحمد محساس و طلب منه التوجه إلى تونس و الاتصال بقادة الولاية الأولى لتشكيل قاعدة موازية للمؤتمر من أجل مناهضة جماعة عبان رمضان، و قد حاول أحمد محساس زرع الشائعات و دعاية مضادة لمؤتمر الصومام و إيهام المجاهدين بأن الثورة استولى عليها القبائل، متهما عبان و كريم بلقاسم بإظهار ميولات بربرية



ترتبط أوراس النمامشة بقضية عاجل عجول و قصة المذياع الملغم الذي انفجر في وجه الشهيد مصطفى بن بوالعيد، و التي كانت النقطة التي أفاضت الكأس كما يقال، و حسبما جاء في شهادة الرائد عمار جرمان فإن منطقة الأوراس أنجبت أبطالا أشدّاء مثل مسعود بن عيسى و المسعود أوزلماظ التي عمّت شهرته الآفاق، و كانوا محل فخر الأجيال، لكن الأحداث التي وقعت في هذه المنطقة دفعت بالكثير إلى التزام الصمت، و ما تزال الجراح لم تندمل الى الآن، بحيث تحفظ الكثير عن كتابة تاريخ الثورة في الأوراس، و جعلوها من الأشياء المسكوت عنها، لولا جرأة واحد من المجاهدين و هو عمار جرمان في مذكراته، فقد لعب مسعود بن عيسى دورا جليا رفقة مصطفى بن بوالعيد في إيجاد الحلول لفك النزاع بين القبائل و الأعراش، كانت جبال الأوراس مأوى لرجال الثورة ( شيهاني بشير، بن طوبال، رابح بيطاط، زيغود يوسف، بوالصوف، ديدوش مراد) و كان ابناء الأوراس يسهرون على أمنهم.
بعد إلقاء القبض على بن بوالعيد ، تمت تصفية شيهاني بشير بإيعاز من عاجل عجول من أجل تولي القيادة و أخذ مكان بن بوالعيد، الجدير بالإشارة أن تصفية شيهاني بشير كانت بداية الشرخ في صرح الثورة بالأوراس، و كما جاء في الصفحة 77 من مذكراته، يقول الرائد عمار جرمان: بعد تعيين عمر بن بوالعيد قائدا لمنطقة الأوراس و محمد بوعزة نائبا له، سافر عمر بن بوالعيد رفقة مائة ( 100 ) جندي إلى منطقة القبائل و التقى هناك بالقائد عميروش، و سلم هذا الأخير ( أي عميروش) لعمر بن بوالعيد بدلة ضابط و رتبة ( عقيد) على أن يسلمها لأخيه مصطفى، و لم يكن يعلم عميروش خبر استشهاد مصطفى بن بوالعيد لأن شقيقه أخفى الخبر عنه، و هذه هي الأسباب التي غابت فيها منطقة الأوراس عن حضور مؤتمر "الصومام"، المنعقد في 20 أوت 1956، خاصة و أن أحداث الثورة في الأوراس تسارعت بعد استشهاد مصطفى بن بوالعيد، و باستشهاده زادت حدة الصراعات و المشاكل في الأوراس، أحدثت كارثة داخل الولاية، بعدما قرر كريم بلقاسم قائد الولاية الثالثة و أحد الأعضاء الخمسة الذين قرروا تفجير الثورة، تعيين محمود الشريف قائدا للولاية الأولى الأوراس.
و معروف عن محمود الشريف أنه كان ضابطا في الجيش الفرنسي قبل الثورة، ممّا دفع بمجاهدي الولاية الأولى إلى رفضه كقائد لهم، غير أن لجنة التنسيق و التنفيذ لم تتراجع عن قراراتها، و تولدت عن هذه القرارات مشاكل عديدة وسط المجاهدين و لم يعترفوا بالحكومة المؤقتة، فما كان على كريم بلقاسم إلا استحداث محكمة عليا بموافقة لجنة التنسيق و التنفيذ ( CCE) ، كذلك إيفاد العقيد عميروش إلى الأوراس لحل النزاعات، حسب شهادة الرائد الطاهر سعيداني في مذكراته، اتصل عميروش بمسؤولي الولاية الأولى لعقد الاجتماع، لتصفية الأجواء و تحقيق الصلح بين قادة الأوراس، و هنا قام مسعود بن عيسى و أخبر العقيد عميروش باستشهاد مصطفى بن بوالعيد، و ظهر من خلال تدخله عدم الاعتراف بشرعية مؤتمر الصومام لعدم حضور الولاية الأولى و عدم تمثيلها في لجنة التنسيق و التنفيذ، و من هنا بدأ الصراع المعروف بين ( الجبهة و الجيش)، كان مسعود بن عيسى من أنصار أولوية العسكري على السياسي، و كانت نتيجة الصراع تصفية 700 من أنصار مسعود بن عيسى، لأنهم آمنوا بلغة الرصاص على لغة السياسة.
فيما يوضح الأستاذ حميد عبد القادر في كتابه تحت عنوان: "عبان رمضان .. مرافعة من أجل الحقيقة"، أن القادة في البداية اتفقوا على عقد المؤتمر في منطقة البيبان، حيث كان من المفروض أن يتم اللقاء مع مبعوثي الولاية الأولى، و حينما توجه القادة رفقة مائتين ( 200 ) مجاهدا نحو البيبان، وقعوا في كمين يوم 22 جوان و دخلوا في معركة مع قوات العدو في جبال الصومام، ولما أدرك قادة الثورة السائرين نحو المؤتمر ما حدث، قرروا تغيير مكان الإجتماع، فتم الإتفاق على منطقة إيغزر أمقران، بعد أن وفر عميروش الحماية الكافية، و قد انتظر القادة الذين حضروا إلى الصومام مجيئ ممثل الولاية الأولى، و كذا أعضاء الوفد الخارجي، إلا أن هؤلاء لم يحضروا، بعد أن طال الإنتظار لمدة تزيد عن 15 يوما، اتفق الجميع على فتح أشغال المؤتمر يوم 20 أوت 1956 بحضور كل من زيغود يوسف، بن طوبال، بن عودة، علي كافي، رويبح حسين، مزهودي ابراهيم من المنطقة الثانية، كريم بلقاسم، محمدي السعيد، عميروش و قاسي مثل المنطقة الثالثة، و مثل المنطقة الرابعة أوعمران، أما المنطقة الخامسة مثلها العربي بن مهيدي، و من السياسيين حضر عبان رمضان، و انطلقت الأشغال دون حضور ممثلي المنطقة الأولى، و تم الإتفاق على أولوية السياسي على العسكري، و أولوية الداخل على الخارج، و كذا الاعتراف بالأمة الجزائرية و غير ذلك، و تميز المؤتمر بإنشاء لجنة التنسيق و التنفيذ، و المجلس الوطني للثورة الجزائرية.
لم يعترف بن بلة بالمؤتمر، لأن الثورة فصلت في قضية الزعامة، و الصراع على السلطة، بمبدأ القيادة الجماعية، فاتصل بأحمد محساس و طلب منه التوجه إلى تونس و الاتصال بقادة الولاية الأولى لتشكيل قاعدة موازية للمؤتمر من أجل مناهضة جماعة عبان رمضان، و قد حاول أحمد محساس زرع الشائعات و دعاية مضادة لمؤتمر الصومام و إيهام المجاهدين بأن الثورة استولى عليها القبائل، متهما عبان و كريم بلقاسم بإظهار ميولات بربرية، خارج المؤتمر حدثت فوضى كبيرة بسبب ما سمي بـ: "مؤامرة العقداء" داخل صفوف المجاهدين في الولاية الأولى (الأوراس) و القاعدة الشرقية ( سوق اهراس)، و حدثت حالات تمرد بين المجاهدين، لم يرض هذا الوضع عميروش الذي قرر التوجه إلى تونس، و في طريقه عرج على الولاية السادسة لإقناع سي الحواس بالذهاب معه، كون مجاهدي القاعدة الشرقية و مجاهدي الولاية الأولى كانوا ضد الحكومة المؤقتة، لكن هذه الأخيرة قامت بتسريب مكان عميروش، و انتهت باغتياله رفقة 25 مجاهدا، فيما وقع 05 آخرين في الأسر، و قد وقف عقيد فرنسي حسب ذات الشهادات على جثة عميروش و قال: " و الآن بإمكان أعضاء الحكومة المؤقتة أن يناموا في هدوء".
و الملاحظ أنه منذ انعقاد اجتماع الـ: 22 في سلامبي salambi سابقا (المدنية حاليا) في جوان 1954 إلى غاية 1961، قسّمت منطقة الأوراس إلى06 تشكيلات، ففي هذه السنة أعيد تشكيل الولاية الأولى بعد استشهاد القائد علي سوايعي، و أسفرت التشكيلة عما يلي: الطاهر زبيري قائد الولاية برتبة صاغ ثاني، عمار ملاح، و محمد الصالح يحياوي و يتبعه إسماعيل محفوظ كان الثلاثة أعضاء الولاية برتبة صاغ أول، و هي كلها رتب عسكرية، و قد استدعي أعضاء الولاية الأولى إلى مؤتمر طرابلس ، و في هذا المؤتمر صدر قرار تأسيس الدولة الجزائرية المستقلة ، و صدرت القوانين الأساسية لتنظيمها، إلا أنه وقع اختلاف في كثير من القضايا، كالإيديولوجية، و يصرح المجاهد بورزان في مذكراته أن الطاهر الزبيري و محمد الصالح يحياوي و عمار ملاح وصلهم خبر أن كريم بلقاسم استغل الجدل و الخلافات التي وقعت في مؤتمر طرابلس و دخل الجزائر قبل إنهاء المدة المحددة المتفق عليها مع الحكومة الفرنسية و هي 05 جويلية 1962 ، و سلّم مبالغ مالية للولاية الثالثة ( القبائل) دون سواها من الولايات، و قال في شهادته أن هذا التصرف الذي قام به كريم بلقاسم هو عدم احترام القوانين الأساسية للدولة الجزائرية، و أن تسليم المبالغ المالية للولاية الثالثة نابع من الفكر العنصري الجهوي و الذي نرفضه كجزائريين..الخ، و هو من أعلن رفض هواري بومدين و قايد أحمد من تولي المسؤوليات، فقد سادت "الانفرادية" في صنع القرارات و تسيير هياكل الدولة، و من ثم ضرب الشعب الجزائري في كيانه الحضاري، و في صميم وجدانه الإيديولوجي و العقائدي و الوطنية، و تكرّست قواعد الانفرادية أكثر في تسيير شؤون البلاد و في أخذ القرار.
علجية عيش