"أوجدوا لي نقطة ارتكاز ملائمة و أنا أرفع لكم الأرض" ..
---------------------------------------------------------
عبارة قالها الفيلسوف - العالم الإغريقي فيتاغورس، و هذا يعني أن التفكير العلمي يغير العالم كله، و يمكن الإنسان العاقل ، و الإنسان الواعي من القضاء على كل الدكتاتوريات و السياسات الفاشلة، و كل أنواع الاستغلال للبشر، و يخلق مجتمعا منسجما متكاملا، ، ثمة فرق طبعا بين الإنسان العاقل و الإنسان الواعي كما أسلفنا سابقا، فالإنسان العاقل ليس بالضرورة إنسان واعي، لأن العاقل هو صحيح عضويا، أي أنه لا يعاني من اضطرابات عقلية ( غير مجنون)، و قد سار على هذا النهج الفيلسوف مالك بن نبي عندما تحدث عن الحضارة، و كيف قضى الإنسان على حضارته، لأنه تبنى فكرا مستبدا يقوم على تدمير أخيه الإنسان ، و الحاكم المستبد يخشى من الإنسان المُفَكِّرِ، أو بالأحرى يخشى من الفكر نفسه، باعتباره المحرك الأساسي لعملية التغيير في المجتمع، و خلق فيه الوعي و الإدراك، و يدفعه إلى الانضباط في حياته اليومية، و العملية و بالتالي يدفعه إلى العمل المنظم، و التفكير لا يحتاج إلى شهادة علمية، و باستطاعة كل منّا أن يفكر في ما يحيط بحياته، و لو أجرينا سبر آراء لوقفنا على هذه الحقيقة، طالما الله زوّد الإنسان بعقل يفكر به و يزن به الأمور، لكن ما ينقص هذا الإنسان هو التفكير العلمي الذي تحدث عنه العلماء و الفلاسفة..
نعم ما زلنا نفتقر إلى التفكير العلمي و تنظيم حياتنا المهنية تنظيما علميا، و حتى في سلوكاتنا اليومية مع الآخر، فتجدنا نعيش حياة الفوضى في كل مكان، في البيت، و العمل و حتى في الجامعة، لأننا لا نملك النظرة العلمية للأشياء، و فشلنا في تطبيقها ميدانيا، و لنأخذ مثالا بسيطا، كثير من الشعوب لا تحترم الوقت ، و بالخصوص في الجزائر، فعادة ما نهدر الساعات في الملتقيات العلمية أو الندوات، و نحن ننتظر وصول المسؤول مثلا لحضور الملتقى، ثم نسمع عبارة " فترة راحة" pause cafe بمجرد افتتاح الملتقى، و كما نعلم كم تأخذ هذه الفترة من وقت في التعارف و ارتشاف القهوة و تبادل الحديث و..و..و..الخ ، ( يا جماعة وكتاه غلبتو حتى دّيرو بوز كافي؟) ،و لأننا لا نملك ما يسمى بـ: l’esprit scientifique ، فإننا نهدر الوقت الكثير، يمكن الاستثمار فيه عند الشعوب الأخرى مثل الصين و اليابان.
هذا من الناحية المهنية، أما من الناحية السياسية، فالفكر المستبد يسعى و بكل الطرق و الوسائل للقضاء على الفكر المنظم ( الفكر العلمي)، لأن الحاكم المستبد يدرك أن الفكر الصحيح يخلق الوعي و الإدراك في الإنسان، و هذا الفكر يشكل خطرا على الحاكم المستبد الذي يسعى دوما في خلط الأوراق و ترك المواطن يتخبط في المشاكل، حتى تتاح له الفرصة لتثبيت مكانه في الحكم، هو و حاشيته، لأنه يفكر بمنظور استغلالي للآخر، يقول أهل الإختصاص أن الفكر الإستبدادي فكر مُشَوَّهٌ و مُزَيَّفٌ لأنه يتناقض مع الفكر العلمي كما يناقض طبيعة العقل الإنساني، و حسب تعبير الكواكبي في حديثه عن الإستبداد فإن الحرب تظل قائمة بين العلم و المستبد، الذي يعمل على قتل المعرفة، و العدالة و الحق، و يسعى إلى نشر الأفكار الميتة كما سماها مالك بن نبي، و وضع القوانين الجائرة التي لا تخدم البشرية، و يحاول تدمير كل محاولة من ورائها ينهض المجتمع و ترتقي الأمة .
و يكفي أن نقف عمّا يحدث من تغيير في الدستور و القوانين، و من تغيير حكومي، و تغيير في البرامج (منظومتنا التربوية) من خلال منع التلميذ من الوصول إلى الكتاب، و بيعه بأسعار لا تقدر عليها الأسرة فالحكومة تتعامل مع فئة معينة، و هي طبقة أرباب المال و الأعمال، دون الطبقة الكادحة، و سياستها الإقتصادية تختلف عن سياسة الدول المتقدمة، هذه الدول التي جعلت من الزيادة في الأجور ليست لتحقيق رفاهية العامل و السماح له بتفتح شخصيته الثقافية و الإجتماعية، و إنما لربط العامل برب العمل و زيادة الإنتاجية في المصنع و المؤسسة، عكس ما يحدث عندنا في الجزائر ، و سعي المسؤول في تطبيق مقولة " جوّع الكلب يتبعك" ، قالها و رددها رئيس الحكومة الحالي، و الدليل ما نراه من مسلسل غلق المؤسسات و قطع الرواتب عن العمال، فهل يمكن القول أن دولة مثل الجزائر دولة مستبدة ، و سياستها مستبدة أفقرت الشعب و جوعته؟، المستبدون يسعون إلى نشر إيديولوجيتهم، بحيث يقومون بعمليات تزوير في الانتخابات من أجل فرضها على الشعب، كل هذا الهدف منه الدفاع عن مشاريعهم و تسيير مصالحهم، و الحفاظ على مكاسبهم و ثرواتهم.