الهوية الحاضرة!
إسهام الدكتور إبراهيم عوض
في النقد المعجمي: دراسة استقرائية تحليلية نقدية
أ.د. خالد فهمي
كلية الآداب - جامعة المنوفية

(مستخلص البحث)
يعالج هذا البحث سهمة الدكتور إبراهيم عوض في نقد عدد من المعجمات والموسوعات العامة والمختصة من منظور المشكلات الثقافية، والمنهية المعجمية.
وهو يسعى إلى تحقيق هدفه من خلال أربعة مطالب هي:
1. المدخل: إبراهيم عوض ومنجزه في نقد المعجمات والموسوعات : مداخل أولية.
2. منجز إبراهيم عوض في النقد المعجمي: دراسة في المجالات.
3. معايير النقد المعجمي وضوابطه في منجز إبراهيم عوض.
4. وظائف النقد المعجمي في منجز إبراهيم عوض ومقاصده
وقد خلص البحث إلى وعي إبراهيم عوض الظاهر بطبيعة النوع التصنيفي للأعمال المرجعية، وفروق ما بينها من وظائف، حكمت انتقاداته وردوده لما وقع في العينة موضع التحليل من أخطاء معرفية، وانحرافات عقدية.
وكان منطلق إبراهيم عوض في هذه السهمة استهداف صيانة هوية العقل العربي المسلم المعاصر.




الهوية الحاضرة!
إسهام الدكتور إبراهيم عوض
في النقد المعجمي : دراسة استقرائية تحليلية نقدية.
أ.د. خالد فهمي
كلية الآداب / جامعة المنوفية.
(1) مدخل: إبراهيم عوض والنقد المعجمي:
مداخل أولية.
(1/1) يُعُّد الدكتور إبراهيم عوض (و م1948) واحدا من العلماء الذين يمثلون امتدادا حقيقيا لمفهوم" العلماء الموسوعيين" بحق، وهو الامتداد الذي صنعه في نفسه مجموعة عوامل ظاهرة، هي:
أولا: الاستعداد النفسي والعقلي المرتبط بالثقافة والقراءة ارتباطا عضويا أصيلا، يرى فيها سبيلا لتحقيق إنسانية الإنسان، وطريقا لترقيه ونجاته.
ثانيا: الانتماء الحقيقي لثقافة الأمة العربية والإسلامية التي يميزها هذا النظر الموسوعي بسبب من مركزية التأثير الذي أحدثه الكتب العزيز في العقل لعربي المسلم على امتداد التاريخ، عندما تحول به إلى ربط الأرض بالسماء، ودمج العناية بجانبي الإنسانية جميعا في بعديها الروحي والمادي معا.
ثالثا: الاختصاص المهني بما هو أستاذ في العربية، وعلوم العربية كل متكامل متماسك.
والنقد الأدبي على التعيين خزينة جامعة لحقائق كثير من الحقول المعرفية المنضوية تحت علوم العربية.
وقد عملت هذه الثلاثة العوامل عملها في شخصية الدكتور إبراهيم عوض العلمية، وتجلت ثمراتها في الاتجاهات التالية:
أولا: دراسة قضايا النقد الأدبي.
وهو الحقل الأبرز في تحليل منجز إبراهيم عوض العلمي، افتتح به تكوينه الأكاديمي والوظيفي.
وهو منجز متوزع على الأجناس الأدبية المتنوعة، نثرا وشعرا، أخذة برقاب التنظير والتطبيق معا.
ثانيا: دراسة الأدب.
وهو الحقل الذي لا ينفصل عن سابقه، وللدكتور إبراهيم عوض سهمته في هذا الباب، تحيط ببحوث التاريخ الأدبي، وتحليل النصوص الأدبية المتنوعة.
ثالثا: دراسة اللسانيات.
إن تحليل منجز إبراهيم عوض يكشف عن لساني بامتياز، وهو الأمر الذي يدعمه توزع إسهامه على الحقول الفرعية المنضوية تحت حقل اللسانيات أو دراسة اللغة بما هو علم موضوعي منهجي، كما يلي:
أ‌. وجود كثير من الدراسات التي تنتمي إلى حقول الفيلولوجيا(فقه اللغة) أو دراسة النصوص المبكرة، وأساليبها، وخصائص العقل الذي أنتجها، واستثمارها في الكشف عن طبيعة العصر الذي وصلت إلينا منه.
وهو ما يمكن أن نقرر معه أن إبراهيم عوض فيلولوجي، يملك خصائص عقل الفيلولوجيين.
ب‌. وجود كثير من الدراسات الأسلوبية التي تفحص النصوص والمنجز القولي باعتبار تحليل مستوياته اللغوية الصوتية والصرفية والتركيبية والمعجمية، وصولا إلى الكشف عن خصائصه وسماته الأسلوبية، إن بهدف التشخيص الأسلوبي، وإن بهدف بيان الثابت من المنسوب من النصوص إلى أصحابها.
ج. وجود كثير من الدراسات التي تنتمي إلى البحث المعجمي، ولاسيما في حقل النقد المعجمي، المتلبث بفحص المشكلات الثقافية في عدد من الأعمال المرجعية الموزعة على فرعي: المعجمات والموسوعات معا.
والنقد المعجمي فرع من فروع البحث المعجمي، المرتبط كذلك باللسانيات الاجتماعية.
د. الدراسات الإسلامية التأسيسية والنقدية معا.
وفي كثير منها يلوذ بالحقيقة اللغوية لتأسيس القول في مشكلاتها، وقضاياها.
هـ. دراسات الترجمة.
إن منجز إبراهيم عوض في حقل الترجمة من الإنجليزية والفرنسية إلى العربية تعيينا يستثير الدهشة والانتباه، لعمقه وتنوعه.
وهو في كثير مما يقدمه في هذا الحقل يتمتع بروح نقدية ظاهرة، وهو منجز موزع على مسارين كبيرين هما:
أولا: النقل، أي العناية بترجمة عدد من النصوص (الكتب/ والدراسات)، ونقلها إلى العربية.
ثانيا: النقد، أي العناية بنقد عدد من الترجمات، وبيان المشكلات التي تورط فيها مترجموها ناقلوها إلى العربية، من الوجهة اللغوية، والثقافية جميعا.
ودراسات النقد اللساني، وأقصد به ما أسهم به في الرد على عدد من الدراسات المنتمية إلى دراسة لغة العرب .
وهذا البحث يسعى إلى فحص سهمة هذا اللساني المعاصر في ميدان النقد المعجمي، تعيينا.
(ب) منجز إبراهيم عوض في النقد المعجمي: مقالة في المادة وانتمائها المعرفي.
(ب/1) المادة
أنجز الدكتور إبراهيم عوض عددا من الدراسات في النقد المعجمي، يمكن رصدها وبيان توثيقها فيما يلي:
أ‌. 1411هـ= 1991م النزعة النصرانية في قاموس المنجد، [ دار الفاروق، الطائف ، المملكة العربية السعودية 49].
ب‌. 1414هـ= 1993م الإفصاح في فقه اللغة، لموسى والصعيدي، [ضمن كتابه : من ذخائر المكتبة العربية، دار النهضة العربية، القاهرة ، ص ص/ 251- 272].
ج. 1414هـ= 1993م/ معجم البلدان، لياقوت الحموي، [ ضمن كتابه: من ذخائر المكتبة العربية، ص ص 155- 186].
د. 1414هـ= 1993م / موسوعة المستشرقين، لعبد الرحمن بدوي، [ ضمن كتابه: من ذخائر المكتبة العربية، ص ص / 273- 302].
هـ. نظرات إسلامية في الموسوعة العربية الميسرة ، [ المكتبة السوادي، جدة ، المملكة العربية السعودية، 99ص].
و. 1419هـ= 1998م / دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية : أضاليل ، وأباطيل،[ مكتبة البلد الأمين، القاهرة، 286ص].
(ب/2) الانتماء المعرفي للمادة
تمثل هذه الدراسات حدود ما أنجزه الدكتور إبراهيم عوض في ميادين النقد المعجمي.
وفحص هذه المادة من طريق تحليل عنواناتها، وخطاب مقدماتها يكشف عن صلاحية انتمائها لعدد من المجالات المعرفية المنضوية جميعا تحت حقل اللسانيات الاجتماعية، والمعجمية معا، وفيما يلي بيان موجز لهذه الانتماءات المعرفية التي تحيط بهذه المادة.
أولا: مجال دراسة المشكلات الثقافية في المعجمات المعاصرة.
تنتمي كثير من هذه الدراسات ولاسيما الدراسات(أ؛هـ؛ و) إلى مجال فرعي من ميادين النقد المعجمي هو المشكلات الثقافية في المعجمات المعاصرة، وهو حقل فرعي تندر الدراسات التي تمثله وتخدمه في الثقافة العربية المعاصرة، ولاسيما من جانب اللسانيين العرب المعاصرين.
وتحليل منجز إبراهيم عوض في هذا الباب المعرفي كاشف عن تجاوزه للتصور الأنثربولوجي للثقافة الذي يرى فيها تركيبا معقدا يحتوي على المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق، والقوانين، والتقاليد، والأعراف، والعادات، الإنسانية – إلى نطاق أوسع يتضمن اللغة والخصائص الروحية والعقلية والوجدانية، ومحددات الهوية، إلى غير ذلك(1)
والحق أن النقطة الأبرز في نقد إبراهيم عوض لهذه المعجمات من المنظور الثقافي كانت تتعلق بالقضية الدينية، اعتقادا وعبادة وتشريعا؛ إلخ، وهو نقد معجمي يكشف عن وعي بالحقل المعرفي، والنوع التصنيفي للأعمال المرجعية المنقودة، يقول في مقدمة كتابه [النزعة النصرانية في قاموس المنجد، (ص/7)] :"المنجد قاموس معروف، ويشيع بين الطلاب اقتناؤه؛ لأنه معجم عصري، وفيه صور ملونة كثيرة... لاحظت في بعض مما كنت أراجعه أو يلفت نظري من مواده مسحة نصرانية غريبة على معجم لغوي تاريخي، فقام في نفسي أن أراجعه مراجعة شاملة".
وتحليل هذا النقل كاشف عن وعي بقضايا مهمة تقع في الصميم من النقد المعجمي من المنظور الثقافي، ذلك أن هذا النص يكف عما يلي:
أ‌. الوعي بالنوع التصنيفي للعمل المرجعي، قاموس المنجد، بما هو : معجم للطلاب، يتميز بعدد من الموائز التي تجعل منه معجما عصريا، بسبب من توظيف الموضحات البصرية، بما هي طرق مساعدة من طرق شرح المعنى في المعجمية المعاصرة.
ب‌. الوعي بطبيعة العمل العلمي المتمثل في : المراجعة الشاملة، والمراجعة مصطلح من المصطلحات المستعملة في النقد المعجمي.
ج. الوعي بطبيعة ما يمثله المعجم بشكل عام بما هو جزء مهم من تاريخ الثقافة من جانب وبما هو عمل يعني بجوهر الثقافة على حد تعبير هارتمان الذي يقول في [ المعاجم عبر الثقافات: دراسات في المعجمية ، ترجمة الدكتور محمد محمد حلمي هليل، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، الكويت، 2004م(ص59)]: إن" المعاجم تعني بجوهر الثقافة"(2)



ثانيا: مجال النقد المعجمي.
يتضح من تحليل خطاب مقدمات هذه الدراسات التي تمثل منجز الدكتور إبراهيم عوض أنها تنتمي إلى مجال النقد المعجمي من منظور التصنيف، ومخالفته ومن منظور المستعمل كذلك.
لقد استرعي انتباهه مثلا أن عددا من الأعمال المرجعية(المعجمات)/ والموسوعات) التي كتب في مراجعتها ونقدها خالفت المستهدف من نوعها التصنيفي ، وخالفت المتوقع مما يرومه مستعملوها من الوظائف التي نهضت للوفاء بها.
لقد كشف عن أن معم المنجد، مثلا بما هو معجم مدرسي، مصمم للطلاب ، وهو بذلك يتغيا خدمة قضايا التحصيل المدرسي، وترقية المستوى التعليمي بما يتيحه من معلومات تساعد على تحسين التحصيل الدراسي- خالف هذه الوظيفة والغاية بما توجه إلى معالج من معلومات تصب في اتجاه خدمة التنصير، وخدمة الأفكار النصرانية.
وهذا الوعي بمحددات النوع التصنيفي للمعاجم، ونقد ما يصادمه من تجليات التطبيق العملي في متن المعجم ومعلومات التعليق على المداخل/ أو الكلمات – يمثل نوعا من الضبط المعياري لعناصر النقد المعجمي، يبتعد به عن الممارسات الصحافية والانطباعية التي تغلب على ممارسات النقد المعجمي في الغالب.
وقد أمكن رصد ثلاثة محاور توزع عليها منجز إبراهيم عوض في النقد المعجمي، وهي:
أ‌. نقد المعجمات اللغوية (معاجم الألفاظ اللغوية، كما في (أ؛ب) مما تعلق بنقد القاموس (المنجد) ونقد الإفصاح في اللغة.
ب‌. نقد الموسوعات العامة كما في (هـ، و) مما تعلق بنقد الموسوعة العربية الميسرة ، ودائرة المعارف الاستشراقية (المختصرة).
ج. نقد الموسوعات المختصة كما في (د) مما يتعلق بنقد موسوعة المستشرقين.
وفحص عنوانان كثير من هذه الدراسات يكشف عن حضور مؤشر لغوي دال على النقد من مثل: نظرات، وأباطيل وأضاليل، إلخ
ثالثا: مجال الثقافة العربية الإسلامية.
إن تحليل محتويات هذه الدراسات التي أنجزها الدكتور إبراهيم عوض، ورد الانحرافات التي أحاطت بها تربط هذه الدراسات وتشدها لتنتمي إلى حقل دراسات الثقافة العربية الإسلامية.
رابعا: مجال دراسات الهوية وعلم القومية.
إن فحص كثافة العناية برد التحريفات والانحرافات التي جاءت محيطة بمعلومات ما تحت المداخل الاعتقادية والدينية والعبادية والتشريعية والأعلام الإسلامية والتاريخ الإسلامي تحكم بانتماء هذه الدراسات النقدية إلى حقل دراسات الهوية الإسلامية، وعلم القومية الذي يستهدف حماية محددات القومية الإسلامية.
وليس من شك لدينا في قابلية هذه الدراسات لاتساع جغرافية انتماءاتها المعرفية، وتمددها، ولكن هذه الأربعة الانتماءات هي أظهر ما يكشف عنه تحليل هذه الدراسات من عنواناتها وخطاب مقدماتها، وتحليل المعلومات المنقودة وفق الحقول المعرفية الإسلامية والعلاقة بين المعجم والهوية أو بين المعجم ورؤية العالم من القضايا التي تقع في الصميم من البحث المعجمي يقول الدكتور حسن حمزة :" إن المعجم هو المكان الطبيعي الذي يعكس نظرة العالم إلى اللغة، وهو يعكس أيضا اللغة وتطور أهلها "(3)









(2) النقد المعجمي في منجز إبراهيم عوض:
دراسة في المجالات
تتنوع مجالات النقد المعجمي في منجز الدكتور إبراهيم عوض في هذه الميادين، وهو تنوع تابع لمعايير تقسيم هذه المجالات، تبعا لأنواع الأعمال المرجعية مشغلة الانتقاد من جانب، وتبعا المنهج الرد على الانحرافات العلمية التي تورط فيها صانعو هذه الأعمال المرجعية، وتصنيفها عند انتقادها من جانب آخر.
وهو ما يستتبع معالجة هذا المطلب وقفا لما يلي:
1.2 مجالات النقد المعجمي تبعا للنوع التصنيفي للأعمال المرجعية المنتقدة.
2.2 مجالات النقد المعجمي تبعا لمنهجية الرد والانتقاد.
3.2. مجالات النقد المعجمي تبعا لأصول الصناعة المعجمية.
وفيما يلي بيان ذلك، وتحليله:
(1.2) مجالات النقد المعجمي تبعا للنوع التصنيفي للأعمال المرجعية المنتقدة:
سبق هنا بيان أقسام الأعمال المرجعية ، وتوزعها على ثلاثة أنواع تصنيفية هي:
أ‌. المعاجم اللغوية العامة.
ب‌. المعاجم اللغوية المختصة أو النوعية.
ج. الموسوعات العامة والمختصة.
وقد كشف فحص الوعي هذه الأعمال المرجعية عن إدراك ظاهر بطبيعة انتماءاتها التصنيفية. والتصنيف المعجمي واحد من أهم أعمدة البحث المعجمي، كما يقرر هارتمان في كتابه : المعاجم عبر الثقافات (ص/60) حيث يقول إن أحد أهم التخصصات :" في البحث المعجمي هو التصنيف النوعي للمعاجم dictionary typology، ويعني بطرق تصنيف تشكيلة واسعة من المعاجم التي نجدها في العالم".
وقد ظهر من تحليل منجز إبراهيم عوض في النقد المعجمي نوع وعي حقيقي بتصنيف الأعمال المرجعية من المعجمات والموسوعات التي نهض بنقدها، أو نقد المشكلات الثقافية التي وردت في التعليق على بعض مداخلها.
وتحليل خطابات المقدمات لمفردات منجزه في النقد المعجمي يدعم ذلك الذي نقرره في حقه، وفيما يلي من نصوص دالة على ذلك نوردها ثم نحللها:
أ‌) يقول الدكتور إبراهيم عوض في [النزعة النصرانية في قاموس المنجد(ص/7؛9]:" المنجد قاموس ... ويشيع بين الطلاب اقتناؤه؛ لأنه معجم عصري" ويقول :" المنجد هو قاموس" ويقول(ص/10) " المنجد إذن معجم" ويقول(ص/15):"وقد اعتمد المعجم..." [وانظر: ص13/3؛20/8؛32/11؛ 34/16؛36/5؛37/9؛39/19؛43/13-15؛47/3؛ص48/8]وغير"؛ ذلك من المواضع التي يشيع فيها استعمال : مصطلحي المعجم والقاموس في التعبير عن: المنجد.
-ويقول في الفصل الذي عقده لنقد الإفصاح لحسين يوسف موسى، وعبد الفتاح الصعيدي في[ من ذخائر المكتبة العربية، ص/251]:" والمعجم الذي نعرض له بالتحليل والنقد في هذا الفصل هو: معجم" الإفصاح في فقه اللغة للأستاذين المصريين المعاصرين: حسين يوسف موسى، وعبد الفتاح الصعيدي. وقد كان الأول مفتشا أول بالتعليم الثانوي، أما الثاني فكان عضوا بمجمع اللغة" بالقاهرة.
- ويقول (ص/251) :" وقد صدر هذا المعجم لأول مرة عام 1929م(1348هـ)" ويقول : "الإفصاح في فقه اللغة" من ذلك النوع من المعاجم المرتب حسب الموضوعات، وهو مقسم إلى ثلاثة وعشرين بابا تغطي الموضوعات الموجودة في دنيا البشر".
وقد تكرر استعمال مصطلح المعجم في التعبير والمعالجة النقدية لمسائل هذا العمل المرجعي في كثير من المواضع في هذا الفصل [انظر: ص253/15-19-20؛254/5؛255/3-16؛ 257/2؛258/6؛263/10؛269/2؛272/4] وغير ذلك من المواضع.
من هذه النصوص يتضح وعي إبراهيم عوض الظاهر بالطبيعة التصنيفية للمعجميين، والإفصاح في فقه اللغة، بما هما معجمان لغويان عامان.
ولم تقف حدود علامات الوعي بالطبيعة التصنيفية لهذين المعجميين اللغويين عند حدود الاعتراف في التعبير عن انتمائهما التصنيفي، وإنما تجاوزت هذه الحدود إلى علامات أخرى شديدة الأهمية من مثل:
أولا: الربط بين معجم الإفصاح وتاريخ المعجمية العربية التراثية العريقة، وتطور التصنيف في المعجمات الموضوعية، وهو ما يعني استثمار معلومات التأريخ المعجمي للصنف الخاص بالموضوعات في بيان نوع هذا المعجم، وعراقة منهجه، واتصاله بتراث ممتد بلغ الذروة في نموذج :المخصص، لعلي بن إسماعيل بن سيدة الأندلسي ت458هـ.
ثانيا:استثمار تقنيات الصناعة المعجمية بما يكشف عن وعيه بطبيعة هذين العملين المرجعيين بما هما معجمان لغويان من مثل: طرق الترتيب للمداخل، وطرق شرح المعنى، ومعلومات التعليق على أبنية المداخل من جهتي الشكل والمعنى.
(ب) وفيما يتعلق بوعي إبراهيم عوض بتصنيف بعض الأعمال المرجعية ضمن المعجمات المختصة أو النوعية نورد له النقول التالية:
- يقول :(ذخائر المكتبة العربية، ص/160) :" وقد سمى ياقوت كتابه : معجم البلدان. وهو اختصار في التسمية، وإلا فالكتاب ليس مقصورا على ذكر البلدان وحدها".
ويقول (ص/161) : "إنه يقدم للقارئ مفاتيح المصطلحات والألفاظ الفنية التي يكثر ورودها في المعجم؛ كالبريد، والفرسخ والميل والكورة والرستاق والصلح والسلم والقوة و الخراج...وهي كما ترى مصطلحات جغرافية وإدارية وفقهية.
ومن هذه النصوص يتضح لنا أن الدكتور إبراهيم عوض يصنف معجم البلدان ضمن المعاجم المختصة التي تعنى بالألفاظ الفنية الجغرافية في الأساس، وما يدور في فلكها من مصطلحات مقترضة من المجالات الإدارية والفقهية مما انتقلت إلى مجال المصطلحية الجغرافية في التراث العلمي الجغرافي العربي الإسلامي.
وهذا التنصيف هو أظهر الانتماءات المعرفية بمقياس كثافة ترديد لفظ " معجم" في المعالجة التصنيفية النقدية لهذا العمل المرجعي.
ولكن الملاحظ أنه أحيانا يستعمل مصطلحا آخر هو الموسوعة" يصف به هذا العمل في مثل قوله: (ص162-163) :" وقد سماه ياقوت..." معجم البلدان على سبيل الاختصار، ويقول إن هذه التسمية مطابقة لمعناه(1/15) وهو ما يتابعه فيه كراتشكوفسكي(تاريخ الأدب الجغرافي1/340) وهذا الذي يقول ياقوت ظلم لنفسه وغمط من حيث لا يدري لجهده الجبار في هذا الموسوعة العملاقة... فمن الواضح أن مراد " البلدان" لا تشكل إلا جزءا واحدا من مواد المعجم، لقد اقتصر ياقوت في تسمية معجمه – على أول شئ ذكره من محتويات هذا المعجم، وهو " البلدان".
وهذا نوع من التردد في تصنيف هذا المعجم المرجعي، يبدو مقبولا ، وله ما يسوغه وهو في الحقيقة عمل ينتمي تصنيفيا إلى المعجمات الموسوعية المختصة، فهو معجم بمعيار الترتيب والوظيفة ، وهو موسوعة بمعيار المادة والمعلومات وهو مختص بمعيار الميدان والمجال المعرفي وبمعيار الوظيفة التي استهدفت التعليم والثقافة.
ج. وقد ظهر وعي إبراهيم عوض من جانب أخير بقطاع آخر من الأعمال المرجعية المتمايزة من المعجمات وهو الموسوعات العامة والمختصة.
وقد تناولت سهمته في البحث المعجمي والموسوعي معالجة الموسوعات التالية في ثلاثة دراسات هي:
أولا: 1993م:
موسوعة المستشرقين ، لعبد الرحمن بدوي.
ثانيا: 1995م:
نظرات إسلامية في الموسوعة العربية الميسرة.
ثالثا:دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية: أضاليل وأباطيل.
صحيح أن هذه الأعمال الثلاثة تابعت ما سمي به أصحاب الموسوعات أعمالهم في الغالب وهو التسميات التي استعملت مصطلحي:
1.الموسوعة 2. دائرة المعارف.
وهما مصطلحان مترادفان ظهرا في مراحل تاريخية معاصرة ترجمة للمصطلح الأوروبي "encyclopedia"
ولكن الدكتور إبراهيم عوض خالف هذا المبدأ في عنوان دراسته الأخيرة عندما استعمل: دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية بدلا من العنوان الذي نشر به العمل المرجعي المختصر لها، وقد نشره الدكتور راشد البراوي بعنوان : الموسوعة الإسلامية الميسرة ، يقول (1/أ من تقديم الترجمة العربية، للموسوعة الإسلامية الميسرة، إشراف : جب، وكالمرز، ترجمة د. راشد البراوي، الهيئة العامة المصرية للكتاب، مكتبة الأسرة، 2013م) " أخرجت الهيئة المختصة دائرة معارف مصغرة عن الإسلام، وهي التي تقدمها بعنوان : الموسوعة الإسلامية الميسرة".
وقد استقر العرف العلمي على استعمال مصطلح الموسوعة، ربما لاعتبارات لغوية(كلمة في مقابل كلمتين في دائرة المعارف)، والشيوع والانتشار، ووضوح الدلالة.
وقد كشف تحليل خطاب مقدمات هذه الدراسات الثلاثة وعي الدكتور إبراهيم عوض بالبعد التصنيفي لهذه الأعمال المرجعية الثلاثة، وهو انتماؤها جميعا إلى نوع العمل المرجعي المعروف باسم الموسوعة.
ومن أقواله الكاشفة عن ذلك الوعي، ما يلي:
(من ذخائر المكتبة العربية، ص273) : "وتحتوي موسوعة المستشرقين على تراجم لمئتي مستشرق ونيف من جنسيات مختلفة" وقد تكرر استعمال هذا المصطلح في مواضع كثيرة من دراسة الدكتور إبراهيم عوض كما في(ص274/16؛27/5؛283/10) وغير ذلك من المواضع.
ويقول في نظرات إسلامية في (الموسوعة العربية الميسرة، ص7):" تعريف بالموسوعة العربية الميسرة هي: موسوعة في مجلد واحد ضخم" وقد تكرر منه ذلك الوصف العلمي في مواضع كثيرة من(8/3؛13/2؛15/6؛49/8؛80/1؛ 83/11؛85 /2) وغير ذلك من المواضع.
ويقول في (دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية : أضاليل وأباطيل، ص5) "أصدر المستشرقون... موسوعة كاملة عن الإسلام دينا، وتاريخا، وحضارة وآدابا وعلوما واقتصادا وسياسية وأعلاما تسمى في العربية بدائرة المعارف الإسلامية... وبعد صدورها بفترة بدا لهم أن ينتخلوا من بين موادها التي تغطي كل أوجه الحضارة الإسلامية الخاصة بالدين وعلومه وأعلامه، ثم أصدروا ذلك في مجلد واحد بعنوان:
(shorter encyclopaedia of Islam)
يجد القارئ خلاصة الفكر الاستشراقي فيما يخص ديننا ورجاله"
ثم يقول : وقد ترجمها إلى العربية الدكتور راشد البراوي : وأصدرها ... باسم: الموسوعة الإسلامية الميسرة".
وقد تكرر استعمال مصطلحى الموسوعة، ودائرة المعارف في دراسة الدكتور إبراهيم عوض في مواضع كثيرة من مثل:(ص6/5؛ ص21/3؛ 101/9؛ 187/2) وغير ذلك من المواضع.
وهذه النقول تعكس إدراك الدكتور إبراهيم عوض الظاهر لطبيعة هذه الأعمال المرجعية في انتمائها إلى نوع الموسوعات العامة أو المختصة النوعية بمجال معرفي بعينه.
وهو ما يحملنا على الاعتراف بأن الدكتور إبراهيم عوض واحد من أسماء معدودة تنتمي إلى مجال خدمة البحث العلمي المعجمي الموسوعي من ناحية الوعي بالنطاقات التصنيفية التي تدرك فروق ما بين الأعمال المرجعية المنتمية إلى المعجمات من جانب والتي تنتمي إلى الموسوعات من جانب آخر.
وبات واضحا أن منجزه في النقد المعجمي والموسوعي قائم على الوعي بما يلي:
أولا: التفريق بين الأنواع المتمايزة من الأعمال المرجعية.
وتوزعها على نوعين هما:
أ‌. المعجمات ب. الموسوعات.
ثانيا: التفريق بين ما يعالج مداخل لغوية (ألفاظ/ كلمات) وما يعالج مداخل علمية، وهو ما أنتج وعيه بمعاجم لغوية وغير لغوية.
ثالثا: التفريق بين ما يتناول ميدانا مختصا اصطلاحيا، ميادين أخرى عامة غير فنية أو اصطلاحية، وهو ما أفرز وعيا بالأنواع التصنيفية التالية:
أ‌. معاجم عامة.
ب‌. معاجم مختصة.
ج. موسوعات عامة.
د. موسوعات نوعية مختصة.
رابعا: ظهور نوع إدراك مستتر لم يستعلن صراحة باختلاف الوظائف في توزعها على التصنيفات المختلفة للأعمال المرجعية، فقد ظهر من تحليل دراسات الدكتور إبراهيم عوض نوع وعي بأن وظيفة المعجمات هي مساعدة الباحثين والمستعملين، بما هي أعمال مرجعية تستهدف مساعدة المستعملين وأن وظيفة الموسوعات هي التعليم والتثقيف، وهو المر الذي نلمحه من طول التعليقات التي ترد تحت مداخلها مقارنة بقصر التعليقات تحت مداخل المعجمات.
(2.2) مجالات النقد المعجمي في منجز إبراهيم عوض
من منظور منهجية الرد والانتقاد( المنهجية الموضوعية)
إن فحص منجز إبراهيم عوض في النقد المعجمي والموسوعي يكشف عن تبنيه منهجين ظاهرين في معالجته النقدية لما تعرض له من أعمال مرجعية معجمية وموسوعية وهاتان المنهجيتان الغالبتان هما:
أ‌. منهجية النقد الموضوعي(المعرفي).
ب‌. منهجية النقد المتابع(الشكلي/ البنائي).
وفيما يلي بيان ذلك، والتدليل عليه.
(2.2.أ) منهجية النقد الموضوعي (المعرفي)
إن فحص الأعمال التالية يكشف عن الدخول إلى نقد عدد من الأعمال المرجعية المعجمية والموسوعية من باب بيان الأخطاء والانحرافات التي وقعت فيها والتنبيه عليها بعد ترتيب هذه الانتقادات وتبينها وفق المجالات والميادين والعلوم.
1.النزعة النصرانية في قاموس المنجد.
2. نظرات إسلامية في الموسوعة الميسرة.
3. دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية : أضاليل وأباطيل.
إن هذه المنهجية النقدية التي تنبع من جمع الانتقادات وترتيبها وفق المجالات والموضوعات ترعى منظور المستعمل، وتسعى على صيانة هويته، وحمايتها من طريق كشف الانحرافات والأخطاء المعرفية التي وردت في الأعمال المرجعية موضع النقد والرد.
وقد مثل موضوع (الإيمان) أو (العقيدة) الركيزة الأساسية في انتقادات إبراهيم عوض لما ورد في هذه الأعمال الثلاثة.
وهو الأمر الذي يكشف عن مركزية الفكرة الإيمانية الاعتقادية في تصور بناء الهوية المميزة للعقل المسلم أو الشخصية المسلمة من غيرها من العقول أو الشخصيات الأخرى.
وهو أمر يستند- كذلك – إلى إدراك واع للوزن النسبي لقضية الإيمان / والاعتقاد بما هي أصل أصول بناء التصورات " والأيديولوجيات" وتأسيس رؤية مائزة للوجود والعالم.
وهو ما نلمس أدلة عليه في نقده العام للنزعة النصرانية في قاموس المنجد، وقد طالت انتقاداته الحقول المعرفية الفرعية التالية: أولا: الإطار التنظيري، حيث ظهر وعيه بطبيعة العمل المرجعي ، وأنه(ص/1) :" إذن معجم نصراني " وهو من ثمة يمثل الرأي النصراني ، ويعكس المشاعر النصرانية، ويعطي الصدارة دائما لكل ما هو نصراني"!
وهو ما يجعل سهمة إبراهيم عوض هذه واقعة في الصميم من دراسات المشكلات الثقافية في المعجمية المعاصرة.
ثانيا: الإطار التطبيقي، حيث غطت مراجعة إبراهيم عوض النقدية لقاموس المنجد النطاقات الفرعية المعرفية التطبيقية التالية:
1. شيوع الروح النصرانية في المعجم، لتصل إلى حدود التحرير، حيث لاحظ غياب البسملة عن المعجم، في حين لاحظ حلول البسملة وفق الصيغة النصرانية، بأقانيمها الثلاثة، وغياب وصف القرآن بالكريم، وغياب الصلاة على النبي ، صلى الله عليه وسلم، وغياب الترضي عن الصحابة رضي الله عنهم (ص/10-11).
2. غياب المداخل المرتبطة بالمعرفة الإسلامية، من مثل : الحديث النبوي/ وأعلام المحدثين / وكتب الصحاح، في مقابل الإفراط في إيراد المداخل المرتبطة بالنصرانية واليهودية.
3. اعتماد الشواهد المعجمية من الكتاب المقدس، وهو خروج عجيب على نظرية الاستشهاد المعجمي في الدرس اللساني العربي القديم والحديث معا، ولاسيما أن الكتاب المقدس في أصله " غير عربي"!
4. شيوع الروح العنصرية وغير العلمية في معلومات التعليق على المداخل (ص/20) بقصدين ظاهرين:
أ‌. تبرئة التصورات النصرانية من كل معنى أو تصور غير عقلي أو منطقي.
ب.السكوت عن المعلومات التي من شانها بيان صحة التصور الإسلامي، كما لاحظ إبراهيم عوض في التعليق على مدخل (الفارقليط/البارقليط)قول (ص/41) : " والملاحظ أنه لم ينص (أي محرر المعجم) على معناها عند المسلمين الذين يقدمون الدلائل اللغوية والتاريخية على أنها تعني النبي محمد صلى الله عليه وسلم"!
ومن هذه العناصر يتضح أن النقد المعجمي الذي ركز على فضح الانحرافات والأخطاء التي وردت في قاموس المنجد استهدف كشف ما كان من النخبة النصرانية في العصر الحديث من استثمار للمعجم المدرسي بما هو مرجع مساعد ومهم في التحصيل الدراسي، وبناء التصورات الثقافية – في بناء تصورات اعتقاديه ضارة بالإيمان الإسلامي.
وهو ما يعكس أن تاريخ المعجمية العربية المعاصرة في جانبه غير المسلم يحتاج إلى فحص وتحليل قفي ضوء المنظور الثقافي في النقد المعجمي بعد زمان طويل يصدر على أنه نهض وقام لدواع وطنية وقومية وعربية!
ولا يقف الأمر في منجز إبراهيم عوض في النقد المعجمي من منظور موضوعي ومعرفي عند حدود انتقاد النزعة النصرانية في قاموس المنجد، ولكنه تجاوزه إلى الأعمال المرجعية الأكثر ارتباطا بوظيفة التعليم والتثقيف وهي الموسوعات أو دوائر المعارف، سواء أكانت عربية، أو غير عربية.
ففي دراسته النقدية (نظرات إسلامية في الموسوعة العربية الميسرة) طالت انتقاداته وردوده على الانحرافات والأخطاء العلمية النطاقين التاليين:
أولا: النطاق التنظيري، حيث ظهر وعيه يما يدعم الروح عير العلمية الكامنة في ثنايا العمل يقول(ص/7) :" وقد أسهمت مؤسسة فورد الأمريكية بمعظم النفقات التي تطلبها إخراج هذه الموسوعة كما قامت على طبعها مؤسسة فرانكلين الأمريكية، واعتمد محررو الموسوعة إلى حد كبير على " موسوعة مكولوميبا فايكنج دسك/
The Colombia Viking Desk encyclopedia
وعلى إدارة تحريرها والعلماء الذين حرروها وأشرفوا عليها؛ أي أن أمريكا وراء هذا العمل بأموالها وتوجيهها".
وهو أمر يعيد التذكير بما كشفت عنه " ساندرز" من دور المخابرات الأمريكية في توجيه الشأن الثقافي؛ على مستوي الأفكار والمؤسسات والإصدارات؛ في العالم العربي، في كتابها : (من دفع أجر الزمار)؟!
ثانيا: النطاق العملي /التطبيقي، حيث قسم ردوده وانتقاداته لما ورد في هذه الموسوعة من انحرافات وأخطاء تقسيما موضوعيا معرفيا، ضم المجالات التالية:
أ‌. الأنبياء(ص ص13-25).
ب‌. الأديان وكتبها وأصحابها( ص ص25-40).
ج. الغيبيات (ص ص40-48).
د. مسائل الفقه(ص ص 48-599).
هـ. النواحي الاجتماعية والسياسية(ص ص 6-649.
و. التاريخ والجغرافيا( 64-78).
ز. تراجم ا لأشخاص (78-94).
ح.متفرقات(94-99).
وتأمل هذه المباحث يكشف عن ارتفاع الوزن النسبي لما يتعلق بالدين بالمعنى الاصطلاحي الضيق، حيث شغل برد الانحرافات الواردة عن معلومات الباحث(أ؛ب؛ج؛د) وفي الوقت نفسه شغل أمر العناية بقضية الإيمان / والاعتقاد على الأوزان النسبية ، حيث عالجتها المباحث الثلاثة الأولى (أ؛ب؛ج) بنسبة مئوية تقترب من 56% تقريبا من حجم الدراسة النقدية لهذه الموسوعة العربية الميسرة.
وقد تناولت انتقادات الدكتور إبراهيم عوض المسائل التالية:
1. غياب مداخل كثيرة خاصة بعدد من الأنبياء، ولاسيما الأنبياء العرب فيما عدا النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم(ص/17).
2. تبني تصورات أهل الكتاب في عدد من المداخل الخاصة بالأنبياء، وانتشار مداخل للوعاظ والمتصوفة النصارى(ص13)، وشيوع الروح الكتابية التي ترى في الأنبياء أشخاصا عاديين غير معصومين، تنسب لهم جوانب قاتمة من الحياة(ص15).
3. تبني اعتقادات النصارى من دون عزو أو نسبة ذلك لهم وحدهم، ولاسيما فيما يخالف عقيدة المسلمين، كما نرى في عقيدة الصلب عندهم(ص24)) يقول :" على أن العقيدة النصرانية في صلب المسيح عليه السلام مبثوثة في عدد غير قليل من المواد التي تحتوي عليها الموسوعة دون أن ينص على أن ذلك هو ما يعتقده النصارى، أو يورد رأي الإسلام فيه".
وبتحليل بقية الفصول الأخرى التي تنتقد ما ورد في هذه الموسوعة من معلومات التعليق على الأديان وكتبها وأصحابها، والغيبيات، ومسائل الفقه، نجد أن الموسوعة خالفت الحقيقة في كثير من المداخل الدينية، ومن ذبك:
1. نسبة التوحيد إلى الأديان الثلاثة السماوية الكبرى: اليهودية والنصرانية والإسلام، من أن اليهودية والنصرانية زعمتا أن الله تعالى ولدا.
2. إيراد المزاعم التي تقرر النقاء العرقي لليهود، ونقاء شريعتهم!
وهي أساطير شائعة يروجها اليهود عن أنفسهم، لم يكن يليق بالموسوعة العربية إيرادها.
3. إيراد الزعم بأن التوراة هي كتاب الله المنزل على موسى كما قرر القرآن، وهو أمر غريب غير صحيح؛ ذلك أن القرآن حين يذكر التوراة فإنه يقصد تلك التوراة التي أنزلت على موسى قبل أن تتلاعب بنصوصها وبتفسيراتها أيدي الهوى والتوظيف اليهودية"!
وفحص انتقادات الدكتور إبراهيم عوض فحصا هادئا بنتيجة مفادها عدم خلوصها للرد على المعلومات المغلوطة والمنحرفة والناقصة فقط، وإنما يتجاوزها إلى نقد بعض مسائل المنهجية المتعلقة بالصناعة، أو نظرية المعجم وبناء الموسوعات ، ومن ذلك:
1. انتقادات تورط الموسوعة في ملامح من التشتت الموسوعي، نتج من توزيع معلومات القضية الواحدة على مداخل متباعدة من دون تطبيقات التماسك المفهومي أو المعجمي، يقول (ص57)" إن تجزئة الموضوع (الواحد)... وتوزيعه على أنحاء الكتاب هو من العيوب"!
2. انتقاد عدم الدقة في صياغة التعليقات على عدد من المداخل، يقول(ص/58) " على أن عدم الدقة في صياغة الأحكام الفقهية موجود هنا".
ومن المدهش المثير للإعجاب ظهور الوعي بأن هذا النقد لانحرافات هذه الموسوعة يولد من الرحم العلمي الحريص على تصحيح المعلومات طلبا لعافية العقل العربي المسلم المعاصر كما يولد من الرحم المهني الذي يدرك طبيعة الوظائف المنوطة تحقيقها بالموسوعة بما هي عمل مرجعي يتغيا تحقيق التعليم والتثقيف.
كما يولد من رحم الهوية الحاضرة يقول(ص99) " إن هذه الردود والانتقادات تستهدف تنقية هذه الموسوعة من "الثقوب والثغرات في جدار صمودنا الروحي والفكري والنفسي"!
وبمثل هذه الروح الإيمانية / العلمي توجه الدكتور إبراهيم عوض إلى نقد الانحرافات والأخطاء التي وقعت في الموسوعة الإسلامية الميسرة في كتبه (دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية: أضاليل وأباطيل).
وهذا العمل أصرح من سابقيه في بيان الحرص على الهوية الإيمانية والثقافية التي تتهددها هذه الموسوعة الاستشراقية، وهذا الحكم وارد من الضميمة الإيضاحية في العنوان المتمثلة في (أضاليل وأباطيل).
وقد توزعت الردود والانتقادات التي علقها الدكتور إبراهيم عوض على الموضوعات والحقول المعرفية التالية:
أ‌. القرآن الكريم. ب. محمد صلى الله عليه وسلم.
ج. العقيدة. د. الأمور الفقهية.
هـ. التاريخ. و. المسائل اللغوية.
ز. ترجمة النصوص القرآنية والتعليق عليها في الموسوعة
وتحليل الكثافة المادية للحقول المعرفية مشغلة الردود والانتقادات يدعم ما ظهر في العملين المرجعيين السابقين من تعالي الوزن النسبي للعناية بمحددات الهوية الإسلامية.
فقد شغلت العناية بحقول الدين بالمعنى الواسع خمسة مباحث من إجمالي سبعة مباحث هي(أ؛ ب؛ ج؛د؛ز) ، بنسبة مئوية تقترب من 55% تقريبا.
وتأمل هذه الترتيب الموضوعي يخرج بنتيجة مفادها الحرص الشديد على الأصول المؤسسة للإيمان الإسلامي، فالقرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم والعقيدة أصول كلية مؤسسة للتصور الإسلامي.
كما أمن تحليل هذا البناء المنهجي للردود والانتقادات تكشف عن وعي مستقر بما جاءنا من نظرية تصنيف العلوم في الحضارة العلمية عند المسلمين التي تقسم العلوم على قسم للعلوم الشرعية، بما هي علوم غايات وهو القسم الذي انضوى تحته المباحث: (أ؛ب؛ج؛د) وقسم للعلوم العربية بما هي علوم آلات وهو القسم الذي انضوى تحته المبحثان (هـ؛ و).
وقد كان المنطق المعرفي (الإبستمولولجي) يقتضي ضم الانتقادات والردود التي علقها إبراهيم عوض على ترجمة النصوص القرآنية والتعليق عليها في الموسوعة إلى المبحث الأول المختص بالردود على الانحرافات التي وقعت من الموسوعة نحو الكتاب العزيز، أي كان الواجب أن يرد المبحث(ز) بعد المبحث (أ) ملحقا له، أو تكملة لمسائله!
وقد جاءت الردود في هذه الدراسة النقدية لهذه الموسوعة الاستشراقية موزعة على نطاقين هما:
أولا: النطاق التنظيري الذي يكشف عن الوعي بطبيعة الانتماء المعرفي لهذا العمل المرجعي، بما هو موسوعة تستهدف العبث بمحددات الثقافية للهوية الإسلامية.
يقول (ص/5):" وقد عكفت على هذا الكتب( الموسوعة) أقرؤه، وأتمعن فيه، فهالني ما يسوده من انحراف عن المنهج العلمي، وعداوة بارزة للإسلام، ورسوله وكتابه، وعقائده، وشرائعه، ورغبة حارقة في تلطيخ كل شئ فيه، و لم أجد مرة أحدا من كتاب الموسوعة(ومحرريها) قد تحدث عن ديننا ورسولنا وقرآننا بشئ من رحابة الصدر وسعة الأفق...
"وقد فعني ذلك كله إلى الكتابة عن هذه الموسوعة، وتبيين ما فيها من انحراف عن منهج البحث العلمي، وإلقاء الضوء على الأخطاء الرهيبة والتناقضات الخطيرة التي تطفح بها وتنبيه القارئ إلى النوايا البشعة التي تكمن خلف ذلك"!
ثانيا:النطاق التطبيقي / العملي، وهو النطاق الذي غطى الانتقادات والردود العلمية للأخطاء والانحرافات التي وقعت في المعلومات التي أوردتها الموسوعة في سياق التعليق على معاني المداخل المختلفة.
وهي الانتقادات والردود التي جمعها الدكتور إبراهيم عوض، ورتبها مفهوميا تبعا للحقول المعرفية التي ترعى العلوم الشرعية والعربيـة، كما ممر بيانه هنا
وقد تناولت هذه الردود والانتقادات القضايا و المسائل العلمية التالية:
ففيما يتعلق بالدفاع ع الكتاب العزيز يقرر الدكتور إبراهيم عوض في مواجهة بوهل :
1. رد دعوى تطور القرآن الكريم، وتغير صياغته مع الزمن، وهي دعوى ساقطة نبه على الكتاب العزيز في قوله ﴿قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي﴾ [ سورة يونس 10/15]
2. إسقاط دعوى وجود ألفاظ يهودية ونصرانية في سورة الفاتحة ! بتحليل تراكيب السورة الجليلة في مقابل الأفكار اليهودية والنصرانية، ذلك أن ﴿رب العالمين﴾ مثلا تصور إسلامي، في مواجهة تصور يهودي يرى في الله تعالى إلها لبني إسرائيل فقط، وأن ﴿يوم الدين﴾ فكرة إسلامية خالصة في مواجهة" صمت العهد القديم في الآخرة والحساب والثواب العقاب"(ص/16).
3. إسقاط دعوى لعن القرآن الكريم يؤسس لديانة غير رهيفة ولا رقيقة بالاستشهاد بآيات كثيرة من الأناجيل مملوءة " بالشتائم والعبارات الخشنة التي نسبها العهد الجديد لعيسى عليه السلام حقا أو باطلا" (ص/17).
إن المنطق العقلي والإيماني لا يسوي بين المؤمنين والمجرمين!
وفي مواجهة بوهل كذلك محرر المدخل الخاص بمحمد صلى الله عليه وسلم يقرر ما يلي ردا وانتقادا ودفاعا وبيانا للحقيقة العلمية المفترى عليها:
1.دفع اتهام مصادر السيرة النبوية بلا دليل وقد بين الدكتور إبراهيم عوض تناقضا منهجيا من بوهل الذي رد هذه المصادر العلمية، واتهمها وهو في الوقت نفسه يعتمدها في بناء مادة ما يكتبه؛ يقول : (ص/21) :"إن هذا الكاتب الذي رفض تلك المصادر هو نفسه الذي تكرر رجوعه لها، واعتماده عليها وإحالته إليها على مدى مقاله"!
2. إسقاط دعوى وثنية النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، ولو كان لواجهه مشركو العرب عند انتقاله لدعوتهم إلى الإسلام : وبعض الشعائر المنسوبة إلى الوثنية مما كان يمارسها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ليست من الوثنية في شئ، كالذبح، فهي شعيرة من لدن إبراهيم عليه السلام.
3. إسقاط دعوي تأثر النبي صلى الله عليه وسلم فكريا بأهل الكتاب، وهي تهمة عاصرت زمان التنزيل، وتكفل الكتاب العزيز بهدمها.
4. إسقاط دعوى الأساس السياسي فقط الذي حكم هجرة النبي صلي الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، يقول(ص41):"إن الاتفاق الذي تم بينهم (أهل المدينة) وبينه عليه السلام قائم على أساس ديني لا سياسي" ويشير في الهامش: إلى أنه سبق منه رفض الملك والزعامة في بدء دعوته في مكة المكرمة!
5. إسقاط دعوى عدم الاتصال بالمقوقس عظيم القبط في مصر بذكر آثار هذا الاتصال الماثل في إهدائه : مارية القبطية وأختها سيرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجهما وإنجابهما في المدينة ، إبراهيم من مارية من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الرحمن من سيرين من حسان بن ثابت رضي الله عنه.
وفيما يتعلق بما ورد في هذه الموسوعة من أخطاء وانحرافات تتعلق بالعقيد يذكر الدكتور إبراهيم عوض في الرد عليها، وانتقادها ما يلي:
1. إثبات معرفة العرب الجاهليين للملائكة في مواجهة إنكار الموسوعة لذلك؛ بنصوص من الكتاب العزيز، والشعر الجاهلي لشعراء كعلقمة بن عبده، وأمية بن أبي الصلت والأعشى ميمون بن خنيس.
2. إسقاط دعوي وجود تناقضات بين أسماء الله الحسنى! بالإحالة إلى طبيعة اللغة المعبرة عن هذه الدلالات، وإرادة الكشف عن أسمائه سبحانه.
3. إسقاط دعوى تأثر القرآن الكريم في وصفه للجنة بما في النصرانية من تصاوير، بتحليل فيلولوجي ولغوي معا، يكشف فيه عن أن تصاوير النصارى تظهر الملائكة ذوي أجنحة والكتاب العزيز يتكلم عن أهل الجنة من المؤمنين!
4. إسقاط دعوى سيادة عقيدة الجبر في نهاية حياة النبي صلى الله عليه وسلم بالاستناد إلى تزايد الطاعة والعمل الصالح والجهاد، يقول(ص/97) : " وكيف تكون عقيدة المسلمين الأوائل هي الجبرية المطلقة وقد تحدوا مجتمعهم وقبائلهم وشقوا لأنفسهم طريقا مستقلا يعلو على ظروف القهر والتعذيب العنيفة القاسية التي واجهتهم...وفرضوا شخصيتهم على التاريخ الإنساني، وغيروا مجراه".
إن فحص هذه الدراسة النقدية للمشكلات الثقافية والمعرفية التي تورط فيها محررو هذه الموسوعة الاستشراقية المختصرة يكشف عن مجموعة من الملامح المهمة للغاية، هي:
1. الانطلاق من إرادة صيانة هوية العقل المسلم المعاصر، برد هذه الانحرافات والأخطاء الواقعة في ميادين الإيمان والاعتقاد، وأصوله المؤسسة من الكتاب العزيز، وشخصية النبي صلى الله عليه وسلم، والأحكام الفقهية التي جاء بها للعالمين.
2. تأسيس الردود والانتقادات في كثير من فصول هذا الدراسة على أساس فيلولوجي ولساني ظاهر جدا.
وهو الأمر الذي يظهر معه وعي إبراهيم عوض بسهمة اللسانيات أو العلوم اللغوية في دفع اتهامات الاستشراق ضد العلم الإسلامي، من جانب، كما يظهر معه الوعي بدوران المعرفة الإسلامية حول الكتاب العزيز بما هو المصدر والمرجعية الحاكمة للتصور الإسلامي للوجود والعالم، والكتاب العزيز في أصل النظر إليه : " معجزة لغوية" كما قرر علماء علوم القرآن المعاصرون من مثل: محمد عبد الله دراز ، ومحمد أبي زهرة وغيرهما.
3. وقوع تداخل في معالجة الردود، مع تبني الترتيب الموضوعي المعرفي، ففي الفصل الخاص بدفع تخليطات الموسوعة في مسائل الفقه وقعت مسائل اعتقادية بالأساس، من مثل الكلام عن التوحيد في(ص/127) يقول:" ويحاول كاتب مادة " شيبة" غمز توحيد المسلمين الذي اشتهروا به" وفكرة التوحيد تنتمي معرفيا إلى باب الاعتقاد والإيمان.
4. وضوح المنهجية الدقيقة في تتبع هذه الانحرافات بالعودة إلى النص الأصلي ( غير المترجم) وهو ما كشف عما يلي:
أ‌. سقوط نصوص لم يترجمها المترجم العربي الدكتور راشد البراوي .
ب‌. تغييرات بالزيادة والنقصان والتبديل بلا مسوغ في أحيان كثيرة.
2.2 ب. منهجية النقد المعجمي والموسوعي المتابع(الشكلي/ البنائي)
(المنهجية الشكلية)
ثمة مجموعة أخرى من بحوث منجز إبراهيم عوض اتبعت المنهجية الشكلية في رد عدد من الأعمال المرجعية من نوع المعجمات والموسوعات.
ويقصد بالمنهجية الشكلية في نقد الأعمال المرجعية متابعة نقدها وفقا لبنائها أو وفقا لنقد المعلومات بحسب ورودها في البنية الكبرى للعمل المرجعي، ثم بحسب ورودها في البنية الصغرى للعمل نفسه.
وبينة أي عمل مرجعي، ولاسيما المعجم والموسوعة يتأسس على نوعين يوضحهما المخطط التالي:
بنية المعجم / الموسوعة


البنية الكبرى البنية الصغرى


المقدمة متن المعجم/ ملاحق المعجم/ التعليق على الشكل التعليق على المعني
واجهة المعجم/ الموسوعة الموسوعة
الموسوعة

معلومات معلومات المعلومات طرق شرح الاشتقاق مستوى الاستعمال
الهجاء الضبط الصرفية المعنى والتأثيل
والنحوية (التحديد (التعريف)
الجراماطيقي)
[ هذا المخطط مستوحى من كتاب هارتمان: Dictionary of lexicography,p 92-94]
وقد طبق إبراهيم عوض هذه المنهجية في النقد المعجمي/والموسوعي في الأعمال التالية:
1.معجم البلدان، لياقوت الحموي في كتابه[ من ذخائر المكتبة العربية، ص ص155-186]
2. الإفصاح في فقه اللغة، لموسى والصعيدي[من ذخائر المكتبة العربية، ص ص251-272].
3. موسوعة المستشرقين، لعبد الرحمن بدوي[من ذخائر المكتبة العربية، ص ص 273-306].
لقد سبق منا هنا في المقالة(1.2) التي استقلت بفحص وعي إبراهيم عوض بالنوع التصنيفي للأعمال المرجعية- بيان إدراك إبراهيم عوض بانتماء هذه الأعمال المرجعية إلى: المعاجم المختصة(النوعية) كما في (1) والمعاجم اللغوية العامة كما في(2)، والموسوعات المختصة النوعية، كما في(3).
وسنركز في هذه المقالة على بيان حدود الوعي بالنقد المعجمي تبعا للمنهجية الشكلية المستصحبة لمفهوم بنية العمل المرجعي في مستوييها الموزعين على البنية الكبرى(الهيكل) والبنية الصغرى(المحتوى).
(أ‌) ومن تحليل نقد إبراهيم عوض لمعجم البلدان نلمح ما يلي:
1. فحص مقدمة معجم البلدان(158)
2. فحص الأبواب التمهيدية(ص/158)ولم يسمهما معا بواجهة المعجم، وهما قسم واحد تبعا لمفهوم البنية الكبرى.
3. صلب المعجم نفسه(متن المعجم) (ص/158) يقول:" يتألف (معجم البلدان) من: مقدمة، وخمسة أبواب تمهيدية، ثم صلب المعجم نفسه".
وهذه العناصر هي مكونات ما يعرف في المعجمية باسم عناصر البنية الكبرى، والمقدمة والأبواب التمهيدية، تمثل واجهة المعجم front matter وبهما عالجت بعض الفصول التمهيدية ما استقل فيما بعد، حديثا في الملاحق. وصلب المعجم هو متنه المكون من المداخل وما تحتها من معلومات، وتنهض بالتعليق عليها من جهتي الشكل والمعنى، والصلب هو middle matter
وقد أخلص إبراهيم عوض دراسته لهذا المعجم للوجهة الوصفية، من دون عرضها على الأصول المستقرة اللازم تحقيقها كما تقرر المعجمية الحديثة، وهو ما يفسر غياب الروح النقدية لما غاب من معلومات المقدمة، من مثل:
1. إرشادات الاستعمال.
2. خصائص المعجم ومميزاته.
3. طريقة جمع المادة.
وقد توقف إبراهيم عوض أمام منهج ترتيب مداخل معجم البلدان، فبين أن الترتيب الخارجي جاء ألفبائيا ونبه إلى أنه ترتيب ألفبائي جذعي steam أي وفق منطوق المداخل واستعمالها من دون التجريد أو الرد إلى الجذور، كما بين أن الترتيب الداخلي، أي في داخل كل فصل/ أو حرف هجائي- جاء ألفبائيا براعي الحروف الثواني والثوالث؛ إلخ.
يقول إبراهيم عوض (ص/163):" والمعجم مرتب على الألفباء... ولكنه يقدم الواو على الهاء... وقد قام الترتيب على الحرف الأول، فالحرف الثاني، فالثالث، وهكذا... كما روعي فيه إبقاء الكلمة على ما هي عليه دون محاولة لتجريدها من أحرف الزيادة".
وهو ما يفسره بالسهولة والتيسير على المستعمل وهو ما يعرف في المعجمية الحديثة برعاية منظور المستعمل user prespective
ويتوقف الدكتور إبراهيم عوض أمام ما يلي من معلومات البنية الصغرى دون توزيعها على نوعيها : التعليق على الشكل، والتعليق على المعنى:
1. معلومات الضبط(ص/166).
2. معلومات صرفية(ص/166).
3. معلومات المعنى من التعريف، والاستشهادات، ومستوى الاستعمال، في بيان فروق المعنى في اللغة وميدان الجغرافيا(ص/167).
4. المعلومات الموسوعية(ص181) من عادات، وأعراف، وأسماء أطعمة، ونباتات، إلخ.
ويلاحظ على المعالجة النقدية لهذا المعجم أنها جاءت انطباعية ( ذوقية) غير خاضعة للتنظيم بسبب من عدم استصحاب الأصول المستقرة في المعجمية لما ينبغي أن يكون عليه المعجم في بنيته الكبرى والصغرى.
وعلى الرغم من هذه الانطباعية (الذوقية) فإن نقده جاء في كثير من مواضعه محكما بسبب من المكانة العلمية المرموقة التي يتمتع بها،والثقافة الموسوعية التي يحوزها.

وقد أنتجت هذه الانطباعية في النقد الملامح التالية:
1.غياب التنظيم لمفردات النقد، وعدم توزيعها على نوعي البنيتين، الكبرى والصغرى.
2. غياب استعمال المصطلحات الفنية المستقرة في علم المعجمية، فلم يظهر استعمال مصطلحات: الترتيب الجذعي(للترتيب التي يعتمد منطوق المداخل من دون ردها للجذور)، ولا ظهر : التعريف، أو طرق شرح المعنى، أو مستوى الاستعمال، أو التأثيل، وغير ذلك.
3. غياب معالجة مسائل مهمة تندرج تحت البنية الصغرى، من مثل معلومات التأثيل etymology
4. غياب تفاصيل مهمة في بيان منهج ترتيب المداخل في كل فصل من مثل عدم النص على اعتبار ياقوت لكلمات من مثل: ابن وأم في أبنية المداخل عند ترتيبها ، وهو ما يفسر لنا مثل ورود المداخل التالية في باب الألف(1/79) ابن ماما/ وابن مدى، و(1/253) أم سحل/وأم صبار، وغير ذلك.
وعدم وضوح منهجية ترتيب المداخل البسيطة (من كلمة واحدة) والمركبة (أكثر من كلمة) عند تشابه الحروف.
وهو ما أنتج نوعا من اضطراب الترتيب لم ينبه عليه، من مثل وردود مدخل(أمر) [ 1/252] بعد(أم رحم) والصواب أن يكون قبل (الأمراء) وبعد (أمديزة)!
وكذلك كان ينبغي وقوع (بلخ) بعد(بلج) وقبل(بلخان) [ 1/479].
وهذه مسائل في غاية الأهمية في النقد المعجمي؛ لأنها تتعلق بمنهجية الترتيب ورعاية المستعملين.
(ب‌) أما تحليل دراسة إبراهيم عوض لمعجم الإفصاح في فقه اللغة ، فيكشف عما يلي:
1. الوعي بالجنس التصنيفي لهذا المعجم، يقول(ص/251) :" والإفصاح في فقه اللغة من ذلك النوع من المعاجم المرتب حسب الموضوعات" وهو وعي يحيط بامتداده التراثي، ويقول:" ومنها(أي من المعاجم) في لغتنا ...( المرتبة حسبة الموضوعات".
2.ثمة ما يشير من وجه خفي إلى ارتباط هذا المنهج في الترتيب برؤية العقل العربي للعالم يقول(ص251): وهو مقسم إلى ثلاثة وعشرين بابا تغطي الموضوعات الموجودة في دنيا البشر" ثم يقول(ص/253) :" فها نحن نرى أن " الإفصاح" يغطي كل ما في دنيا البشر من : إنسان، وحيوان، ونبات، وجماد، وما يتصل بكل جنس من هذه الأجناس".
3. الوعي بالامتداد التراثي لهذه المنهجية في تاريخ المعجمية العربية؛ يقول ( ص253):" وليس الإفصاح هو أول معجم يرتب الكلمات حسب موضوعاتها ، فإن المعاجم التي من هذا القبيل جد قديمة في المكتبة العربية ... بدأت على هيئة كتب صغيرة يضم كل منها الكلمات المتصلة بموضوع واحد من الموضوعات ثم انتهت بالمعاجم التي على شاكلة الإفصاح... وقد بلغت ذروتها في معجم(المخصص) (لا الخصائص كما ذكر الدكتور إبراهيم عوض، في (س18؛21) سهوا وسبق قلم فيما يبدو لابن سيده الأندلسي"(ت458هـ).
4. وقد تناولت معالجة هذا المعجم الجوانب التالية:
أ‌. مصادر جمع المادة (المخصص، لابن سيده، القاموس المحيط، للفيروزآبادي، وفقه اللغة للثعالبي، ومختار الصحاح، للرازي، المصباح المنير للفيومي، واللسان، لابن منظور، وأساس البلاغة للزمخشري، ومبادئ اللغة للإسكافي.
ب‌. أهمية المعجم(التصنيف المفهومي للموجودات، وأسمائها)
والحق أن هذه العناصر جزء من مكونات واجهة المعجم، وكان الأجدر من الناحية المنهجية النقدية بيان ذلك.
5. تابع الدكتور إبراهيم عوض الدارسين الذين رأوا في الإفصاح مجرد تلخيص أو تهذيب لمعجم المخصص لابن سيده، والحق أن المعجم/ الإفصاح أقرب قفي بنائه لمعجم الغريب المصنف ، لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي سنة 224هـ ففي حين جاء الإفصاح في ثلاثة وعشرين (3) بابا افتتحها ببيان خلق الإنسان، فإن معجم الغريب المصنف جاء في خمسة وعشرين(25) بابا افتتحها كذلك بباب خلق الإنسان!
6.جاءت معالجة معلومات التعليق على الشكل (من الضبط والهجاء والمعلومات الصرفية) مشتتة ، غير خاضعة لنظام أو ترتيب ما.
7.جاءت معالجة معلومات التعليق على المعنى (من طرق شرح المعنى، والتأثيل والعلاقات الدلالية، ولاسيما الترادف) مشتتة كذلك لم ينتظمها منهج ولا تنظيم ما (ص/262).
وقد أحسن الدكتور إبراهيم عوض في رصد الاضطرابات التي أحاطت بمعالجة هذه المعنى لطرق شرح المعنى، والتقط عيوب التعريفات التالية:
أ‌. غموض التعريفات(ص/264).
ب‌. عدم تحديد بعض التعريفات(ص/263).
ج‌. خطأ بعض التعريفات( ص265).
د. تضارب في بعض التعريفات(ص265).
هـ. الوقوع في الرور وهو تفسير كلمة بكلمة، ثم تفسير الكلمة الأخرى بالكلمة السابقة( الجسيمة بالبدينة، والبدينة= الجسيمة) وهو ما سماه " مصادرة على المطلوب" (ص/266)
8. النزوع من منحى أخلاقي في نقد هذا المعجم، يقول (ص230) :" إنني لم أذكر هذه المآخذ لأقلل من شأن الكتاب، فالحقيقة أنه كتاب على جانب عظيم من الأهمية... ولكني فعلت ذلك رغبة مني في أن يكون أقرب شئ إلى الكمال".
ويلاحظ على نقد الدكتور إبراهيم عوض لهذا المعجم ما يلي:
1. الوفاء في نقده للبناء المنهجي( مقدمة/ وصلبا).
2. استغراق الانتقادات، للمنهج الترتيبي، والوظائف المعجمية الموزعة على وظائف الشكل(الصيغة من ضبط ومعلومات صرفية، ووظائف المعنى (من تعريفات تعيينا).
3. الوعي بامتداده التصنيفي في التراث المعجمي العربي.
4. عدم الانتظام والترتيب في إيراد الانتقادات والمآخذ مرتبة وفقا لأصول المعجمية والأولى إيرادها وفقا للمنهجية التالية:
أ. الانتقادات الموجهة لواجهة المعجم، المصادر، المنهج، إرشادات الاستعمال، والخصائص، والأهمية، والدوافع، إلخ.
ب.الانتقادات الموجهة لمتن المعجم، ترتيب الأبواب خارجيا، وترتيب الكلمات في كل باب، طرق شرح المعنى، والتعريفات (الأساسية) والمساعدة، وهي الموضحات البصرية من الصور والرسوم، ومعلومات الشكل: من الضبط/ والهجاء، والمعلومات الصرفية والنحوية ومعلومات الاشتقاق والتأصيل، والعلاقات الدلالية، ومستوى الاستعمال، والمعلومات الموسوعية، والشواهد المعجمية.
(ج) ومن تحليل نقد إبراهيم عوض لموسوعة المستشرقين ، يتضح ما يلي:
يكشف تحليل نقد إبراهيم عوض لموسوعة المستشرقين، لعبد الرحمن بدوي عن وعي يتوزع على محورين هما:
1. النطاق التنظيري الذي يدرك النوع التصنيفي لهذا العمل المرجعي بما هو موسوعة نوعية / مختصة؛ أو فنية تتعلق بالترجمة لعدد من المستشرقين، وبيان منجزهم في خدمة العلم العربي الإسلامي، بوصف الاستشراق مؤسسة مستقلة متمايزة لها سماتها وخصائصها يقول(ص273):" وتحتوي موسوعة المستشرقين على تراجم لمئتي مستشرق ونيف من جنسيات مختلفة".
والأعلام أو مداخل الموسوعة نوعان هما:
أ. أعلام المستشرقين، من العلماء.
ب. أعلام الهيئات والمؤسسات والجمعيات الاستشراقية.
2. النطاق التطبيقي / النقدي العلمي للموسوعة، وهو النقد الذي تابع فيه إبراهيم عوض بناء الموسوعة وهيكلها، المقسم على ما يلي:
أ‌. واجهة الموسوعة(المقدمة).
ب‌. صلب الموسوعة(المتن).
أ‌. ملاحق الموسوعة.
وقد علق الدكتور إبراهيم مجموعة من الملاحظات المنهجية تمثل حدود نقده لها، يقول:(ص274):" ومن الملاحظات المنهجية على موسوعة الدكتور بدوي : أن طول التراجم يختلف من مستشرق لآخر على غير أساسي واضح".
فهذه ملاحظة نقدية ربما تعكس غياب المنهج الحاكم وراء تصميم مداخل الموسوعة، ومكونات التعليق على المداخل وغياب اطراد ظهور معلومات بعينها في كل تعليق.
3. تمتع هذه الموسوعة بجاذبية أعلي مقارنة بعمل الدكتور نجيب العقيقي (المستشرقون) يقول: (ص274): ومع هذا فإن ما كتبه الدكتور بدوي أشد جاذبية " ويفسر سر هذه الجاذبية فيقول:" ذلك أنه مزج في كثير من الحالات المعلومات التي يقدمها لنا عن المستشرقين بذكرياته معهم، فضلا عن اقتباساته الكثيرة مما كتبوه عن أنفسهم أو كتبه زملاؤهم من المستشرقين عنهم".
وهذه ميزة مهمة لهذه الموسوعة منحتها قدرا من الحيوية راجعة للطبيعة بعض مصادر جمع مادتها، وهو مصدر اللقاء أو المقابلة والذكريات الشخصية لصانعاه أو لبعض من عايشوا المترجم لهم، أصحاب المداخل.
4. غياب المعيار الحكام وراء اختيار مداخل الموسوعة ، يقول " لمن هؤلاء الذين خصص لهم د. بدوي مواد في موسوعته هم مجرد عينة" ثم يقرر أنه لم يجد جوابا عن غياب هذا المعيار.
5. غياب المقدمة بما هي عنصر تأسيسي من منظور البنية الكبرى لهذا العمل المرجعي ، يقول:" إنه لم يمهد لموسوعته بمقدمة"!
6. استنبط الدكتور إبراهيم عوض منهج ترتيب الموسوعة، فقال(ص275): " وقد رتب د. بدوي المستشرقين الذين ترجم لهم على أساس هجائي، مراعيا في ذلك ألقابهم، لا أسماءهم الأولى، يغض النظر عن جنسياتهم، مع إهمال ألقاب التشريف والنبل من مثل : ديDe أو فون von
7. نقد طريق د. بدوي في كتابة أسماء المترجم لهم، وهو أمر يدخل في نقد البنية الصغرى، من جانبها الشكلي المتعلق بمعلومات الهجاء (ص267).
8. بيان معلومات النشأة وعلاقات القرابة لكل من ترجم لهم، وهي بذلك تمثل معلومات التعليق على المعنى، بالإضافة لما تولاه من مناصب ووظائف، وما أنجزه من دراسات وترجمات وتحقيقات.
9. يكشف الدكتور إبراهيم عوض عن إعجاب الدكتور بدوي بالمستشرقين بشكل ظاهر يقول(ص287):" وهذا الإعجاب الحاد بالمستشرقين بوجه عام يتبدى في المقارنات المتكررة التي يعقدها د. بدوي بين الحين والآخر بين عملهم وعمل نظرائهم اللغة العربية وآدابها"!
10.بيان تمتع الدكتور بدوي بروح نقدية، لا تمنعه " من أن ينتقد علم بعضهم : حينا انتقادا عاما دون تحديد لأحد منهم معين، وحينا انتقادا موجها لمستشرق بعينه(ص289).
11. تورط الموسوعة في الاستطراد(ص300)
12. ذكر بعض المصادر والمراجع ، للاستزادة، وهو نوع تأثر بما يلزم من محرري الموسوعات عند تحريرهم بعض المداخل في عمل موسوعي ما.
ويلاحظ على نقد إبراهيم عوض لهذه الموسوعة ما يلي:
1. الانطباعية والذوقية.
2. عدم التنظيم، أي عدم توزيع الانتقادات على عناصر الموسعة المختلفة .
3. عدم الاستغراق، فلم يشر مثلا إلى ورود صور شخصية لعدد من المترجم لهم ، ونماذج من خطوطهم ومصورات لبعض أعمالهم العلمية، وهذه أمور مهمة جدا في الأعمال المرجعية التي تعني بتراجم الأعلام.
(3) معايير النقد المعجمي وضوابطه في منجز إبراهيم عوض
إن فحص سهمة إبراهيم عوض في نقد المعجمات اللغوية والمختصة، والموسوعات العامة والمختصة يكشف عن حضور مجموعة من المعايير والضوابط الحاكمة، وهي ما أمكن جمعها فيما يلي:
أولا: المعيار الثقافي ( محددات الهوية)
كان المعيار الثقافي حاضرا بامتياز في جزء من منجز إبراهيم عوض في النقد المعجمي والموسوعي وهو ما تجلى في عدد من دراسات التي تبنت المنهج الموضوعي / المعرفي في إيراد الردود والانتقادات.
وكانت محددات الهوية الإيمانية والاعتقادية والدينية بوجه عام هي المعيار الحكام خلف ردوده وانتقاداته لهذه الأعمال المرجعية.
وقد أزره في هذا المعيار اعتماد المصادر الأصيلة من الكتاب العزيز والسنة المشرفة، في الرد على الانحرافات والأخطاء، وتمتع تطبيق هذا المعيار الثقافي بذكاء علمي واضح، وحرص على كشف التناقضات الجوهرية فيما ورد في هذه الأعمال المرجعية المختلفة.
ثانيا: المعيار المنهجي
كما تبين من تحليل منجز إبراهيم عوض في الردود والانتقادات التي وجهها من خلال ما نقده من معجمات وموسوعات تطبيق معيار منهجي واضح الملامح، توزعت على ما يلي:
1. الوعي بالنوع التصنيفي للأعمال المرجعية، وهي:
أ‌. معاجم لغوية عامة
ب‌. معاجم مختصة فنية.
ج. موسوعات عامة.
د. موسوعات نوعية مختصة.
2. الوعي بالوظائف المتمايزة لهذه الأنواع التصنيفية، فقد ظهر بشكل شبه واضح إدراك ما يلي:
أ. وظيفة المعجم بما هي عمل مساعد.
ب. وظيفة الموسوعة بما هي عمل للتعليم والتثقيف.
3. الوعي بترتيب النقد لمعلومات المعاجم والموسوعات، ومناهج ترتيب مداخلها على الوعي بأجناسها التصنيفية.
4. الوعي بشكل عام غائم بالبنية الكبرى لهذه الأعمال المرجعية، ظهرت في كل عمل أو غاب بعض عناصر عن بعض الأعمال، وتمثلت مكونات هذه البنية فيما يلي:
أ. المقدمات(واجهة العمل المرجعي) من العنوان، والمقدمات، وما تضمه من الأهمية، والمصادر، ودوافع التنصيف والوظائف، إخ.
ب. صلب العمل(متن المعجم/ الموسوعة)، بمداخله، ومعلومات ما تحت هذه المداخل، ومنهج ترتيبها، والغرض من وراء هذا النظام أو غيره.
ج. الملاحق.
5. الوعي بشكل عام غائم بمكونات البنية الصغرى من دون النص على قسميها ، التعليق على الشكل، و التعليق على المعنى.
وهو ما انعكس في نقد الضبط والهجاء، والتعريفات الناقصة المعيبة، إلخ.
ثالثا: المعيار الاستعمالي
لم يغب عن منجز الدكتور إبراهيم عوض الوعي بأن الأعمال المرجعية هي أعمال متوجهة لمستعمل نوعي بطبيعة الحال، وهذا المستعمل أنواع ، يجمعها ما يلي:
أ.مستعمل متعلم دارس يلجأ للعمل المرجعي بما هو عمل معين ومساعد، يتوصل من خلاله إلى تحسين التحصيل، وتحسين الإدراك، وهو الأمر الأظهر في مستعملي المعجمات اللغوية والاصطلاحية.
ب.مستعمل مثقف دارس مختص يلجأ للعمل المرجعي بما هو عمل ينهض بالتعليم والتثقيف بصورة كثيفة، ونسبة مكتملة، يستعمله المستعمل لتكوين تصور كلي عام إجمالي عن مسالة من المسائل المعرفية، ويمنحه هذا العمل المرجعي الوسيلة للاستزادة المستقبلية، ويعينه على تحقيقها، وهو الأمر الذي يظهر من طبيعة الموسوعات.
وقد تجلى تحكيم هذا المعيار الاستعمالي في نقد إبراهيم عوض للمعجمات والموسوعات من الجوانب التالية:
أ‌. مميزات أنظمة ترتيب المداخل في الأعمال التي درسها ونقدها، وبيان الترتيب الخارجي والداخلي للمداخل.
ب‌. بيان الدوافع التي ظهرت خلف بعض هذه الأعمال المرجعية.
ج. الرد على ما من شأنه التشويش على عقل المستعملين، وتهديد تصوراتهم الاعتقادية والإيمانية والفكرية.
د. بيان الأخطاء التي أحاطت بالمعلومات المختلفة الموزعة على التعليق على الشكل والمعنى، من جهات الضبط والهجاء والمعلومات الصرفية، وطرق شرح المعنى، وعيوب التعريفات والعلاقات الدلالية، وغيرها.
صحيح أن كثيرا من هذه الانتقادات جاءت غير مطردة ولا منتظمة لكنها كشفت عن حضور مائز وإدراك واع لمنظور المستعمل، وهو المنظور الذي ظهور وعي إبراهيم عوض بضرورة أن ينتج عنه التيسير على المستعملين.







(4) وظائف النقد المعجمي والموسوعي في منجز إبراهيم عوض ومقاصده
كشف فحص سهمة الدكتور إبراهيم عوض في النقد المعجمي والموسوعي استهدافه مجموعة من الوظائف والمقاصد المهمة للغاية، يمكن بيانها فيما يلي:
(1.4) الوظائف
أما الوظائف التي استهدفها النقد المعجمي والموسوعي فيمكن إجمالها فيما يلي:
1. الوظيفة الدينية التي استهدف نقده المعجمي من خلالها خدمة حياطة القضية الإيمانية والاعتقادية بوجه خاص، والقضية الدينية والعبادية بشكل عام، وهذه الوظيفة عامة في منجزه في النقد المعجمي جميعا، وبصورة أدق في الجزء الذي اتبع المنهجية الموضوعية / المعرفية.
2. الوظيفة المعرفية، فقد استهدف نقده المعجمي بيان التخليطات، والأخطاء والأغلاط والانحرافات والتناقضات العلمي التي وردت في هذه الأعمال المرجعية العربية والاستشراقية وردها بالأدلة والبراهين، والاستشهادات، والمناقشات والتحليلات المختلفة.
3. الوظيفة المنهجية
إن هذه الدراسات تمثل درسا بالغ القيمة في احترام المنهجية ، قراءة للأصل ، وتحليله، وعرض معلوماته المغلوطة على المصادر الأصيلة ومناقشة تناقضاتها والاستشهاد على عوارها، واستخراج النتائج في النهاية.
وهو درس منهجي يستصحب النوع التصنيفي، وإجراءاته المنهجية، ويستصحب الأغراض، والوظائف وخطاب المصادر.
5. الوظيفة اللسانية
لقد برز من المعالجة النقدية التي مارسها الدكتور إبراهيم عوض تجاه هذه الأعمال المرجعية( المعجمات/ الموسوعات) و العلوم اللسان من أثر في البناء العقل المسلم المعاصر، وأثرها في نقد الانحرافات والأخطاء والأغاليط والكشف عن التناقضات مما يجعل الوظيفة اللسانية من الوظائف التأسيسية في دراسات النقد المعجمي، الذي يستهدف ضبط المحصول الثقافي والمعرفي.
وهي الوظيفة التي تتجلى من فحص المعلومات الموزعة على المستويات اللغوية المختلفة: صوتيا وصرفيا ونحويا ودلاليا وأسلوبيا، وترجميا .
6. الوظيفة التعليمية
حرص منجز إبراهيم عوض في النقد المعجمي على استهداف خدمة الوظيفة التعليمية، وحياطة مستعملي قطاع هذه الأعمال المرجعية، ولاسيما المعجمات وبعضها مدرسي- من الأخطاء والانحرافات العلمية.
وهو حرص يستهدف خدمة تحسين العملية التعليمية، وتحسين تحصيل الطلاب الدراسي بتنقية هذه الأعمال المرجعية المساعدة
7. والوظيفة الحضارية.
لقد كشف النقد المعجمي الذي مارسه الدكتور إبراهيم عوض على هذه المجموعة من المعجمات والموسوعات عن منزلة العقل العربي، والعلم العربي، والمنجزات الحضارية العربية على امتداد عطاء الإنسان العربي المسلم.
وكشف كذلك على استهداف هذه الحضارة من قبل خصومها وأعدائها تعريفا، ومنعا من نهضتها.
8. الوظيفة القومية.
عبر الدكتور إبراهيم عوض أكثر من مرة عن ضرورة التصدي لمحاولات أعداء الأمة سواء من داخلها (المنصرين) أو خارجها (المستعمرين والمستشرقين) بطريق عملي ينهض بصناعة أعمال مرجعية (معجمية وموسوعية) ترعى قيم العلم الإسلامي، وتصورات الدين الإسلامي الإيمانية والاعتقادية والفقهية والأخلاقية.
وعد هذه الدعوة فريضة قومية ووطنية، وقد تكرر منه ذلك يقول في نهاية كتابه: ( النزاعة النصرانية في قاموس المنجد / ص/49) :" إنني أهيب بالدول العربية التي أفاء الله عليها من خزائنه وكرمه أن تتبنى (المنجد الإسلامي) وعيب أن يكون العرب بهذا العدد وهذه الإمكانات ثم لا يكون لهم (منجد) جميل يتلافى أخطاء (المنجد النصراني) وضيق أفقه، وتعصبه الذميم"!
ويقول في خاتمة (نظرات إسلامية في الموسعة العربية الميسرة / ص/99): " إن من الواجب على الأموال العربية والخبرة العربية أن تتعاونا معا متسلحتين بالإيمان بالله والإخلاص للعلم، على صنع موسوعة ليس فيها هذه الثقوب والثغرات في جدار صمودنا الروحي والفكري والنفسي؛ موسوعة تضع الحق في نصابه، ولا تخضع لضغوط التمويل والتوجيه الغربيين"!
(2.4) المقاصد
إن تحليل عنوانات دراسات إبراهيم عوض في النقد المعجمي والموسوعي، وتحليل خطاب مقدماته، وبنية معلوماتها، بما هي جميعا مسالك كاشفة عن مجموعة من المقاصد – يكشف عن حضور مجموعة كبيرة من المقاصد الشرعية يمكن استثمارها واستلهامها من هذا المنجز العلمي، وفيما يلي دلالة على هذه المقاصد من تحليل هذه المسالك المتنوعة:
1. تحقيق مقصد حفظ إيمان المسلم المعاصر وعقيدته، وهو مقصد حاضر في الأعمال جميعا ولاسيما في : النزعة النصرانية في قاموس المنجد، ونظرات إسلامية في الموسوعة العربية الميسرة، ودوائر المعارف الإسلامية الاستشراقية : أضاليل وأباطيل.
وحفظ ما يحقق ذلك من صيانة الوحي والكتاب والسنة من تخليطات المخلطين والدفاع عنه.
2. توخي تحقيق مقصد حفظ صحة عباداته المسلم المعاصر، ببيان الانحرافات التي وقعت في هذه الأعمال المرجعية التي تصدى للرد عليها، ولا سيما في أبواب الفقه، ومسائله مما يعين على إقامة التكاليف.
3. توخي تحقيق مقصد حفظ العقل المسلم المعاصر، بصيانته من تسرب الأخطاء العلمية إلى تكوينه، وفضح التناقضات المعرفية التي وقعت في هذه الأعمال ، وإقامة الدليل واستصحاب الشواهد على صحة الردود، وتهافت الأقوال الخاطئة ، مما يعين على استقرار العقل المسلم المعاصر، ومنع اضطرابه.
4. توخي تحقيق مقصد تقويم الخلل ببيان الأخطاء والانحرافات والأغلاط والتناقضات العلمية التي أحاطت بعلوم الشريعة والعربية.
5. توخي تحقيق مقصد التيسير على المسلمين المعاصرين، ببيان ما يمكن أن يضرهم في معتقدهم، وتكوينهم العلمي، ورفع الحرج والمشقة عمن لا يستطيع دفع هذه التحريفات والانحرافات والتخليطات، إلخ.
6. استهداف تحقيق مقصد الضبط العلمي، وتحقيق المسائل العلمية بدفع التناقضات والانحرافات التي أوردتها هذه الأعمال المرجعية، وإقامة الدليل على صحة الردود والانتقادات .
7. توخي تحقيق مقصد خدمة العمران بخدمة العلم، وتنقيته من التحريفات والانحرافات والأخطاء، ودعم المنهج العلمي المستقيم.
8. استهداف تحقيق مقصد وحدة عقل الأمة، ذلك أن تصحيح هذه الأخطاء والانحرافات من شأنه أن يحقق نوعا من الوحدة الفكرية والعقلية تعين على نشر أجواء الوئام الفكري.
9. استهداف تحقيق مقصد نفع الخلق من طلاب العلم، ورعايتهم بما يحقق استقرارهم المعرفي، واستواءهم النفسي، ومطاردة محددات الاضطراب والقلق ، من جراء ما يصادم عقله، واعتقاده من هذه الأخطاء. ومقصد الرحمة بالخلق هذه بعض تجلياته العلمية.
10.توخي تحقيق مقصد طلب الأجر والثواب بما ينفع الناس، ويقيم وعيهم ، ويضبط تفكيرهم.
11. استهداف تحقيق مقصد الوفاء لعطاء علماء الأمة السابقين الذين نهضوا في مراحل زمنية سابقة بواجب الدفاع عن الله تعالى، والدفاع عن رسوله صلى الله عليه وسلم.
خاتمة:
عالج هذا البحث سهمة الدكتور إبراهيم عوض في نقد المعجمات والموسوعات من منظور الهوية الحاضرة.
وقد جاء في أربعة مطالب هي:
1. المدخل: إبراهيم عوض والنقد المعجمي: مداخل أولية، عرض لمنجزه في الباب وانتماءاته المعرفية.
2. النقد المعجمي في منجز إبراهيم عوض : دراسة في المجالات ونتج من درسه وعيه بما يلي:
أ‌. تنوع النوع التصنيفي للأعمال المرجعية(معجمات / وموسوعات)
ب‌. تنوع وظائف تبعا لتنوع الأنواع التصنيفية.
ج. حضور مجموعة من المعايير والضوابط حكمت منجزه النقدي للمعجمات والموسوعات.
3. معايير النقد المعجمي في منجز إبراهيم عوض.
4. وظائف النقد المعجمي في منجز إبراهيم عوض ومقاصده.
وكانت أهم النتائج التي خرج بها هذا البحث هي كما يلي:
1. يعد إبراهيم عوض واحدا من اللسانيين المهنيين المختصين الذي أثروا باب النقد المعجمي والموسوعي برصيد كبير من الدراسات من منظور ثقافي / وصناعي، يراعي أصول صناعة المعجم.
2. توزعت سهمة إبراهيم عوض في النقد المعجمي الموسوعي على محورين:
أ‌. محور النقد المعرفي(الثقافي) الذي استهدف فضح الأخطاء والانحرافات الفكرية في ميادين مخلتفة.
ب‌. محور النقد المنهجي الذي استهدف بيان الأخطاء التي وقع فيها أصحاب هذه المعجمات والموسوعات.
3. كان معيار صيانة الهوية هو أعلي المعايير التي حكت منجز إبراهيم عوض في نقد المعجمات والموسوعات.
4. لم يغب عن وعي إبراهيم عوض أن البحث المعجمي يتجاوز محور النقد إلى محورين آخرين هما:
أ‌. محور التاريخ المعجمي، كما ظهر مثلا في تعليقه المطول في كتاب(من ذخائر المكتبة العربية، ص253) :"إن المعاجم التي من هذا القبيل و(الموضوعات) جد قديمة في المكتبة العربية... وقد بدأت على هيئة كتب صغيرة يضم كل منها الكلمات المتصلة بموضوع واحد من الموضوعات ، ثم انتهت بالمعاجم التي على شاكلة الإفصاح" وهذا تعليق يقع في الصميم من التأريخ المعجمي، بما هو واحد من أعمدة البحث المعجمي.
ب‌. محور التنصيف المعجمي، وتنوعه باعتبارات مختلفة، هو ما يظهر مثلا من التعليق المطول، [ من ذخائر المكتبة العربية ،(ص251) ] حيث يقول : " المعاجم في اللغات الحية العريقة كثيرة متنوعة منها : الأحادي اللغة والثنائي اللغة... والثلاثي اللغة كذلك. ومنها المعاجم العامة، والمعاجم الخاصة بعلم من العلوم، أو فن من الفنون، ومنها المعاجم المبسوطة (الموسعة) والمعاجم الوجيزة. ومنها معاجم ... الفصحى، معاجم اللهجات، ومنها... المعاجم المرتبة الفبائيا، وتلك المرتبة حسب الموضوعات"وهذا وعي ممتاز باعتبارات الحاكمة لتصنيف المعاجم من زوايا مختلفة.
5. كانت انتقادات إبراهيم عوض وردوده صحيحة في المجمل الغالب، وإن جاءت انطباعية وحدسية وذوقية لم تستصحب أصول المعجمية المستقرة في مصادر هذا العلم المعاصر، وساعده على إصابة الحق فيها ثقافته الواسعة، وتخصصه العلمي أستاذ مرموقا في علوم العربية، ولاسيما : النقد الأدبي.
6. فات انتقادات إبراهيم عوض وردوده على الانحرافات والأخطاء العلمية التي وقعت في الأعمال المرجعية (المعجمات/ والموسوعات) التي تصدى لنقدها – أن ترد منظمة محكومة بنسق تنظيمي.
إن هذا المنجز النقدي الذي نهض به الدكتور إبراهيم عوض يكشف عن الإمكانات الكبرى الكامنة في حقل النقد المعجمي والموسوعي ، ومما يمكن أن يقدمه هذا المجال من خدمات للعقل المسلم المعاصر على المستويات الثقافية والمنهجية.
وهو منجز علمي يسلك صاحبه علما في حقل اللسانيات عموما والبحث المعجمي خصوصا!
















الهوامش:
1. انظر ما كتبه الدكتور عبد المنعم السيد الجدامي، حول مفهوم الثقافة في مقدمة بحثه: المشكلات الثقافية في معجم إلياس بقطر،(ص312-313)ضمن كتاب:المعجمية العربية؛ قضايا وآفاق(ج3)إعداد وتنسيق :د. منتصر أمين عبد الرحيم، ود. حافظ إسماعيلي علوي، دار كنوز المعرفة، عمان، الأردن، 1437هـ=2016م.
وانظر مدخل الثقافة في : الكلمات المفاتيح : معجم ثقافي ومجتمعي لريموند وليامز، ترجمة طلال أسد ومراجعة محمد بربري، (ص116) المشروع القومي للترجمة، القاهرة ع 980 سنة 2015م ومفاتيح اصطلاحية جديدة، معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع، لطوني بنينت وآخرين، ترجمة سعيد الغانمي، المنظمة العربية للترجمة (ص255) ، بيروت سنة 2010م وموسوعة النظرية الثقافية: المفاهيم والمصطلحات الأساسية، لأندرو إدجار، وبيتر سيد جويك، ترجمة هناء الجوهري، ومراجعة محمد الجوهري ، المركز القومي للترجمةع 1357 سنة 2009م (ص 229)
2. المعاجم عبر الثقافات، ص59
3. المعجم العربي وهوية الأمة، للدكتور حسن حمزة(ص 63-64) ضمن : مجلة تبيين الدراسات الفكرية والثقافية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، مج1 ع 1 (ص ص63-78) صيف 2012م.