تنامي انواع الجريمة في المجتمع العربي
الدكتور عادل عامر
مقدمة:-
يشهد الوطن العربي ارتفاع مذهل للجريمة سواء المنظمة منها او العادية مع استعمال وسائل لا تخطر على البال. وهذا ما جعل العديد من الناس في مجتمعنا بالتخوف من هذه المعضلة . لان مفهوم الجريمة مفهوم عريض جدا و متعدد وإن كان أول ما نسمع كلمة الجريمة نميل إلى التفكير بالجرائم التقليدية، والضحايا التقليدية مثل ضحايا السرقات والقتل والاغتصاب. الخ، من الجرائم التي أطلق عليها بعض العلماء الجرائم الطبيعية أي التي توجد في كل مجتمع وفي كل زمان ومكان، إلا أن أفق الجريمة والمجرمين والضحايا قد اتسع كثيرا بتعقد المجتمع البشري فهي أصبحت أكثر خطورة وتعقيدا وأكثر عقلانية أي نشاطا محسوباً ومقصوداً أكثر منها مصادفة و نزوة، ومن هذا تعددت تعاريف الجريمة بتعددها.
إن موضوع تحديد ماهية الجريمة حظي باهتمام وافر من قبل العلماء في مجالات عدة على رأسها علم الاجتماع الجنائي وعلم الإجرام، مما أسفر عنه أكثر من تعريف، ولكن إن تغيرت صورها فان فكرتها لا تتغير بجوهرها ويمكن أن نعرف الجريمة من الناحية القانونية والأخلاقية، التكاملية، الدينية، والاجتماعية.
إن مثل هذا الاختلاف في الاهتمامات و التوجهات من قبل العلماء في مجال تعريف وتفسير الجريمة قد يرد لعوامل عدة من أهمها تعدد أبعاد هذه الظاهرة باعتبارها إفرازات لعوامل متعددة تؤثر وتتأثر بجوانب اجتماعية وثقافية وقانونية مختلفة.
إضافة إلى اختلاف وحدة الاهتمام التي تناولها مختلف الباحثين والعلماء، فمنهم من اهتم بالمؤسسات و النظم العاملة على مكافحة الجريمة، ومنهم من اهتم بالأفراد، في حين ركز آخرون في دراساتهم للجريمة على الاتجاهات السلوكية حيال المجرم و الجريمة، وآخرون درسوا نمط معين من السلوك الإجرامي كتعاطي المخدرات أو الانتحار أو الرشوة.
ومنهم من درس المحكوم عليهم في قضايا معينة فقط وآخرون درسوا المتهمين و المحكوم عليهم معا، بل هناك من اتجه مؤخرا إلى دراسة بهدف فهم وتفسير الإجرام، وآخرون اهتموا بإجرام الرجال وغيرهم اهتموا بإجرام النساء والفريق الثالث يجمع بين الاثنين، هكذا تباين أوجه الاهتمام من قبل الدارسين و الباحثين مما نجم عنه تباين في النتائج وتعدد المداخل واختلاف وجهات النظر والآراء والتشعب في دراسة هذا الموضوع.
وأكد الفلاسفة وعلماء الاجتماع ان الفقر يلعب دورا" محوريا" في دفع الفرد لممارسة الجريمة قال سقراط (ان الفقر أبو الثورة وأبو الجريمة ). وقال كلارك (ان جرائم الفقراء وجرائم الناس المسلوبة القوة غالبا" ما تكون بسبب السخط والكره تجاه الأغنياء، وقد يحملون حملا" لممارسة الجريمة من أجل توفير لقمة العيش وهذا يعني أن ظروف الفقر اللاإنسانية هي التي تخلق من بين الفقراء من يتجه الي الجريمة .
كثير من الجرائم تبين أن هناك اناس غير قادرين علي اطعام ابنائهم فلجاؤا الي السرقة لإطعام الأفواه الجائعة ، ونستذكر قول أبو ذر الغفاري رضي الله عنه (عجبت لمن لا يجد قوت أبنائه ولا يخرج شاهرا" سيفه في الناس )، وقول علي بن ابي طالب ( لو كان الفقر رجلا" لقتلته ) وهما قولان يجسدان بشاعة الفقر وخطورته علي الفرد والمجتمع .. تتعدد أسباب الجريمة في المجتمع والفقر هو أساسها الأول دون تحديد طبيعة المجتمع ان كان متقدما" أو متخلفا" فكلاهما يعيشان في مستنقع الجريمة . كما يقول علماء الاجتماع فان الجريمة انتهاك للقيم والمعايير الاجتماعية، لكن هل هناك ما ينتهك تلك القيم والمعايير أكثر مما يفعل الفقر؟ من هذا المدخل نأتي إلي البيئة الاقتصادية والاجتماعية التي يعيش فيها الإنسان والتي تنتج الكثير من الأمراض المسببة للجريمة. هنا نجد الكثير من الدراسات التي تهتم بطبيعة الجريمة وحجمها وسط الفقراء في مختلف بلدان العالم. كان ذلك منذ عهد سقراط الذي تحدث عن الفقر باعتباره ( أبو الثورة والجريمة) و"الذي يعطي الفيلم الايطالي للمخرج روبيرتو روسيليني (سقراط) صورة رائعة عن سيرة ذلك الفيلسوف" وصولا إلي الدراسات في هذه الألفية. ربما كان دافع الثورة أكثر وضوحا مجسدا في (الحقد الطبقي) من قبل الفقراء علي الأغنياء الناتج عن الواقع غير الإنساني للاضطهاد والاستغلال.
الفقر والجريمة
هل يؤدي الفقر إلى ارتفاع معدلات الجريمة والانحراف؟ وهل يكفي عامل الفقر لتفسير العديد من الظواهر ومنها جرائم الشرف كما أظهرت دراسة المركز الاردني للبحوث الاجتماعية ومركز المفرق للبحث والتي تطرقت لهذا الموضوع مؤخرا، وهل الخلاصة أن تحسين الوضع المعيشي سيقضي على تلك الظاهرة التي تعود الى قرون عديدة؟
كلها اسئلة تتبادر الى الذهن لدى مراجعة المسح الذي نفذ مؤخرا ورصد مائة حالة على مدى خمس سنوات، اي بمعدل عشر حالات لكل عام، وهو عدد قليل من المشاهدات لا يكفي برأينا للتوصل الى الاستنتاج بالعلاقة السببية التي طغى عليها العامل الاقتصادي.
نظريا من السهل الربط بين معدلات الجريمة والفقر، فالمناطق الفقيرة ليس فيها نظام تعليمي جيد، وليست مخدومة وهي تعاني من كافة انواع المشاكل التي تدفع الى الانحراف، وهذا ما نتفق معه، ولكن ما نختلف عليه هو تحديد نوع معين من الجرائم المرتبطة بمجموعة معقدة من العوامل، والاستنتاج أن العامل الاقتصادي -الفقر- هو العامل الرئيس في تفسيرها مجتزأ، وهنا نتساءل عندما كان الوضع الاقتصادي حتى منتصف الثمانينات في الوطن العربي جيدا، وعندما كان الاردن لا يعاني من مشاكل في البطالة، وكان مستوى الدخل والمعيشية أفضل مما هو عليه الآن، هل غابت جرائم الشرف عن المجتمع العربي؟
وهل تغيرت مواقع حدوث الجريمة أو أدواتها أو الطريقة التي يتم اختيار الشاب الذي سينفذها؟ ما حصل خلال العقدين الماضيين من تحولات اقتصادية رفع مستويات البطالة والفقر الى مستويات تزيد كثيرا على مستوى الزيادة في الجرائم التي تم تسجيلها، وما حصل في الحقيقة تبدل في نوعية الجرائم، ففي الوقت الذي يتم التركيز فيه على جرائم العنف المباشرة، ينسى البعض جرائم أخرى مثل الفساد والإثراء غير المشروع، وهي عوامل لا تقل في تأثيرها عن الفقر بالمعنى المطلق، وفي الحقيقة فإن نسبة الجرائم المرتكبة في أوساط الفقراء نسبة الى عدد السكان تعتبر أقل من نظيرتها في اوساط ميسوري الحال، ولننظر الى جرائم المخدرات والسرقة والتزييف وغيرها من الجرائم التي لا تحظى بتغطية إعلامية مشابهة لجرائم الشرف. فالنوع الثاني من الجرائم يعتبر عاديا من المنظور الغربي والاستشراقي، لذلك ليس من الضرورة تخصيص برامج دعم له أو التركيز عليه، أما النوع الأول فهو يرتبط بثقافة قديمة سائدة قبل الإسلام، وهو مرتبط بمنطقتنا وتراثنا، وهذا لا يقلل من أهمية هذا النوع من الجرائم التي ترتكب تحت كافة المسميات الدينية والأخلاقية والتي في كثير من الأحيان لا علاقة لها بسبب ارتكاب ذلك النوع من الجرائم.
ونقول هذا في الوقت الذي تنتشر فيه انوع جديدة من العنف والتوتر الاجتماعي محليا والتي يعزوها الى أسباب اقتصادية، فانغلاق الأفق أمام الشباب وعدم وجود منافذ لتفريغ الطاقة السلبية والايجابية وانتشار الفساد وتفضيل الحياة السهلة، كلها عوامل لا تقل أهمية عن مستوى الدخل.
العامل الاقتصادي والسلوك الاجتماعي
العامل الاقتصادي مهم ولكنه ليس محددا للسلوك الاجتماعي، فالفقر سيئ من حيث المبدأ، لأن ذلك يرافقه الجهل والحرمان معا وما ينجم ذلك من ممارسات خاطئة ومن ضمنها ما يعرف بجرائم الشرف، وعلنا أن ننظر الى الأمور بمقياس عام، ونتساءل ما الذي حل بمجموعة القيم التي تحكم المجتمع وما أسباب تراجعها، العامل الاقتصادي سيكون واحدا من متعدد، وإلا كيف نفسر السلوك السوي للغالبية العظمى من فقراء مجتمعنا.
لعل مزية منهج التحليل الاقتصادي أنه لا يعزي الجريمة إلى مجمل نظام اقتصادي معين وإنما إلى أوضاع و ظروف اقتصادية سمتها التغيير إذ أن الجريمة في منطق هذا المنهج ليس ناتجا مباشرا للظروف والأوضاع الاقتصادية وإنما تعتبر عاملا مهيأ إلى ارتكاب السلوك الإجرامي لكن منهج المدرسة الاشتراكية على العكس الذي أسس تفسيره على تعصب مذهبي وبالتالي انحياز اتجاهها عن الموضوعية إذ هذا التفسير يشوبه القصور في تفسير بعض الجرائم ولا يصلح إلا لتفسير جرائم الأموال رغم أن تأثير العوامل الاقتصادية يكون على نوعيات الجرائم وليس على كمها.
كما أن نظرية العالم سويزر لاند انحرفت في تفسيرها السلوك الإجرامي نحو التعميم والافتراض المبدئي كما أن التأكيد على أن الفرد يتقن السلوك الإجرامي في الوسط الذي يعيش فيه وهو تسليم بحتمية السلوك الإجرامي وهو نقطة ضعف في بناء النظرية لاسيما أنه من زاوية أخرى فكرة المخالطة تفسيرها قاصر على بعض الأشخاص كون أن الشخص المصاب بخلل عضوي أو نفسي يتعذر عليه تعلم السلوك الإجرامي وهو جوهر هذا التفسير وأن هذا التفسير كذلك يقتصر على فئة معينة من الجرائم لكون أن فكرة تعلم السلوك الإجرامي غير قائمة في تفسير الإجرام بصفة عامة كجرائم الأحداث مثلا الجرائم الاقتصادية كثيرة ولها أثارها الاقتصادية المدمرة للإفراد الدين يقعون ضحية لها وللمجتمع ككل لما لها من اثأر سلبية على الاقتصاد الكلى بما آن المجرم يختار مجال الإعمال غير المشروعة بدلا من الإعمال المشروعة ويحاول تعطيم أرباحه شان أي منتج فعلى المجتمع رفع تكاليف ارتكاب الجريمة وتقليل إيرادات المجرمين منها بالوسائل الوقائية والعلاجية والعقابية وقد تكون التربية وخاصة التربية الدينية من أهم عوامل الوقاية من الجريمة بكل أنواعها كما إن الحد من البطالة ومحاربته الفقر وتحسين توزيع الدخل بين الإفراد والجماعات وعبر المكان بين الأرياف والتنمية الاقتصادية المتزنة وإيقاف التميز العنصري والعرقي قد الجريمة في حدها الأدنى وخاصة الجرائم الاقتصادية هدا فضلا عن السياسات الاقتصادية والإجراءات الاقتصادية والنظم المحاسبية العلمية تستخدم تقنية الحاسبات الآية استخداما فعالا في رصد وسهولة مراجعتها. (حامد :سنة1998,ص171)
الجغرافية والجريمة
يذهب جمهور العلماء إلى أن الظاهرة الإجرامية تتأثر بطبيعة المكان و بدرجة كثافة سكانه ، فطبيعة المكان من سهول ووديان وجبال ومرتفعات يعطي للمكان طابعاً ريفياً أو حضرياً مما ينعكس بدوره على السلوك الإجرامي للأفراد ، كما أن كثرة السكان في المدن وكثافتهم يصحبه غالباً ارتفاع في معدل الإجرام ، ولذلك فان نسبة الإجرام في المدن تزيد عن نسبتها في الريف وعلى ذلك تتطلب دراسة الصلة بين مكان الجريمة والظاهرة الإجرامية بيان مدى اختلاف حجم هذه الظاهرة ونوعها بين الريف والمدن . ( أبو خطوة ، 1994 : ص 240 ) ويمكن تلخيص حياة سكان الريف في المحافظة على التمسك بالدين والاقتصاد في النفقات والقدرية أو الارتكالية والشك في الغريب والثرثرة فان الحضري صفاته : فهو دولي عالمي له رأي خاص بالإضافة إلى انه عقلي وواقعي ويتحفظ في علاقته الاجتماعية ، ويمكن القول أن وجهة نظر ساكن المدينة الصناعية تختلف عن وجهة نظر ساكن المنطقة الريفية .
ومن الواضح أن كثرة السكان في المدينة وكثافتهم وتنوعهم كل ذلك يؤثر بالضرورة في العلاقات الاجتماعية التي تربط بين الأفراد بعضهم بعضاً ، والتي تربط الجماعات بعضها ببعض وهي علاقات تقوم على أساس المواجهة مع أفراد الأسرة والمدرسة وأهل الحي تؤثر فيه ويتأثر بها بحيث يبدو التفاعل بينهما واضحاً في سلوكه .
وهناك عامل آخر يساعد على تفهم الفروق بين الحضري والريفي هو ( التنشئة الاجتماعية ) أن الأسرة في المجتمع الريفي هي أهم عماد لهذه التنشئة وعندما تنعزل المجتمعات الريفية وتستقر دون حراك تزداد شدة صلة القرابة بين أفرادها حتى يصبح هؤلاء الأفراد أقرباء بعضهم لبعض بعد عدد قليل من الأجيال ، ولصلة القرابة هذه احترامها ، وبسبب هذه القرابة التي تربط الطفل بأهل قريته فانه يلقى منهم الرعاية والعطف .
وينشأ الطفل في القرية طبقاً للأنماط التي تتفق والحياة الريفية ، كما أن الطفل في القرية شبيه بأقرانه فلا يكون بينهم تميز أو تنوع وهم يقومون جميعاً بنفس العمل ، ومعنى ذلك أن الفردية في البيئات الريفية لا توجد إلا بصورة نادرة . ( عبيد ، 1981 : ص168 ) وابن الريف طموحاته محدودة ويكتفي ويقتنع بما ليده ولا يطلب كابن المدينة حياة الترف والرخاء وأيضاً بان ابن الريف يكون متعاوناً مع أفراد جماعته ويقوم بمساعدتهم ويمدهم بالعون ويقفون مع بضعهم البعض ويتعاونون في أي مأزق مما يقلل من الضغط النفسي عليهم فيؤدي إلى انتشار روح التعاون والمحبة بينهم على العكس من ابن المدينة . أما ابن المدينة يبقى ذلك الشخص الذي يكون طموحاً ويسعى إلى تحقيق الربح والرخاء لنفسه فيتوفر لديه في المدينة الأعمال والمشاريع الكافية التي تتوافق مع طموحاته ومع احتفاظه بأن يكون منعزلاً وقليل الاختلاط بالآخرين ويبقى ملازماً للمجتمع في تطوره وقدر الامكان ولكن ذلك لا يعني ان ابن الريف لا يتطور ولكن بحسب موقعه وظروفه سيبقى تطوره بدرجة أقل من ابن المدينة .
فيما يتعلق بتزايد الجرائم في المدن فان من الواضح ان السر فيه هو تعقد أسباب الحياة في المدينة فضلاً عن أن المدينة الكبيرة هي بطبيعة الحال أصلح مكان يمكن أن يحتمي به المجرم ولما كانت المدن هي أكثر المجتمعات إظهارا للتفاوت القائم بين أصاحب الثروات الطائلة أو الكادحين من أهل الطبقات الفقيرة ، فان من الطبيعي ان تستبد الغيرة والحسد والضغينة الاجتماعية بنفوس الكثيرين من ضحايا المجتمع وصرعى التفاوت الطبقي .
وهذا إلى أن القيم المادية والمعايير الاقتصادية التي تسود عادة في المدن الصناعية الكبرى ( كما هي الحال مثلاً في كبريات المدن الأمريكية ) قد تولد صراعاً مادياً عنيفاً بين طبقات فتقسم الشعب إلى طبقة الرأسماليين والأغنياء وأصحاب الثروات الطائلة من جهة وهؤلاء يتمتعون بشتى مباهج الحياة ووسائل الرفاهية ، وطبقة الكادحين والفقراء والمعوزين من جهة أخرى ، وهؤلاء يتجمعون عادة في الأحياء القذرة ويتجرعون مرارة الحرمان .
ولا شك أنه حينما يصبح معيار النجاح في الحياة الاجتماعية هو الحصول على الجاه والثروة فقد يندفع البعض نحو الاثراء على حساب الغير ، ومن ثم فان لا بد من ان ترتفع نسبه الجرائم .
اسباب تنامي الجريمة
ظاهرة الجريمة والإجرام عموما هي قديمة قدم الانسانية، ولها دوافع متعددة نفسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، أما إذا حصرنا الظاهرة في بلادنا في الزمن الحالي فهناك الكثير مما يقال، بدءا باندثار الأمل لدى الشباب وانقسام المجتمع الى طبقات وغياب المشاركة السياسية المفتوحة والديموقراطية، واستفادة البعض على حساب البعض الآخر نظرا لاقترابهم من المركز السياسي القائم على تقريب الموالين وابعاد المعارضين.
في مثل هذا النظام تنتشر الجريمة بجميع مراتبها وأنواعها، سواء تحدثنا عن الرشوة التي أدرك المغرب مرتبة 80 عالميا، وما يرتبط بهذه الرشوة من مظاهر فساد عميقة في الدواليب الإدارية، أو تحدثنا عن انتهاكات حقوق الانسان سواء منها المدنية والسياسية أو الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حيث تولد هذه الانتهاكات العديد من الاحباطات والمهمشين والفقراء إلى جانب الاثراء بدون سبب والاستحواذ على الريوع الاقتصادية وطرد الساكنة القروية نحو المدن وانتشار البطالة والمهمشين والفقراء المسحوقين واتساع رقعة مدن الصفيح وبؤر الفقر في هوامش المدن.
إن وضعا اجتماعيا بهذه الشاكلة من شأنه أن تتصادم فيه المصالح وتختزن فيه الأحقاد وتنفجر فيه مظاهر الحرمان ومحاولات الحفاظ على الذات فيصبح المرء دئبا لأخيه الانسان يبحث فقط عن فرصة لاقتناصه فتنتشر جميع أشكال الجريمة والإجرام.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك تدهور مستوى التعليم وانتشار الأمية وانحسار دور المثقفين في صياغة مشروع مجتمعي قائم على العدالة والمساواة وانتفاء التفاوت الطبقي واستفادة الجميع من خيرات اقتسام العمل ومن أجل مشاركة سياسية أوسع للجميع تقوم على المبادئ الكونية لحقوق الإنسان والديمقراطية الحقة، فإن مؤشرات الاجرام والجريمة في بلادنا والتي أعلنت عنها وزارة الداخلية فلا تشكل سوى الشجرة التي تخفي غابة الاجرام.
أما بالنسبة لسؤالك عن مدى وجود سياسة أمنية واضحة في بلادنا، فأعتقد أن ما هو موجود من بنيات وبرامج واليات أمنية يشكل منظومة تستنزف نفسها في الحفاظ على البنيات المخزنية القائمة وتدبير الحياة اليومية التي تعرف تفاقما في مستوى الجريمة والإجرام. لأن الحد من الجريمة والاجرام لا يعالج بالوسائل الأمنية فقط
وإنما بمشروع مجتمعي سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي يشكل الانسان العربي محور اهتمامه ويعتبره مصدر كل السلطات ويضع القانون المتولد من ارادة الشعب الحرة فوق الجميع، ويجعل من الصحة والتعليم وحقوق الانسان في متناول الجميع وبدون مقابل. لكل وسط في هذا النظام الطبقي جرائمه، فبينما تنطلق أسباب الجرائم في البوادي والأحياء الشعبية من وضع الفقر والتهميش ومحاولة الاغتناء السريع، نجد أن الجرائم في الأوساط الراقية تنطلق من التهافت على الثروات والنساء ونزعة التفوق والاستهتار بالإنسان العربي الذي يشتغلون لديهم أو يبحثون عن نزع عقاراتهم لتملكها، كما أن أشكال الجريمة في ظل هذا الوسط الأخير قد تتخذ أشكالا قانونية كما يحدث داخل المؤسسات العمومية من نهب للثروات وهناك أمثلة عديدة عن ذلك كالقرض العقاري والسياحي والقرض الفلاحي والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ثم ان الجرائم السياسية أو الاقتصادية التي ترتكب في وسط الطبقات العليا تكون أعنف ويمكن وصفها بالجرائم ضد الانسانية لأنها تعمق من أوضاع الفقر والحرمان لصالح حفنة من الانتهازيين.
اسباب انتشار الجريمة في الوطن العربي
إن الجريمة ظاهرة اجتماعية لا يخلو منها مجتمع، فهي تحصل في كل المجتمعات، وليست محصورة في فئة أو وسط اجتماعي محدد، وهي أيضا ليست مرتبطة بوقت أو فترة معينة، فهي نشأت منذ بداية التاريخ البشري إلا أنها تختلف كماً ونوعاً من مجتمع لآخر، ومن زمن إلى زمن، حيث إن الجريمة ظاهرة اجتماعية تمس أفراد المجتمع، وأخطارها تقع عليهم، والمجتمع يتأثر. بذلك كله وفي هذا السياق تكشف لنا معظم الدراسات التي أجريت في المجتمعات العربية بما فيها الجزائر عن ميل واضح نحو المعالجة الجنائية / القانونية لهذا الموضوع سواء من حيث مجالها أو أسلوبها أو الهدف منها، فكانت تنصب على جنوح الأحداث، تعاطي الحشيش والمخدرات، تجارة الخمر، تجارة الجنس السرقة،...الخ.
1- ضعف الوازع الديني الذي يعتبر من الأسباب الرئيسة في انحراف الأولاد وقد تبين أن ضعف الوازع الديني كان سببا في ارتكاب كثير من الجرائم وذلك لأن وجود الوازع الديني يكون رادعاً للشخص من فعل الجريمة لأن هناك محاذير شرعية تحرم على الشخص الوقوع فيها فوجود الوازع الديني يكون حصنا منيعاً للشخص من الانحراف وسلوك طريق الجريمة أياً كان نوعها
2- التربية السليمة الخالية من الإفراط والتفريط والشدة والتساهل والاهتمام بالأسرة من قبل الوالدين نفسيهما فنسبة كبيرة من المجرمين وبعد النظر لأحوال أسرهم وكيفية التربية نجد أنهم لم يأخذوا بمنهج الإسلام في التربية وبنظامه في التكوين والإعداد وقد رأينا كيف يسيء بعض الآباء والأمهات إلى أولادهم حينما يقسون بالضرب أو بالحبس فيقسو عليهم في التربية أو يكلون تربيتهم إلى الخدم والخادمات
3- الفراغ سبب رئيس في انحراف الأولاد، فقد تبين أن40الجزيرة من المحكوم عليهم بجرائم جنسية لديهم أوقات فراغ طويلة في اليوم تمتد من 7 إلى 12ساعة، وهناك 35الجزيرة من المجرمين يشعرون بفراغ طويل أكثر من 12ساعة يوميا
4- من العوامل الكبيرة التي تؤدي إلى انحراف الولد رفقاء السوء والخلطة الفاسدة، ولقد ذكر كثير من الدراسات التي أجريت في المجتمع العربي أن معظم مرتكبي الجرائم والانحرافات يرتبطون بجماعات من الرفاق يميل أعضاؤها ويشيع عندهم ممارسة الأفعال الإجرامية المحرمة والعلاج يكون بأن يراقب الآباء والأمهات أولادهم مراقبة تامة خاصة في سن التمييز والمراهقة، ليعرفوا من يخالطون، ويصاحبون، وإلى أين يغدون ويروحون.
5- الطلاق سبب رئيس في انحراف الأولاد وذلك بسبب تفرق الوالدين فيكون الأب مشغولا مع زوجته الثانية وأولاده منها، والأم تكون قد تزوجت زوجا آخر فيصبح الأولاد ضحية هذا الشتات، ونسبة الطلاق منتشرة وواضحة في المجتمع العربي وأن العلاج يكمن في أن يقوم كل من الزوجين بأداء حقوقه ناحية الآخر وأن تتخذ الاحتياطات الشرعية قبل الطلاق من الوعظ والإرشاد والهجر في المضاجع والضرب غير المبرح وأخيراً اللجوء إلى التحكيم. 6- من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى انحراف الولد احتداد النزاع واستمرار الشقاق بين الزوجين وكثرة المشاكل بينهما والعلاج يمكن في اختيار الزوجة على أساس الدين والصلاح والمعرفة.
7- البطالة سبب رئيس في انحراف الأولاد وقد انتشرت في مجتمعنا انتشارا كبيرا وعلاجها يكمن في تأمين سبل العمل للعاطلين سواء أكان ذلك في أجهزة الدولة أم في القطاع الخاص بعد تدريبهم وتعليمهم حتى يكونوا منتجين.
أما إذا كانت البطالة بطالة كسل وخمول فينبغي سوقه بالقوة إلى العمل وإلزامه به إذا كان محتاجا للعمل، فإن كان سبب البطالة العجز أو الشيخوخة أو المرض فعلى المجتمع كل حسب قدرته أن يرعى حق هؤلاء ويؤمن لهم سبل العيش الأفضل.
8- وكذلك من أسباب وقوع الجريمة تعدد الثقافات وذلك بتعدد الجنسيات الوافدة حيث إن كثيرا من العمالة الوافدة تصدر الجريمة للمجتمع العربي وهذا ما نراه في هذا الوقت بحيث تكثر جرائم العمالة وبعضها جرائم غير متعارف عليها في المجتمع العربي فيكتسب الشاب هذه الجريمة ويتعلمها بكافة تفاصيلها الدقيقة.
إنّ أهمية دراسة العوامل المؤدية للجريمة، تعطي للمشرّع فرصة المساهمة في مكافحة الظاهرة الإجرامية, وللمختصين معرفة وسلطة في التنفيذ العقابي وذلك بالاختيار الأنسب للوسائل العقابية للمحكوم عليهم من خلال تصنيف المجرمين وخطورة الفعل الإجرامي. إلى جانب تحديد العقوبات والتدابير الاحترازية والاجتماعية المناسبة لكل فئة من المجرمين في ضوء ما تقدمه تلك الأبحاث والدراسات. لتحقيق هدف هو حماية المجتمع من الجريمة وتأهيل المحكوم عليهم وإعادة إدماجهم فيه مرة أخرى.
وان اختلفت الأسباب والعوامل المؤدية إلى ارتكاب الجريمة فالاطلاع عليها (العوامل) وتدارسها يعطي مدلولا للحضارة, كون أن كل تلك العوامل تصب في وعاء واحد ألا وهو الفرد الذي يعطي بسلوكه ميزات التقدم أو التخلف للمجتمع الذي يعيش فيه. - من الغريب في الوقت الحالي و الذي يضع العديد من علامات الاستفهام أنه معظم الجرائم أصبحت ترتكب بلا مبرر , فقد تجد الغني الذي يمتلك الكثير من المال يسرق , وقد تكون الأشياء التي يسرقها ليست ذات أهمية , و الدليل على ذلك أن الجرائم الكبرى كجرائم العصابات و الجرائم المنظمة يقوم بها أفراد لديهم من الإمكانيات المادية ما يمكنهم من تجهيز الأدوات التي يستخدمونها في الجريمة ,فهل أصبح العنف و الجريمة هواية !!. - { فقد نشرت مجلة Vrndli Review بحثاً طريفاً لدراسة الإجرام فقال الكاتب :-
تمر الآن موجة من الجنون الخيالي بأذهان المجرمين فقد كفوا عن القتل و إهراق الدماء قليلاً بعد إعلان الحرب , كما قلت حوادث الانتحار بنسبة الثلث و أتجه الجناة نحو ألوان طريفة من الإجرام , فقد خطف مجرم ورقة مالية بألف ريال ثم أبتلعها و هو بمأمن من مجيء الشرطة و الاعتقال, وأخذ الآخر وثيقة تأمين على الحياة لصديق و جعلها في برشام طبي و تناولها بجرعة ماء بدون سبب ظاهر, و سرق أحدهم حماماً من تاجر صيني ثم باعه إليه , و أخذ لص سيارة حمل كبيرة من صاحبها فارغة من الأحمال و قادها بضعة أميال ثم تركها سليمة,(محمد لطفي جمعة , قضايا و مشكلات اجتماعية في مصر المعاصرة , عالم الكتب 2001 , ص48 ) .
- العنف و الجريمة ظاهرة انتشرت بشكل مفزع في جميع المجتمعات , و لذلك يجب التصدي لهذه الظاهرة بكل الطرق الممكنة , و لتفعيل هذا التصدي يجب التعاون بين جميع فئات الشعب من حكام و محكومين , وقد يتمثل هذا في جانبين , هما الأسرة و المجتمع . للمجتمع دور أساسي في مواجهة العنف و الجريمة ,
والخطوة الأولى في هذه المواجهة تتمثل في سيادة العدل , فالظلم سبب أساسي لانحراف الأفراد , ثم يحين دور القوانين التي يجب تعديل ما يحتاج منها إلى التعديل , و إلغاء ما يجب إلغاءه , فمعظم القوانين في بعض الدول ليست رادعة بالقدر الكافي , و أيضاً يجب تنظيم حملات توعية بمخاطر العنف و الجريمة و بما يمكن أن يؤدي بالفرد و المجتمع , و الجدير بالذكر أن بعض مرتكبوا العنف و الجرائم لديهم مشاكل نفسية تدفعهم لذلك , فهؤلاء يجب إخضاعهم للعلاج النفسي قبل معاقبته قانونياً .
العنف و الجريمة سلوكان مرفوضان في أي مجتمع كان, و لذلك يجب التصدي لهما بكل الطرق, فلعل بحثي يصبح ذرة في كيان المواجهة ضد هذه الظاهرة .