أكل لحم البشر بين رواية روبنسون كروسو وبين الأساطير والآداب والتاريخ
إبراهيم عوض


من الموضوعات الهامة التى تعرضت الرواية لها أكل لحوم البشر. وهو من الجرائم الوحشية التى يتهم الغربيون بها الأفارقةَ وأمثالَهم ممن ابْتُلُوا باستعمارهم لبلادهم وسرقتهم ثرواتهم، لتشويه صورتهم والتدليل على أنهم بحاجة إلى أن يستعمروهم كى يأخذوا بأيديهم إلى مدارج الترقى. يريدون أن يشيعوا فى العالمين أنهم ذوو إنسانيةٍ ورِقَّةٍ وعطفٍ كبيرٍ، وأصحاب رسالة حضارية تجشِّمهم بذل الجهد وتحمُّل التعب فى سبيل هذه الغاية النبيلة. وسوف يتبين لنا خلال الفصل الحالىّ أن ذلك السلوك ليس مقصورا على تلك الأمم بل مارسته كثير من الشعوب، وعلى رأسها الغربيون أنفسهم قديما وحديثا، فضلا عن قيامهم بإبادة الملايين فى حروبهم العدوانية، مما يتضاءل بجواره أكل اللحم البشرى تضاؤلا شديدا. إلا أن الدعايات الغربية الاستعمارية تتجاهل ما يفعله المجرمون الكبار وتركز على الجرائم الأقل التى يجترحها غيرهم، جريا على عادة من يرى القشة التى فى عين أخيه، ويتجاهل الخشبة التى فى عينه، مما أخذه السيد المسيح فى الأناجيل على منافقى اليهود.
وقد أشار كروسو إلى ذلك الموضوع فى بدايات وصوله إلى الجزيرة المقفرة التى ساقته الأقدار إليها بعد غرق مركبه بالبحارة الذين كانوا معه عليها، إذ كان ينظر ذات يومٍ رائقِ الجوِّ إلى الغرب من تلك الجزيرة فرأى أرضا لم يعلم ما هى، وإن كان قَدَّرَ أنها قسم من بلاد أمريكا كما يقول، وأنها قد تكون شطوط بلاد البرابرة بين أسبانيا والبرازيل من أكلة لحوم البشر، الذين يفترسون كل من وقع فى أيديهم من الآدميين (ص107).
كما أشار إلى ذلك بعد قليل إِبَّان حديثه عن الأخطار التى سوف تحدق به لو فكر فى مغادرة تلك الجزيرة التى رمته الأقدار على شاطئها ليبقى هناك سنوات محبوسا لا يقدر على أن يَرِيمها، ثم لما فكر فى تركها توافدت على خياله المخاطر التى يمكن أن تحيق به إنْ وضع رغبته موضع التنفيذ، ومنها وقوعه فى يد متوحشى شواطئ الكاريبى الذين يأكلون لحوم البشر، والذين قتلوا وأكلوا من الأوربيين الكثير حتى لقد كانوا يلتهمون منهم فى المرة الواحدة عشرة وعشرين حسب كلامه (ص123).
كما صورت الرواية مشهدا لوليمة بشرية أقامها بعض المتوحشين على شاطئ الجزيرة وشاهدها كروسو، وكانت شيئا مفزعا وشاذا (ص200- 203). وهذا هو النص، وهو منقول من ترجمة البستانى: "رأيتُ ذات يوم صباحًا خمسة قوارب بالقرب من الشاطئ فى الجهة التى كنت مقيما فيها، وكان القوم الذين أَتَوْا فيها قد خرجوا جميعا إلى البر، ولم أكن أراهم حينئذ، فدهشت من ذلك. وكانت الكثرة تضعف أملى فى النجاح لأنى، إذ رأيت أن القوارب كانت كثيرة، وكنت أعلم أن البرابرة يأتون دائما أربعةً أو خمسةً وأحيانا أكثر فى كل قارب، حرت فى أمرى، ولم أعلم كيف أقدر أن أفتك بعشرين أو ثلاثين رجلا دفعة واحدة وأنا وحدى. إلا أنى تهيأت للنضال كما فعلتُ قبلا، وكنت مستعدا لأن أقع بهم إذا لزم. وبعد أن انتظرت مدة، وكنت أتنصت لعلى أسمع صوتهم، حتى مللت الانتظار وضعتُ أخيرا بارودتين بجانب سُلَّمِى، وصعدت إلى أعلى التل، ووقفت هناك فى ظل رأسه لئلا يَرَوْنِى، فرأيت هناك بواسطة نظارتى أنهم لم يكونوا أقل من ثلاثين بربريا وأنهم كانوا قد أشعلوا نارا وشَوَوْا لحما، غير أنى لم أعلم كيف شَوَوْهُ ولا لحم أى شىء هو. وكانوا جميعا يرقصون حول تلك النار بحركات وإشارات غريبة حسب عادتهم.
ثم رأيتهم، بواسطة نظارتى، يجرّون من القوارب رجلين منكودَىِ الحظ ويأتون بهما إلى البر لأجل الذبح، فتقدم أحدهم إلى واحد منهما وضربه على رأسه بنبوت أو سيف من خشب حسب عادتهم، فسقط لوقته إلى الأرض، فأخذ اثنان أو ثلاثة منهم يشتغلان فى فَزْره وتقطيعه. وأما الرجل الآخر فكان واقفا وحده جانبا إلى أن ينتهوا من رفيقه ويأتى دوره. فلما رأى هذا التعيس أن له حرية قليلة، وكان غير مقيد، هيجت الطبيعة فى قلبه آمال الحياة، فهرب منهم وأخذ يركض بسرعة لا تصدَّق على الرمل سائرا باستقامة نحوى، أى نحو الجهة من الجزيرة التى كان فيها منزلى. ويجب أن أقر بأنى، لما رأيته يركض نحوى خفت جدا، وعلى الخصوص لما رأيت، كما ظننت متوهما، أن جميع أولئك البرابرة كانوا يَجِدّون فى طلبه. فأخذت حينئذ أنتظر تمام قسم من حُلْمِى، وهو أنه يهرب لا محالة إلى غابتى. إلا أنى لم أقدر أن أعتمد على القسم الآخر من ذلك الحلم، وهو أن البرابرة لا يتبعونه إلى هناك. غير أنى مع ذلك ثَبَتُّ فى مركزى، وأخذ عزمى يقوى عندما رأيت أن الذين كانوا يطاردونه لم يكونوا أكثر من ثلاثة رجال. وزدتُ جراءةً عندما وجدت أنه سبقهم كثيرا فى الركض، وصارت المسافة بينه وبينهم بعيدة حتى ظهر لى أنه، إذا بقى كذلك نصف ساعة، ينجو منهم جميعا ويأمن غائلتهم.
وكان النهر الصغير الذى ذكرته مرارا فى أول قصتى، وقد أخرجت منه وَسْقِى إلى البر، يفصل بينهم وبين قلعتى، فظهر لى أنه يجب على ذلك المسكين أن يعبره سابحا بسرعة، وإلا وقع فى أيديهم. فلما وصل الأسير الهارب إلى حافَة ذلك النهر ألقى نفسه فيه مع أن المد كان قويا، وعبره سابحا بسرعة إلى الجانب الآخر منه، وأخذ يركض بكل عزم وسرعة. ولكن لما وصل الثلاثة الرجال الذين كانوا يطلبونه إلى النهر رأيت أن اثنين منهم يحسنان السباحة، وأما الثالث فكان لا يحسن ذلك، فوقف على الحافَة ينظر إلى رفيقيه، ثم بعد قليل رجع على أعقابه إلى الوراء، وكان ذلك من حسن حظه كما سيأتى بيانه.
وقد لاحظت أن ذَيْنِكَ الرجلين صَرَفا فى قطع النهر ضِعْف الوقت الذى صرفه ذلك الهارب، فظهر لى حينئذ أن ذلك الوقت هو الوقت المناسب لاقتناء خادم أو رفيق أو مساعد، وأنى مندوب من العناية الإلهية أن أخلّص حياة ذلك الرجل المسكين. فنزلت حالا على السلم مهرولا، وتناولت بارودتىَّ، وكنت قد وضعتهما بجانب السلم كما ذكرت، ثم صعدت عليه بكل عجلة أيضا، وعدوت إلى رأس التل، ثم جاوزته إلى جهة البحر. وإذ كانت المسافة قصيرة ومنحدرة صرت حالا بين التابعَيْن والمتبوع، فأخذت أنادى ذلك الهارب بأعلى صوتى، فالتفت إلى ورائه. وربما كان فى أول الأمر خائفا منى بقدر خوفه منهما، ولكنى أشرت إليه بيدى أن يرجع، وأخذت أتقدم فى غضون ذلك شيئا فشيئا نحو ذينك الرجلين اللذين كانا يطلبانه. ثم هجمت بغتة على السابق منهما وضربته بقندق بارودتى. ولم أرد أن أطلق البارودة لأنى لم أشأ أن يسمع الآخرون صوتها، وإن كان لا يمكن أن يُسْمَع صوتها بسهولة لبعد المسافة حتى إنه إذا سُمِع صوتها فإذ كان لا يمكنهم أن يَرَوْا دخانها لم يكن ممكنا لهم أن يعرفوا بسهولةٍ ماذا كان ذلك.
فلما طرحتُ الأول مصروعا إلى الأرض وقف رفيقه الذى كان يتبعه كأنه كان خائفا، فأخذت أتقدم مسرعا نحوه. فلما صرت على مسافة قريبة منه رأيت جيدا أنه كان معه قوس وسهم كان يهيئهما ليرمينى بهما، فاضطرنى الأمر حينئذ إلى أن رميته بالرصاص، فأصبته، فوقع حالا على الأرض ميتا. وأما البربرى الهارب فلما رأى عَدُوَّيْه قد وقعا إلى الأرض وظن أنهما قد ماتا خاف جدا من نار بارودتى وصوتها ووقف جامدا كأنه حجر، فلم يتقدم ولا تأخر، إلا أنه كان يبان كأن الهرب كان أَحَبَّ إليه من الإتيان إلىَّ. فناديته ثانية وأشرت إليه أن يتقدم نحوى، ففهم ذلك بسهولة، وتقدم قليلا ثم وقف. وهكذا كان كلما تقدم بعض خطوات يقف مرتجفا كأنه قد أُخِذ أسيرا وكان مُزْمَعًا أن يُقْتَل كما قُتِل عدواه. فأشرت إليه أيضا أن يأتى إلىَّ، وعملت له جميع ما جال فى خاطرى من علامات التشجيع، فكان يتقدم نحوى شيئا فشيئا. وكان كلما مشى عشر خطوات أو اثنتى عشرة خطوة يركع على الأرض علامة تأدية الشكر لى على إنقاذى إياه. فبَشِشْتُ فى وجهه وتبسمت له وأشرت إليه أن يتقدم أيضا نحوى ولا يخاف أذى. وأخيرا دنا منى وخر ساجدا على الأرض وقبَّلها، ثم وضع رأسه على الأرض وأمسك رجلى ووضعها على رأسه. والظاهر أن مراده فى ذلك إنما كان أن يبين لى أنه قد حلف بأن يكون لى عبدا إلى الأبد...".
وفى موضع آخر من الرواية (ص205- 206) يطالعنا منظر بقايا تلك الوليمة البشرية على الشاطئ. يقول كروسو: "وحملتُ أنا بارودتين، وذهبنا (أى كروسو وجمعة خادمه الزنجى) معا قاصدَيْن الموضع الذى كان أولئك البرابرة فيه لأنى كنت راغبا فى أن أَطَّلِع على أتم مرام على أحوالهم. فلما وصلنا إلى الموضع برد دمى فى عروقى، وغاص قلبى فى جوفى من كراهة المنظر. وبالحقيقة كان المنظر عندى فظيعا، وأما جمعة فلم يبالِ به. فإن المكان كان مغطى بعظام الناس، والأرض مصبوغة بدمهم. وكانت قطع كبيرة من اللحم مطروحة هنا وهناك قد أُكِل جانب منها، وشُوِيَتْ قليلا بالنار. وبالاختصار كان هناك كل علامات وليمة الظَّفَر التى كانوا قد تنعَّموا بها بعد الغلبة على أعدائهم. فرأيت ثلاث جماجم وخمس أَيْدٍ وعظام ثلاثِ أو أربعِ سيقانٍ وأقدامٍ وأجزاء أُخَرَ كثيرة من الجسم. وأخبرنى جمعة بواسطة الإشارات أنهم كانوا قد أَتَوْا إلى هناك بأربعة من الأسرى ليعملوا وليمة، فأكلوا ثلاثة منهم وأنه هو الرابع، وبأنه حدثت حرب بينهم وبين ملكٍ يجاروهم، فأخذوا كثيرين من رعاياه أسرى. وكان يبان أن جمعة هو من جملة رعايا ذلك الملك. فأخذت الفئة الظافرة كل أولئك الأسرى إلى أماكن مختلفة لكى يأكلوهم كما فعل أولئك الأشقياء بالذين أَتَوْا بهم إلى هذه الجزيرة.
ثم أمرتُ جمعة أن يجمع معا الجماجم والعظام واللحم وكل ما بَقِىَ من الوليمة كومةً واحدةً ويشعل عليها نارا كبيرة ويحرقها جميعا حتى تصير رمادا. ووجدت أن جمعة كان يشتهى أن يأكل بعضا من اللحم لأنه كان لم يزل أَكَّال لحم الناس فى طبيعته. إلا أنى أظهرت كراهة عظيمة لذلك العمل، فلم يعد يتجاسر أن يُظْهِر ما انطوت عليه طبيعته من هذا القبيل، وعلى الخصوص لأنى كنت أفهمته بواسطةٍ ما أنى أقتله إذا بدا منه شىء من ذلك".
والعجيب أن البربرى المسكين الذى نجا على يد بطل الرواية من التهام أمثاله له ما إن مضى يوم وخرج هو والبطل من بيت الأخير ومرا بالمكان الذى دفن هو نفسه فيه اثنين ممن كانا سيأكلانه لولا أن قتلهما البطل حتى شرع يومئ للبطل أن يستخرجا الجثتين ويأكلاهما، إلا أن كروسو تظاهر بأنه سوف يتقايأ من بشاعة الأمر وأشار إليه أن يطرح هذه الفكرة عن رأسه، فانصاع له (ص205). فما معنى هذا? معناه أن أولئك القوم لم يكونوا يَرَوْن فى أكل بنى جنسهم ما يعاب أو يستحرم. وهم، وإن كانوا يكرهون أن يأكلهم أحد، لا يجدون غضاضة فى أكل الآخرين ولا يتورعون عنه، بل يرونه شيئا طبيعيا تمام الطبيعية.
ثم إن كروسو قد اجتهد فى أن يُنْسِىَ جمعةَ عادةَ أكلِ اللحم البشرى، فسلق وشوى لحم الجداء وأطعمه منه حتى صار يتذوقه ويلذّه، وإن كره تمليحه، وهو ما حاول كروسو أن يغيره فيه، لكنه فشل، فتقبل الأمر إذ عرف أن مرجع ذلك هو اختلاف الذوق بين شخص وآخر (ص211- 212). ومع هذا أخذه جمعة ذات يوم، بعدما بدأ يتحضر وينسى ما كان من همجيته وتوحشه، إلى المكان الذى كان قد أتى إليه من شاطئ الجزيرة هو وقومه ليلتهموا وليمتهم من لحوم أعدائهم الذين انتصروا عليهم وأسروهم، وكانت الوليمة مكونة من عشرين رجلا وامرأتين وولد أكلوهم عن آخرهم، وإن عجز عن استعمال العدد "عشرين"، فأحضر عشرين حصاة ورصها أمام سيده على الأرض وطلب منه أن يقوم بعدها (ص213- 214).
وفى موقف آخر فى الرواية يسأل كروسو جمعة عن مدى اشتياقه إلى بلاده وعشيرته، فقال إنه يكاد يطير من الاشتياق إليهم، ويحب أن يعود إلى هناك إذا ما وافق كروسو على مصاحبته. فعندئذ سأله كروسو: وهل ستعود إلى أكل اللحوم البشرية? فأكد له أنْ: لا، وأنه سوف يستعيض بلحم الحيوان واللبن والخبز عن هذا. فحذره من أنهم سوف يقتلونه فى هذه الحالة. فكان جوابه أنهم لن يقتلوه لأنهم يحبون أن يتعلموا، وقد تعلموا الكثير من جماعة الأوربيين الذين ألقى بهم المحيط على شواطئ بلاده. فقال له: لكنى إذا ذهبت معك فسوف يأكلنى قومك. فرد جمعة بأنه لن يدعهم يأكلونه لأنه سوف ينبئهم بما له من جمائل فى عنقه. وعاد فأخبره بما كان قد ذكره قبلا من أنهم يكرمون تلك الجماعة الأوربية ولا يفكرون فى إيقاع الأذى بأحد من أفرادها (ص218).
وفى هذا المشهد، كما فى معظم الرواية، إبراز حاد لما يقوم الأوربى به من تحضير للأمم المتخلفة وانتشالها من وضع الهمجية الذى ألفاها عليه إلى أفق الإنسانية العالى. وفى هذا طبعا مغالاة مقيتة يكذّبها التاريخ أيما تكذيب، فالأوربيون هم سادة اللصوصية الدولية: سرقوا ثروات الشعوب ونكّلوا بها وقتلوا منها الملايين وقَضَوْا على بعضها فمسحوهم من فوق الخريطة مسحا، وحَرَموا الشعوبَ التى لم يستطيعوا إفناءها الاستمتاعَ بخيرات بلادها، ووضعوا العراقيل فى سبيل التحضر الحقيقى أمامها بحيث إنها، كلما فكرت فى التقدم، أَلْفَتِ السبيل وَعْرًا لا يطاق، ثم استداروا من الناحية الأخرى يتهمون تلك الشعوب بعدم قدرتها على التساوى مع الأوربيين فى أى شىء لأنهم من طينة حقيرة تعجز عن تحقيق ذلك الأمل المستحيل.
وقد خصصت النسخة العربية من موسوعة "ويكبيديا" مادة عن " أكل لحوم البشر". وهأنذا أوردها بشىء من الاختصار: يطلق على ظاهرة أكل لحوم البشر فى الإنجليزية: cannibalism، وترجمتها "أكل لحم الجنس ذاته". وهى مشتقة من اسم قبائل "كاريب" الهندية التى تحدث عنها المستكشف كريستوفر كولومبوس .
و قد مورس أكل لحم البشر عبر التاريخ أثناء المجاعات وداخل المدن المحاصرة، فضلا عن أن بعض القبائل البدائية قد مارسته كنوع من المبالغة فى إيذاء العدو، إذ يأكل المنتصر من لحم المهزوم. وهناك أيضا اعتقاد بعض الناس أن أكل لحم الأعداء ينقل قدراتهم إليهم. وفى بعض الحالات تشكل هذه الممارسة أحد الطقوس الدينية. وقد يكون سببها مرضا سلوكيا جنسيا.
وقد وجد الأثريون عظاما بشرية فى أوعية طهى عمرها نصف مليون عام فى الصين. ومن أشهر القبائل التى اشتهرت بهذا النشاط قبيلة أناسازى فى أمريكا الشمالية. ويقال إن جيمس كوك، الذى قتله سكان هاواي، قد تم التهامه. وقد يكون أكل لحم البشر نوعا من التكريم للميت مثلما تفعل بعض القبائل فى نيوزيلندا، فهى تمجد ذكرى الميت بأن تأكل مخه. فبعد أن يموت شخص له مكانة عندهم تجتمع القبيلة حول جثته وينشدون بعض الأناشيد الدينية، ثم يستخرج ساحر القبيلة مخ الميت ويوزعه بالتساوى بين المشيعين ليأكلوا منه.
وخلال الحرب العالمية الثانية تواترت الأخبار عن أكل الجنود اليابانيين بعضهم بعضا وأكل أعدائهم أثناء محاصرة الأمريكيين لهم وقطعهم المؤونة عنهم فى إحدى الجزر. كما اضطر الناجون من حادث الرحلة 571 لسلاح الجو الأوروجوياني إلى أكل لحم المتوفَّيْن من ضحايا الحادث حين انعزلوا لمدة 72 يوما فى جبال الأنديز على ارتفاع 3600 متر.
واشتهر الكثير من السفاحين بأكل لحوم البشر، مثل أرمين مايْفِس فنى الكمبيوتر الألمانى الذى اعترف بقتل رجل وأَكْله فى أوائل عام 2001م، إذ التقى به بعد أن أعلن على مواقع الإنترنت أنه يطلب "شابا قوى البنية ما بين الثامنة عشر والثلاثين للذبح". ثم قال مايْفِس فيما بعد إنه قتله برضاه. غير أن ما زعمه هذا السفاح من ذلك "التراضي" لم يهدئ من حالة الاشمئزاز التى أصابت الشعب الألماني .
ومن السفاحين أيضا ألبرت فيش، الذى اغتصب وقتل وأكل عددا من الأطفال خلال العشرينات، قائلا إنه كان يشعر بلذة جنسية هائلة نتيجة ذلك. وهناك السفاح الروسى أندريه تشيكاتيلو، الذى قتل 53 شخصا على الأقل بين عامى 1978 و1990م.
كما اشتهرت قضية إسى ساجاوا آكل لحوم البشر اليابانى الذى اشتهر بقتل طالبة السوربون الدنماركية رينيه هارتيفيلت، والذى عَدَّه الأطباء "مجنونا"، ومن ثم لا يمكن إخضاعه للمحاكمة، فأعيد إلى اليابان حيث مكث فى مصح عقلى لخمسة عشر شهرا، خرج بعدها. وهو يعيش حتى اليوم طليقا فى اليابان.
وقد سُجِّل كثير من حالات أكل لحوم البشر بحكم الضرورة خلال الحرب العالمية الثانية. فخلال 872 يوما من حصار لينينجراد بدأت تظهر تقارير عن أكل لحوم البشر فى شتاء 1941-1942م بعد أن أُكِلَتْ كل الطيور والفئران والحيوانات الأليفة من قِبَل المحاصَرين. وقد شكلت شرطة لينينجراد وحدة خاصة لمكافحة أكل لحوم البشر. وفى وقت لاحق، فى فبراير 1943، تم نقل ما يقرب من 100,000 من الجنود الالمان (أسرى الحرب) إلى معسكرات أسرى الحرب فى سيبيريا أو آسيا الوسطى حيث حصلت مجاعة لخاطفيهم السوفييت الذين قاموا بأكل لحوم البشر. وهناك روايات من بعض الناس بالعثور على أظافر إنسان فى النقانق، مما يدفع إلى الاعتقاد بأن تلك المواد الغذائية كانت تتألف من اللحم البشري.
ويشير كثير من التقارير والشهادات إلى أن الجنود اليابانيين فى أجزاء كثيرة من منطقة شرق آسيا الكبرى ارتكبوا أكل لحوم البشر ضد أسرى الحلفاء فى الحرب. وشهد لانس نايك حاتم على، الذى صار فى وقت لاحق من مواطنى باكستان، بأن القوات اليابانية فى غينيا الجديدة بدأت فى اختيار السجناء، وكانت تقتل كل يوم أحدهم ويأكله الجنود، وأن حوالى 100 سجين قد تم تناول لحومهم بهذه الطريقة. وعادت القوات اليابانية مرة أخرى لاختيار من تريد تناول لحومهم من السجناء، ثم نُقِل الذين اختيروا إلى كوخ حيث تم تقطيع لحومهم وهم على قيد الحياة. وقد وقعت آخر الحالات الموثقة فى جزيرة Chichijima باليابان فى فبراير 1945م، حيث قتل وأكل الجنود اليابانيون خمسة من أفراد سلاح الجو الأميركى. وتم التحقيق فى هذه القضية عام 1947م فى محاكمة جرائم الحرب، وتم شنق من ثبتت إدانتهم.
وفى رواية "روبنسون كروسو" نجد البطل يقول، عن بحارة أوربيين يحتمل أن يكون قد ضاع بهم مركبهم فى المحيط وأشرفوا على الموت جوعا، إنهم سيكونون فى حالة يفكرون فى أن يأكل بعضهم بعضا (ص185).
ولكن، فى مادة (cannibalism) بالنسخة الإنجليزية من موسوعة "ويكيبيديا"، نقرأ أن "الحكايات التى تُرْوَى عن أكل لحوم البشر قد اسْتُخْدِمَتْ كأداة إمبراطورية لتسويغ إخضاع الشعوب التى ينظر إليها على أنها شعوب بدائية". وهذا هو النص الإنجليزى لهذا الكلام:
"Historically, allegations of cannibalism were used by the colonial powers as a tool of empire to justify the subjugation of what were seen as primitive peoples".
وفى مادة "cannibalisme" أيضا بموسوعة "إنكارتا" الفرنسية (ط2009م) نجد من علماء الغرب ومفكريه أنفسهم من يشكك فى صحة الكلام المتناقَل عن هذا الموضوع. وفى نفس المادة كذلك بـ"الموسوعة البريطانية" أن تلك العادة ترجع إلى أوائل التاريخ الإنسانى، وأن شعوب معظم القارات قد زاولته: "A widespread custom going back into early human history, cannibalism has been found among peoples on most continents".
وها قد اتضح لنا أن من الغربيين أيضا من يمارسون أكل لحوم البشر. قد يقال إن الأمر هنا لا يمثل ظاهرة ولا أسلوب حياة يتبعه شعب أو جماعة بكاملها من الشعوب الغربية. والرد على ذلك أن الغربيين "المتحضرين" صنعوا ويصنعون ما يُعَدّ بجانبه أكل لحوم البشر حسنة من الحسنات. ألم يستعمروا الشعوب وينهبوا ثرواتها وينكلوا بكل حُرٍّ أَبِىٍّ يرفض الذل والهوان ويعلقوا على أعواد المشانق ويقتلوا فى أقبية السجون من يرفضون إجرامهم وعُتُوّهم واستكبارهم ولصوصيتهم? ألم يقضوا على المسلمين فى الأندلس بحيث لم يعد فيها من يقول كلمة التوحيد بعدما عاش المسلمون والنصارى واليهود على الحلوة والمرة قرونا ثمانية دون أن يفكر المسلمون حكام البلاد أوانئذ فى التنكيل بيهودى أو نصرانى أو يفكروا فى تحويله إلى ديانتهم، فضلا عن التخطيط للقضاء على كل دين يخالف دينهم? ألم يدمروا شعوبا كاملة كشعب الهنود الحمر? ألم ينشروا الحشيش والأفيون بين الصينيين حتى يظلوا فى غيبوبة وبلادة لا يفيقون لما ينزلونه بهم من تعاسة وتنكيل أبدا? ألم يقتلعوا الفلسطينيين من بلادهم وبلاد آبائهم وأجدادهم لآلاف السنين ويوطنوا بدلا منهم اليهود، الذين لموا أشتاتهم من جميع أرجاء العالم ممن ليس لهم فى فلسطين ناقة ولا جمل? ألم يدكوا المدن والقرى على رؤوس المسالمين الآمنين فى كل بلاد الله? ألم يدمروا أفغانستان والعراق أمام أعيننا جهارا نهارا? ألا يضعون أيديهم فى يد كل سفاح من حكام العالم الثالث ويساعدونه فى قتل الأحرار من شعبه والتنكيل بهم وإنزال أبشع ألوان الظلم والسحق والهرس والدهس بهم كى يظل مدينا لهم بالولاء ويسكت على جرائمهم فى حق الشعب والوطن اللذين يحكمهما?
وقد قام بهذه المقارنة قبلا بين أكل لحم البشر وتنكيل الغربيين بالأمم المغلوبة على أمرها المؤلف الفرنسى ميشل مونتينى (1533- 1592م). جاء بالمادة الخاصة به فى موسوعة "المعرفة" على المشباك: "أوحى إليه الهنود (أى الهنود الحمر) الذين رآهم فى روان بأن يقرأ تقارير الرحالة. ومن هذه الروايات كتب مقالة "عن أكلة لحوم البشر". وعنده أن أكل الموتى أقل همجية من تعذيب الأحياء. "لست أجد فى هذه الأمة (أمريكا الهندية) شيئا همجيا ولا وحشيا إلا إذا سمى الناس ما لم يألفوه: همجية. وقد تخيل هؤلاء الوطنيين أصحاء لا يمرضون إلا نادرا، سعداء دائما تقريبا، عائشين فى سلام وطمأنينة دون قوانين. وامتدح فن الأراتكة وطرق الأنكا. وأجرى على لسان هنود روان تنديدا بثراء أوربا وفقرها. لقد أدركوا أن بيننا رجالا أُتْخِموا بكل أنواع السلع فى حين يتضور غيرهم جوعا، وعجبوا كيف تحمل الفقراء هذا الظلم ولم يأخذوا بتلابيب الآخرين. وقارن بين أخلاق الهنود وأخلاق فاتحى بلادهم، واتهم هؤلاء قائلا إن المسيحيين المزعومين جلبوا عدوى الرذيلة لنفوس بريئة تواقة للعلم طيّبة بطبيعتها. ونسى مونتينى لطفه لحظةً فتفجر فى غضبةٍ مُضَرِيَّةٍ للحق: "ما أكثر المدن العامرة التى نُهِبَتْ وسُوِّيَتْ بالتراب! وما أكثر الأمم التى دُمِّرَتْ أو أقفرت من أهلها! وكم من ملايين لا تحصى من الناس الأبرياء من الجنسين ومن جميع المراكز والأعمار قُتِلوا ونُهِبوا وأُعْمِل فيهم السيف، وأغنى بقاع الأرض وأجملها وأفصلها قُلِبَتْ ظهرا على عقب وخُرِّبَتْ وشُوِّهَتْ من أجل تجارة اللؤلؤ والفلفل! إيه أيتها الانتصارات الآلية، ويا أيها الغزو الوضيع!".
بل إن روبنسون كروسو ذاته، بعدما فكر أن يقتل كل أكلة لحوم البشر ممن يفدون إلى شاطئ الجزيرة ويقومون بذبح أسراهم والتهامهم وقضى فى تقليب الموضوع والتخطيط له عدة أسابيع، عاد فنظر فى أمر هؤلاء الناس بعين جديدة، فرأى أنهم معذورون لجهلهم وعدم وجود من يرشدهم إلى الصواب ويفهمهم أن ما يفعلونه تصرف وحشى. كما أنهم، حسبما تنبه، لم يتعرضوا له بأى أذى، بل إنهم لم يكونوا يعرفون بوجوده على الجزيرة أصلا. وعلى هذا فبدلا من التعرض لهم بالأذى، وبخاصة أنه لا يضمن أن تكون النتيجة النهائية فى مصلحته حتى لو قتل منهم أعدادا وفيرة، ينبغى أن يكون همه هو الابتعاد عن طريقهم والامتناع عن عمل أى شىء يمكن أن يُشْعِرهم بوجوده على الجزيرة. ليس ذلك فقط، بل إنه حين قارن بينهم وبين الأسبان، الذين أَفْنَوُا الملايين من سكان أمريكا الأصليين وفاحت رائحة توحشهم فى أوربا كلها بما فيها بلادهم ذاتها ، رأى أنهم بالنسبة إليهم أبرياء جدا رغم وثنيتهم وهمجيتهم. وكانت النتيجة أنه عدل عن خطته التى كان ينوى تنفيذها ضدهم.
لقد استبان له أنهم لم يكونوا يدركون أن ذلك إثم أو حرام، بل كانوا يأتونه على أنه أمر طبيعى جدا كما نفعل نحن حين نقتل ثورا أو نعجة لنأكلها. ثم ماذا يكون ذلك إزاء ما تفعله الشعوب المتحضرة فى كثير من الحالات حين تقتل أعداءها بأعداد وفيرة حتى بعد استسلامهم وإلقائهم السلاح? (ص170- 173. وانظر أيضا ص196، 198- 199، 214. ويجد القارئ نفس هذه الأفكار تقريبا فى ص224- 225) . إلا أنه لما رأى أن أحد المأكولين هذه المرة رجل أبيض تغير موقفه، فأطلق النار عليهم، وأمر جمعة أن يحذو حذوه حتى قَتَلاهم كلَّهم تقريبا، وكانوا أكثر من عشرين، وأنقذا الرجل الأسبانيولى (ص227- 230).
ويقابل القارئ على المشباك حكايات عن أكل لحوم البشر. وهذه بعضها مع شىء من التصرف فى الصياغة : بدأت قصة رودى إيوجين فى 26 مايو 2012م عندما توقفت سيارته على جانب الطريق بمدينة ميامى ليخرج منها ويبدأ فى السير تحت أشعة الشمس الحارقة بولاية فلوريدا الأميركية، التى يبدو أنها أثرت فيه بشكل كبير، ويبدأ فى التصرف بغرابة، إذ خلع كل ملابسه ليصبح عاريا تماما. وأثناء هذيانه فى الشارع هاجم رونالد بوبو (أحد مشردى الشوارع- 65 عاما) بوحشية لمدة 18 دقيقة أكل خلالها معظم لحم وجهه. ورغم صيحات المارة لم يهتم، حتى أتت شرطة ميامى وأطلقت عليه النار عدة مرات. ورغم عدم إعلان الشرطة عن السبب فى تلك الحادثة فإن التسريبات غير الرسمية تشير إلى أنه كان واقعا تحت تأثير مادة مهلوسة جديدة قوية.
وكان لوكا روكو ماغنوتا (29 عاما) يعمل عارض أزياء بمدينة مونتريال الكندية، واتُّهِم بقتل صديقه الصينى جون لين، إذ طعنه وذبحه ثم قطّعه ونزع رأسه، وقام بأكل قطع من لحمه وإطعام بعضها لأحد الكلاب. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل قام لوكا بتصوير ما فعله ووضعه على الإنترنت، وسخر من السلطات من خلال إرسال أجزاء من الجثة إلى الأحزاب السياسية الكبيرة بكندا. ورغم مطاردة الشرطة له فقد تمكن من السفر إلى باريس ثم برلين حيث قُبِض عليه هناك أثناء جلوسه بمُقْهًى يتابع آخر الأخبار عنه على الإنترنت ويشاهد صوره.
وكان ماو سوجياما قد دون على موقع تويتر استعداده لتقديم وجبة من بعض أعضاء جسمه مقابل 100 ألف ين مع إعداده وطهيه لتلك الأعضاء وفق طلب المشترى. وقد استجاب له 5 أشخاص قاموا بأكل أعضائه فى وليمة فاخرة فى أبريل الماضى. وقد حصل على 250 دولارا مقابل الطبق الواحد.
واعترف الطالب ألكسندر كينيوا (21 عاما) بجامعة مورغان ستايت بمدينة بالتيمور للشرطة بأنه أكل قلب زميله فى السكن ومخه. وكان ألكسندر قد دون على الفيسبوك رسالة تنذر بجريمته قبل أسابيع من القبض عليه. وعند حضور الشرطة للمسكن بعد بلاغ من والد القاتل حول عثور أحد أبنائه على رأس بشرية ويَدَيْن بصندوق القمامة بالقبو اعترف ألكسندر بقتل زميله كوجوى بونسافو وأكْل أجزاء من جثته. كما أرشد الشرطة إلى المكان الذى أخفى فيه بقية الجثة.
وفى مايو 2012 أُلْقِى القبض على زهانغ يونغميغ (56 عاما) بقريته فى جنوب غرب الصين حيث اشتهر بكونه وحشا آكلا للحوم. وقد وجهت إليه التهمة بقتل 11 شخصا وتقطيع أعضائهم وأكل أجزاء من أجسامهم مع إلقاء بعض لحمهم لكلابه الثلاثة وبيع بعض منها فى السوق على أنها لحم نعام. وعند إلقاء الشرطة القبض عليه وجدوا عيونا بشرية محفوظة داخل عبوات من النبيذ وقطعا من اللحم البشرى معلقة لتجفّ.
والليلة قرأت خبرا بعنوان "أمريكى يقتل سيدة ويقطع أوصالها ويتناول أجزاء من الجثة" جاء فيه: "اتهمت السلطات الأمريكية اليوم رجلا بقتل سيدة وتقطيع أوصالها وتناول أجزاء منها. وذكرت شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية الأمريكية أن المتهم جريجورى هول، الذى يقيم بولاية تنيسى الأمريكية ويبلغ من العمر 37 عاما، يواجه تهمتى القتل العمدى من الدرجة الاولى وانتهاك حرمة الموتى. وقررت المحكمة المحلية الإفراج عن المتهم بعد دفع كفالة مالية قدرها 1,5 مليون دولار أمريكى". والخبر منشور فى صحيفة "المصريون" الضوئية بتاريخ الأربعاء 11 يونيه 2014م.
وبتاريخ الجمعة 18/ 12/ 2015م قرأت فى جريدة "المصريون" أيضا مقالا بعنوان "منتجات من جلد البشر على الإنترنت" يجرى على النحو التالى: "عرض أحد المواقع البريطانية منتجات جلدية للبيع بآلاف الدولارات لكونها صنعت من "جلود بشرية رطبة" بحسب ما ذُكِر على صفحة شركة "هيومن ليذركويوكي" فى الفيسبوك. بحسب المصدر فإنّ حذاء من الجلد البشرى بـ 27 ألف دولار، ومحافظ جلدية يتجاوز سعرها 14 ألف دولار، وغيرها. ويؤكد الموقع أن الجلد المستخدم حقيقى وبشرى 100 بالمائة. لكن صور منتجات هذا الموقع أثارت استهجان البعض، خاصة مع تأكيد الموقع على أن الطلبات كثيرة، وتغطى سبع سنوات قادمة لأرباح منتظرة. وطلب الموقع من زبائنه الانتظار لحين إشعار آخر لاستقبال الطلبات الجديدة. بحسب موقع 24 فقد كُتِب على الموقع: "نحن متخصصون فى تقديم منتجات رائعة وحصرية لعملائنا المميزين للغاية، وجميع منتجاتنا صنعت من قِبَل حِرْفِيّين ذوى سنوات خبرة طويلة فى التعامل مع أجود أنواع الجلود المعروفة، وهى جلد الإنسان"، مضيفا أن الشركة تحصل على الجلود من متبرعين فور وفاتهم".
كذلك طالعتُ فى موقع "شبكة الملحدين العرب" مقالا مترجما إلى العربية بعنوان "الكشف عن أدلة محتملة لحدوث أكل لحم بشرى مريع فى أوروبا فى العصر النيوليتى" خلاصته أن الأوربيين، قبل بضعة آلاف سنة، وقبل أن يتحضروا، كانوا يمارسون أكل لحوم البشر. فقد عثر العلماء على حفريات ترجع إلى نحو 7000 سنة يمكن أن تكون بقايا عظام ولحوم بشرية كان يلتهمها بشر: "عثر علماء الآثار الدارسين لتنقيبات تعود الى حوالى 7000 عام فى منطقة الجنوب الالمانى على أدلة تبيّن أن أكثر من 500 شخص قد أمكن كونهم ضحايا لأكل لحم البشر.
الأدلة على حدوث أكل لحم البشر فى هذه الفترة فى أوربا تكون نادرة جدا، لكن مئات البقايا الأحفورية فى مكان قريب من بلدة Herxheim تمتلك علامات لحدوث أكل لحم بشر. أحد الباحثين Dr. Bruno Boulestin من جامعة Burdeos فى فرنسا قال بأن فريقه قد عثر على عظام تحمل علامات مشابهة لما تمّ العثور عليه، وهى لبقايا حيوانات مشويّة. أيضا عثروا على قطع من اللحم يبدو أنها كانت منزوعة عن العظام، وعظام مكسورة بحدّة لاستخراج المخ والنخاع بسهولة على ما يبدو.
قال Dr. Boulestin بأنّ الجروح والعلامات التى فى العظام توفّر أدلة على أن أجسام أكثر من 500 ضحيّة، متضمنين أطفالا وأجنّة، كانت مشوهة عمدا، والضحايا كانت ممزقة كأطعمة كما لو كانوا حيوانات.
التنقيب الأثرى حول حقبة السيراميك قد بدأ لأول مرة فى الفترة بين 1996 و1999، ومن جديد فى العام 2005 والعام 2008. حتى هذه اللحظة تمّ العثور على بقايا 500 شخص وعدد هائل من الكلاب فى حفر بيضاوية الشكل. احتوت تلك الحفر أيضا على السيراميك، مما يشير إلى أن تلك البقايا قد تراكمت على مدار عقود عدّة فقط. البقايا تؤرّخ لبدايات العصر النيوليتى عندما انتشرت الزراعة فى أوروبا.
عالمان ألمانيان من معهدSenckenberg ومتحف التاريخ الطبيعى فى فرانكفورت هما Miriam وHaidle، وكذلك Joerg Orschiedt من جامعة لايبزيغ، كانوا قد درسوا العظام ذاتها واستبعدوا نظرية Dr. Boulestin المتصلة بأكل لحم البشر، واقترحوا أن نزع اللحم كان على الأرجح بحسب طقس خاص بإعادة الدفن.
لقد فكّر Dr. Boulestin وفريقه بأن اللُّقَى العظمية عبارة عن مكان لإعادة الدفن، لكنهم اقتنعوا بأنها تتصل بأكل لحم البشر. بعد فحص تفصيلى لحوالى 217 عيّنة من العظام لعشرة أشخاص على الأقل متضمنة اثنين من الأطفال لم يُولَدوا بعد قد أبرزت علامات مضغ وحكّ تكون أكثر اتساقا مع أكل لحم البشر.
بحسب Haidle وOrschiedtالعظام العائدة لناس مدفونة قد كانت أيضا تحتوى بعض العلامات المشابهة، وأكل لحم البشر سيكون إثباته تقريبا مستحيلا. بلدة Herxheim وأماكن أخرى قد كانت مهجورة زمن حقبة موت أولئك الناس منذ 7000 عام، الأمر الذى من الممكن أن يشير إلى وجود أزمة اجتماعية ما فى ذاك الزمن. التنقيبات مستمرة، وDr. Boulestin وفريقه يعتقدون بأن المكان يمكن أن يحتوى على بقايا بشرية أكثر.
ويجد القارئ المقال باللغة الإنجليزية على الرابط التالى: http://phys.org/news179393799.html، وعنوانه: "Evidence unearthed of possible mass cannibalism in Neolithic Europe". وهو يجرى على النحو التالى:
"(PhysOrg.com) -- Archaeologists studying a 7,000-year-old site in what is now south-west Germany have found evidence suggesting that more than 500 people may have been the victims of cannibalism.
Evidence of cannibalism in Neolithic Europe is rare, but hundreds of remains excavated at a site near the village of Herxheim have markings suggestive of cannibalism. One of the authors of the research paper, Dr Bruno Boulestin of the University of Bordeaux in France, said his team had found bones with markings similar to those found on the remains of animals that have been spit roasted. They also found cuts suggestive of meat being scraped from the bones, and bones with the ends broken, as if to facilitate scraping out the marrow.
Dr Boulestin said the cuts and markings on the bones provided evidence the bodies of the more than 500 victims, including children and fetuses, were intentionally mutilated, and the victims were butchered and eaten in the same way as animals.
The archaeological site is one of the Linear Pottery Culture, and was first excavated from 1996-99 and again in 2005 and 2008. So far the remains of about 500 humans and a large number of dogs have been found buried in oval pits. The pits also contained pottery, which suggests the remains were accumulated over only a few decades. The remains date from the early Neolithic period, when farming had spread into Europe.
Two German scientists, Miriam Haidle of Senckenberg Research Institute and Natural History Museum in Frankfurt, and Jorg Orschiedt of the University of Leipzig, who have previously studied bones found at the site dismiss Dr Boulestin's theory of cannibalism and suggest the removal of flesh was more likely to have been part of a reburial ritual.
Boulestin's team originally also thought the find was a reburial site, but they became convinced the people had been cannibalized after a detailed examination of 217 samples of bone from at least 10 people, including two unborn children, revealed chewing and scraping marks that were more consistent with cannibalism.
According to Haidle and Orschiedt bones of people who had been ritually reburied would have had similar markings, and cannibalism would be almost impossible to prove.
Herxheim and other settlements were abandoned around the time of the deaths of the people, about 7,000 years ago, which may indicate there was a social crisis of some kind at the time. Excavations are continuing, and Dr Boulestin and his team think the site may contain the remains of many more people".
ومن الطريف أن عبارة "أكلة لحوم البشر" قد صارت فى العقود الأخيرة مصطلحا أدبيا لطائفة من الأدباء الشبان الإيطاليين يؤلفون ما يسمى بخليط "صلصة الرعب" مستغلين كل ما يقدمه العصر فى هذا السبيل من مشباك وتلفاز وكرتون وغير ذلك. ويجد القارئ هذا فى مادة "Cannibales" بـ" littératures / Dictionnaire mondial des Larousse":
"Mouvement littéraire italien. Sous le nom de Jeunesse cannibale, les éditions Einaudi ont publié en 1996 une anthologie des nouveaux auteurs italiens, parmi lesquels Niccolò Ammaniti, Daniele Luttazzi, Aldo Nove, Tiziano Scarpa, Isabella Santacroce. Ce recueil est devenu le manifeste d'une nouvelle mouvance qui envahit le champ littéraire avec la pulp-fiction, à savoir le mélange, dans une sauce «horreur», de tout ce qui caractérise la modernité: la publicité, la bande dessinée, l'Internet, l'information télévisée ou les faits divers".
وإذا ما رجعنا إلى الوراء كى نطلع على شىء من التاريخ الخاص بموضوع أكل البشر وجدنا فى الأساطير الإغريقية أن الملك الإغريقى ليكاوون، الذى كان يعيش قبل عصر الطوفان، قد أغضب زيوس كبير الآلهة بذبح ولدٍ وتقديمه ضحية له. وهناك من يَعْزُون هذا الغضب إلى أنه دعا زيوس إلى وليمة تضم بين أطباقها شواء آدميا. وتذكر أسطورة ثالثة أن أبناء ليكاوون قد صنعوا، فى وليمتهم لزيوس، مرقا من أحشاء جدى ونعجة وأخ لهم، وأن هذا بالأحرى هو ما أغضب زيوس فمسخهم هم وأباهم ذئابا. وكان الاعتقاد أن أى رجل مذؤوب يمكن أن يعود إلى صورته الإنسانية إن لم يأكل لحما بشريا طوال عشرة أعوام، أما إذا ظل يفعل ذلك فإنه يعيش سائر حياته ذئبا... إلى آخر ما تقول مادة "Lycaon" فى "Encyclopaedia Mythica" المشباكية.
وفى "الأوديسة" لهوميروس أن أوديسيوس حين أبحر برجاله اكتشفوا، بعد أن تخلصوا من سحر اللوتس، أن السفينة بها ثقب كبير لا بد أن يتوقفوا لإصلاحه. ولكن أين يتوقفون? أخذوا يبحثون إلى أن وجدوا جزيرة قريبة فذهبوا إليها. لم يكن بالجزيرة التى يقفون عليها إلا الأشجار والحشائش فقط، وكان أمامهم جزيرة أخرى يسمعون ثغاء الغنم منها. فقرر أوديسيوس أن يأخذ بعض البحارة ويصطادوا بعض الأغنام لتكون مؤنتهم طوال الرحلة. وحين بلغوا الجزيرة الأخرى اصطادوا الغنم دون أن يعبأوا بصاحب القطعان. وشوى البحارة أحد الخراف، ثم أكلوا وأرادوا أن يستريحوا، فوجدوا كهفا فسيحا به مكان مسور ممتلئ بالقش يستخدم حظيرة للأغنام، وبجوار جدار الكهف سلالُ جبنٍ ودَنٌّ ثقيل ممتلئٌ باللبن وجلودٌ كثيرة، فعرف أوديسيوس أنهم فى كهف راعى الغنم.
وفجأة دخل عليهم الراعى، وكان سيكلوبا عملاقا مخيفا ذا عين واحدة، وسد عليهم مدخل الكهف. وحين وجد أوديسيوس ورجاله قال: أهلا بكم أيها الضيوف! ما هى قصتكم? فتكلم أوديسيوس قائلا: نحن بحارة تحطمت سفينتنا على الجزيرة. فسألهم: أيوجد بحارة غيركم فى مكان آخر? فنفى أوديسيوس ذلك لأنه لم يكن مطمئنا لذلك السيكلوب، الذى ما إن انتهى من عبارته حتى أغلق مدخل الكهف بصخرةٍ هائلةٍ، وأمسك اثنين من البحارة وهشم رأسيهما فى الجدار، ووضعهما على النار وبدأ فى حلب الماعز منتظرا نضجهما. ثم التهم البحارين المسكينين، وشرب الحليب وأكل الجبن، ثم نام. وحاول أوديسيوس وبقية الرجال زحزحة الصخرة أثناء نوم السيكلوب، لكنهم فشلوا.
وفى الصباح استيقظ السيكلوب وأمسك باثنين آخرين من البحارة، وبعد أن تناول فَطُوره البشرى أخرج الغنم، وخرج وسد الكهف بالصخرة. وظل أوديسيوس يفكر كيف يخرجون من ذلك الموقف. وفجأة وجد الحل، إذ رأى غصن زيتون كبيرا فأخذه، وطلب من الرجال أن يَسُنّوه مثل الحراب بسيوفهم، ففعلوا، وأخفاه أوديسيوس بين القش حتى عاد السيكلوب، وبدأ فى التهام وجبته. لقد قضى حتى الآن على نصف من فى الكهف. ولما شبع تقدم منه أوديسيوس، وفى يده كأس من نبيذ أبوللو المقدس الذى تُرِك ليُعَتَّق ألف سنة. وكان على من يريد أن يشرب منه كأسا أن يمزج الرشفة بخمسين كأسا من المياه. وكان أوديسيوس قد غنم منها برميلا فى طروادة. وقدم أوديسيوس الكأس للسيكلوب دون أن يمزجها بقطرة ماء واحدة، فجرعه السيكلوب، وطلب المزيد حتى ثمل وترنح وقال له: ما اسمك أيها البحار? فقال له: اسمى "لاأحد". قال له: حسن يا لاأحد. سأكافئك على تلك الخمر المذهلة بأن تكون آخر من تؤكل من رفاقك. ثم ارتمى على الأرض فاقد الوعى بتأثير الخمر.
فأسرع أوديسيوس وأخرج الغصن وترك سِنَّه على النار حتى احمر، ثم حمله هو والرجال وفقأ عين السيكلوب الوحيدة، فنهض وهو يعوى من الألم، واستيقظ كل جيرانه السكالبة من نومهم ونادَوْا: أبيفولوموس، ماذا أصابك? هل ضربك أحد? فقال: "لاأحد" ضربنى، "لاأحد" فقأ عينى، "لاأحد" اللعين. فلم يعبأ به أحد من جيرانه.
وفى الصباح تحسس السيكلوب فتحة الكهف، وأزال الحجر لتخرج الأغنام وترعى، وجلس على الفتحة يتحسس كل شيء يخرج كيلا يتمكن أوديسيوس من مغادرة الكهف. ولكن أوديسيوس الماكر ربط كل رَجُلٍ من رجاله تحت بطن كبش كبير، وجعل هذا الكبش فى وسط كبشين آخرين عند الخروج من الكهف، واختار لنفسه أكبر الكباش وأمسك بفروته وخرج معه.
وكان السيكلوب عندما يتحسس يجد أغناما تخرج، حتى وصل الكبش الكبير، الذى تحته أوديسيوس، فقال له: كبشى العزيز، مالك فى آخر القطيع، وكنتَ دائما فى مقدمته? لا بد أنك حزين لما حدث لى. هيا اخرج وارع مع بقية القطيع. ثم سد باب الكهف، لكن أوديسيوس ورفاقه فى ذلك الحين كانوا يسوقون الأغنام إلى سفينتهم. وحين بعدت السفينة قليلا فى البحر صاح أوديسيوس بالسيكلوب أبيفولوموس قائلا: اعلم أن من فقأ عينك هو أوديسيوس بن لايتريس، ملك إيتاكا. فصاح السيكلوب: لقد صدقت النبوءة أن من سيفقأ عينى هو المحارب أوديسيوس. ولكننى ظننت أنه سيبارزنى ويقتلنى. إلا أنك، بمكرك، قتلتنى أكثر من ألف مرة.
قد يقال إن السيكلوب لا ينتمى إلى البشر، ومن ثم فلا عبرة بأكله لحوما بشرية، لكن من السهل الرد على هذا الاعتراض بأنه لا فرق بينه وبين البشر إلا فى أنه ذو عين واحدة بينما البشر لهم عينان. أما فيما عدا هذا فهو يتصرف كما يتصرف الإنسان، إذ يرعى الغنم كما يرعاها الإنسان، ويفكر ويدبر أموره على نحو ما يفكر الإنسان ويدبر. كما أنه يتكلم إلى البشر كما يتكلم بعضهم مع بعض، ويخطط كما يخططون... إلخ. ومن هنا فإن الفرق المذكور ليس بالفرق الحاسم، وكل ما هنالك أنه يبدو وكأنه إنسان مشوه الملامح. ثم إن الكتابات التى تتحدث عن السيكلوب تصفه بأنه "cannibal"، وهى الكلمة التى تعنى كل كائن حى يأكل لحم فرد ينتمى إلى نفس الجنس. نجد هذا مثلا فى "الموسوعة البريطانية". ويمكن القول به أيضا فيما يتعلق بالغيلان، التى سوف يأتى ذكرها بعد قليل.
وفى مادة "Cyclops" من "Encyclopaedia Britannica" (ط2012م) أن المؤلفين المتأخرين جعلوا السيكلوبات عُمّالا بشريين (workmen) عند هيفستوس إله النار والبراكين والأشغال المعدنية والصناعات اليدوية، ويقال إنهم بَنَوْا عددا من المدن الإغريقية كتِيرْنِس وغيرها، ومن هنا أُطْلِق فى العمارة الحديثة مصطلح "السيكلوبى" على ضرب من الجدران تبنى بحجارة غير مربعة. وهذا كله يعضد ما قلته من أن السيكلوبات لا يتميزون تميزا حاسما عن البشر.
وفى كتاب "الفلاحة النبطية" لابن الوحشية نقرأ النص التالى: "وقد سَمَّى شجرةَ الأبهل صردايا الكنعانى باسمٍ بلغتهم معناه "شجرة الغول" لأنها شجرة تغتال من يشم رائحتها ومن يراها ويتأملها وقتا. هذا المعنى قلناه على ما نظن. فأما على تفسير من فسر قول صردايا من غيرنا فإنه قال: إن معنى قوله أن حيوانا من التى تأوى القفر والبرارى يسمى: "الغول" يألف هذه الشجرة ويحب شم رائحتها، وإن هذا الحيوان نصفه على صورة الانسان، صورة امرأة خاصة بثديين كبيرين، وهو النصف الفوقانى، والنصف السفلانى كصورة نصف حمار ينتهى الى ساقين فى طرفيهما موضعَ القدمين حافران مثل حوافر الحمير والبغال وما أشبه ذلك، وإن هذا الحيوان تهرب الحيوانات البرية كلها منه حتى الأسود والذئاب وكل ذى قوة شديدة ومخالب، فلا يقوم له واحد من هذه، وإن أعظم لذة وشهوة هذا الحيوان أن يظفر بإنسان، فإنه يتلاعب به تلاعبا كثيرا وقتا طويلا ثم يشق بطنه بمخلبين له فى بدنه فى كل كف، مخلبين قويين عظيمين، يشق بهما بطنه، ويأكل قماش بطنه، وقبل شق جوفه زعموا انه يأكل ذكره وخصيتيه، ثم يشق جوفه فيأكل أحشاه ثم يتركه بأن يجره إلى سرب له. فكلما نتن ريحه كان أشهى للغول وأطيب عنده، فلا يزال يتردد عليه حتى يفنيه. وإن هذا الغول يأوى أسرابا له فى الأرض ولا يأوى إلا فى برية قفرة موحشة لا يسلكها أحد من الناس، وربما كانوا فى جزائر البحر يأوونها ويخرجون منها فيقومون فى الماء إلى أذقانهم، فيصيدون الحيتان والسمك فيأكلونها كما يأكلون الناس، وإنهم يأكلون جميع وحوش البر وجميع دواب البحر، فإذا بَقُوا بلا طعام ولم يجدوا مأكولا أكل بعضهم بعضا، وإن جميع غذائهم ينحلّ فى أجوافهم، فيخرج منهم كالبول رقةً لفرط حرارة أبدانهم، وإن احدهم إن ظهر فى الشمس فوقع شعاع الشمس على بدنه مرض، فهم يختفون فى الأسراب فى الأرض النهار كله، فإذا جاء الليل وغربت الشمس انتشروا يطلبون الرزق الليل كله وإلى مُضِى ربع ساعة من النهار، ثم يختفون على العادة.
وأما تفسير قولنا نحن إن شجرة الأبهل إنما سماها صردايا لنا: "شجرة الغول" لأنها تغتال من يشم رائحتها ومن يراها ويتأملها وقتا، فإن هذه حارة شديدة الحرارة قاتلة برائحتها وطعمها. وفيها خاصية فعل تنكى به عين من يتأملها وينظر إليها وحدها زمانا. فإن صغريث خاصة قال إن إدمان النظر اليها يورث حمى حارة يختلط معها العقل. وإذا كان هذا هكذا فهى مغتالة للناظر اليها والشامّ رائحتها. أما الناظر اليها فكما قالوا إنها تنكى عينيه وتمرضهما، وأما الشامُّ رائحتها فإنها تنكى دماغه فتُورِثه صداعا وتسخّنه شديدا حتى ربما أورثت برساما يذهب معه العقل يتبعه خيالات كثيرة. فبهذا الفعل: الإمراض والإسخان صارت شجرةَ الغول والاغتيال، أى أنها تغتال الناس فتمرضهم، وغير هذا مما له شرح يطول. فهذا تفسير الناس أنها شجرة الغول... وقد زعم قوم أن هذا الغول يشم روائح الناس وسائر الحيوانات من نحو ثلاثة فراسخ، وأن الانسان أحبُّ إليه من جميع ما يأكله، وأنه يأكل السباع كلها وسائر حيوانات البر، وأنها تهرب منه إذا أحست به، أما فى جزائر البحر فتعوم فى الماء هربا منه، وأما فى طرفى النهار فإنها تدخل الأسراب العميقة الضيقة التى لا يصل الغول إليهم فيها ولا يظهرون منها حتى يفقدوا روائح الغول، فيعلمون بذلك أنها قد تعدَّت عنهم لأن الحيوانات تشم للغول رائحة نتنة قبل وصول الغول إليهم، فهم لذلك يهربون منها."
وفى رواية "أكلة الموتى: عن مخطوطة ابن فضلان" لمايكل كرايتون أنه كانت هناك فى شمال أوربا أيام المقتدر العباسى كائنات غريبة الشكل قبيحة الملامح عفنة الرائحة اسمها "وحوش الضباب" تأكل البشر بعد أن تمزِّق أجسادهم على نحو شديد البشاعة والوحشية. وهم يأتون دائما فى ضباب أسود منتن يتخلل كل شىء، وكثيرا ما يشتبكون فى معارك مع البشر، ويمكن هؤلاء أن يهزموهم رغم وحشيتهم وقسوتهم البشعة .
ويقول المقريزى فى كتابه: "اتعاظ الحُنَفا بأخبار الأئمة الفاطميين الخُلَفا" عن بعض حوادث الشِّدّة المستنصِرية فى منتصف القرن الخامس الهجرى، وهى المجاعة الهائلة التى وقعت فى عهد ثامن الخلفاء الفاطميين المستنصر بالله لشحة ماء النيل فى تلك الفترة وجشع التجار وغير هذا: "كان بمصر طوائف من أهل الفساد قد سكنوا بيوتًا قصيرةَ السقوف قريبةً ممن يسعى فى الطرقات، فأعدوا سَلَبًا وخطاطيف، فإذا مر بهم أحد شالوه فى أقرب وقت ثم ضربوه بالأخشاب وشرحوا لحمه وأكلوه. قال الشريف أبو عبد الله محمد الجوانى فى كتاب "النقط": حدثنى بعض نسائنا الصالحات قالت: كانت لنا من الجارات امرأة ترينا أفخاذها وفيها كالحُفَر فتقول: أنا ممن خطفنى أَكَلَةُ الناس فى الشدة، فأخذنى إنسان، وكنت ذات جسم وسِمَن، فأدخلنى بيتا فيه سكاكين وآثار الدماء وزفرة القتيل، فأضجعنى على وجهى وربط فى يدى ورجلى سلبًا إلى أوتادِ حديدٍ عريانةً، ثم شرح من أفخاذى وأنا أستغيث ولا أحد يجيبنى، ثم أضرم الفحم وسوى من لحمى وأكل أكلا كثيرا، ثم سكر حتى وقع على جنبيه لا يعرف أين هو، فأخذت فى الحركة إلى أن تخلى أحد الأوتاد، وأعان الله على الخلاص، وخَلَصْتُ وحَلَلْتُ الرباط وأخذت خروقا من داره ولففت بها أفخاذى وزحفت إلى باب الدار وخرجت أزحف إلى أن وقعت إلى الناس، فحُمِلْتُ إلى بيتى، وعرَّفتهم بموضعه، فمَضَوْا إلى الوالى فكبس عليه وضرب عنقه. وأقامت الدماء فى أفخاذى سنةً إلى أن ختم الجرح، وبقى هكذا حفرا".
ويقول المقريزى أيضا فى "إغاثة الأمّة بكشف الغُمّة" عن المستنصر: "واحتاج المستنصرُ حتى باع حِلْيَة قبور آبائه. وجاءه الوزير يوما على بغلته، فأكلتها العامة، فشنق طائفة منهم، فاجتمع عليهم الناس فأكلوهم". كما يقول عن مجاعة حصلت بعد ذلك بنحو قرن ونصف: "عدم القوت حتى أكل الناس صغار بنى آدم من الجوع، فكان الأب يأكل ابنه مشويا ومطبوخا، والمرأة تأكل ولدها"، وإن كان محقق الكتاب د. كرم حلمى فرحات يشكك فى مثل هذه الأقاويل ويرى أنها مبالغات من المقريزى غير مقبولة أراد بها تصوير مدى قسوة تلك الأزمات وما أحدثه الغلاء بالناس .
وفى "المواعظ والاعتبار بذكر الخُطَط والآثار" للمقريزى كذلك: "وفى سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ظهر بالقرافة شيء يقال له: القطربة، تنزل من جبل المقطم، فاختطفت جماعة من أولاد سكانها حتى رحل أكئرهم خوفا منها. وكان شخص من أهل كبار مصر يُعْرَف بـ"حميد الفوّال" خرج من أطفيح على حماره، فلما وصل إلى حلوان عشاءً رأى امرأة جالسة على الطريق، فشكت إليه ضعفا وعجزا، فحملها خلفه فلم يشعر بالحمار إلاّ وقد سقط، فنظر إلى المرأة، فإذا بها قد أخرجت جوف الحمار بمخالبها، ففرّ وهو يعدو إلى والى مصر وذكر له الخبر، فخرج بجماعته إلى الموضع فوجد الدابة تدلَّى جوفها. ثم صارت بعد ذلك تتبع الموتى بالقرافة وتنبش قبورهم وتأكل أجوافهم وتتركهم مطروحين، فامتنع الناس من الدفن فى القرافة زمنا حتى انقطعت تلك الصورة".
وفى"ألف ليلة وليلة": "كان لذلك الملك ولد مُولَع بالصيد والقنص، وكان له وزير، فأمر الملكُ ذلك الوزيرَ أن يكون مع ابنه أينما توجه. فخرج يوما من الأيام إلى الصيد والقنص، وخرج معه وزير أبيه، فسارا جميعا فنظرا إلى وحش كبير، فقال الوزير لابن الملك: دونك هذا الوحشَ، فاطلبه. فقصده ابن الملك حتى غاب عن العين، وغاب عنه الوحش فى البرية. وتحير ابن الملك فلم يعرف أين يذهب. وإذا بجارية على رأس الطريق وهى تبكى، فقال لها ابن الملك: من أنتِ? قالت: بنت ملك من ملوك الهند، وكنت فى البرية، فأدركنى النعاس، فوقعت من فوق الدابة ولم أعلم بنفسى فصرت حائرة.
فلما سمع ابن الملك كلامها رق لحالها وحملها على ظهر دابته وأردفها وسار حتى مر بجزيرة، فقالت له الجارية: يا سيد، أريد أن أزيل ضرورة. فأنزلها إلى الجزيرة، ثم تَعَوَّقَتْ، فاستبطأها فدخل خلفها وهى لا تعلم به، فإذا هى غولة ، وهى تقول لأولادها: يا أولادى، قد أتيتكم اليوم بغلام سمين. فقالوا لها: ائتينا به يا أمنا نأكله فى بطوننا. فلما سمع ابن الملك كلامهم أيقن بالهلاك، وارتعدت فرائصه، وخشى على نفسه ورجع، فخرجت الغولة فرأته كالخائف الوجل وهو يرتعد، فقالت له: ما بالك خائفا? فقال لها: إن لى عدوا، وأنا خائف منه. فقالت الغولة: إنك تقول: أنا ابن الملك. قال لها: نعم. قالت له: مالك لا تعطى عدوك شيئا من المال فترضيه به? فقال لها: إنه لا يرضى بمال، ولا يرضى إلا بالروح، وأنا خائف منه، وأنا رجل مظلوم. فقالت له: إن كنت مظلوما كما تزعم فاستعن بالله عليه، فإنه يكفيك شره وشر جميع ما تخافه. فرفع ابن الملك رأسه إلى السماء وقال: يا من يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، انصرنى على عدوى واصرفه عنى. إنك على ما تشاء قدير. فلما سمعت الغولة دعاءه انصرفت عنه، وانصرف ابن الملك إلى أبيه".
وفى "ألف ليلة وليلة" أيضا: "ثم إن ساعدا قال: يا أخى يا سيف الملوك، لما غرقت المركب وغرقت المماليك طلعتُ أنا وجماعة من المماليك على لوح خشب، وسار بنا فى البحر مدة شهر كامل. ثم بعد ذلك رمانا الريح بقدرة الله تعالى على جزيرة، فطلعنا ونحن جياع، فدخلنا بين الأشجار وأكلنا من الفواكه واشتغلنا بالأكل، فلم نشعر إلا وقد خرج علينا أقوام مثل العفاريت فوثبوا علينا وركبوا فوق أكتافنا، وكانوا نحو المائتين، فقلنا لبعضنا: ما يكفى هؤلاء أن يركبونا حتى يأكلونا أيضا! فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم! ولكن نحن نقوّى عليهم السُّكْر، ثم نقتلهم ونستريح منهم ونخلص من أيديهم. فنبهناهم وصرنا نملأ لهم تلك الجماجم ونسقيهم، فيقولون: هذا مر. فقلنا لهم: لأى شيء تقولون: هو مر، وكل من قد قال ذلك إن لم يشرب منه عشر مرات فإنه يموت من يومه? فخافوا من الموت وقالوا لنا: اسقونا تمام العشر مرات. فلما شربوا العشر مرات سكروا، وزاد عليهم السكر، وهمدت قوتهم، فجررناهم من أيديهم. ثم إننا جمعنا من حطب تلك الكروم شيئا كثيرا، وجعلناه حولهم وفوقهم، وأوقدنا النار فى الحطب، ووقفنا من بعيد ننظر ما يكون منهم. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.
وفى الليلة التاسعة والعشرين بعد السبعمائة قالت: بلغنى، أيها الملك السعيد، أن ساعدا قال: لما أوقدتُ النار فى الحطب أنا ومن معى من المماليك، وصارت الغيلان فى وسطها، وقفنا من بعيد لننظر ما يكون منهم. ثم قَدِمْنا إليهم بعد أن خمدت النار فرأيناهم صاروا كوم رماد، فحمدنا الله تعالى، الذى خلصنا منهم، وخرجنا من تلك الجزيرة وطلبنا ساحل البحر، ثم افترقنا عن بعضنا: فأما أنا واثنان من المماليك فمشينا حتى وصلنا إلى غابة كثيرة الأشجار فاشتغلنا بالأكل، وإذا بشخص طويل القامة طويل اللحية طويل الأذنين بعينين كأنهما مشعلان، وقدامه غنم كثيرة يرعاها، وعنده جماعة أخرى فى كيفيته. فلما رآنا استبشر وفرح ورحب بنا وقال: أهلا وسهلا. تعالَوْا عندى حتى أذبح لكم شاة من هذه الأغنام وأشويها وأطعمكم. فقلنا له: وأين موضعك? فقال: قريب من هذا الجبل. فاذهبوا إلى هذه الجهة حتى تَرَوْا مغارة، فادخلوا فإن فيها ضيوفا كثيرين مثلكم. فرُوحُوا واقعدوا حتى نجهز لكم الضيافة.
فاعتقدنا أن كلامه حق، فسرنا إلى تلك الجهة ودخلنا تلك المغارة فرأينا الضيوف التى فيها كلهم عميانا. فحين دخلنا عليهم قال واحد منهم: أنا مريض. وقال الآخر: أنا ضعيف. فقلنا لهم: أى شيء هذا القول الذى تقولونه? وما سبب ضعفكم ومرضكم? فقالوا لنا: من أنتم? فقلنا لهم: نحن ضيوف. قالوا لنا: ما الذى أوقعكم فى يد هذا الملعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم? هذا غول يأكل بنى آدم، وقد أعمانا، ويريد أن يأكلنا. فقلنا لهم: كيف أعماكم هذا الغول? فقالوا لنا: فى هذا الوقت يعميكم مثلنا. فقلنا لهم: وكيف يعمينا? فقالوا لنا: إنه يأتيكم بأقداح من اللبن ويقول لكم: أنتم تعبتم من السفر، فخذوا هذا اللبن واشربوا. فحين تشربوا منه تصيروا مثلنا. فقلت فى نفسى: ما بقى لنا خلاص إلا بحيلة. فحفرت حفرة فى الأرض وجلست عليها، ثم بعد ساعة دخل الملعون الغول علينا ومعه أقداح من اللبن، فناولنى قدحا وناول من معى كل واحد قدحا، وقال لنا: أنتم جئتم من البر عطاشا، فخذوا هذا اللبن واشربوا منه حتى أشوى لكم اللحم. فأما أنا فأخذت القدح وقربته من فمى ودلقته فى الحفرة وصحت: آه! قد راحت عينى وعميت. وأمسكت عينى بيدى، وصرت أبكى وأصيح، وهو يضحك ويقول: لا تخف. وأما الاثنان رفيقاى فإنهما شربا اللبن فعميا، فقام الملعون من وقته وساعته وهو يسعى خلفى، فقلت للعميان الذين عنده: كيف العمل مع هذا الملعون? فقال واحد منهم: يا ساعد، انهض واصعد إلى هذه الطاقة تجد فيها سيفا صقيلا، فخذه وتعال عندى حتى أقول لك كيف تعمل. فصعدتُ إلى الطاقة وأخذت السيف وأتيت عند ذلك الرجل، فقال: خذه واضربه فى وسطه، فإنه يموت فى الحال. فقمت وجريت خلفه، وقد تعب من الجرى، فجاء إلى العميان ليقتلهم، فجئت إليه وضربته بالسيف فى وسطه فصار نصفين، فصاح على وقال لى: يا رجل، حيث أردت قتلى فاضربنى ضربة ثانية. فهممت أن أضربه ضربة ثانية، فقال الذى دلنى على السيف: لا تضربه ضربة ثانية، فإنه لا يموت بل يعيش ويهلكنا. وأدرك شهرزادَ الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.
وفى الليلة الثلاثين بعد السبعمائة قالت: بلغنى، أيها الملك السعيد، أن ساعدا قال: لما ضربتُ الغول بالسيف قال لى: يا رجل، حيث ضربتَنى وأردتَ قتلى فاضربنى ضربة ثانية. فهممت أن اضربه، فقال لى الذى دلنى على السيف: لا تضربه ضربة ثانية، فإنه لا يموت بل يعيش ويهلكنا. فامتثلتُ أمر ذلك الرجل ولم أضربه، فمات الملعون، فقال لى الرجل، قم افتح المغارة، ودعنا نخرج منها لعل الله يساعدنا ونستريح من هذا الموضع".
وفى"ألف ليلة وليلة" كذلك، وهى الحكاية الرابعة من حكايات السندباد البحرى: "قال السندباد البحرى: اعلموا، يا إخوانى، أنى لما عدت إلى مدينة بغداد واجتمعتُ على أصحابى وأحبابى وصرت فى أعظم ما يكون من الهناء والسرور والراحة، وقد نسيتُ ما كنت فيه لكثرة الفوائد وغرقتُ فى اللهو والطرب ومجالسة الأحباب والأصحاب وأنا فى ألذ ما يكون من العيش، فحدثتنى نفسى الخبيثة بالسفر إلى بلاد الناس، وقد اشتقت إلى مصاحبة الأجناس والبيع والمكاسب، فهممت فى ذلك الأمر واشتريت بضاعة نفيسة تناسب البحر وحزمت حمولا كثيرة زيادة عن العادة، وسافرت من مدينة بغداد إلى مدينة البصرة، ونَزَّلْتُ حمولتى فى المركب واصطحبت جماعة من أكابر البصرة. وقد توجهنا إلى السفر وسافر بنا المركب على بركة الله تعالى فى البحر العَجَّاج المتلاطم بالأمواج، وطاب لنا السفر. ولم نزل على هذه الحالة مدة ليالٍ وأيامٍ من جزيرة إلى جزيرة، ومن بحر إلى بحر، إلى أن خرجتْ علينا ريح مختلفة يوما من الأيام، فرمى الريِّس مراسى المركب وأوقفه فى وسط البحر خوفا عليه من الغرق. فبينما نحن على هذه الحالة ندعو ونتضرع إلى الله تعالى إذ خرج علينا ريح عاصف شديد مزق القلع وقطعه قطعا، وغرق الناس وجميع حمولهم وما معهم من المتاع والأموال، وغرقتُ أنا بجملة من غرق. وعُمْتُ فى البحر نصف نهار وقد تخليت عن نفسى، فيسر الله تعالى لى قطعة لوح خشب من ألواح المركب، فركبتها أنا وجماعة من التجار. وأدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح.
وفى الليلة الخامسة والأربعين بعد الخمسمائة قالت: بلغنى، أيها الملك السعيد، أن السندباد البحرى بعد أن غرق المركب وطلع على لوح خشب هو وجماعة من التجار قال: اجتمعنا على بعضنا ولم نزل راكبين على ذلك اللوح ونرفس بأرجلنا فى البحر، والأمواج والريح تساعدنا، فمكثنا على هذه الحالة يوما وليلة. فلما كان ثانى يوم ضحوة نهار ثار علينا ريح، وهاج البحر، وقوى الموج والريح، فرمانا الماء على جزيرة ونحن مثل الموتى من شدة السهر والتعب والبرد والجوع والخوف والعطش. وقد مشينا فى جوانب تلك الجزيرة فوجدنا فيها نباتا كثيرا، فأكلنا منه شيئا يسد رمقنا ويقيتنا، وبتنا تلك الليلة على جانب الجزيرة.
فلما أصبح الصباح، وأضاء بنوره ولاح، قمنا ومشينا فى الجزيرة يمينا وشمالا، فلاح لنا عمارة على بعد، فسرنا فى تلك الجزيرة قاصدين تلك العمارة التى رأيناها من بعد، ولم نزل سائرين إلى أن وقفنا على بابها. فبينما نحن واقفون هناك إذ خرج علينا من ذلك الباب جماعة عراة ولم يكلمونا، وقد قبضوا علينا وأخذونا عند ملكهم، فأمرنا بالجلوس، فجلسنا، وقد أحضروا لنا طعاما لم نعرفه ولا فى عمرنا رأينا مثله، فلم تقبله نفسى ولم آكل منه شيئا دون رفقتى. وكانت قلة أكلى منه لطفا من الله تعالى حتى عشت إلى الآن.
فلما أكل أصحابى من ذلك الطعام ذهلت عقولهم وصاروا يأكلون مثل المجانين وتغيرت أحوالهم. وبعد ذلك أحضروا لهم دهن النارجيل فسَقَوْهم منه ودهنوهم به. فلما شرب أصحابى من ذلك الدهن زاغت أعينهم من وجوههم، وصاروا يأكلون من ذلك الطعام بخلاف أكلهم المعتاد. فعند ذلك احترت فى أمرهم وصرت أتأسف عليهم، وقد صار عندى هم عظيم من شدة الخوف على نفسى من هؤلاء العرايا. وقد تأملتهم، فإذا هم قوم مجوس، وملك مدينتهم غول، وكل من وصل إلى بلادهم أو رَأَوْه فى الوادى أو الطرقات يجيئون به إلى ملكهم، ويطعمونه من ذلك الطعام ويدهنونه بذلك الدهن، فيتسع جوفه لأجل أن يأكل كثيرا ويذهل عقله وتنطمس فكرته ويصير مثل الإبل، فيزيدون له الأكل والشرب من ذلك الطعام والدهن حتى يسمن ويغلظ، فيذبحونه ويشوونه ويطعمونه لملكهم. وأما أصحاب الملك فيأكلون من لحم الإنسان بلا شوى ولا طبخ.
فلما نظرتُ منهم ذلك الأمر صرت فى غاية الكرب على نفسى وعلى أصحابى، وقد صار أصحابى من فرط ما دهشت عقولهم لا يعلمون ما يُفْعَل بهم. وقد سلموهم إلى شخص، فصار يأخذهم كل يوم ويخرج يرعاهم فى تلك الجزيرة مثل البهائم. وأما أنا فقد صرت من شدة الخوف والجوع ضعيفا سقيم الجسم، وصار لحمى يابسا على عظمي".
وفى مقال بعنوان "المسيحية وحوادث أكل لحوم المسلمين" منشور بموقع "الحوار المتمدن" على الرابط التالى: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=343204 يقول حسن محسن رمضان: "ريمون دى جيل، راهب نوتردام لى بوى، رجل دين مسيحى متوسط الثقافة، ركيك الأسلوب، مع تعصب شديد لمعتقده، أهم ما يميزه هو جهله التام بأى معنى من معانى التسامح، ولذلك "سوّغ أبشع الأعمال التى اقترفها الفرنجة، مثل الإبادة الجماعية للمسلمين وأكل لحوم الموتى منهم" مثل ما وصفه الأستاذ الدكتور سهيل زكار فى مقدمة الجزء السادس من موسوعته الشامية. شارك ريمون دى جيل فى الحملة الصليبية الأولى (1096-1099م)، وكتب مؤرخا لحوادثها. ولهذا عُدّ كتابه: "تاريخ الفرنجة الذين استولَوْا على القدس"، على ركاكة أسلوبه، عملا وثائقيا هاما لهذه المرحلة من تاريخ المنطقة. كتب ريمون دى جيل فى تاريخه هذا عن استعداد الجيش الصليبى لمهاجمة مدينة معرة النعمان (سنة 1098م)، التى يقول عنها: "ذات التعداد الكبير من السكان"، وذلك بعد أن هاجم هذا الجيش مدينة البارة المسلمة و"قتل الآلاف واستعبد آلافا غيرهم وأرسلهم ليُبَاعوا كرقيق فى أنطاكية". كتب ريمون عن سقوط المعرة وإبادة سكانها: "أعطانا الرب الموجود دومًا المدينة حسبما وعد رسلها. غير أن بعض حَمَلة الصليب ممن لم يعبأ بحياته، لأن الجوع جعلهم يحتقرون الحياة، استمروا فى مقاتلة أهل المعرة تحت جنح الظلام. وهكذا حصل الفقراء على حصة الأسد من الغنائم والبيوت فى معرة النعمان، ولم يجد الفرسان الذين انتظروا حتى الصباح ليدخلوا سوى بقايا ليس لها قيمة. وفى هذه الأثناء كان المسلمون يختبئون فى مغائر تحت الأرض. وبالفعل لم يظهر منهم أحد فى الشوارع. واستولى المسيحيون على جميع السلع التى كانت فوق الأرض، ودفعتهم الآمال للحصول على ثروات المسلمين المخبأة تحت الأرض، فأطلقوا الدخان والنيران والأبخرة الكبريتية على الأعداء لإخراجهم من مغائرهم. وخيب نهبهم للمغائر آمالهم. وعندها عذبوا كل واحد من المسلمين وصلت أيديهم إليه حتى الموت... وقد رُمِيَتْ جثث الـمَعَرِّيِّين فى السباخ والأماكن الواقعة خلف الأسوار. وعلى العموم، ولِما تقدم من أسباب، لم تمنحنا المعرة الكثير من المنهوبات".
ثم يسترسل ريمون دى جيل، فيقول بكل أَرْيَحِيَّة: "وما لبث أن أصبح شح الطعام حادا إلى درجة أن المسيحيين كانوا يأكلون، بكل متعة وتلذذ، جثث المسلمين الجائفة التى كانوا قد رَمَوْها فى السباخ قبل أسبوعين أو ثلاثة. وأثار هذا المشهد الاشمئزاز فى نفوس العديد من الحجاج والغرباء. ومع تزايد الشح بالمؤن ولتردِّى الأوضاع فَقَدَ الكثيرون الأمل فى وصول تعزيزات فرنجية، فقفلوا عائدين. وكانت ردود فعل المسلمين والأتراك وتعليقاتهم على ما شاهدوه قولهم: إن هذا العِرْق العنيد الذى لا يعرف الرحمة، ولم يزحزحه الجوع أو السيف أو شتى المخاطر لمدة عام عن أسوار إنطاكية، ويتلذذ بأكل اللحم البشرى، لا يُمكن أن يُقاوَم أو يُقْهَر. مَن الذى يستطيع فعل ذلك?... ولم ندرك وقتها وَقْع ذلك وأثره، وأن الرب قد جعل منا سببا من أسباب الرعب" (انظر الترجمة الكاملة للكتاب فى: الموسوعة الشامية، ترجمة سهيل زكار، المجلد6، ص236-247).
أمين معلوف (لبنانى مسيحي) عقد فصلا كاملا فى كتابه: "الحروب الصليبية" بعنوان "أكلة لحوم البشر فى المعرة". ينقل أمين معلوف، عن المؤرخ الفرنجى رادولف دى كين: Radulph of Caen، هذا النص من تاريخه: "كان جماعتنا فى المعرة يغلون وثنيين (المقصود المسلمين) بالغين فى القدور، ويشكّونَ الأولاد فى سفافيد (أسياخ) ويلتهمونهم مشويين" (ص 63). أما المؤرخ ألبير دى آكس (Albert of Aix)، الفرنجى أيضا والذى كان من المشاركين فى حصار المعرة وشاهِدَ عِيَانٍ على ما حدث فيها، فقد كان أكثر صراحة فى وصف ما حدث. فقد كتب يقول: "لم تكن جماعتنا لِتَأْنَفَ وحَسْب من أكل قتلى الأتراك والعرب، بل كانت تأكل الكلاب أيضا". إلا أن ترجمة أمين معلوف بحاجة إلى إعادة نظر، لأن العبارة كما كتبها ألبير دى أكس هى "Nam Christiani non solum Turcos vel Sarracenos occisos, verum etiam canes arreptos"، وترجمتها الحرفية: "ليس فقط لم يتردد المسيحيون مِنْ أكل قتلى الأتراك والعرب، ولكن حتى الكلاب". وما لم يذكره أمين معلوف فى كتابه هو أن هناك مؤرخا آخر قد ذكر تلك الحوادث بشكل فوتغرافى، إن صح التعبير، لتصوير هذا الفعل. فقد كتب فالتشر أوف تشارترز (Fulcher of Chartres) ما يلى: الكثير منا، بسبب مضايقات جنون الجوع، قَطَعُوا قِطَعًا من لحم مؤخرات (buttocks) العرب الموتى هناك ثم طبخوها، ولكن قبل أن تنضج بالنار التهموها بأفواه وحشية.
أترى كل هؤلاء المؤرخين الفرنجة كلهم افْتَرَوْا على هذا الجيش الذى رفع لواء العقيدة? لا أعتقد ذلك. وليس السبب فى ذلك كثرة المؤرخين وتعدد الروايات وتواتر الأخبار، ولكن بسبب أنه فى السنة التالية على هذه الحادثة أرسل بارونات الحملة الصليبية رسالة رسمية إلى البابا يخبرونه فيه: اجتاحت الجيشَ مجاعةٌ فظيعةٌ فى المعرة وألجأتهم إلى ضرورة جائرة هى التقوّت بجثث المسلمين".
وفى كتابه: "Saladin and the Fall of the Kingdom of Jerusalem" يشير ستانلى لين بول إلى رواية تقول إن ريتشارد قلب الأسد ملك بريطانيا، حين كان فى عكا أثناء اشتراكه فى الحروب الصليبية، سقط مريضا واشتهت نفسه بقوةٍ أن يأكل لحم الخنزير، وهو ما لم يكن متوافرا فى بلاد المسلمين، فما كان من أحد الفرسان الدهاة إلا أن ذبح له طفلا مسلما سمينا، وقدمه له على أنه لحم خنزير. كما أن ريتشارد ذاته قد أمر بنحر سجنائه المسلمين وقدمهم طعاما شهيا على مأدبته لمن كانوا يأكلون معه. وهذا نص ما كتبه لين بول بالإنجليزية :
"The most celebrated English romance of the Middle Ages relating to Saladin is the Romance of Richard Coeur de Lion, which appears to have taken its present shape about the beginning of the fourteenth century. In this dreary poem we find Richard, lying sick before Acre, demanding pork with an invalid's persistence. His attendants are in despair, because pork is not easily procured in a Mohammedan country. A crafty old knight hits upon a perfect substitute. He kills a plump young Saracen, and Lionheart finds it excellent "pork." With a refinement of hospitality he tries the new dish on his Saracen prisoners, and bids them to a state banquet, where each man's plate is garnished with the head of a particular friend. Richard himself presides at this Pelopeian feast, and gpracefully carves a Saracen's head by way of encouragement." Friends!" he exclaims, seeing a not unnatural hesitation among the convives:
Frendes, be nought squojrmous!
This is the maner of my hons,
To be servyd ferst, God it wot,
With Sarezynes hedes abouten al hot".
وجاء فى كتاب الشهاب الحجرى المسمى: "مختصر رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب"، وتم تأليفه فى أوائل القرن السابع عشر، أنه قد طالع كتابا أجنبيا لبدرو طشابر ذكر فيه مؤلفه أنه ركب البحر من بلاد البرتغال متجها إلى الغرب نحو بلاد الهنود الحمر ودار حول الكرة الأرضية، وأنه قد مر بجزيرة كبيرة من جزر المشرق دخل الإسلام فيها قبل وصوله إليها بنحو مائة وثلاثين عاما، وتسمى بـ"جاوش" ، فصار أهلها مسلمين، وأنهم كانوا قبل إسلامهم يأكلون "لحم آدم" بنص تعبيره، والمراد أنهم كانوا يطعمون اللحم البشرى، أى كانوا من أكلة لحوم البشر .
وفى موقع "الموسوعة المسيحية العربية"، وتحت عنوان "أكل لحوم البشر"، نطالع شيئا غريبا مزعجا يبلبل العقل والقلب والضمير هو أن فى أمريكا شركة تبيع اللحم البشرى لمن يريد، وتتفاخر بأنها تقدم دائما الأجود. جاء فى المقال: "شركة أمريكية تبيع لحوم البشر على موقع إنترنت! ثمة من لا يزال يأكل لحوم البشر ويتلذذ بها، ليس فى مجاهل أفريقيا أو غابات الأمازون، بل فى الولايات المتحدة الأمريكية البلد الذى يُوسَم بأنه منبع الحضارة الحديثة، وحامى حقوق الإنسان. تعالَوْا معنا نستعرض أحد المواقع التى تقدم لحوم بشر على شبكة الإنترنت بكل وقاحة وبشاعة.
اسم الموقع: "manbeef"، وهو موقع تابع لشركة مختصة بتقديم لحوم البشر أنشئت منذ عام 1982 فى الولايات المتحدة الأمريكية لها ثلاثة فروع فى كل من نيويورك وتكساس وكاليفورنيا، وتتباهى فى مساحات الإعلان الخاصة بها بأنها الأفضل بين شركات تقديم لحوم البشر من حيث الجودة، وتَعِد العملاء دائما بتطوير مستمر وخدمات مميزة.
طبق اليوم: ستجد فى الموقع قسما خاصا لطبق اليوم، أو ما يسمى بـ"الوصفة اليومية". ويستعرض هذا القسم طريقة تحضير لحوم البشر مع الشوربة مثلا أو شَى أو... إلخ. ومن أجل سهولة اختيارك للجزء الذى تريد فقد تم تصميم صورة بواسطة برنامج "فلاش" لجسم الإنسان من خلاله تستطيع التعرف على أجزاء الجسم وميزة كل جزء على حدة من ناحية اللذة والمذاق.
وقد عممت الشركة هذه الخدمة على كافة أنحاء العالم مؤخرا، وهى تعد بأن توصل لك وجبتك إلى باب منزلك. وتقدم الشركة هدايا مع الوجبات مثل قبعات خاصة بالشركة وقمصان وغيرها تحمل شعار الشركة وكلمة "تناول لحم البشر"!".
وقد دفعنى الاستغراب والانزعاج والتشكك إلى البحث عن هذا الموقع، فقرأت أن الأمر مجرد خدعة أومقلب (a hoax)، وأن صاحبه إنما أراد أن يروج بضاعة له أخرى، فقاده تفكيره إلى اختراع هذه الكذبة. هكذا قالوا، وإن كانت تقاليع الأمريكان لا تنتهى، كما أن حماقتهم وجنونهم يدفعانهم إلى ما لا يمكن تصوره أحيانا. بل ربما كان الأمر جدا، ثم لما شمت خبره الشرطة وتحركت الدولة قيل إنه مجرد مقلب. من يدرى? ثم أضاف المقال أن الموقع قد بيع لناس آخرين يستخدمونه لنشر المواد الإباحية الجنسية. وهذا نص الكلام كاملا بالإنجليزية:
"According to some ancient authors Lycaon made Zeus very angry because he sacrificed on the god's altar a boy in honor to Zeus himself. Other writers said that he invited Zeus to a banquet and offered him a meal, containing meat from a roasted human being. Finally, there is also a story about the sons of Lycaon, who cooked soup from the entrails of a sheep and a goat, together with the entrails of their brother Nictimos. They presented this meal to Zeus, who was visiting them as a simple traveler. Due to any of these reasons Zeus transformed Lycaon and his sons into wolves (in Greek lykos means "wolf") and also he sent a thunderbolt which struck Lycaon's house.
Pausanias noted that someone else was transformed into a wolf as well (in the same manner as Lycaon) during a sacrifice to Zeus Lycaeus. People believed that a person who became a wolf could be again changed into a man if he did not eat any human meat during ten years, otherwise he had to stay in the shape of a wolf for the rest of his life.
According to the myths, the story about Lycaon from Lycosoura and his sons happened before the great Flood, in the period when Cecrops was the Athenian king. Cecrops put on the sacrificial altar only pelanoi (home made cakes). They said that the primitive manners used by the Pelasgian tribes -- like human sacrifices -- were one of the reasons why Zeus decided to exterminate mankind by a Flood. Nevertheless, the people in Arcadia survived and gave raise to other mythical stories later on".
وفى "خريف البطريرك" لجابرييل جارسيا ماركيز نرى الدكتاتور الدموى الأمى الجاهل يقتل وزير دفاعه، إذ كان ينوى أن يقوم بانقلاب عليه، فما كان منه إلا أن أعدمه وأمر بشَيِّه وتقديمه طعاما للضباط الذين اشتركوا معه فى تلك المؤامرة، مجبرا إياهم على أن يأكلوا لحمه المشوى: "فُتِحَت الستائر، وتم دخول جنرال الفرقة العسكرية رودريغو دى أغيلار العتيد على طبق من فضة ممددا بكامل طوله على زينة من القنَّبيط والرَّنْد منقوعا بالتوابل، مذهَّبا بالفرن، متبَّلا ببزّته ذات اللوزات الذهبية الخمس العائدة إلى المناسبات الكبرى وضفائر الشجاعة غير المحدودة على كمَّيْه المشمَّرَيْن عن ذراعيه الشبيهتين بجناحى طائر الطرسوح البحرى، سبعة كيلوغرامات من الميداليات على بطنه وعذق بقدونس فى فمه، جاهزا لأن يقدَّم طعاما فى وليمة الأصدقاء من قِبَل القصابين الرسميين أمامنا، نحن جميع المدعوين المتحجرين من الهول، وقد حضرْنا متقطعى الأنفاس الاحتفالَ الشهىَّ بالتقطيع والتوزيع. وعندما تم وضع قطعة من وزير الدفاع المحشو بالصنوبر والبقول فى كل صحن أعطى الأمر بالشروع: كلوا هنيئا سادتى!" .
ويمكن أن نورد هنا ما ذكره د. إمام عبد الفتاح إمام فى كتابه: "الطاغية" من رواية تقول إن فلاريس، طاغية أجريجنتم من أعمال صقلية فى منتصف سبعينات القرن السادس قبل الميلاد، كان يشوى المساجين من أعدائه فى مملكته بأن يضعهم داخل ثور نحاسى ضخم ثم يوقد تحته نارا هادئة بعد أن توضع قصبتان تشبهان المزمار فى منخرى الثور بطريقة تتحول بها أنات المساجين وصرخاتهم حين تصل إلى أذنيه إلى نغمات وألحان موسيقية شجية. إلا أن الرواية التى أوردها الأستاذ الدكتور لم تذكر لنا هل كان هناك من يأكل هذا الشواء أم هل كان كل هم الطاغية هو شَىّ أولئك المساكين فحسب .
واليوم، الأربعاء 25 مارس 2015م، قرأت على المشباك فى موقع "العين الثالثة" تحت عنوان "صينى يطبخ والديه مع الأرز" الخبر التالى: "أقدم شاب صينى على قتل والديه وتقطيع جسديهما إلى أجزاء صغيرة وضع بعضها فى الثلاجة، بينما تم طبخ الأجزاء الأخرى مع الأرز بحسب تقرير صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوستط" الصينية. وكان قد تم اكتشاف الضحايا فى مارس عام 2013 عندما عثرت الشرطة على بقايا الزوجين فى ظروف مروعة حيث تم تخزين رؤوسهما وأعضائهما فى الثلاجة، فى حين تم تقطيع أجزاء أخرى وطبخها مع الأرز. أدانت هيئة المحلفين بالمحكمة العليا فى هونغ كونغ بالاجماع الشاب، وقال مايكل ستيوارت مور القاضى الذى ترأس المحاكمة إن هنرى تشاو "فاشل بشكل كامل فى الحياة والروح" وإنه "رجل خطير للغاية "، مشيرا إلى أنه لا يعانى من أى أمراض نفسية، وسوف يتم إصدار الحكم على هذا الأساس. وعلى الرغم من أنه تم تأجيل الحكم على تشاو إلا أن مور أشار إلى أنه يمكن توقع عقوبة قاسية نظرا للطبيعة البشعة للجريمة، والأدلة التى تم العثور عليها والتى تثبت أنه قتل والديه بدون سبب".
ومن هذا يتضح أن أكل لحوم البشر كان ولا يزال معروفا عند مختلف الشعوب وليس أمرا خاصا ببعض الزنوج، وأنه كان موجودا طوال التاريخ فى الواقع وفى الأساطير. بل إن بعض المفكرين الأوربيين قد حملوا على أبناء جنسهم واتهموهم بظلم الجنس الزنجى مؤكدين أن ما أنزله الغربيون على الشعوب الأخرى من مظالم بشعة يفوق وحشية أكل اللحم البشرى.