أحد القراء اختلف معي على الشيخ الشعراوي

قال: أنت لا تفهم (فلسفة) الشيخ أصلا كي تختلف معه، هذا أفحم العقلانيين ورد على الإرهابيين في التسعينات..

قلت: الاختلاف مع الشعراوي ليس جريمة..فهو بشر ليس إلها..وللإنصاف أذكر له فعلا أنه رد على بعض الأفكار الإرهابية في التسعينات وهذا شئ جيد، لكن في المحصلة لم يُلزِم نفسه بما قاله.

يعني هو كان يُنكر على الإرهابي (انتقائيته) وإيمانه بنصوص دون أخرى سواء في القرآن أو في السنة، وهذا صحيح..فالإرهابي انتقائي، لكن ما أعيبه على الشعراوي أنه كان انتقائيا أيضا، فهو يقر حرية الدين من ناحية ثم يقول (بقتل تارك الصلاة) من ناحية أخرى، يقول نحتاج لشيخ يفهم في الاقتصاد ثم يدعو للريان والسعد في شركات توظيف الأموال، إذا كنت تؤمن بجهلك الاقتصادي فكيف تدعم على قاعدة تجهلها؟

أخي الكريم: لكي تفهم عقلية الشعراوي فهي (عقلية سمع وطاعة) استمدها من طريقته في التصوف، يقولون في الصوفية ما دمت قد آمنت بشيخ الطريقة يجب عليك الالتزام بكل تعاليمه حتى لو كانت خطأ...وهو كذلك في الإسلام، يقول ما دمت أصبحت مسلما يجب أن تلتزم بكل تعاليمه ونصوصه دون تفكير، وقالها لفظيا (الإيمان بالآمر هو وجوب الإيمان بالأمر)

ما دمت آمنت أن محمد رسول فكل أوامره في السنة لك فريضة

هذا المنهج (سلفي بحت) فهو يرى ويسمع أحاديث البخاري التي تأمره بالقتل والاغتيال، وبالتالي فهي أمر نبوي له صفة إلهية ، هكذا بدون بحث في سند الحديث أو متنه أو عقلنته أو اتفاقه مع روح الشريعة والإنسانية.

المشكلة أن ما قاله الشعراوي هنا ينفذه الإرهابي بالحرف

فالإرهابي آمن بالله (الآمر) وبالتالي الإيمان بالنص الظاهري يوجب عليه الإيمان (بالأمر) وتطبيقه فورا دون (تفكير) أو لحظة مراجعة للنفس، وهذا الأسلوب تمت صياغته في قاعدة سلفية شهيرة في التراث (من شك في كفره فهو كافر) فعندما يقول النبي في الحديث .."لقد جئتكم يامعشر قريش بالذبح"..فهو أمر نبوي إلهي بذبح المشركين، ومن شك في ذلك فهو كافر..

هنا تفسير الشعراوي للعقل وكيف يشرحه على طريقته الصوفية .. http://bit.ly/2xJZ0pf
http://bit.ly/2huVhG1

ومشكلة هذا التفسير في أن الإيمان بالأصل لا يلزم الإيمان بالتفاصيل، هو يقول (مُلزِم) وهذا غير صحيح..فالموظف لو قبل تعيينه في شركة ثم تبين له أنها لا تعامله على الوجه الصحيح أو تبخس حقه أو أنها تصنع منتج غير قانوني أو نظامها غير أخلاقي..من حقه أن يستقيل..وهذا يعني أن الشعراوي بتقريره هذا المبدأ يمنع الاستقالة وتظل مظلوم مضطهد طول عمرك، وبالقياس يمنع الخروج من الدين أيضا ويجعل له عقوبة..فكلامه إذن عن حرية الدين ليس له معنى..فهو يقر حد الردة وقتل الناس على الرأي قولا واحدا..

طريقة الشعراوي هذه فسرها الشيخ حسين يعقوب بمثل مضحك وهو (الحمار والعمدة) ملخصه أن عقلك هو حمارك الذي سيوصلك إلى الله، لكن بعد وصولك لا تستعمل عقلك أبدا، وعليك بربط الحمار/ العقل بعيدا عن العمدة/ الدين ، وهذا منهج جماعة أهل الحديث عموما تقديم النقل على العقل، والسمع والطاعة للشيوخ وللحكام..

هذا غير صحيح

العقل هو الأداة والحجة التي تستدل بها على الأشياء، فإذا انعدم الدليل فلا حجة لك ، العقل هو وسيلة التواصل السلمية الوحيدة بين البشر فإذا انعدم العقل حضر الذل والاضطهاد بمختلف أشكاله، والشعراوي ويعقوب هنا يقران أن استخدام العقل بعد الإيمان جريمة تستوجب العقوبة..وهذه ضريبة فورية يدفعها المسلمون الآن بفتن طائفية واستبداد وتخلف حضاري شامل أًصبحنا بسببه مسخرة الأمم..