موقف الامير عامر الخفاجي مع بنو هلال .
بقلم |مجاهد منعثر منشد
المقصود بالامير عامر الخفاجي هو صاحب قصر الاخيضر (بين كبيسة وكربلاء) , ويطلق على القصر الحصن , ولكن مايجب التنبيه اليه هو ان الخفاجي لم يكن هو من بنى ذلك القصر او الحصن ,وانما كان بحوزته وملكه عندما كان حاكما على العراق .
ونحن الان ليس بصدد طرح هذا الموضوع الذي سيكون مفصلا في كتابنا (قبيلة خفاجة العربية , واعلامها ) ,لكن اقتضى التنوية لذلك .
كان الخفاجي عامر ( ويسمونه النجح في مصر والخواجة في تونس ) حاكما على العراق يوم دخل الهلاليون بلادة ، وكان من عادة الهلاليين وهم يجوبون الأرض من الحجاز إلى حيث تونس أن يرسلوا إلى حاكم أي بلاد يمرون بها ويطلبون منه الآمان ، وقد فعلوا ذلك مع الجميع من الدبيسي بن مزيد إلى ملوك العجم وهم ( فرفند وعلي شاه والصلصيل والمغل وبنذر المنذر والنعمان ، إلى القرمند ملك مصر وغيرهم كثير ) .
وأن الخفاجي عامر قد حكم بلاد العراق على الرغم من أن والده على قيد الحياة وأصول الحكم ( أو المشيخة ) أن يكون الأب هو الحاكم لكن الظاهر أن عامرا هو الذي أستطاع بسيفه وقدرته الخاصة أن يملك ويحكم فكان والده مشاورا له لا موروثا الإمارة له .
بنو هلال والامير الخفاجي بالعراق
قبيل عام 460هـ حدثت مجاعة في بلاد نجد استمرت سبع سنوات ففكر الهلاليون بالهجرة من نجد آلي تونس لما بلغهم من خصبها وخيراتها وكان أميرهم السلطان حسن الهلالي, فأرسل أبا زيد الهلالي مع جماعة من الهلاليين آلي تونس عام 463هـ لمعرفة أحوالها قبل الرحلة إليها.
ولكن الهلاليين أسروا في تونس فتخلص أبو زيد من الآسر وعاد إلى نجد ليستنجد بقومه لفك الأسرى فرحلت بنو هلال إلى تونس.
الهلاليون في ضيافة الامير الخفاجي
رحل الهلاليون في نحو أربعمائة ألف على ما تقول قصة أبي زيد ثم وصلوا السير حتى وصلوا إلى بلاد ابن مزيد الدبيسي , ثم وصلوا السير حتى وصلوا إلى بلاد الأمير الخفاجي عامر في العراق , وهنا تقول قصة التغريبة المطبوعة المعروفة ما نصه :
وذهب أبو زيد ويحيى ومرعي ويونس إلى الخفاجي عامر حاكم بلاد العراق, وتلك البراري والافاق.
وكان رجلا كريم الأخلاق فدخلوا وسلموا عليه ومثلوا بين يديه فرد عليهم السلام وأجلسهم بجانبه في صدر المقام وأكرمهم غاية الإكرام فجزاهم الجوائز والإحسان وأقاموا عنده ثلاثة أيام.
وتقول ايضا :
ووصل الهلالية الى العراق , وكان الحاكم على تلك البلاد رجلا من الاجود قد اتصف بالفضائل وحسن الماثر ,يقال له الخفاجي عامر,وكان يحكم على البصرة وبغداد والموصل والعراق ومايلي تلك البلاد , وكان عنده من الابطال والفرسان نحو مائتي الف عنان.
((فبينما هو جالس في الديوان وحوله الوزراء والعيان ,اخبر بدخول بني هلال دياره,ثم ظهر عليه الالم ,فاستشاره وزيره عميرة فاشار عليه بان يرسل الى الامير حسن يطلب منه عشر مامعه من اموال نظير السماح له ومن معه بالمرور في بلاده ,فوافق الامير الخفاجي ,وكتب للامير حسن يطلب عشر المال والنوق والجمال والجواري, فارسل الامير حسن الى الخفاجي خطاب مودة واجلال يعبر فيه عن تقديره له ويرجو السماح له بالمرور في بلاده في رحلته الى المغرب.
فعطف الخفاجي عليهم, ورأى ان الايشهر الحرب في وجوههم لآنهم عابروا طريق , وركب الامير الخفاجي في جماعة من الابطال ,وركب معه والده الامير ضرغام للسلام على الامير حسن ,.ورحب الخفاجي به وبقومه غاية الترحيب في يوم لقائه الأول قائلا :ـ
قال الخفاجي بن ضرغام عامرا
يا مرحبا بك يا أمير أبو علي
يا مرحبا بك يا أمير سلامة
يا مرحبا بك يا دياب الماجد
يا مرحبا بك يا بدر بن فايد
يا أبو علي سيروا جميعاً وانزلوا
أهلا بكم أهلا بكم أهلا بكم
أوهبتكم أرض الكبيسة كلها
فجميعها بين الأيادي بحكمكم
يا مرحبا بك في من أتوا البلاد
يامقري الضيفان والقصاد
ياقاهر الفرسان يوم الطراد
ياحامي الزينات حين تنادي
ياقاضي العربان والورادي
بأرض البيبة ثم بأرض الوادي
أنتم ضيوفي تأكلون من زادي
من هاهنا – حتى – إلى بغدادي
عن العبيد وأنتم الآسيادي

فأنشد السلطان حسن الهلالي تعبيرا عن الشكر قائلا:
يقول الفتى حسن الهلالي أبو علي
يا أمير عمرك لاترى أقدارا
يا أمير نحن سايرين مغربا
يا أمير مانحن لكم أحطار
أولادنا في الغرب عند خليفة
في حبس ماله يا أمير قرارا
نحن إليهم سايرين بسرعة
والله يفعل كل ما يختار
قد عممنا جودك وفيض مكارمك
ياقاهر الفرسان يوم الفارا

ثم ركبت سادات بني هلال مطاياهم والخفاجي عامر معهم , ودخلوا بلده في فرح وسرور ,وتفرقت عرب بني هلال في تلك الاراضي , واما الامير حسن والسادات فبقوا عند الخفاجي عامر على أكل وطعام مدة ثلاثة شهور.
),ثم استاذنوا في الرحيل ,فعزم الخفاجي على السفر معهم الى تونس لمساعدتهم في تخليص اسرى الهلاليين , ورحلت مع الخفاجي زوجته وابنته , وساروا جميعا الى حلب فالقدس فمصر فالصعيد فتونس وحارب بنو هلال ومعهم الامير الخفاجي الزناتي ملك تونس .
وبرز الخفاجي للزناتي في يوم من الايام فتعادلا , وكذلك فعل في الثاني , وفي اليوم الثالث ضعف الزناتي وولى هاربا من قدام الخفاجي .
وراى الخفاجي منام أفزعه , فتردد في حرب الزناتي في اليوم الرابع واخيرا لبس وخرج لحربه ,وهرب الزناتي أمامه ,فجرى خلفه الخفاجي ,فخرج له كمين فضربه فخر الخفاجي صريعا .
فأخذ بنو هلال جثة الخفاجي ,وأفزع المصاب ابنته ذؤابة فندبته في بيته وبكته بكاءا حارا .
وأخذ الخفاجي يتكلم وهو في الرمق الاخير ثم فاضت روحه فحزنت العرب عليه ودفنته .