لا ينبغي للعاقل أن يمنعه الخوف و لا أن يدفعه الطمع ... تصده لسعة السوط و تجره من أنفه لذته و شهوته ... إن هذا مما يجري على البهائم التي لا ترعوي ...
بل ما ينبغي أن يحكم خطى العاقل هو الشرف و التفهم و الصحة مراعاةً لما يصلح و لا يكون ضاراً في الوقت نفسه لأحد و لو كان نفس الفاعل ...
فمسألة شرب الخمر فما كان منه ضارا للشارب و لمن حوله كان ممنوعا عقلا و مصلحة ...
و القمار و مفسدته أنه ينقل المال المملوك بالوراثة أو التعب و المعاناة إلى الغير باللعب و قد ينقل الزوجة و البنت و بيت السكن العائلي و هذا لعمر الحق الحمق بعينه ... فانتهى العقل الرشيد إلى تحريمه ...
و أما زواج الصغيرة فوجه المنع فيه أن إجازته كانت مراعاةً لمصلحة الرجل دون البنت التي ليس لها فيه شيئ أكثر مما لبنت الرجل التي من صلبه أي ليس لها فيه سوى الرعاية المعيشية و إلا فإن المرأة حقيقة ما لم تبلغ سن الرابعة عشر سنة و ربما أكثر شيئا ما فهي غير واجدةٍ مصلحةً تذكر في الارتباط برجل إلا أن يكون منها بمنزلة الأب حتى تكبر و هذا أمر بعيد لأن الرجل لا يملك نفسه حتى يقع عليها و لو كانت بنت سبع ... و زواج الصغيرة لا يجيزه نفس العقل الذي حرم ترك المقامرة بالمال أو إتلاف النفس بشرب المسكرات و الإضرار بالأسرة و الجماعة و الأمة ككل ...
و أما التبرع بالأعضاء فوجه المصلحة ظاهر غير خاف في وهب الرجل بدنه بعد موته و هذا الأمر يجيزه العقل و المنفعة لورثة الرجل إذا أراد مالا من هبته أو منفعة للجماعة في إدراك حياة في خطر باستبدال أعضائها التالفة بأخرى سليمة ... و لكن الإشكال في وهب الشخص الحي الصحيح بعضا من أعضاء جسده و هنا يتوجب الفصل بين أن يُوهَب العضو مودةً و محبةً من الأب لابنه أو العكس أو من الأم لأحد أولادها أو العكس أو ممن بينه و بين الموهوب له مودة و محبة فهذا أمر يتوقف الجواز فيه على وجوب انتفاء الضرر على الواهب و الموهوب له و أما أن يبيع الرجل أو تبيع المرأة عضوا من بدنها للاستزادة من المال أو العقار أو المتاع فهذا أمر ضرره على الجماعة كبير إذ يتفشى بين الناس الاتجار الفاسد و يضطر الناس إليه بسبب أو آخر فوجب عقلا منعه و النهي عنه بل و العقوبة على فعله أو الحض عليه و الإعانة فيه ...
و هذه الأمور جميعها لو تدبرها العقل و تفكر فيها شيئا قليلا أدرك الحكم فيها بلا حاجة لفتوى من أحد و تبقى مسألة ضرورة مراعاة الأحوال و اختلافها من أحوال الناس و اختلاف مدركاتهم و بيئاتهم و اختلاف الأزمنة و الظروف الأمر الذي يراعى كذلك في تشريع الإجازة أو المنع و عدم قفل ذلك بل تركه لتغير الظروف و تبدل الأحوال ... ذكرت ما سلف دعوة لترك مسائل الفتوى في مصالح الناس للعلماء الطبيعيين و التجريبيين علماء المخابر و الحقائق و سحب الاختصاص ممن لا يستحق أن ينظر في مصلحة فأر بَلْهَ أن تُعرض عليه منافع العباد و ما هو خير للبلاد ... تحياتي .