لماذا يدافع المسلم عن القدس؟
تسجيل صوتي في دقيقة ونصف
http://saaid.net/Doat/aiman/01.mp3

نِعمَ المُصَلَّى " 28 " فلسطين قضية الأمة
أيمن الشعبان
@aiman_alshaban

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
فهذه سلسلة حلقات مختصرة للتعريف بمكانة " المسجد الأقصى" من خلال القرآن والسنة الصحيحة، وارتباطه العقدي الإيماني التاريخي، بالوحي ورسالة التوحيد ودعوة الأنبياء، وإحياء تلك الحقائق في نفوس المسلمين، سميتها " نِعمَ المُصَلَّى " أسوة بحبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم، الذي أطلق عليه هذه التسمية الجميلة.
الحلقات ستكون بطرح سؤال في كل حلقة، ثم نجيب عليه لتكون أرسخ وأثبت وأحفظ وأوعى، من حيث المعلومة والفهم وديمومة الأُثر.

س28/ هل فلسطين قضية الفلسطينيين فقط؟

يكاد يكون الجواب على هذا السؤال هو من أعظم ثمار هذه السلسلة والحلقات من " نعم المصلى"، بسبب ضعف الولاء الشرعي والارتباط العقدي الإيماني بتلك القضية، والآلة الإعلامية المضللة الموجهة، لاختزال تلك القضية وتفريغها من محتواها الحقيقي.
بداية لابد أن نثبت حقيقة هامة جدا، هي أن الحديث عن المسجد الأقصى هو حديث عن مدينة القدس وحديث عن فلسطين كامل فلسطين التي هي قلب بلاد الشام، تلك الأرض المباركة المقدسة، فلا يمكن الفصل بين كل هذه الأجزاء بتسميات وجغرافيا مصطنعة!
بداية الصراع كانت القضية في نفوس معظم المسلمين هي قضية إسلامية، ثم بعد بث الشائعات والأكاذيب والأراجيف وضعف الوازع الديني، سادت ثقافة الجانب القومي، حتى أصبحت قضية عربية بامتياز ردحا من الزمان، ثم شيئا فشيئا صغرت الدائرة واختزلت القضية أكثر فأكثر حتى أصبحت قضية دول الطوق! ثم قضية فلسطينية تخص الفلسطينيين أنفسهم!
الحقيقة الكبرى والقضية العظمى، التي ينبغي أن ترسخ في عقول وأذهان وقلوب بل وتفكير المسلمين، والتي لا ينبغي التهاون فيها أو إغفالها والذهول عنها تحت أي ظرف، ولابد لكل مسلم مراجعة نفسه وسلوكه ونهجه ومعتقده وعمله تجاهها؛ أن قضية الأرض الطيبة المقدسة المباركة هي قضية أمة بالكامل، منذ أن أوجد الله الخليقة على وجه الأرض حتى قيام الساعة، لأنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالوحي ورسالة التوحيد في بداية الزمان ووسطه وآخره.
إذا قلنا أن قضية فلسطين عربية وليست إسلامية، فإننا سنُخرج من دائرة المسؤولية والصراع أكثر من مليار وثلاثمائة مليون مسلم غير عربي! وإذا اختزلت كونها قضية فقط الفلسطينيين كما يشاع في بعض المؤسسات الإعلامية – بقصد أو غير قصد- فإنها ستنحصر بعدد لا يتجاوز خمسة عشر مليونا، بذلك نذبح القضية بأيدينا! وهذا ما يسعى له الأعداء ويبذلون جهودا مضنية من أجله.
من هنا عمل الأعداء على بث الشائعات والأكاذيب والأراجيف، في تلك القضية لزعزعة الثقة في النفوس، من ذلك أن الفلسطينيين باعوا أرضهم لليهود؟! وهذه فرية كبيرة للأسف صدقتها معظم الشعوب، وانعكست سلبيا على اهتمام الناس ومسؤوليتهم تجاه الأقصى.
فمن باع أرضه هل يعيش في مخيمات البؤس والشتات بطريقة بائسة وشظف العيش؟!
فهل من باع أرضه يطالب بها مرة أخرى بعد البيع حتى الآن؟!
هل من باع أرضه يصر على العودة لها مهما كلف الثمن؟!
ثم هل سمعتم يوما ما أخرج اليهود وثيقة رسمية في أي محفل من المحافل الدولية وقالوا هذه تثبت أننا اشترينا الأرض فلا تطالبوا بها؟!! لم ولن يحصل!
لِمَ لا تكون هذه القضية قضية أمة وقد ذكرنا على مدار ما مضى من حلقات؛ العديد من الحقائق والفضائل والأحداث العظام على ثرى هذه الأرض، فهي أول قبلة وثاني مسجد وضع وثالث المساجد التي تشد إليها الرحال وأحد أربعة مساجد لا يدخلها الدجال، مهاجر الأنبياء ومعدنهم وفيها قبورهم، وغيرها كثير من الخصال!
لو لم يكن لهذه الأرض إلا أنها مسرى حبيبنا صلى الله عليه وسلم، ومعراجه إلى السماوات لكفت بأن تكون قضية كل مسلم ومسلمة، مهما اختلفت ألوانهم وأعراقهم وقومياتهم ولغاتهم، وإلا لماذا نذرت امرأة عمران ما في بطنها محررا لخدمة بيت المقدس؟ لأنها قضية أمة، ولماذا دعا موسى عليه السلام أن يدفن بأطراف الأرض المقدسة لما لم يتسن له دخولها؟ لأنها قضية أمة.
لماذا جاء عمر رضي الله عنه بنفسه لتسلم مفاتيح بيت المقدس، وكان يحكم من مصر إلى السند وقيل فتحت في عهده أكثر من 2000 إقليم وقرية ومدينة، فلم يتسلم مفاتيح أي منها إلا القدس! في إشارة لأهمية تلك البقعة وقداستها وأنها ملك للمسلمين، ثم أوقفها عمر رضي الله عنه، فلا يحق لأحد التنازل عن أي شبر منها.
لو لم تكن قضية فلسطين قضية أمة، فما الذي دفع القائد نور الدين محمود زنكي – من السلاجقة الأتراك- بعد ما حصل من قتل عظيم وانتهاك لحرمات الأقصى، حتى ظن الناس أن بيت المقدس لن يرجع إلى المسلمين، إلا أنه شمّر عن ساعد الجد ونشر التوحيد والسنة وقمع البدعة وقرب العلماء ووحد الدويلات، ونشر العدل وأنصف المظلومين، وأكثر من الأوقاف وأخذ على عاتقه تحرير المسجد الأٌقصى.
ذكر أبو شامة المقدسي في كتاب الروضتين في أخبار الدولتين :( أنه جاء إلى نور الدين ذات يوم جماعة من العلماء فقالوا: جئنا نروي عنك بسند متصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا مسلسلاً قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبتسم, فتبسم نروه عنك. فالتفت إليهم نور الدين والهم يعصر فؤاده وهو يقول: كيف ابتسم والمسجد الأقصى راسف في قيود الذل والهوان , تحت سنابك خيل الأعداء؟! ).
ثم تبعه تلميذه صلاح الدين الذي هو ثمرة نور الدين زنكي رحمهما الله، وصلاح الدين من أكراد أرمينيا أصله! فحرر بيت المقدس من الصليبيين سنة 583هـ، وهكذا تبقى هذه القضية قضية أمة بأكملها، والصراع على أرضها صراع بين الحق والباطل إلى قيام الساعة، يقول عليه الصلاة والسلام( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال )[1].
وما الذي جعل الأمير مودود – من السلاجقة الأتراك- أمير الموصل بعد اغتصابها، أن يبدأ بقيادة الجيش واستعادة بعض المدن في الشام وتحالف مع أمير دمشق طُغتِكين، وكان من أوائل من جاهد الصليبيين قبل ظهور عماد الدين زنكي وولده نور الدين، وعندما رجع مع أمير دمشق للاستراحة سنة 507هـ وبعد أداء صلاة الجمعة في المسجد الأموي، جاء أحد الباطنيين فطعنه أربع طعنات، وكان صائما ولم يفطر وقال لا ألقى الله إلا صائما، وأرسل ملك الافرنج برسالة إلى أمير دمشق يقول فيها: إِنَّ أُمَّةً قَتَلَتْ عَمِيدَهَا فِي يَوْمِ عِيدِهَا فِي بَيْتِ مَعْبُودِهَا لَحَقِيقٌ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُبِيدَهَا.[2]
ثم تعلمون موقف السلطان العثماني عبد الحميد الثاني عندما ضغطوا عليه لتسليم جزء من فلسطين لليهود، وفقد إمبراطوريته وخسر الدولة العثمانية بسبب موقفه البطولي للحفاظ على فلسطين، ثم ما الذي جعل القائد عز الدين القسام من الساحل السوري يدافع عن فلسطين ويقاتل من أجلها؟ إلا لأنها قضية أمة.
لقد أيقن أعداء الإسلام وأعداء هذه القضية من اليهود ومن تحالف معهم، بأنه عندما يستشعر المسلمون حقيقة هذه القضية وأنها قضية أمة، فعند ذلك سوف يندحرون ويتغلب عليهم المسلمون، تقول غولدا مائير رئيسة وزراء الكيان اليهودي ( 1969-1974) : نحن لا نخاف من المسلمين إلا عندما يصلون الفجر في المسجد كما يصلون الجمعة.
فأعدائنا يعلمون أن الصراع على أرض فلسطين، هو صراع أمة بأكملها لا قومية ولا قطرية ولا فئوية ولا حزبية، في الوقت الذي تنكرنا وتنكبنا لأبسط وسائل النصرة والعزة، في زمن التطور والتكنولوجيا والابتكارات!! فمتى ما حققنا ذلك وغرسنا في نفوسنا حقيقة الصراع فسوف نُقلق مضاجع المحتلين، فكما أن للغاصبين استراتيجيات كذلك للمحرِرِّين استراتيجيات، أولاها حقيقة استشعار المسؤولية وحمل الهمّ وإيقاظ الهمة في جميع الأحوال والظروف، لأن صحة الانتهاء من صحة الابتداء.

28/3/2017م

----------------------------
[1] صحيح أبي داود.
[2] البداية والنهاية (12/217).

نِعمَ المُصَلَّى " 29 " مسؤوليتنا تجاه الأقصى
أيمن الشعبان
@aiman_alshaban

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
فهذه سلسلة حلقات مختصرة للتعريف بمكانة " المسجد الأقصى" من خلال القرآن والسنة الصحيحة، وارتباطه العقدي الإيماني التاريخي، بالوحي ورسالة التوحيد ودعوة الأنبياء، وإحياء تلك الحقائق في نفوس المسلمين، سميتها " نِعمَ المُصَلَّى " أسوة بحبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم، الذي أطلق عليه هذه التسمية الجميلة.
الحلقات ستكون بطرح سؤال في كل حلقة، ثم نجيب عليه لتكون أرسخ وأثبت وأحفظ وأوعى، من حيث المعلومة والفهم وديمومة الأُثر.

س29/ ما هي مسؤولية كل مسلم تجاه المسجد الأقصى؟؟

بعد أن ذكرنا وبينا طيلة الحلقات الماضية، أهمية المسجد الأقصى وفلسطين من الناحية الشرعية والعقدية، وأنها من المقدسات المعظمة في ديننا، وعرفنا أنها قضية كل مسلم مع إذابة كل الفوارق؛ وأنها أمانة في عنق كل مسلم، لزم علينا أن نتعرف في هذه الحلقة على أهم وأبرز المسؤوليات المترتبة على كل مسلم، وماذا ينبغي أن يقوم به.
إن الواجب والمسؤولية في نصرة الأقصى تتعاظم علينا، مع تعاظم المخططات والمخاطر التي تحيط بمقدساتنا، لا سيما مع الفرقة والضعف الذي تعيشه الأمة، وتكالب الأعداء عليها من كل حدب وصوب.
- من أعظم المسؤوليات وأهمها؛ إحياء روح الولاء الشرعي العقدي لتلك القضية، وتربية الأبناء التربية الإيمانية، وغرس محبة المسجد الأٌقصى في قلوبهم، فإن أخطر قضية تواجه المسلمين اليوم هي انتزاع الولاء الشرعي من نفوسهم وحب الأقصى!
- ضرورة استحضار القضية بكل الظروف والأوقات، وعدم اليأس والقنوط والاستكانة، مهما ضعفت الأمة وتفرقت، ولننظر إلى موقف نور الدين زنكي في حلب كيف قرر يعمل المنبر بعد سبعين سنة من احتلال الأقصى بيد الصليبيين، وكان حالهم أسوأ حالا مما نحن فيه الآن، حتى أن المارة يمرون به ويسخرون منه، ويرد عليهم ( إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون )، وتوفي رحمه الله قبل أن يراه في الأقصى ووضعه بعده صلاح الدين.
- الدعاء هو سلاح عظيم يغفل عنه الكثير، فلابد من استذكار الأٌقصى وتخصيص جزء من أوقاتنا وصلواتنا للدعاء له وأهله المستضعفين فيه.
- معرفة فضائل المسجد الأقصى وأهميته الدينية، ونشرها بين الأجيال ومذاكرتها والتذكير بها وتثقيف جميع الفئات.
- معرفة تاريخ القدس من مصادر موثوقة، وما جاء فيها من أخبار وأحداث وآثار إسلامية، ليتحصن المسلم مما يثار حول التشكيك بمكان ومكانة المسجد الأقصى، من قبل المستشرقين والباحثين اليهود، بل وبعض المفكرين والمثقفين العرب!
- معرفة الأعداء والمغتصبين لأرضنا ومخططاتهم ومكرهم وإجرامهم، وعقائدهم وتاريخهم كما أخبر الله سبحانه وتعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام عنهم، بذلك نجمع بين النقل والواقع.
- استثمار وتحريك كافة الفئات والطاقات، لنصرة المسجد الأقصى وجعل ذلك أولوية لدى الجميع.
- توظيف كافة الامكانيات المالية والتقنية والتكنولوجية والعلمية والإعلامية الرسمية والشعبية، وتسخيرها لخدمة المسجد الأقصى.
- العمل على إعمار المسجد الأقصى، بالمصلين والمعتكفين والمرابطين، ودعم حلقات العلم وتحفيظ القرآن والدورات الشرعية فيه.
- دعم كافة احتياجات المسجد الأقصى من ترميم وبناء وإعمار، وصيانة وتأهيل.
- الدعم المادي لأهل القدس خصوصا وفلسطين عموما بكافة احتياجاتهم، التعليمية والصحية والمعيشية، لإعانتهم على الثبات والصمود وضمان بقائهم، نظرا لما يقوم به اليهود من المخططات لتهجيرهم.
- الحصانة العلمية والمعرفية والرد على المشككين في مكانة المسجد الأقصى وأكاذيبهم، ودحض شبههم وردها الرد العلمي، فهذا باب من أعظم الدفاع عن المقدسات، ضد ما يحاك لها من زعزعة وتشكيك لإضعاف الجانب الشرعي والمكانة التاريخية في نفوس الأمة، وبالتالي يسهل الاستحواذ على مقدساتنا لأطول فترة من الزمان.
- من أعظم المسؤوليات التي تناط بالمؤسسات التعليمية، التي ينبغي أن يكون لها دورا كبيرا ومسؤولية عظمى، في توجيه النشأ والأجيال، وتعريفهم بمقدساتهم وفضائلها ومحبتها، وتاريخها المجيد، فلابد من مساقات متخصصة في جميع المراحل الدراسية ابتداء من المرحلة الابتدائية والاعدادية والثانوية وحتى الجامعية بمختلف مراحلها، على أن تكون مساقات متدرجة بحسب الفئات العمرية، على عكس ما يقوم به اليهود من مساقات منذ الصف الأول الابتدائي حتى المراحل النهائية في الثانوي، وتكون لهم رحلات ترفيهية لكل مناطق البلاد، وتزوير تاريخ وأسطورة لكل مكان!
- المؤسسات الإعلامية ينبغي أن تتحمل مسؤوليتها تجاه المسجد الأقصى، من خلال تخصيص مساحات كافية ووافية ضمن خريطتها البرامجية، وعدم الاكتفاء بردود الأفعال أو في حالات الحرب بنشر الأخبار وبعض الأحداث، فالناس الآن يتأثرون جدا بالإعلام ولابد أن يأخذ دوره ومكانته الفعلية الحقيقية تجاه هذه القضية المهمة.
- على العلماء والدعاة وطلاب العلم والخطباء، تذكير الناس بالمسجد الأقصى دون الانتظار لمناسبات سنوية، ذكرى كذا وذكرى كذا، بل لابد تكون هنالك برامج وفعاليات وملتقيات ومؤتمرات ضمن الضوابط الشرعية، تحيي روح الولاء وتبقي القضية في الصدارة والحضور الدائم.
- نشر ثقافة البذل والعطاء ودعم المشاريع الخيرية والوقفية والإغاثية، في المسجد الأٌقصى والقدس خصوصا، وسائر مناطق فلسطين عموما، مما يخفف من الظلم والاضطهاد الذي يتعرض له أهلنا هناك.
- يجب تحمل المؤسسات الخيرية والتجار مسؤولياتهم، تجاه الأٌقصى ومتابعة احتياجاتهم لصمودهم وتثبيتهم ورباطهم، ومواجهة كافة مخططات الصهاينة التي لا تنقطع.
- إدخال مساقات خاصة في الجامعات، وشهادات عليا تتعلق بالمسجد الأٌقصى وتاريخه وفضائله، وفتح أكاديميات متخصصة بهذا المجال.
- نشر الثقافة المقدسية بين الأسر بجميع الفئات، فلو كان هنالك لقاء عائلي كل أسبوع، يتم الحديث فيه عن جزئية وفضيلة وتاريخ، حتى تبقى القضية حاضرة في نفوس الجميع.
- السعي لكفالة أيتام وأرامل فلسطين، وإغاثة الأسر المتعففة، وأسر الأسرى والشهداء، وهذا أقل الواجب.
- السعي لعمل مشاريع تنموية ووقفية وتقوية الجانب الإقتصادي للفلسطينيين وخصوصا المقادسة.
- عمل مسابقات بحثية ومرئية لمختلف الفئات، بخصوص المسجد الأٌقصى.
- دعم كافة المؤسسات والمشاريع والبرامج التي تعمل لأجل الأقصى، ومساندتها وتقويتها وتثبيتها، وزيادة عدد المؤسسات الأهلية العاملة في هذا المجال.
- استثمار التقنيات ووسائل التواصل في كل ما يتعلق بالأقصى ومعاناة أهل فلسطين.
- تفعيل الدور الاقتصادي في تنمية وتقوية الاقتصاد الفلسطيني، وبالمقابل مقاطعة كافة الشركات التجارية التابعة للصهاينة.
- قطع كافة التعاملات الثقافية والتجارية والسياحية مع أي جهات صهيونية أو داعمة لها، وهو ما بات يعرف " بالتطبيع" وحقيقته " الاستسلام".

29/3/2017م

نِعمَ المُصَلَّى " 30 " متى نحرر المسجد الأقصى

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ومصطفاه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
فهذه سلسلة حلقات مختصرة للتعريف بمكانة " المسجد الأقصى" من خلال القرآن والسنة الصحيحة، وارتباطه العقدي الإيماني التاريخي، بالوحي ورسالة التوحيد ودعوة الأنبياء، وإحياء تلك الحقائق في نفوس المسلمين، سميتها " نِعمَ المُصَلَّى " أسوة بحبيبنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم، الذي أطلق عليه هذه التسمية الجميلة.
الحلقات ستكون بطرح سؤال في كل حلقة، ثم نجيب عليه لتكون أرسخ وأثبت وأحفظ وأوعى، من حيث المعلومة والفهم وديمومة الأُثر.

س29/ متى وكيف نحرر المسجد الأقصى؟

إن لكل نتيجة مقدمات وأسباب، لابد من تحققها حتى نصل إلى الأهداف المرجوة، وقد بين الله سبحانه وتعالى أتم بيان في كتابه العزيز، مقومات النصر والتمكين والرفعة والعزة والسؤدد لهذه الأمة، وجعل لذلك أسبابا معنوية هي أصل وأساس، وأخرى مادية هي تبع ومكملة.
معرفة سيرة وترجمة الصحابة وأحوالهم في تلك الأرض الطيبة المقدسة المباركة؛ يشحذ الهمم ويحيي الولاء الشرعي لتلك المقدسات، كما يحفز الأجيال على الاقتداء بهم وسلوك طريقتهم واقتفاء أثرهم، لأن طريق الأنبياء وأتباعهم هو أقصر الطرق لتحرير بيت المقدس، وتتلخص بتحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى وتوحيده كما أمر، وتأسيس مجتمعات مثالية قائمة على أساس العلم النافع والعمل الصالح، كما هو الحال في مجتمعات الأنبياء صلوات الله عليهم والصحابة رضوان الله عليهم.
لقد أدرك الأعداء أن الأمة إذا تمسكت بدينها وعادت إلى كتاب ربها وسنة نبيها عليه الصلاة والسلام، فإن النصر سيكون حليفها ولا تقف أمامها كل قوى الظلم والطغيان أيا كانت إمكانياتها المادية والتقنية والتكنولوجية، ولنا في سير الأنبياء والتاريخ والحروب عبر.
عندما سئلت غولدا مائير رئيسة وزراء الكيان الصهيوني (1969-1974) أن المسلمين سوف ينتصرون عليكم كما في كتبهم، أجابت: نعم ذلك سيحصل لكن ليس في وقتنا بل عندما يكون عدد المصلين في صلاة الفجر كالمصلين في صلاة الجمعة!
باختصار لنتأمل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، التي فيها أسباب النصر والتمكين:
1- ترك الذنوب والمعاصي، فما نزل بلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة، ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ )[1].
2- عودة المسلمين إلى دينهم وتحكيم شرع الله، ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )[2]، ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ )[3].
3- تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى، بأداء الفرائض والطاعات على الوجه المطلوب، ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ )[4]، وقال سبحانه( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا )[5].
( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ )[6]، بِأَنَّ النُّصْرَةَ لَهُ وَلِكِتَابِهِ وَرُسُلِهِ وَعِبَادِهِ المؤمنين في الدنيا والآخرة، وأن العاقبة لِلْمُتَّقِينَ.[7]
والمتأمل في قصة طالوت وقتاله الملك الكافر من العمالقة الوثنيين جالوت، يرى كيف أن الفئة المؤمنة القليلة بعد الثبات والصبر وتحقيق العبودية والاتباع، انتصرت على الفئة الكافرة رغم قوتهم وعددهم وعدتهم، ( قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ . وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ )[8].
لذلك عندما خاطب النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه كما في البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما- بقوله لهم:" تُقَاتِلُونَ اليَهُودَ" وفي رواية "تُقَاتِلُكُمُ اليَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ" وفي رواية" تَقْتَتِلُونَ أَنْتُمْ وَيَهُودُ " وفي رواية " لَتُقَاتِلُنَّ اليهودَ فَلَتَقْتُلُنَّهُمْ ".
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ ".[9]
مع أن في زمن الصحابة كان الروم من يسيطرون على فلسطين، إلا أن النبي عليه الصلاة والسلام ذكر إعجازا في ذلك وأيضا لفت انتباههم ليسترعي انتباهنا، أن الجيل الذي يقاتل اليهود وينتصر عليهم، هم رجال يحملون أخلاق وصفات الصحابة! فمتى ما حققنا الاقتداء بهم تحقق النصر على الأعداء واستردت المقدسات.
4- وحدة الصف وعدم التنازع والفرقة، ( وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )[10].
5- الصبر والتقوى وكثرة ذكر الله والثبات، ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[11].
لذلك نور الدين زنكي رحمه الله الذي مهد الطريق أمام صلاح الدين لتحرير بيت المقدس، عمل على نشر العلم والتوحيد وتقريب العلماء، وتوحيد الدويلات، ثم تكللت الجهود بتحرير المسجد الأٌقصى.
يقول مفتي القدس الحاج أمين الحسيني رحمه الله: عودوا إلى الله تعودوا إلى فلسطين.
فالنصر لا يكون أبدا بالتمني والأمنيات، ولا الشعارات والنداءات، لكن بالجهد والجد والعمل والجهاد، والمسجد الأقصى عائد طال الزمان أو قصر، لأن العاقبة للمتقين.
في الختام نقول:
النصر لا يكون إلا بالأيادي المتوضئة، وبالجباه الساجدة، والأنفس الزكية، والأجساد المتطهرة والألسنة المحفوظة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ويتقبل منا ومنكم، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم حرر المسجد الأقصى من براثن الغاصبين، واحفظه من مكائد المعتدين، وتآمر المتآمرين، وفك أسره عاجلا غير آجل يا رب العالمين.
اللهم انصر واحفظ إخواننا في فلسطين، اللهم ثبتهم واربط على قلوبهم وأعنهم وكن معهم، ووحد صفوفهم واجمع كلمتهم، ووحد على الحق آرائهم.
اللهم ارزقنا وإياكم فيه صلاة قبل الممات، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


--------------------------------
[1] (الشورى:30).
[2] (محمد:7).
[3] (الحج:40).
[4] (الأنبياء:105).
[5] (النور:55).
[6] (المجادلة:21).
[7] تفسير ابن كثير.
[8] (البقرة:249-151).
[9] صحيح مسلم.
[10] (الأنفال:46).
[11] (الأنفال:45).