المرابطون السماويون
والاستشراف الحضاري

المرابطون السماويون أو المرابطون السمائيون رجال يعتبرون السماء (أي الفضاء) من جميع جهات الأرض ومن جميع أقطارها مسؤوليتهم هم، يرابطون فيها من أجل منع الظلم عن الناس والضرب على يد الظالم ممن يملكون قوة رهيبة يستعملونها للنهب والسرقة وفرض وجهة النظر الخاصة بحضارتهم كأمريكا وروسيا.
صحيح أن أمريكا وكثير من دول الغرب، وروسيا وغيرها قد سيطروا على السماء بأقمارهم الصناعية لدرجة أن امتلأ الفضاء بالنفايات لتلك الأقمار والمعدات ولكنهم إلى الآن لم يسيطروا عليها بالمعنى الحقيقي للسيطرة، فالسيطرة الحقيقية على السماء تتجلى في إيجاد مواقع للرباط فيها من خلالها يديرون حربا سمائية لا يغلبهم فيها أحد إلا إذا حادّهم متحد ثم قوي على الرباط في السماء مثلهم لتشتعل حرب سمائية بينهم، وهذا ممكن، لأن من سيقوى على الرباط في السماء سيقوى بناء على نفس القوة التي بها سيطر المرابطون على السماء، وهذه القوة ما دامت للبشر ومن اختراع البشر؛ فإنها إذن للبشر سواء كانوا من هذه الحضارة أو من تلك، غير أن الحضارة الإسلامية هي الحضارة المؤهلة للائتمان على النفس والحياة وضرورات العيش لأنها حضارة تجعل الأموال والثروات والخدمات لإسعاد الإنسان، وتجعل سياسة تدبير شؤونه الاقتصادية هي ضمان إشباع جميع حاجاته الأساسية مع حماية حقه في التمكين من إشباع حاجاته الكمالية بقدر ما يستطيع، فلا تسعى إلى رفع مستوى العيش دون النظر إلى انتفاع كل فرد من هذا العيش، ولا تسعى إلى جلب الرفاهية للناس وتركهم أحرارا في الأخذ منها بقدر ما يستطيعون دون النظر إلى ضمان حق العيش لكل فرد من أفراد المجتمع أيا كان، فلا يقلق الإنسان فيها على المأكل والمشرب والمأوى لأن ذلك حقا له يجب أن يتوفر للقادر على توفيره ولغير القادر مَثَلُ ذلك مثل العمل، فالعمل في الحضارة الإسلامية يُفْرض على القادر ولا يفرض على العاجز، ومعنى ذلك أن القادر حين يعمل يشبع تلك الحاجات الأساسية وغير القادر حين لا يعمل يوفَّر له ذلك أيضا من طرف الدولة، كل ذلك يسير وفق طراز خاص من العيش لا يوجد أفضل منه في جميع السياسات الاقتصادية سواء في المبدأ الرأسمالي العفن أو الاشتراكي الأكثر عفونة أو غيرهما، فرفع مستوى العيش وتحقيق الرفاهية لا يكون على حساب شقاء الآخرين أبدا وهذا هو العدل في النظرة إلى الإنسان وفي العمل على تحقيقه للإنسان أما غير ذلك مما نراه ونشاهده في العالم اليوم فهو الظلم عينه..
الحضارة الإسلامية حضارة طراز خاص من العيش لا يوجد أرقى منه ولا أنسب للإنسان منها. الحضارة الإسلامية حضارة متماسكة متوازنة أحكامها على القيم والمثل؛ قارّة، فما كان حقّا اليوم يظل حقا أبد الآبدين ولا يتبدل أو يتغير بتغير الظروف إذ لو كانت الظروف مثل الإنسان لجاز التغيير ولكن الإنسان لا يتغير ولن يتغير لأنه مفطور على حاجات عضوية ستظل كائنة مصاحبة له أبد الآبدين، ومفطور على الغرائز التي ستظل غرائز مصاحبة له أبد الآبدين، فالتغيير الذي يحصل؛ يحصل فيما يستعمل الإنسان من وسائل وأدوات لإشباع تلك الحاجات العضوية والغريزية، أما الإنسان فسيظل هو هو لن يتغير أبدا ولو تم التصرف في جيناته ليأتي من التصرف إنسان مشوه أو أجمل من الجميل، بل إن الملكات في الإنسان مكتسبة وليست جينية، الإنسان يحمل في ذاته الاستعداد فقط، إنه يشبه الوعاء الذي بقابلية أن يمتلأ بما يراد له، وعليه فالتصرف في خَلْق الإنسان إما أن يكون من أجل انتخاب صفات وراثية أو تشويه صفات وراثية، أما غير ذلك فغير ممكن، صحيح قد يأتي من خلال ذلك التصرف إنسان مشوه ولكن استخدامه كروبوت مثلا لن يتأتى إلا بالتأثير على عقله من خلال استغلال علوم كعلم الأجنة وعلم الأعصاب وعلم الكيمياء والفيزياء.. لن يتأتى ذلك إلا بإتلاف مقومات موروثة لديه.
إن الفطرة الإنسانية لن تتغير أبدا، تتغير وسائل الاستجابة لها، يتغير أسلوب الاستجابة لها، يتغير فن الاستجابة لها ولكنها هي هي لن تتغير لتظل دليلا على إنسانية الإنسان، ولنأخذ الميل إلى الأنثى بشهوة، هذا الميل قد فُطِر عليه الإنسان ليدفعه عند البلوغ إلى البحث عن أنثى من جنسه لا أي جنس آخر حتى ينشئ معها علاقة جنسية للإبقاء على الجنس البشري، ولكن تلك العلاقة محكومة بقيم ومثُل، وما يترتب عنها محكوم هو أيضا بقيم ومثُل لا تتغير في الحضارة الإسلامية ولكنها متغيرة في الحضارة الرأسمالية والحضارة الاشتراكية، فالأب مثلا يظل أبا في النظام الاجتماعي الإسلامي الذي ينشأ عن العلاقة الجنسية كالأُبُوّة والأُمومة والجُدودة والأُخُوّة والعُمومة والخُؤولة والحفادة والصهرة لا يتحول إلى غير الأبوة، صحيح قد يضيف إلى أبوته أبوة أخرى هي الجدودة بحيث يصير جدا وهو أب أعلى من الأب ولكن ذلك لا يعتبر تحولا، بل هو نشوء علاقة عن علاقة، مثل نشوء الشيء عن الشيء، نشوء شيء عن شيء سابق أدى إلى بروز هذا التنوع من العلاقات الاجتماعية التي تعنى بتنظيم علاقة الرجل بالمرأة وما يترتب عنها، فالأب في النظام الاجتماعي، الأب في الحضارة الإسلامية يظل أبا لن يتحول إلى زوج لابنته وجدا من جهة بنته لولده، لا يكون الأب أبا وجدا بنفس الوقت في هذه العلاقة وإن ظهرت وهكذا، وهذا يؤكد ثبات القيم والمثل في الحضارة الإسلامية وعدم تغيرها مهما تغيرت الظروف والوسائل والأدوات..
ومن جهة الحفاظ على العلاقات سُنّت قوانين في الشريعة الإسلامية وظهرت أحكام غاية في الأهمية، ففي الغرب مثلا قد يحدث أن يصير الأب أبا لزوجته، وأبا لأولاده وجدا لهم بنفس الوقت من جهة بنته، وقد حصل هذا في ألمانيا في وقتنا الراهن بحيث وجد رجل متزوج من ابنته وله منها أبناء ذكور وإناث، هذه العلاقة توجب إعطاء حقوق للأبناء، هذا صحيح ولكن إعطاء النسب وهو من الحقوق لهذه الأسرة أمر جَلَل، إذ كيف يكون الأب أبا وجدا لأبنائه بنفس الوقت؟ كيف يكون الأب أبا وزوجا لابنته بنفس الوقت؟ وماذا عن إخوة الأب وإخوة الزوجة وانتسابهم إلى أبناء الأخ وأبناء بنت الأخ؟ وكيف تكون الزوجة بنتا لأب أبنائها وأختا لهم بنفس الوقت؟ كيف يكون أبناؤها أبناء لها ولأبيها وأحفادا لأبيهم بنفس الوقت؟
وإذا علا صوت الساديين وطالبوا بتوفير من يعذبونهم لتحقيق المتعة من ذلك فهل نقنن لهم هذا؟ وإذا علا صوت المازوكيين وصرحوا باستعدادهم ليكونوا أداة المتعة للساديين ليكون الساديون أداة متعة لهم فهل نقنن هذا أيضا؟
وإذا ظهرت مراسم حفلات الزواج للمثليين كما حصل عندنا هنا في طنجة بحي عين الحياني أواخر ثمانينات القرن الماضي فهل نقنن لهم ذلك ونجرِّم من رجموهم بالحجارة من أبناء الحي؟
الأسئلة تتناسل والحل هو وضع حد للتحاكم إلى مثل هذه الشرائع الوضعية السخيفة، والماضي البعيد يشهد على نوع غريب من العلاقات ولكنه كان ضروريا ليس من جهة زواج أب البشرية من بناته، بل من جهة تزويج أبنائه الذكور بأخواتهم الإناث، ثم بعد ذلك حصل التباعد إلى أن قطعت تلك العلاقة نهائيا وصارت محرمة يمجها العقل الراشد وينفر منها الطبع السليم فنشأ الأجمل وهو الأُبُوّة الخالصة والأُمومة الخالصة والبُنُوّة الخالصة والجُدودة الخالصة والأُخوّة الخالصة والعُمومة الخالصة والخُؤولة والصهرة..
ومن جهة الحفاظ على العلاقات الجميلة والراقية سَيَّج الإسلام العلاقات الاجتماعية كما الاقتصادية وغيرها بسياج من الأحكام ليس غيرها في مستواها، وليس غيرها يمكن أن يكون حلا أفضل منها، صحيح أنه قد تجد في وسطنا علاقات غريبة بسبب الاقتداء بالغرب في نظرته الدونية إلى المرأة ولكننا بسبب قيمنا ومثلنا لا نستطيع التخلص من اعتبار ما حصل خطيئة كبرى، ولا نستطيع التخلص من كابوس الفضيحة لأننا بإهمال الضابط المعنوي لميلنا الجنسي، وعدم اكتراثنا بجهالة لما ينتج عن تلك العلاقات التي لا تنضبط بضابط وكأننا شيعة اثنا عشريون نقول بنكاح المتعة، أقول: بسبب ذلك لا نستطيع العيش المطمئن إلا إذا اطمأننا غفلةً بالمخدرات، أو اطمأننا رِدّةً عن ديننا وكلا الطمأنينتين لا يقين لهما ولا راحة بهما، وحين ننظر بعين الرشاد إلى تلك العلاقات قد نتصور وجود علاقة جنسية بين رجل وابنته، بين أخ وأخته، ومجرد وجود هذه العلاقة كفيل بإحداث غيرها مما ينشأ عنها فنكون مثل الغربيين لا نقيم وزنا لنكاح المحارم ثم نكون مثل ذلك الرجل الألماني الذي أجبر ابنته على الاضطجاع معه فحملت منه وكان ما كان، وهنا، هنا بالضبط وقفت الحضارة الإسلامية موقفا راقيا حفظت من خلاله بشريعتها السمحة هذه العلاقات وشرعت قوانين وقائية واستباقية للإبقاء على صفائها ونقائها وكانت منها عقوبات رادعة أكثر منها زاجرة..
الحضارة الإسلامية هي المستأمنة حقيقة على الناس لأنها حضارة تأخذ بتعاليم السماء التي لا خلاف على كونها من الله عز وجل وإن زعم من زعم غير ذلك لأن زعمه لا يصيب بالقناعة إلا العقول غير السليمة والعقول المتورمة الضعيفة، وضعاف العقول هم نفس أهل الحضارة التي هي عبارة عن مصنع يتم فيه مسخ الإنسانية كالحضارة الغربية، وهم أيضا نفس أهل الحضارة التي هي عبارة عن عربة يجرها خنزير أعمى كالحضارة الاشتراكية، فعلى الرغم من التقدم العلمي والتقني المشاهد فالتقدم العلمي والتقني ليس دليل تحضر، بل هو دليل تمدن، وفرق كبير بين التمدن والتحضر، التمدن يأخذ الأشكال المادية وهي نفس تلك الأشكال المادية كالعمران، والتحضر يأخذ الأفكار والمفاهيم، والأفكار والمفاهيم عند الاقتناع بها تتحول إلى قيم ومثل وهذه الأخيرة تصير مقاييس يكيف الإنسان سلوكه وفقها، صحيح أن التمدن والتحضر فيه ما هو مشترك بين الناس، وفيه ما هو خاص، ولكن الوعي على ذلك هو بيت القصيد، فالمغالطات المستعملة وإشاعة ما يصيب هوى النفس قد أسر معظم الناس وغيب عقولهم لدرجة أن بات الإنسان يستهدف نمط العيش البهيمي وهو النمط الذي يعيشه الغرب ويسير على خطاه الشرق ويعيشه كثير من المسلمين اليوم أيضا..
المرابطون السماويون لا يغفلون عن القيم والمثل المشتركة بين الناس ولكنهم لا يقولون بالإنسانية لأنهم لا يؤمنون بالخرافة، فالإنسانية خرافة وما يتعلق بها مغالطة مرادة حتى لا تنقشع غيوم الباطل عن صفاء الحق وبياض الحقيقة، فالدعوة إلى الإنسانية هي دعوة إلى إقامة دين جديد يضع قواعده البشر ويشرِّع أحكامه البشر، هي دعوة إلى تشويش القيم والمثل وتسييجها بالاضطراب بُغْية حَرْفها، انظروا إن شئتم إلى دعوة الماسون لإشاعة القيم الإنسانية، فالإيمان بها أولا إيمان بالوهم، وثانيا وقوع في الإشكال لأنها لفظ غريب مادام يحدث إشكالا على الفهم، غريب في معناه وليس في لفظه، غريب في معناه الذي أُعْطي له واصْطُلح عليه فبات يحمل مضامين معينة مقصودة تدخل ضمن الحرب الفكرية والثقافية، ففهمه يتطلب مجهودا من ذوي الاختصاص لتقديمه للناس على حقيقته، فكم لفظٍ جميل محبَّب إلى النفس يستعمله الخبثاء لتضليل الناس والالتفاف على عقولهم بغية استحمارهم حتى يقودونهم إلى حضارتهم العفنة، انظروا إن شئتم إلى حقوق الإنسان وركزوا على تقنين الشذوذ الجنسي، فهذا التقنين يبرز حقا للشواذ في الزواج وممارسة الشذوذ الجنسي بشكل محمي بالقانون، فهل يعتبر هذا حقا؟ أليس الشذوذ الجنسي مرض يحتاج المرضى به إلى علاج؟ أليس من الظلم إهمال المريض وعدم معالجته؟ أليس من الظلم تركه يعبث بصحته وصحة مجتمعه؟ كيف يقنن الشذوذ والميل الجنسي طبيعة بشرية ولكن من الذكر للأنثى وليس من الذكر للذكر؟ أليس هذا خروجا عن الفطرة وبالتالي دالا على مرض؟ هل من المعقول قبول قانون من تضغط عليه أمعاؤه فتذهب به إلى حيث تعرف حضرة القارئ المحترم ويُتْرَك قانون من لا يتصف بأي صفة نقص مطلقا؟، وماذا لو أنهم قرروا الزواج من البهائم والحيوانات ودافعوا عن حقوقهم في ذلك الزواج؟ ماذا لو أن جمعا منهم استساغ نكاح إناث الكلاب واستلذه ثم طالب بحقه في الزواج منها؟ هل يقنن هذا أيضا؟ وماذا لو أن جمعا من النساء استسغن جماع ذكور الحيوانات واستلذذنه ثم طالبن بتقنين ذلك السلوك؟ فهل يقنن هذا كذلك؟
وانظروا إن شئتم إلى فكرة العولمة كهدف يسعى الغرب إلى تحقيقه ويبذل لذلك المال والجهد، هذه الفكرة يراد منها جمع الثقافات والحضارات والقيم والمثل وحصرها في بوتقة واحدة ليصيروا بلون واحد هو دين الإنسانية، ولكنهم حين يصطدمون بصدام تلك الثقافات وتناقض تلك الحضارات واختلاف تلك القيم وتباين تلك المُثُل رغم تغليف دعوتهم بأنه لا يوجد هناك صدام للحضارات؛ أقول: حين اصطدموا بذلك أبرزوا فكرة المرجعية ولن تكون تلك المرجعية إلا نفس النظرة الغربية ونفس الرؤية الغربية، أي أنكم إذا اختلفتم في شيء فردوه إلى الغرب وخذوا حلّ خلافاتكم منه ولا حجة لكم إن رفضتم بدعوى التناقض مع دينكم وقيمكم وثقافاتكم، فالدين الإنساني ليس دين المسلمين واليهود والنصارى فحسب، بل هو دين الناس جميعا وكفى..
إن المصطلحات الوافدة حين يغيب الوعي عليها تسهِّل عملية الاختراق للقيم والمثل، وتمهِّد لتغييرهما، تمهّد لزوال القيم والمثل، وأخيرا تستقر على الاستلاب وتَبَنّي غير الحضارة الإسلامية بالنسبة للمسلمين، وهذا هو الذي حصل للأسف، فلم يعد الاستعمار العسكري ولا الاستعمار الاقتصادي كافيين لأنهما لم يحققا ولن يحققا ما يسعى إليه الغرب، بل راموا أكثر الاستعمار الفكري والثقافي وركزوا عليه بشكل لافت وهذا هو الأخطر وبه تموت الشعوب والأمم، ولا بأس من الاستئناس بقول أوباما دعما للموضوع كشفته مجلة أتلانتك مونثلي وهو: ((أن لا حل جذريا للإسلام الإرهابي ــ كما يعتبره هو ــ حتى يتواءم الإسلام مع الحداثة وحتى يمر بحركة إصلاح كتلك التي غيرت المسيحية))، يريد أن يقول من حيث يدري أو لا يدري أن الإسلام محصَّن من العبث ومحفوظ من التحريف، فلا يمكن أن يتوافق مع أي باطل سواء كان اشتراكيا أم رأسماليا، حداثيا أم علمانيا..
إن المرابطين السماويين على عاتقهم مسؤولية حماية القيم والمثل التي تساير واقع الكون والحياة من حيث سيرهما الطبيعي وفق ما سُنَّ لهم من طرف خالقهم جلّ وعلا، ومادام الأمر كذلك ومع انحراف البشر أراد الرحيم بالبشر أن يمنح لهم قانونا يحميهم ويحمي به حياتهم وقيمهم ومثلهم ويجعلهم يعيشون عيشا على نمط يرضاه لهم مقنع للعقل موافق للفطرة يملأ القلب بالطمأنينة فتداركهم بالرحمة المهداة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه شريعة سمحة رضيها للناس كافة لا تقنن للشذوذ الجنسي ولا لتوريث الحيوانات ولا لتعاطي ما يتلف العقل كالمخدرات والخمور ولا للعبث بالذات بحجة أنها ذات صاحب من يعبث بها وهو حر فيما يفعل ولا لغير ذلك مما يتنافى مع الذوق السليم والعقل السليم..
على أساس هذه النظرة يرابط المرابطون السماويون ويحولون بين الناس وبين الفكر الفاسد والقيم الساقطة، على أساس هذه النظرة سعى المرابطون إلى الأخذ بأسباب القوة حتى يستأنفوا الحياة الإسلامية وحتى يمنعوا أعداء البشرية من الإساءة إليها وظلمها، سعوا إلى ذلك لأنهم يعتقدون أن الاحترام لا يتأتى من طرف خسيس الرأي في غيره، نذل النظرة إلى الناس إلا بالقوة، فهم يستعملون قوتهم ويسخرونها لخدمة البشرية، فقيمهم تقول بالإيثار ومنه إسعاد البشر ومنع ما يشقيهم والأخذ على يد من يسعى إلى شقائهم..
والاستشراف الحضاري لما سقته ما كان ليكون لولا قابلية العقيدة الإسلامية لتكون قاعدة فكرية يرتكز عليها عقل المفكر والمنظر والمستشرف، لولا قابليتها لتكون قيادة فكرية تمسك بالزمام لقيادة الناس إلى الصفاء والنقاء، إلى اليمن واليسر، إلى الفطرة والرشاد العقلي.. لولاها لما استُشْرف ما استُشْرف..
إن الرباط في السماء من طرف المرابطين السماويين ليس كالرباط في الأرض، ففي الأرض ثغور كثيرة لم يعد لها مرابطون بسبب غياب كيان تنفيذي للحضارة الإسلامية، ولكن الرباط في السماء ليس للثغور لأنه لا تتعدد فيها الثغور، بل هو للأرض بواسطة السماء، هو للأرض التي هي كلها ثغور، وبذلك تحمى الأرض من السماء، وحين يرابط المرابطون في السماء يعم رباطهم جميع الثغور في الأرض التي لم يعد لها مرابطون وبه تحصل الحماية للأرض من السماء بالمرابطين السماويين، فالرباط في السماء بالنسبة للمرابطين السماويين ليس بالأقمار الصناعية، وليس بإيجاد قواعد عسكرية قارة فيها يتم التناوب في الإشراف عليها، وليس بحرب النجوم التي رُوِّج لها في رئاسة رونالد ريجن، بل بغير ذلك كله..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
محمد محمد البقاش أديب وباحث مغربي من طنجة
طنجة في: 11 يناير 2018م