بقلم: محمد معمري


لماذا الإنسان العربي لم يعد يرغب في القراءة؟
سؤال جمع، وفرق بين الكاتب والقارئ؛ جمع بينهما لأن الكاتب كتب للقارئ، وفرق بينهما لأن القارئ لم يعد يرغب في قراءة ما خطه الكاتب..
فما هي الأسباب التي جعلت القارئ لم يرغب في القراءة؟ وأمام هذا العزوف عن القراءة، فماذا يمكن فعله في حل هذا الإشكال العويص؟ وكيف التوصل إلى تحديد طبيعة الإشكال؟ وهل هذا التحديد هو الإشكال الجوهري الذي جعل الإنسان العربي لا يرغب في القراءة؟

إذا اجتمع الكاتب، والقارئ على مائدة مستديرة لا يستنتج من حوارهما سوى جدل عقيم! رغم عدم وجود صراع بينهما.. أو تشدد أحد الطرفين، أو كلاهما.. إنما القضية أعمق، وأشمل..
فالعائق الابستمولوجي بينهما هو عدم التكامل بينهما لتطوير المعرفة الهادفة لخدمة الإنسان..
كما أن ليس هناك ما يبشر بخير نحو مستقبل هذا الإشكال العويص.. لا من حيث مناهج التعليم في البلدان العربية، ولا من حيث الأطر، ولا من باب التيكنولوجيا الحديثة ومخلفاتها الوخيمة.. ولا من باب الإعلام.. ولا من باب الأسرة، ولا من باب الشارع.. هناك العديد من العوامل التي ساهمت في هذا الإشكال الخطير..

I- الكاتب:
أ- الكاتب السلف:
الكاتب قد رحل بعيدا عن الكتاب السلف؛ لأن الكاتب السلف هو ذلك الإنسان الملم بشتى العلوم، الواعي بهموم أمته، ووطنه، ومدينته، والعالم.. هو ذلك الإنسان الذي يعبر بصدق وإحساس عميق.. فكتاباته كأنها مسرحية فوق خشبة المسرح، والقارئ أحد أبطالها.. فهو يتألم في مواطن الألم، يفرح في مواطن الفرح، يحذر في مواطن الحذر.. والقارئ يغوص باللاشعور في تلك المواطن.. وتراه يصارع النوم والكتاب بين يديه يزداد ثقله من شدة الوسن.. وقد ينام والكتاب فوق صدره.. ورسالته كأنه سفر مقدس..
ولا نقول هؤلاء تخرجوا من أعظم الجامعات في العالم.. بل هناك من مستواه الدراسي لا يتجواز الشهادة الإبتدائية وأقل.. كأمثال عباس محمود العقاد مثلا.. وعلماء لا يزال كل كاتب، أو محاضر، أو فقيه يردد كلماتهم، وحكمهم.. كأمثال ابن قيم الجوزية مثلا..

ب- الكاتب الخلف:
الكاتب الخلف هو ذلك الإنسان المتخصص.. الذي انحصر في دائرة التخصص؛ فهو لا يستطيع أن يخرج منها قط.. فالمتخصص في الأدب مثلا، إذا أراد أن يكتب رواية جمعت بين الأدب، والتاريخ، والسياسة مثلا، لا يقدم شيئا جديدا للقارئ، لأن الطريقة التي استلهم بها نماذج الرواية، ثم صورها للقارئ.. لا تقدم رسالة فنية مقنعة.. بسبب إما المبالغة في التصوير.. أو ارتباك البناء لأنه بعيد كل البعد عن التاريخ، والسياسة.. أو الصورة المتمثلة في الرواية لا يمكن مقارنتها بالصورة الحقيقية.. لهذا تكون فقرات الرواية لا صلة لها مع بعضها.. لأن غياب الحركة الداخلية في عمق الرواية يوحي بذلك..
كما أن في معظم الدول العربية قد تم إعدام حرية التعبير.. فكانت أيضا من الأسباب الرئيسية لهذا الإشكال العويص..

ويستنتج من هذه الفقرة أن الكاتب الخلف ليس ملما بشتى العلموم مثل أخيه السلف.. والسبب الرئيسي هو مفهوم التخصص الدراسي؛ والخوف من حرية التعبير..
وهذا السبب، وعوامل كثيرة ليست مبررا له، بل الأهم هو أنه قد أهمل أهم جانب في حياة الكتابة.. لأن مهما التخصص، هناك التكوين الاعتصامي على سبيل المثال.. لكنه اكتفى بما لديه..

II- دور الطبع والنشر:
دور الطبع، والنشر في العالم العربي لا تهتم بالمادة العلمة، بل بالمادة التسويقية التي يُجنى منها المال الوفير.. فالكاتب يتعب، يسهر، يهمل نفسه في كثير من الأحيان، بل وحتى أسرته.. من أجل الكتابة.. فيجدها أرباب دور الطبع والنشر طبقا من ذهب.. بل وهناك من الدور من تفرض على الكاتب مبلغا معينا من المال من أجل الإجراءات الأولية..
وهذا من العوامل الأساسية التي جعلت الكاتب يخضع لمتطلبات دور الطبع، لأن معظم الكتاب ليست لهم القدرة المالية لطبع مؤلفاتهم على نفقاتهم..
لهذا، غابت المادة العلمية التي من شأنها تطوير المعرفة، وحلت محلها المادة التسويقية...



III- القارئ:
إن القارئ متنوع بتنوع العلوم.. إلا أن ما ميز قارئا عن آخر هو أن هناك القارئ الجيد، والهاوي، والحسن، والمستحسن، والمتوسط، والضعيف، والرديء.. كما أن كل صنف قد تفرع درحات، فمن بين فروع القارئ الجيد هناك: الجيد جدا، المتميز، المتميز جدا.. إلا اننا لم نصل بعد إلى الداهية مثل الأصمعي على سبيل المثال..

أ- القارئ الجيد:
القارئ الجيد هو ذلك الإنسان الذي عزف عن القراءة، لأنه لم يعد يجد المادة العلمية، ناهيك عن محتوى النص، وأسلوبه، وبناءه، ورسالته.. في معظم الكتب.. فهو الرافض للكتابات العصرية، سواء في الكتب، أو على الشبكة العنكبوتية..
فهو ما جاهد في نقد الكتاب، ولا أحيا ضمير الكتابة بما يملك من ملكة.. ليس لأنه لم يرغب في نقد الكتاب.. بل لأنه لما حاول قد واجه تشدد الكاتب.. ومنه، فلا الكاتب تقبل النقد، ورجع إلى الوراء ليكوّن مفاهيمه، ووعيه الفكري في دائرة النقد.. ولا القارئ جاهد حتى يُقنع الكاتب..

ب- القارئ الهاوي:
القارئ الهاوي هو ذلك الإنسان الذي عزف عن القراءة لأنه لم يجد المادة العلمية التي من شأنها تطور معرفته، وتنمي موهبته نحو الرقي، والتقدم..
فإن كان الجيد لم يرغب في القراءة، وسد كل الأبواب.. فالقارئ الهاوي تراه يبحث دائما عن جهله بما يحدث في أفكاره، وخواطره.. فهو يعيش دائما في حيرة، باحثا عن حل لمعضلته..

ج- باقي القراء:
فالأصناف الباقية هي تلك التي تتبع ما يحلو لها، أو يلائم هواها.. وهي الفئة العريضة.. فهي لا تفرق بين المادة العلمية، والمادة التسويقية.. وهي الفئة الصالحة لدور الطبع والنشر...
إنها تقرأ فقط ما يلائم هواها.. ولا تفرق بين الأساليب، ولا الرسالات، ولا البناء، ولا التركيب اللغوي..

IV- التكامل بين الكاتب والقارئ:
إن التكامل بين الكاتب، والقارئ لا تخلقه المؤسسات، ولا الجامعات، ولا الحوار بين الكاتب والقارئ.. بل خلق جمعيات أعضاءها من كتاب، وقراء.. والجمعيات هذه هي التي تتكلف بطبع، ونشر مؤلفات الكتاب.. والكتابات التي تجمع بين علوم متفرقة، أو متباعدة فم الأجدر أن تكون شراكة بين أهل التخصص؛ والقارئ الجيد هو الحكم، والقارئ الهاوي هو العبرة، وباقي القراء هو تطور المعرفة، وانهيار أزمة الفكر العربي.

ليس المهم في طرح إشكال عويص بين الكاتب، والقارئ.. وإنما الأجدر بالاهتمام هو التعاون بين الكاتب والقارئ على تأسيس جمعيات للبحث عن المناهج القويمة لحل هذا الإشكال الخطير، الذي سوف يؤدي إلى جهل عريض.. ومخلفاته فيروس يسبب في شلل الفكر العربي.. وبالتالي يحصل التكامل بين الكاتب، والقارئ على جميع المستويات ما يضمن تطور المعرفة، والاتجاه نحو الرقي، والتقدم.
..................................