بقلم: رمضان بوشارب
لنجدد أفكارنا
كل الأشياء قابلة للتجديد، لتتكيف و متغيرات الأوضاع، أو المستجدات المحيطة بتلكم الأشياء التي نحن مطالبون بتجديدها، وأهمها الفكر الذي هو دارئة الأقوام من كل خطر يستهدفها ، ويحق القول بأن الفكر الإسلامي (مستهدف) من كل فكر استعماري، أيٍ كانت إيديولوجيته يهدده كلما نضجت عقول الناشئة من أبناء المسلمين والعرب لتشكل صحوة مرجعيتها وطنية دينية.
 والفكر هاهنا بوتقة تتحمل كل ما يُصهر فيها، وليكن من مادة صلدة لا تنصهر ولا تَحولْ أصلها من الدين.
والمتمعن في خلق الله من طبيعة و ما تحويه من كائنات حية بها، كلها تتغير وتتجدد وفق المتغيرات التي تفرضها الطبيعة، على ما بها من كائنات، وحسب تغيرات الزمن والمناخ اللذان يحكمان المكان فيؤثران فيه فيتحكمان في بنائه وهيكلته وقوته وصموده أمامهما.
فالكائن الحي بالطبيعة يتحول بعامل الوقت والمناخ والبيئة، ( من... إلى... ) فلا الشتاء كالصيف ولا الربيع كالخريف، كلهم يفرضون على الكائنات نمط معين للعيش في الطبيعة والتعايش بينهم.
ومثال على ذلك، الزائر لما ينزل ضيفا على أناسٍ ما في بلد ما، بطبيعة الحال لن يفرض نفسه عليهم، بل طبيعة المكان هي من تُجبره على العيش فيها والتعايش مع من هم فيها من أهلها.
ولن يُمْلي عليهم فكره فيقبلون به قهرا إلا بإرادة منهم، ورغبة في كسرِ دكتاتورية ذهنية ذاك المكان، والتي هي مرتبطة بعُرفٍ متزمت وعادات مستبدة في كثير من الأحيان، تماما مثلما لاقى المستعمر ترحيبا في بعض من البلاد العربية ، بل بلدان العالم الثالث إن صح التعبير، والتي لا يزال فيها ولحد الآن بشرٌ، يعيشون برواسب فكر استعماري يتطور وتطور البِنَاء الفكري الاستعماري هناك، لكن هذا لا يعني بالضرورة أننا نتماشى وننمو فكريا خطوة بخطوة مع نمو وتقدم الفكر الغربي الرامي الى بناء دول غربية مصنعة و محصنة عسكريا وأمنيا.
حتى أوضح الفكرة و أصححها للقارئ، كي لا يفهمني بالفهم الخاطئ، أقول بأن القصد من النمو والتماشي مع الفكر الغربي، أنه ليس في نيتهم مقاسمتنا ومشاركتنا ما يرونه إيجابيا لهم ولأجيالهم القادمة، بالعكس تماما، إنما هم يقومون بعمليات حشو فكري تغريبي هدام، لا تقبله لا دياناتهم ولا شعوبهم.
هو عمليات حشو مدروس ومتقن كمناهج تربوية، دينية مُسَيَسَة، ثقافية والخ...من أساليب الاستعمار الفكري، الواجب محاربته، وقيام ثورة فكرية متجددة ومجددة، لأنه لابد أن يكون للثورة امتداد فكري عقائدي ، تربوي، ثقافي، ثورة تستند إلى مرجعية دينية وطنية بهوية تدوم، ما دام للاستعمار امتداد وإمداد فكري من جيل لجيل.
وإذا أردنا ألا نبقى ندور في فلك هذا الاستعمار الفكري، كمعضلة تستوجب حلا استعجالي، باعتباره ورم سرطاني استوطن العقل فاستفحل وتمكن منه، ليصير بذلك العقل وسيلة استعمارية ، ذاتية التدمير عن طريق الفكر السلبي المُتَبَنى سواء عنوة أو بفعل إرادي فيقوم على هلاك نفسه بنفسه، بالضبط مثلما يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله عدوه به، فإننا إذن مضطرون للقيام بثورة فكرية مناهضة لكل ما هو امتداد استعماري يهدد مرجعيتنا الدينية والوطنية و هويتنا.
أَماَ و قد بدأنا بعملية إسقاطٍ، لحالنا الفكري والطبيعة التي تتحكم فينا وفق قانون الغاب، الذي يوجب منطق البقاء للأقوى، المفروض على الضعفاء، والضعف هاهنا يكمن في قلة الحيلة والعيش بغباء معهم.
نعود فنقول بأن المتغيرات الطبيعة الربانية التي نفرض بقسوتها على الإنسان أن يتأقلم معها، لأنه إن لم يهيئ نفسه لها، فإنه بذلك مضطر لأن يدخل معها في صراع، قد يكون هو الخاسر الأكبر فيها، بسبب عدم استغلاله للعقل الذي أخصه الله به، وميزه عن بقية الخلائق والذي من خلاله باستطاعته تطويع تلك الطبيعة وما فيها لصالحه.
وإلا فسيبقى في صراع دائم مع الطبيعة، ومن ينافسه في البقاء فيها من حيوانات مفترسة، وهكذا هو الإنسان المسلم المعاصر، الذي لا يواكب المتغيرات العصرية التي تطرأ من حين لأخر، والتي تدفع بأعدائه للضغط عليه ، سواء من خارج بيئته التي يعيش فيها أو من داخلها، وسيظل على هذا الحال أبد الدهر، مثل الإنسان البدائي الذي لم يطور من نفسه ومعيشته ، فيكيفها تكييف يجابه بواسطته القوى الطبيعة العاصفة به، التي تُملي عليه سلاطينها فتُملي لهم أن يسلطوا عليه سوط العذاب، مثلما كانوا يحشون لنا كل الحشو، أساطير الألهة البدائية ، فنقرأ ونصدق ذاك الحشو، بأن للريح ربٌّ والمطر رب، وكلهم أبناء الألهة تلك الربة التي تكرس الروح فتجسد المكان والمادة.
هكذا أرادونا أن نأخذ العلم، لنعيش بفكر تكفر به كل الأديان السماوية، أرادوا إغراقنا مثلما غرق الإغريق في ميثولوجيا التي تصور الألهة فتجسدها في شكل إنسان ونصف إنسان ، الذي يعيش في ذاك الفراغ والظلام، وتلك العشوائية التي يتلاعب بها بشر، هم من اختاروهم ليحكموننا بما يرضون.
لكن الله سبحانه عز وجل ، أنقذنا وحرر البشرية جمعاء، حرر أفكارنا من عبودية البشر للبشر ، والإيمان بالخرافات وأساطير الأولين، لما خاطبنا فخاطب عقولنا وقال : يا أولي الألباب وأولو الألباب، في كذا من موضع في سور القرآن الكريم ، مهتما في ذلك بالعقل الذي يفسر كلام الله في آياته المحكمات، فيترجمها كيفما يستوعبها العقل البشري لعموم الأمة ويشرحها للأميين من أمتنا الإسلامية التي غزاها الفكر الغربي الهدام فاستعمرها.
نتوقف هنا ، لنقول أننا بحاجة إلى فكر إسلامي متجدد معاصر، ليكون سلاحا دفاعيا ردعيا لا هجوميا، لنقف به فنوقف ذاك المد الفكري المشبع، ولأن العالم يتطور في حربه ضد الإسلام فكريا وثقافيا وعقائديا، فقد صار من اللزوم علينا أن نواكب هاته العصرنة، ونثقف مفكرينا ودعاتنا ليس من الجانب الديني فحسب بل من جميع مناحي الحياة.
وعليه فإنه على الإمام و الداعية أن يطوروا أنفسهم ومتغيرات الحروب الدينية فيتأقلموا مع الثقافات الخارجية، ويدرسوا علومهم من علم اجتماع وغيره، مثلما فعل المستشرقون الذين تدارسونا ودرسوا كل شيء يخصنا، وأيضا قساوستهم الذين يعرفون عنا ما لا نعرفه نحن عن حقيقة ديننا وتاريخ أوطاننا، فملكوا قوتنا ووظفوها للسيطرة علينا بنقاط ضعفنا.
هكذا يجب نحاربهم بالمواجهة وبما حاربونا به، عن طريق التغلغل والتعايش الديني والاجتماعي، وهذا ما يجب أن يكون عليه دعاتنا وعلمائنا، الذين يعيشون هناك في بلاد الغرب فنتساءل ونقول لماذا لا يستفيدون فيفيدون من غربتهم عن الأوطان، بدلا من أن يبقوا في المعارضة السلبية ، فيعيبون ويوجهون الانتقادات، دون الإتيان ببدائل وحلول من شأنها أن تغيير إيجابيا ، فتعزز قوة الأمة الإسلامية والعربية على حد سواء.
لنضع نقطة ونعود إلى السطر، (العنوان - تجديد الفكر -) بل من الأحسن أن نقول تحديث الفكر، من أجل أن نصعد بتفكيرنا إلى درجة أعلى، كي نرقى مع الأمم بالموازاة, لا بالتخلف والتبعية.

رمضان بوشارب