مَرض الرّئِيس ومُستقبَل السّلطة

قَد يكُون السّؤال الآن أكثَر إلحَاحًا للإجَابَة عَليه، مَن ينُوب عَن الرّئيس؟ وهَل هُناك مُؤسّسات يُمكن أن يعتَمد عَليها في تَسييِر أمُور السّلطة فِي حَال حُدوث طَارئ عَلى حَياة الرّئيس؟، أسئِلة قَديمة جَديدة، ولم يُعيّن الرّئيس نائبًا لَه، ولكِن عيّن نائبًا لَه فِي حَركَة فَتح، وأبقَى سَليم الزّعنُون رَئيسًا للمَجلس الوَطني، وأنَاب رَامي الحَمد لله عَنه فِي مُنظّمة التّعاون الإسلَامية. حَالة إربَاك تَعمّ الشّارع الفِلسطيني بدُخول عبّاس للمَرّة الثّالثة المُستشفى الإستِشَاري، وقِيل أنّه أجرَى عَمليّة في الأُذن الوُسطى، أحِيطت صِحّة الرّئيس بتكتِيم كَامل مِن "شلّة الأنس" ومَن حَوله، فإن كَان عَبّاس عَزَل نَفسَه وَطنيًا مِن خِلال عِدّة إجرَاءات تَعسّفية ضِد قِطَاع غَزة بشَكل كَامِل سَواء فتحَاويّين أو غَير فَتحَاويّين أو مُوظّفين، فَشلّة الأُنس قَد تعزِل محمُود عبّاس حتّى في مَرضه عَن بَاقي الأيقُونة الفِلسطينية وإستحقَاقات لهَا بمَعرفة صِحّة من يقُوده ويُمثّله.
تنَاثرت بَعض التّصريحات حَول خُطورة وَضع الرّئيس والبَعض مِنها وصَف الحَالة بالوَفاة، والبَعض الآخر قَال أنّه بِصحّة جيّدة. ولكِن لِي رأي فِي ذَلك، قَد ينتُج عَن عمليّة الأذُن فعلًا إلتِهابَات حَادّة إذا لم تكُن حَالة الرّئيس جَاهزة لتقبّل مُضادّات حَيويّة قويّة، وَقد تُسبّب إلتهَاب فِي الجِهاز التّنفسي بشكلٍ عَام، لا أعتقِد أنّ حَالة عبّاس مُستعصية طِبيًا على الأقل الآن وِفق المعلُومات المُتوفّرة، ولكِن وضعُه الصّحي أيضًا لن يُعطيه صَلاحيّة بأن يُمارس سُلطَاته كَرئيس يلمّ بكُل المِلفّات التّشريعِية والتّنفيذِية والقَضَائية!، إذًا يبقَى الحَال عَلى شلّة الأنس التي تتكتّم عَلى صِحّة الرّئيس وهِي التي تُدير كَافّة الملفّات الآن.
ولكِن فرضًا لو حَدث طَاريء وتُوفّي الرّئيس مَا العَمل عِندها؟ قد تكُون الوَفاة طَبيعية، وقد تكُون الوَفاة نِهاية رجُل لنِهاية مَرحلة بشكلٍ أو بآخَر، لا نُريد أن نتحدّث عَن الوطنيّة الآن، وعَن سُوء الاستِخدام للسّلطة، وفَشل كَثير مِن المَلفّات وخَاصّة مَلف الإنقسَام، والتّخبط فِي مُعالجة مِلف غزّة وأخذ كَافة العُقوبات والقَرارات بحَق الشّعب الفِلسطيني فِي هَذا القِطاع المكلُوم، هَل نعتمِد عَلى أن الحُكم برلمَاني "صُوريًا" وبالتّالي يبقَى رَامي الحَمد لله هُو المُسيّر لشُؤون السّلطة، ولكِن هَل تستطِيع تِلك الحُكومة بَسط سِيادتِها عَلى الأقل عَلى الضّفة الغَربية وفِي ظلّ أكثَر مِن عشّ للدّبابير التي لَها عَلاقة مَا مَع الإحتلِال وهِي مَراكز القُوى وتمتلِك مِيليشيات مُسلّحة تَحت إسم وشِعار قَد يكُون استُهلك مُنذ زمَن فِي ظلّ التّنسِيق الأمنِي، وهَل الأجهِزة الأمنيّة المُرتبطة أيضًا ببرنَامجِها مَع الإحتِلال ستُخل ضِمن الكنتُونات المَحليّة أو البَلديّات في ظِل منظُور المَصالح المُتشابكة والتي قد تتقاطَع أيضًا مَع الإحتِلال؟ لا نُريد أن نتحدّث هُنا عَن مَا هُو مفرُوض، ولأّن مَا هُو مفرُوض هُنا مُستبعد، كَأن يقُود السّلطة مُنظّمة التّحرير مِن خِلال أمِين سرّها، أو أن يقُود السّلطة رَئيس المجلِس الوَطني أو رَئيس المَجلس التّشرِيعي، أو رَئيس المَحكمة الدّستورية العُليا، كُل تِلك الافترَاضات قَد تنزوي تَحت الأقدَام فِي ظِل المُتطلّعين الكُثر في الضّفة الغَربية لاستِلام السّلطة. الإسرَائيليّون ليسُوا ببَعيد وهُم يراقِبون ويعمَلون لمَا بَعد مَرحَلة عبّاس، والتي قد تتوَافق مَع الرّؤية الأمرِيكية عَن مُستقبل الحّل السّياسي الذي تحدّث عَنه كَبير المُحرّرين فِي صَحيفة مَعاريف وقَال:"إذا ذَهب عبّاس فإنّ الضّفة سَتتحوّل إلى سُلطات إدَاريّة مَحليّة يغُذيها الإحِتلال، أمّا غزّة فقد تصِلها خِلال أيّام سُفن فكّ الحِصار بمُوافقة أمرِيكية وإسرَائيلية، وغزّة ستشهَد إنفتَاح إنسَاني، ولكنّه في الحَقيقة ذُو عُمق سِياسي، فبعقُوبات عبّاس لم تنهَار حمَاس، وانفتَحت كَثير مِن الجِهات الإقلِيمية عَليها، أهُو تدجِين؟ أم تغيِير في رُؤية حَماس فِي التّعامل مَع الوَاقع ومُعطياته؟. السّيّد عزّام الأحمَد "جُوكر الرئيس" والذي بيَده كَثير مِن المَلفات، مِلف غزة، ومِلف لُبنان، ومِلف العلَاقات مَع دِول الإقليِم، يقُول أنّ الإنفتَاح المِصري عَلى غزّة يُعزّز من إنفصَالها ويُخفّف ِمن إجرَاءات محمُود عبّاس تُجاهها، وِمن ناحِية أُخرى يشنّ الرّجوب هُجومًا على مِصر أيضًا، فِي كُل الأحوَال غزّة ستُشاهد إنفتَاح ُمغلّف بالانسَانية، وهِي طَبيعة التّصَور للحَل السّياسي الاقتصَادي الأمنِي، فهُم سيتعَاملون مَع غزّة ككُتلة واحِدة في هَذا المِلف، وسَيتعاملُون مَع الضّفة في كُتل مُنفصَلة أي بلديّات، قد تكُون هَذه من أهَم سِمات صَفقة القَرن التي يتحدّثُون عَنها.
فِي كلّ الأحوَال بغِياب محمُود عبّاس قَدرًا أو قَصرًا، فلقَد انتهَت مَرحلتَه، ونَحن عَلى أبوَاب تغييِر فِي كَثير مِن الأورَاق والمُعادَلات عَلى المُستوى الفِلسطِيني والإقلِيمي والدّولي، ولكِن هَل سيكُون هُناك انتخَابات تَشريعيّة ورَئاسيّة ومَجلس وَطني جَديد، وتنفيذيّة جَديدة، لا أعتقِد ذلك عَلى مَدار أكثَر مِن عَام أو عَامين، بَل ستبقَى الأمُور فِي قطَاع غزّة هِي انفرَاجًا إنسانيًا إقتصاديًا مَع إعطَاء حَماس حَقّ التّمثيل فِي قطَاع غزّة مِن ضِمن صَفقة إقليميّة، وستبقَى القُدس ونتيجَة الإلتزَام الأردنِي وكَما قَال المَلك عَبد الله الثّاني:"القُدس شَقيقة عمّان"، ستبقَى بدَائرة الأوقَاف تَحت الوِصاية الأردُنية، وستبقَى القُوّة الفَاعِلة في التّصوّر القَادم للضّفة الغَربية لمُنسّق الشّؤون المَدنيّة الإسرَائيلية والحُكومة الإسرَائيلية، ومَن مِن "عشّ الدّبابير" سيكُون له الذّراع الطّولى والمدعُوم عَشائريًا وقَبليًا ومدعُوم برَأس المَال؟

بقلم/ سميح خلف