Ibrahim Awad

تفسير الآية الثامنة من سورة الرعد بينى وبين الشيخ الشعراوى
إبراهيم عوض



تفسير الآية الثامنة من سورة "الرعد"، وهى عن الحمل والجنين وما إلى ذلك: تفسير الشيخ الشعراوى لها أولا، ثم تفسيرى أنا لها بعد ذك، وهو منقول من كتابى عن سورة "الرعد"، وقد ألفته وأنا فى السعودية فى بدايات تسعينات القرن الماضى بالطائف حين كنت أعمل فى كلية التربية بها التابعة لجامعة أم القرى بمكة آنذاك
==================================

تفسير الشيخ الشعراوى رحمه الله:

يقول الحق سبحانه:
* اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ... *
اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)
وما المناسبة التي يقول فيها الحق ذلك؟
لقد شاء الحق سبحانه أن يؤكد مسألة أن لكل قوم هادياً، وأن رسوله صلى الله عليه وسلم هو منذر، وأن طلبهم للآيات المعجزة هو ابنٌ لرغبتهم في تعجيز الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولو جاء لهم الرسول بآية مما طلبوا لأصرُّوا على الكفر، فهو سبحانه العَالِم بما سوف يفعلون، لأنه يعلم ما هو أخفى من ذلك؛ يعلم ـ على سبيل المثال ـ ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد.
ونحن نعلم أن كُلَّ أنثى حين يشاء الله لها أن تحبل؛ فهي تحمل الجنين في رحمها؛ لأن الرحم هو مُسْتقرُّ الجنين في بطن الأم.
وقوله تعالى: * وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ... * [الرعد: 8]
أي: ما تُنقص وما تُذهب من السَّقْط في أي إجهاض، أو ما ينقص من المواليد بالموت؛ فغاضت الأرحام، أي: نزلتْ المواليد قبل أن تكتمل خِلْقتها؛ كأن ينقص المولود عيناً أو إصبعاً؛ أو تحمل الخِلْقة زيادة تختلف عما نألفه من الخَلْق الطبيعي؛ كأن يزيد إصبع أو أن يكون برأسين.
أو أن تكون الزيادة في العدد؛ أي: أن تلد المرأة تَوْأماً أو أكثر، أو أن تكون الزيادة متعلقة بزمن الحَمْل.
وهكذا نعلم أنه سبحانه يعلم ما تغيض الأرحام. أي: ما تنقصه في التكوين العادي أو تزيده، أو يكون النظر إلى الزمن؛ كأن يحدث إجهاض للجنين وعمره يوم أو شهر أو شهران، ثم إلى ستة أشهر؛ وعند ذلك لا يقال إجهاض؛ بل يقال ولادة.
وهناك مَنْ يولد بعد ستة شهور من الحمل أو بعد سبعة شهور أو ثمانية شهور؛ وقد يمتد الميلاد لسنتين عند أبي حنيفة؛ وإلى أربع سنوات عند الشافعي؛ أو لخمس سنين عند الإمام مالك، ذلك أن مدة الحمل قد تنقص أو تزيد.
ويُقال: إن الضحاك وُلِد لسنتين في بطن أمه، وهرم بن حيان وُلِد لأربع سنين؛ وظل أهل أمه يلاحظون كِبَر بطنها؛ واختفاء الطَّمْث الشهري طوال تلك المدة؛ ثم ولدتْ صاحبنا؛ ولذلك سموه " هرم " أي: شاب وهو في بطنها.
وهكذا نفهم معنى " تغيض " نَقْصاً أو زيادة؛ سواء في الخِلْقة أو للمدة الزمنية.
ويقول الحق سبحانه: *...وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ * [الرعد: 8]
والمقدار هو الكمية أو الكيف؛ زماناً أو مكاناً، أو مواهب ومؤهلات.
وقد عَدَّد الحق سبحانه مفاتيح الغيب الخمس حين قال:* إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ... *[لقمان: 34]
وقد حاول البعض أن يقيموا إشكالاً هنا، ونسبوه إلى الحضارة والتقدم العلمي، وهذا التقدم يتطرق إليه الاحتمال، وكل شيء يتطرق إليه الاحتمال يبطل به الاستدلال، وذلك بمعرفة نوعية الجنين قبل الميلاد، أهو ذكر أم أنثى؟ وتناسَوْا أن العلم لم يعرف أهو طويل أم قصير؟ ذكي أم غبي؟ شقي أم سعيد؟ وهذا ما أعجز الأطباء والباحثين إلى اليوم وما بعد اليوم.
ثم إنْ سألتَ كيف عرف الطبيب ذلك؟
إنه يعرف هذا الأمر من بعد أن يحدث الحَمْل؛ ويأخذ عينة من السائل المحيط بالجنين، ثم يقوم بتحليلها، لكن الله يعلم دون أخذ عينة، وهو سبحانه الذي قال لواحد من عباده:* يازَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَىا... *[مريم: 7]
وهكذا نعلم أن عِلْم الله لا ينتظر عيِّنة أو تجربة، فعِلْمه سبحانه أزليّ؛ منزه عن القصور، وهو يعلم ما في الأرحام على أي شكل هو أو لون أو جنس أو ذكاء أو سعادة أو شقاء أو عدد.
وشاء سبحانه أن يجلي طلاقة قدرته في أنْ تحمل امرأة زكريا عليه السلام في يحيى عليه السلام، وهو الذي خلق آدم بلا أب أو أم؛ ثم خلق حواء من أب دون أم؛ وخلق عيسى من أم دون أب، وخلقنا كلنا من أب وأم، وحين تشاء طلاقة القدرة؛ يقول سبحانه:* ...كُن فَيَكُونُ *[يس: 82]
والمثل ـ كما قلت ـ هو في دخول زكريا المحرابَ على مريم عليها السلام؛ فوجد عندها رزقاً؛ فسألها:* أَنَّىا لَكِ هَـاذَا... *[آل عمران: 37]
قالت:* ...هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ *[آل عمران: 37]
وكان زكريا يعلم أن الله يرزق مَنْ يشاء بغير حساب؛ ولكن هذا العلم كان في حاشية شعوره؛ واستدعاه قول مريم إلى بُؤْرة الشعور، فزكريا يعلم عِلْم اليقين أن الله هو وحده مَنْ يرزق بغير حساب.
وما أنْ يأتي هذا القول مُحرِّكاً لتلك الحقيقة الإيمانية من حافة الشعور إلى بُؤْرة الشعور؛ حتى يدعو زكريا ربه في نفس المكان ليرزقه بالولد؛ فيبشره الحق بالولد.
وحين يتذكر زكريا أنه قد بلغ من الكبر عتياً، وأن امرأته عاقر؛ فيُذكِّره الحق سبحانه بأن عطاء الولد أمر هَيِّن عليه سبحانه:* قَالَ كَذالِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً *[مريم: 9]

=================================================

تفسير إبراهيم عوض

اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ:
استأثر الله سبحانه بعلم الغيب. ذلك أن علمه سبحانه لا حد له، فهو خالق كل شيء من عدم. وكيف يغيب عن علمه شيء خلقه؟ أمَّا نحن البشر فعلمنا قاصر ومحدود، ولا تعلق له بأمر من أشياء الغيب. والغيب قد يكون غيبا زمانيا، وقد يكون غيبا مكانيا، إلى جانب الغيب الروحي (كالملائكة والجن) ولسنا بصدده الآن. فالأمر الذي لم يحدث بعد هو من النوع الأول، أما الأمر الذي يحدث الآن ولكن يحول بيننا وبين الاطلاع عليه حائل هو من النوع الثاني.
"وما في الأرحام" هو من الغيب المكاني. ذلك أن حواس البشر لا تصل إليه. وعلى هذا فهو من الأمور التي لا يعلمها إلا الله سبحانه. ولكن إذا زال الحجاب الذي يمنع البشر أن يعرفوا ما في الأرحام فعندئذ لن يعود من الغيب. ذلك أن العلم والطب قد تقدما وأصبح مستطاعا رؤية الجنين على شاشة المرناء وهو لا يزال في بطن أمه. فهل يعد هذا من باب العلم بالغيب؟ لا طبعا، لأن الحاجز الذي يفصل بيننا وبين الجنين قد زال. وهذا مثل ما لو جئنا إلى جدار يفصل بيننا وبين غرفة مجاورة ويمنعنا أن نرى أو نسمع أو نعرف أي شيء يدور فيها فهدمناه، فعندئذ نسمع ونرى ونعرف ما فيها، لأن الحاجز قد زال. إن ما كان غيبا أصبح بهذا من علم الشهادة. ولماذا نذهب بعيدا وعندنا المناظير الطبية التي يطلع بها الطبيب على المعدة والمثانة من الداخل ويعرف ما فيها ويعالج ما أصابها من القرح؟ كذلك فكلنا نعرف المرناء، الذي ينقل لنا لا ما يدور داخل الجسم البشري الذي أمامنا، بل ما يدور في البلاد الأخرى وقد يكون بيننا وبينها عشرات الآلاف من الكيلومترات، وتفصلنا عنها صحارى وجبال وبحار ومحيطات، وكذلك ما يدور في سفن الفضاء في الفضاء الخارجي بل وعلى سطح القمر. لقد تقدم العلم. هذا صحيح، ولكن ذلك كله هو بفضل الله ونعمته، ولولا الله سبحانه ما استطاع الإنسان أن يحرك إصبعه ولا أن يُكْمِل نَفَسه. المهم أن نكون على بينة من أن هذا كله لا يدخل في باب معرفة الغيب، إذ ما دامت هناك آلات توصلنا بما كان مغيبا فإنه لا يظل غيبا، بل يصبح أمرا من أمور علم الشهادة.
يقول د. عبد الله عبادة، وهو طبيب متخصص، إن قوله تعالى: "ما في الأرحام" قد فسرت خطأ في الأجيال الماضية بأنه ذكر وأنثى وإنه قد تكون هناك موجات فوق صوتيه أو موجات مرئية أو تحليلات كيميائية تؤدي إلى معرفة جنس الجنين ذكرا أو أنثي، ولكن كلمة "ما في الأرحام "ستظل مع ذلك من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله".( )
هذا ما يقوله أحد المتخصصين في الطب (في كتاب صدر له في السنوات الأخيرة )، ولكن الأستاذ محمد أحمد جمال (في كتابه "على مائدة القرآن"، الذي نشر لأول مرة في الخمسينات) يستبعد استطاعة العلم الحديث أن يكشف نوع الجنين وهو لا يزال في بطن أمه إذ إن هذا ليس هو كل ما يتعلق بالجنين، فما زالت وستظل هناك أشياء حوله مجهولة، فمن ذلك مثلا لون البشرة ولون العينين والقدرات العقلية والميول النفسية والطول والوزن... إلخ، وإن كان ممكنا أن تتقلص بعض هذه المجهولات مع تقدم العلم، الذي هو من الله سبحانه وتعالى وبفضله.
إن بعض المتعجلين يظنون أن معرفة هذه الأشياء حول الجنين مثلا تصادم ما ورد في هذه الآية وفي آخر سورة "لقمان" وكذلك ما ورد في أحد الأحاديث النبوية من أن هناك خمسا لا يعلمهن إلا الله، ومن بينهم "ما في الأرحام"، ولا مصادمة.( ) ذلك أن أحدا لا يعلم فعلا ما في الأرحام إذا ظل الحجاب الذي يفصل ما في الأرحام عما هو خارج الأرحام قائما إذ يظل ما في الأرحام عندئذ غيبا من الغيب، وحينئذ لا يعرفه إلا الله، الذي يعلم السر وأخفى.
وللشيخ محمد الطاهر بن عاشور هنا ملاحظة أسلوبية، إذ قال ما مُفَاده أن استعمال القرآن كلمة "تحمل" بدلا من "تحبل" دلالة على أن المقصود أنثى الإنسان والحيوان على السواء لأن "الحبل" لا يستعمل إلا لأنثى البشر.( ) وفاته أن القرآن قد تحدث في بعض المواضع عن حمل المرأة فقط، وفي كل مرة كان يستعمل "الحمل"، ولم يحدث أن استخدم "الحبل" البتة. وهذه هي النصوص:
)فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ.( )
)فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا.( )
) حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ.( )
)حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا.( )
)وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عليهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ.( )
ومع ذلك فإني أوافقه على أن المقصود أنثى الإنسان والحيوان جميعا ولكن لاعتبار آخر، إذ ما دام القرآن لم ينص على أنها أنثى البشر، فلا داعي لقصر الكلام عليها، إلى جانب أن قوله تعالى "كل أنثى" يفيد التعميم.
"وغاض" الماءُ في الأرض، و"غاضته الأرضُ": تسرب إلى باطنها. أي أنه يستعمل لازما ومتعديا. والأَوْلَى أن يكون هذا الفعل هنا هو والفعل "تزداد" متعديين، حتى يكون هناك تشاكل بينهما وبين "تحمل"، الذي لا يأتي إلا متعديا، ويكون الضمير في كل منها مستترا، سواء قلنا: إن "ما" التي تسبق كلا منها هي اسم استفهام أو اسم موصول.
وقد اختلف المفسرون في معنى "تغيض الأرحام" فمن قائل إن المقصود أن تحمل ولدا واحدا، على حين أنَّ "تزداد" معناها أن تحمل أكثر من ولد، ومن قائل إن المقصود جفاف الدم، و ازدياد سيلانه، ومن قائل إن غَيْضها هو نزول الولد تمام الأشهر التسعة، وازديادها عكس ذلك،( ) ومن قائل إن غيضها هو إسقاطها الولد خديجا... إلخ.
ويبدو أن هذا التعبير جديد غير مألوف، ومن هنا وجدناهم لا يتفقون على شيء فيه. وعلاوة على ذلك فإن نظم الأسلوب القرآني وما فيه من إيجاز من شأنه أن يكثّر أبواب التأويل أحيانا. و لفظ "الله" مبتدأ، وخبره "يعلم ما تحمل كل أنثى...". وتقديم لفظ الجلالة في الآية للقصر. أي لا يعلم ذلك إلا هو سبحانه. وقد جوَّز بعض المفسرين إعراب لفظ الجلالة خبرا لمبتدإ محذوف تقديره هو، يعود على "هاد".( ) وقد سبق أن رفضنا تفسير "هاد" بأنه هو الله، وهنا نرفض أيضا هذا الإعراب. وثمة سبب ثان، وهو أن الكلام على الإعراب المرفوض سوف يخلو من القصر، ومن ثم يضيع مغزى الآية.
)وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَار:
الإشارة هنا إلى القوانين الإلهية التي تحكم الكون كله: بَشَره وملائكته وجِنّه وعجماواته وما فيه من جماد. وقد استطاعت الإنسانية على مدار تاريخها الطويل أن تكتشف كثيرا من هذه القوانين وتفيد منها وتنظم حياتها على أساسها. وهي في سبيلها إلى اكتشاف المزيد منها. وكلما اكتشفت منها أكثر كانت خطاها في مدارج الرقي والتقدم أسرع وأخصر. وفي القرآن الكريم:
)إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ.( )
)وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا.( )
)وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا.( )

هوامش تفسير إبراهيم عوض
----------
-انظر د. عبد الله عبادة/ الطب في القرآن/ ص/ 79 – 80.
- وإلى ذلك يشير الشنقيطي في " أضواء البيان" عند تفسير هذه الآية حيث يقول: "وقد دلت السنة الصحيحة على أن علم ما في الأرحام المنصوص عليه في الايات المذكورة مما استأثر الله به دون خلقه".
- "تفسير التحرير والتنوير" في تفسير الآية.
- الأعراف/ 189.
- مريم/ 22.
- لقمان/ 14.
- الأحقاف/ 15.
- الطلاق/ 6.
-جاء في بعض كتب التفسير أن الشافعي كان يقول إن أقصى مدة للحمل أربع سنين، أما مالك فكان يذهب إلى أنها خمس، على خلاف أبي حنيفة، الذي جعله سنتين (انظر الزمخشري والألوسي في تفسير الآية). كما جاء في بعض الروايات أن هرم بن حيان قد بقي في بطن أمه أربع سنين، ولذلك سمي: هرما (الزمخشري في تفسير الآية). وأشار القرطبي إلى أن مدة الحمل تصل بل تزيد عن عشرة أعوام. بيد أن محمد أسد (في ترجمته للقرآن إلى الإنجليزية) قد ذكر أن مدة الحمل قد تتجاوز 280 يوما إلى 305، ونقل عن بعض المتخصصين أنها قد تبلغ 307 أيام (انظر الهامش الذي خصصه لهذه الآية في ترجمته للقرآن. أما دائرة المعارف البريطانية ط 15/ مجلد 14/ مادة "Pregnancy "/ ص969) فقد ذكرت أن أقصى مدة للحمل هي من 250 إلى 285 يوما، وأن المحاكم، مع ذلك، قد تأخذ بأقل أو أكثر من ذلك كثيرا: فمثلا أخذت محكمة بولاية نيويورك ذات مرة بـ 355 يوما (أي سنة شمسية تقريبا) على حين أن المحاكم البريطانية، بناء على استشارة أهل الاختصاص في الطب، قد اعترفت في بعض الحالات بـ 331 يوما. كما ذكرت أن طفلا قد ولد تاما بعد 221 يوما محسوبة من اليوم التالى لا نقطاع آخر حيض لأمه. ويوافق د. محمد على البار في كتابه: "خلق الإنسان بين الطب والقرآن" (ط4/ الدار السعودية للنشر والتوزيع/ 1403 هـ - 1983 م/ ص451) ابن القيم على أن الشريعة والطبيعة قد تظاهرتا على أن أقل مدة للحمل هي ستة أشهر، ولكنه بالنسبة لأقصى مدة للحمل يقول إنه لا يزيد عند الأطباء عن شهر بعد موعده، وإلا مات الجنين في بطن أمه، وإنهم يعدون ما زاد عن ذلك خطأ في الحساب. وهو لهذا يرفض ما جاء في كتب القفه من حكايات عن مولودين ذوي أسنان، وعن مولودين لثلاث أو أربع سنين، مؤكدا أنها حكايات خرافية. وهو يسوق هنا رأي ابن حزم، الذي يستنبط من قوله تعالى: "وحمله وفصاله ثلاثون شهرا" وقوله: "والوالدات يُرْضِعْن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" أنه لا يمكن أن تقل مدة الحمل عن ستة أشهر أو تزيد عن تسعة، ويكذّب من يقول بغير هذا.
وقد ذكر د. حسين محمد باجودة ( تأملات في سورة الرعد/ ص 74) أنه قد بلغه أن علماء الغرب لا يعترفون في الحمل بالزيادة عن تسعة أشهر، وأن زميلا له أخبره أن أستاذه القانوني قال له بشأن الزيادة عن تسعة أشهر إن مثل هذه الحالة ليست موجودة لديهم وليست معترفا بها. ومن الواضح أن هذا يخالف ما نقلتُه عن "دائرة المعارف البريطانية". ويقول د. باجودة تعليقا على الموقف الغربي كما نمى إليه: "يبدو أن التحلل الذي يعيشه الغرب المادي هو الذي يجعله يفسر كل حالة زيادة بالمعنى السيئ الذي ينبغي في نظره أن يفسر به". وقد رأينا أن ابن حزم هو أيضا لا يعترف بأكثر من تسعة أشهر. وها هو ذا دكتور مسلم متخصص في الطب يرفض أيضا الحكايات التي وردت في كتب الفقه عن ثلاث سنوات وأربع قائلا إنها حكايات خرافية لا صحة لها.
-انظر هذا الرأي في الألوسي.
-القمر/ 49.
- الفرقان/ 2.
- الأحزاب/ 38.

Like
Show more reactions
Comment
Share
22Emad Tohamy, Hussen Abukadam and 20 others
3 Shares
3 Comments
Comments
Ibrahim Awad
Ibrahim Awad
أنا هذه الأيام أنظر فى تفسير الشيخ الشعراوى رحمه الله على أمل أن أكتب عن هذا التفسير المشهور، وأكتفى الآن بالاطلاع على بعض العينات منه حتى آخذ فكرة عن منهجه وأسلوبه ويكون عندى تصور واضح عن طبيعة الكتاب قبل البدء فى الكتابة عنه. فلما قرأت تفسيره للآية الثامنة من سورة "الرعد" تذكرت أن لى تفسيرا لها يختلف قليلا أو كثيرا عن تفسير العالم الكبير