على غير العادة، قررت اليوم أن أتوجه إلى اللقاء الذي لم أخلفه أبدا، بجلباب أبيض، وقميص من اللون نفسه، ببلغة صفراء، وطربوش أحمر، بعد أن حلقت لجيتي وتعطرت بماء الورد، لم أسمح للمسرحية أن تلهيني؛ صحيح أنها ممتعة ومثيرة لملكات التفكير والنقد، سأخرج لأصل في الموعد قرب علامة قف التي ظلت صامدة رغم كر الأيام.
كنت نازلا وكانت هابطة؛ والطريق في الماضي وعرة، صارت الآن معبدة نوعلى جانبيها نبتت بنايات حجبت منابع الخضرة، كما نبتت في خيالي وترسخت في ذاكرتي. مددت لها يدي، يا لجرأتي! فلم تبخل علي بالمصافحة. راحة يدها البيضاء معطرة بالورد منحتني دوخة أزلية.
يا للدقة التي صُنعتْ بها يدك
بأصابعها الرفيعة المستدقة البيضاء
بدفئها الشاحب الممزوج بالنعومة
وكأن في يدك شيئاً من الليل والنهار!
لو أنني فقط
أستطيع بشكل صحيح
قراءة النص الإلهي العميق النائم أمامي
في تلك اليد. 1
فلت لها: أنت قطرة عسل في فنجان حياتي... تبسمت، فرأيت القمر باديا كالعرجون. زدت: الحياة بك أحلى، فزاد تبسمها. يا لسعادتي! رأيت الكون لي قد تجلى. لم تكن مجرد اشتهاء، وكنت مجرد عاشق ولهان أصيب بلوثة الجنون . دأبت على انتظارها كلما حل الربيع فهو موعدنا الغريب. لم أيأس فها أنا قد بلغت السبعين وأملي يزداد قوة وإشراقا.
بمجرد ما طرحت عني لباسي حتى فغمت أنفي رائحة كريهة، داهمني شك، ثم تبادرت إلى ذهني، تلك اللحظة أسئلة النص المسرحي: لم لم يتحرر الصعلوكان من عبودية الانتظار؟ أتعطلت حاسة الشم لديهما، فلم يشما تعفن جثة غودو؟ ثم بفعل الإعياء، سقطت في بئر النوم عاريا.

1_ إلى يد: فرناندو بيسوا، ترجمة: عبد الله حمدان الناصر، موقع أنطولوجي.