مؤسسها جاك فيرجيس و كانت لسان حال حزب جبهة التحرير الوطني.. مجلة "الثورة الإفريقية" كانت "صوتا إفريقيا" لكنها توقفت لأسباب مجهولة


يتساءل مثقفون جزائريون عن اختفاء مجلات عربية كانت توزع في الجزائر، و أخرى جزائرية توقفت عن الصدور و التوزيع دون سابق إنذار على غرار مجلة "دبي الثقافية"، و مجلة "الثورة الإفريقية" الناطقة باللغة الفرنسية، التي كانت لسان حال حزب جبهة التحرير الوطني


عرفت مجلة دبي الثقافية بمستواها الرفيع جدا، لما تتناوله من ملفات ثقافية و أخرى سياسية، و كانت تضم أقلاما في المستوى، حتى من داخل الجزائر، على غرار الشاعر عزي الدين ميهوبي وزير الثقافة حاليا، و كانت له صفحة خاصة بعنوان "اشتباك" أثار فيها قضايا تتعلق بصناعة التاريخ، سلط فيها الضوء على ظاهرة الإنغلاق في الماضي، و كيف يتجزأ التاريخ و تتفتت الذاكرة، كما اهتمت مجلة دبي الثقافية بالتطرق إلى عظماء الجزائر، حيث خصت في عددها الـ: 100 الحديث عن مسيرة الرئيس الراحل هواري بومدين، و قد كتبت مقالا مطولا بعنوان: "بومدين الرجل الحديدي يرفض الموت منكسرا"، جاء في مقدمة المقال مايلي: " بما أنه ذلك الشخص الوفيُّ الذي تتحطم على صخرة مبادئه كل مؤامرات العالم، كان لابد من تصفيته بصمت، و دون أن يتحول موته إلى قضية رأي عام"، إلى أن نصل إلى القنبلة التي فجرتها المجلة حينما نقرأ في آخر المقدمة العبارات التالية: " كل من كانت له مصلحة في اختفاء الرئيس هواري بومدين فقد ساهم في هذه المؤامرة الشيطانية"، لأنه ببساطة كان حجر عثرة في طريق العديد من الجهات الداخلية و الخارجية التي كانت تأمل إنهاء حياته في اقرب فرصة ممكنة.

و لعل اهتمام المجلة بقائد عظيم مثل بومدين، فهذا راجع إلى اهتمام بومدين بقضايا الشعوب و وقوفه إلى جانب الحركات التحررية في العالم، لاسيما القضية الفلسطينية، و مقولته الشهيرة: " إذا كانت مكة قبلة للمسلمين، و الفاتيكان قبلة للمسيحيين، فالجزائر هي قبلة الثوار في العالم"، و الحقيقة ان مجلة دبي الثقافية كانت نافذة على العالم، تطوفه دون جواز سفر، و هي تتناول قضايا العالم، حرّة في تحليلها للقضايا، لا تعرف لونا و لا عرقا ، و في مضمونها و محتواها تشبه إلى حد ما صحيفة " الإنسانية" الناطقة باسم الحزب الشيوعي الفرنسي التي أسسها الكاتب و السياسي الاشتراكي جان جوريس عام 1904، كما سلطت الضوء على شخصية يهودية اغتالته أيد مجهولة ، لسبب واحد هو أنه نادى بدولة فلسطين، إنه الرجل الغامض هنري كورييل ، و باعتباره من مواليد القاهرة، فقد كان هنري أحد مؤسسي الحزب الشيوعي المصري، و كان المؤسس الفعلي لتنظيم الحركة المصرية للتحرير الوطني ( حمتو)، لا تسع المساحة للتطرق إلى القضايا التي عالجتها مجلة دبي الثقافية، فهذه عينة تعتبر شهادة للمستوى الراقي الذي بلغته هذه المجلة، التي كانت تضم أقلاما لهم وزن ثقيل جدا في الساحة الثقافية، لكنها للأسف لم تعد تصل إلى المثقف الجزائري لأسباب تبقى مجهولة.

و إن قلنا أن توقف مجلة دبي الثقافية قد يرجع إلى إجراءات جمركية و ارتفاع فاتورة الضرائب من قبل العاملين في مجال استيراد الكتب و المجلات و توزيعها في المكتبات، و هي أزمة تعاني منها دور النشر و التوزيع في الجزائر، فالأمر المحير هو سبب توقف مجلة "الثورة الإفريقية" الناطقة باللغة الفرنسية، رغم أنها كانت تحظى بمقروئية كبيرة لدى الطبقة المثقفة و حتى مناضلي الحزب العتيد ( الأفلان)، فالمجلة كانت تتطرق إلى قضايا ساخنة و حساسة جدا، و أعطت أهمية لكثير من الملفات التي كانت تحمل طابعا دوليا ، لاسيما قضية الساحل و الصحراء الغربية، و العلاقة بين ليبيا و لوكربي، و كانت لها صفحة خاصة بعنوان "مغاربيات" maghrebiate، و أخرى بعنوان " أبيض على أسود" noir sur blanc، لم تترك الثورة الإفريقية قضية إلا و تطرقت إليها، و كان لها اهتمام أيضا بالزعماء العرب و الأفارقة و تحدثت عن مسيرتهم النضالية، و كان الرئيس هواري بومدين من بين الذين سلطت عنهم المجلة الضوء في عددها 1556 لسنة 1993 في مقال حمل عنوان " هواري بومدين: الجزائر في القلب" houari boumediene l’aggerie au coeur، و علاقاته بالعالم العربي، و نذكر هنا جزء من خطاب الراحل هواري بومدين حول المغرب العربي، حيث قال: إن تقسيم المغرب العربي خطأ خطير جدا، و أن وحدة المغرب العربي ليست عملية سهلة، و يضيف في خطابه: بأن الجزائر لم تولي ظهرها للمشرق العربي، و لم تفضل يوما المغرب العربي على المشرق العربي، لأن أهدافا تربط بين الشعوب في الوطن العربي.

و قد عرفت الثورة الإفريقية أقلاما جزائرية مميزة ، منهم من كانوا وزراء في الحكومة على غرار الوزير السابق بوجمعة هيشور، أما في الشأن المحلي، و إلى جانب اهتمامها بالحياة السياسي لاسيما النشاطات الخاصة بالحزب العتيد ( الأفلان) و ما يحدث في القواعد النضالية، فقد اهتمت مجلة الثورة الإفريقية بقضايا المجتمع و الحياة الثقافية، فعالجت الكثير من النصوص و المواضيع التي تشغل بال المواطن و المثقف على الخصوص؟، لماذا توقفت "الثورة الإفريقية" عن الصدور و التوزيع؟ هو السؤال الذي ما زال يشغل بال الطبقة المثقفة في الجزائر، هل لأسباب مالية مثلما حدث مع جريدة المجاهد الأسبوعي لسان حال حزب جبهة التحرير الوطني؟، أم لأن مؤسسها فرنسي؟ خاصة و أن الجميع يعرف المسيرة النضالية للمحامي جاك فييرجيس الذي دافع عن قضايا متناقضة أثارت الشكوك حوله، و قد وصفته مجلة دبي الثقافية في عددها الـ: 101 بالمناضل العالمي، لأنه دافع عن قضايا التحرر الوطني، لاسيما حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره، و كان من المدافعين عن قضية المناضلة و المجاهدة جميلة بوحيرد، و نشر كتابا في الدفاع عنها برفقة صديقه جورج أرنو، و بفضله تحولت قضية جميلة بوحيرد إلى قضية عالمية، و الجميع يعرف قصة زواجه بها، حيث أنجبت منه مريم و إلياس، وكان جاك فيرجيس قد أسس مجلة سمّاها مجلة الثورة الإفريقية و اشتغل فيها مع جميلة بوحيرد، كانت المجلة صوتا إفريقيا مناصرا لقضايا التحرر الوطني و ضد التمييز العنصري، و رغم أنه كان من أم فيتنامية و أب من جزر الريونيون الفرنسية فقد كان جاك فيرجيس صديقا للجزائر و فلسطين و لكل الشعوب المقهورة التي كانت تعيش تحت نير الاستعمار و تناضل من أجل التحرر.

علجية عيش