دعك من الأزمة الحالية ..ديون..فقر..ارتفاع أسعار..هذا كله شئ والكارثة التي أقصدها شئ آخر..

فاكرين أزمة الرهن العقاري الأمريكي عام 2008؟

هذه حدثت بسبب عدم قدرة المواطنين على سداد مستحقات البنوك الممولة للعقار، فأعلن 19 بنك كبير إفلاسهم، وحدثت أزمة عالمية هددت سوق المال وكادت تجعل (السيولة المالية) مجرد ورق مطبوع ليس له قيمة من شدة انخفاض سعر الأسهم وشراء مؤسسات مالية لأخرى برخص التراب..

مبدئيا: هذه الأزمة تسببت في صعود كل الاقتصاديات الغير مرتبطة بالدولار أو الاقتصاد الأمريكي، زي الصين وروسيا وإيران، التنين الصيني توحش عمليا بعد هذا التاريخ، ونجح الروس في إنشاء مشاريع ضخمة وأرباح مهولة من النفط والغاز منفصلين فيها تماما عن صداع الأزمة في أمريكا وأوروبا، إيران نفس الشئ، في المقابل كل الاقتصاديات المرتبطة بالاقتصاد الأمريكي تضررت وأولها (دول الخليج) اللي لم تتعافى إلا بعد الصعود التاريخي لأسعار النفط منذ 5 سنوات..

وهذا يعني أن آثار الأزمة لم تنتهي رغم مرور 10 سنوات عليها..ما زالت موجودة بشكل هاجس يسيطر على أسواق المال اللي ظهر بعدها بسنتين في أزمة وول ستريت عام 2010، ثم في فبراير الماضي 2018

مشاهد عامة للأزمة..

1- توسع الحكومة المصرية في سياسة التمويل العقاري، وضخ المليارات في البنوك لهذا الغرض بدعوى شراء محدودي الدخل سكن مناسب.

2- ارتفاع نسب التضخم والأسعار لمستويات قياسية مع ثبات دخول المقترضين، مما يعني تحول القروض من آمنة إلى (عالية المخاطر) وهو نفس السبب اللي أشعل أزمة الرهن العقاري الأمريكي، بالبلدي: المواطن مش هيلاقي فلوس يدفع أقساط الوحدة اللي عليه، وقتها البنك ملزم برفع شكاوى وحجوزات يخسر بيها أتعاب محاماه في ظل خسارة البنك لأصل المال، أما إذا تضاعفت أعداد العاجزين عن السداد وقتها البنك مش هيلاقي سيولة يعمل مشاريع أو يقرض أو يسدد فوائد فيضطر يعلن إفلاسه..

3- عجز المواطنين عن سداد مستحقات البنوك معناه حجز البنك على منازلهم وأملاكهم، وعشان يحصل قيمة القرض يقوم يعرضها للبيع مرة واحدة، وهنا يزيد المعروض على الطلب فتنهار أسعار المنازل..وهي نفس المشكلة اللي بدأت بيها أزمة الرهن الأمريكي..

4- ارتفاع نسب التضخم والأسعار بشكل فوضوي وعجز الحكومة عن تثبيت الأسعار- ولو فترة مؤقتة - معناه حدوث فارق كبير بين قيمة العقار قبل التعاقد وبعده..فتكون الحكومة بتصرف دعم حقيقي على الوحدات السكنية بدون إرادتها مما يتسبب في أزمة سيولة مستقبلية، بمعنى لو اشتريت وحدة ب 100 ألف دولار، وبعد الشراء- نتيجة لنسبة التضخم المرتفعة - زاد سعرها ل 200 ألف دولار، هنا الحكومة تتحمل فارق السعر بشكل (معنوي) حتى يتحول إلى (حقيقي) بسبب ثبات سعر فائدة الاقتراض وعدم تأثرها بزيادة الأسعار، ودي النقطة اللي هانشرحها في إجراءات الحكومة لتفادي أزمة أمريكا

وبالمختصر المفيد: قيمة الوحدة عند الحكومة هي اللي بتعطي عليها فايدة ، بينما قيمة الوحدة في السوق أعلى بمعدل الضعف، هذا الفارق يصنع سوق موازية للعقارات عند الحكومة وهي نفس الفكرة الاشتراكية بسيطرة الدولة على الأسواق، وقتها أمامك حلين في أصلهم مشكلة.:

الأول: ترفع قيمة الوحدات وفايدتها لعدم صنع فارق مع السوق وقتها ينخفض الطلب فتخسر الدولة جراء الركود...

الثاني: تظل كما أنت بقيمة وفائدة ثابتة حتى يصل الفارق بين سعر الحكومة وسعر السوق أضعاف أضعاف، وقتها تخسر الدولة لزيادة الطلب على وحداتها الرخيصة، وانت مجبر على بيعها رخيصة، ولأن السوق الطبيعي هايخسر يحصل ركود أيضا وتفقد الدولة مليارات حصيلة الضرائب، خد بالك الشعب وقتها هيحاسب الحكومة لو استجابت لتحدي السوق ورفعت أسعار الفائدة والوحدات، ودي عملية تخص علوم النفس اللي بهوات الاقتصاد مش واخدين بالهم منها..

5- زيادة الأسعار بشكل منفلت ستؤدي لبلوغ معظم وحدات مصر السكنية لحد "الضريبة العقارية" ووقتها سيتحول القرض من آمن لعالي المخاطر أيضا، وقتها محتاج فورا تعديل ضريبي جديد يراعي الأسعار الجديدة..

6- ربط الاقتصاد المصري بمنح وهبات خليجية اللي متعلقة أموالهم باستقرار أمريكا واقتصادها، وهذا يجعل مصر عرضة لأي رياح أو عاصفة مالية تأتي من الغرب..

7- سياسة البنك الدولي هي تحرير السوق وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد، فيما لو حدثت أزمة رهن عقاري في مصر معناه الدولة ملزمة بعلاجها وشراء أو تسليف البنوك المديونة، وهو تدخل حكومي أساسا يجعل قروض البنك الدولي مهددة،

8- عجز المواطنين عن سداد ثمن الوحدات معناه إجراءات حكومية بدعم قطاعات أخرى تساعدهم على المعيشة، وقتها يكون رفع الدعم والأسعار والتضخم اللي حصل يضاعف قيمة الدعم المقدم، وبدلا ما كنت تخليت عن قيمة دعم 30 مليار للكهرباء مثلا، هتيجي تساعد المواطن بدعم جديد لن يقل عن 50 مليار، والفارق هو ثمن التجربة الفاشلة مع البنك.

لاحظ اننا بنتكلم عن إجراءات تعسفية وإفقار سريع للشعب في ظل سياسة عقارية لم تتغير منذ عصر مبارك، اللي مبارك نفسه أخد باله من نتائج ما يفعله السيسي الآن على الاقتصاد، وإن تصور نتائج الأزمة في الأسعار والسلع فقط (جهل وقصر نظر).

لكن هذا لا يعني إن الحكومة لم تنتبه لمشكلة الرهن العقاري الأمريكي، هناك إجراءات اتخذوها لتفادي حدوث الأزمة..

1- ثبات سعر فائدة الاقتراض وعدم ارتفاعها بزيادة ثمن الوحدة سنويا، خصوصا في ظل ارتفاع نسب التضخم والأسعار، هذا رفع من معدل أمان القروض بشكل كبير.

2- فك ارتباط الدولار بالجنيه فيما سمي "بتحرير سعر الصرف" هذا يخفض مستوى التهديد لو حصلت أزمة في أمريكا، لكن دا مش معناه إن قرار التحرير صحيح الآن، بل خاطئ لأن له شروط لم تتحقق كرفع الإنتاج ، إنما هو في ذاته صحيح جدا، وطبقته حكومة نظيف منذ 15 عام تقريبا..

3- صناديق احتياطية خاصة للمقترضين أنشأتها الحكومة تمويلها من راتب المواطنين، تعوض بها الحكومة خسارة البنك في حال عجز المدين، بمعنى إن المواطن بيدفع قسطه الشهري ويمول صندوقه الاحتياطي أيضا، فإذا كان القسط 1250 جنيه، يخصم 1300 يذهب الباقي 50 جنيه لصندوق الاحتياط، ويسترد قيمته بعد نهاية العقد.

في رأيي أن الإجراءات الثلاثة لن تمنع انهيار سوق العقارات وحدوث أزمة رهن عقاري خطيرة جدا في مصر، لأسباب تخص طبيعة الدولة في عدم التعامل بشفافية مع المشكلات، ومعلوم أن كل مشكلة لو عولجت بكتمان وكذب تتضخم وتصبح أكبر وأخطر، هذا سبب كافي لحدوث الأزمة المستقبلية اللي نتائجها هتكون في 3 أشياء..

أولا: انهيار بنوك كبرى وإفلاس عشرات المؤسسات المالية الضخمة، ومعاها فقدان سريع للسيولة المالية الكافية لاستيراد الغذاء، أي مجاعة بشكل أسرع مما كان يتوقعه البعض..

ثانيا: انهيار أسعار المنازل والعقارات وحصرها مرة أخرى في يد طبقة عليا هي الوحيدة التي ستكون قادرة على الشراء..وبالجُملة، ولو فاكرين ظاهرة الإقطاع في عصر الملكية..هذا إقطاع جديد سيطول الأراضي الزراعية وأراضي الدولة..

ثالثا: لعدم وجود سيولة مالية لن تستطيع الدولة دفع الرواتب والتأمينات والمعاشات، وتتوقف تماما عجلة الحياه في مصر إلا لو حدث طارئ غير متوقع أو تدخل منقذ شجاع ذكي مخلص على طريقة أفلام السندباد..