صدرت رواية "مسك الحرام" للمبدعة المغربية سكينة المرابط، عن دار التوحيدي في طبعتها الأولى سنة 2018. في مساحة تبلغ 135 صفحة، وتنقسم إلى ستة فصول، بالعناوين التالية:
موعد الخطوبة.
أحلام منهكة.
المنفون.
فرحة لم تكتمل.
قصاصات ورق.
بين الظلمتين.
وتطرح قضية اجتماعية بمنظور نقدي ذي بعد ديني واضح. فالرواية تعالج مسألة زنا المحارم وانعكاساتها على الفرد بخاصة، وبعلى المجتمع بعامة، وإن بطريقة غير مباشرة؛ مشيرة إلى أن الأعراف والتقاليد البالية تقف رواء هذا الفعل المحرم. فالجدة عانت كثيرا من تلك التقاليد التي فصلتها عن زوجها الأول: سعيد؛ وهي تحمل في بطنها ثمرة ذلك الزواج الموؤود، فكان أن صمتت عنه، وصامت دهرا قبل أن تفاجأ بالواقع المر يجري أمام عينيها المبحلقتين. لقد كانت حفيدتها ضحية صمتها؛ فسلوى أحبت، دون أن تعرف، عمها خالد، وفي لية الخطبة مارست عشق الجسد؛ هذه المتعة المؤقتة ولدت لديها، بعد التعرف، أزمة نفسية خانقة، سعت إلى الخروج منها بالتفكير في الانتحار، ثم بالحصول على فتوى إنسانية. ابتعدت عن شيوخ التشدد والتجأت إلى المواقع الدينية المتسامحة.
واختارت بعد ذلك العمل بعيدا في أعلى جبل بشمال المغرب، حيث صادفت، هناك، ممارسات تربوية شاذة، دفعتها إلى انتقادها. مشيرة بذلك إلى ضرورة نهوض التعليم بواجب التنوير، بنقد كل الممارسات المعوجة التي تكبل حرية الإنسان.
ما يلفت الانتباه أن العم سيعرف نهاية مأساوية؛ إذ صدمته سيارة، أودت بحايته؛ وهي نهاية مشابهة لنهاية المفتش السكران.

العنوان:
مسك الحرام:
يخلق العنوان أعلاه توترا لدى القارئ؛ هذا التوتر ناجم عن الجمع بين كلمتين متعارضتين من حيث المعنى، فالأولى تفيد الجمال، فيما الثانية تفيد القبح. بيد أن الإضافة فتحت المجال للثانية لتلتهم جمال الأولى، وتحولها قبحا. صحيح أن العنوان يتصادى والجملة المعروفة: مسك الختام، التي تفيد النهاية الطيبة، لكن عنوان الرواية، ينزاح عنها، ليولد معنى مختلفا، يخرق انتظار القارئ الذي تعود من خلال الجملة الأصل على النهاية السعيدة.

اللوحة:
تبين اللوحة التي امتلكت صفحة الغلاف كاملة على صورة فتاة صغيرة السن في كامل تبرجها، فالخدان متوردان بفعل التزيين كما الشفتان، وقد بدت العينان الحجريتان جميلتين برموش سوداء طويلة، وبحاجبين دقيقين يمتدان إلى حدود الصدغين. لكن الدمعة المتسللة من العين اليمنى تربك الشعور بالجمال، وتعيد الحزن إلى باديته الأصلية. فحين تجتمع الفرحة بالحزن، فإن الهيمنة تكون للعنصر الثاني، وبذلك يتأكد معنى العنوان بمناصرته لمعنى الصورة.
ويرد في صفحة 107 ما يفيد أن الصورة للجدة في صباها وهي تزف لزوجها، تقول الرواية: وهي طفلة صغيرة أعجبتني تسريحتها وهندامها وخديها "كذا" المكتنزتين لونا ورديا تبرق عيناها العسليتان...في الصورة قرمزيتان.
اللغة:
تعتمد الرواية على تعدد النصوص، هي دوائر متداخلة بعضها في بعض، والقصص تتوالد كألف ليلة وليلة، حيث هناك القصة الإطار، والقصص الفرعية علما أن الرواية ركزت بشكل كبير على قصتين اثنتين؛ هما قصة الجدة، وقصة الحفيدة، حيث تأثير الأولى في الثانية. تأني بعض القصص مكتملة، كقصة سعيدة، وأخرى لا تكتمل إلا بعد حين، كقصة أحلام.وإذا كانت البداية فرحة بمناسبة خطبة، فإنها لم تكتمل على مستوى القص كما على مستوى الشعور؛ إذ تتكسر بناء وفرحة.
قصص سمتها الصراع المفضي إلى الطلاق بفعل ثقل العادات والتقاليد البالية، والمعيقة لنمو الشخصيات، ويناعتها النفسية والصحية.
تمارس الرواية حقها في نقد الكثير من النواقص، من مثل الشعوذة والسحر، والخيانة، والأعراف البالية، وغيرها.

كتبت الرواية بلغة تقريرة جافة وعنيفة تشبه عنف الشخصيات المسكونة بالعنف والقتل، والمؤامرات الخبيثة للحصول على منافع دنيوية، لا ترعوي عن استعمال السحر والسم لبلوغ المبتغى.
توظف الرواية مجموعة من العناصر بانفتاحها على الشعر، و الراسئل، كما تعتمد على الحوار الخارجي كما الداخلي، خاصة حين تستعرض سناء حياتها مع زوجها عبد الله، وما عانته من تصرفات رعناء منه ومن أخواته المتدينات، مع الإشارة إلى زواجها الأول الذي لم يكن سعيدا حيث تدخلت العادات البالية فقصمت ظهره.
بعض الملاحظات النقدية الخاصة:
اعتمدت الرواية في بنائها على مجموعة من التقنيات، وكسرت السير الخطي للأحداث، لكنها، بالمقابل، وقعت في بعض المطبات، منها، على سبيل المثال، ما يلي:
* الموضوع المطروح سبق أن عالجته أعمال روائية سابقة، واهتمت به بعض المسلسلات التلفزية، والأفلام السينمائية، ولربما وجه الاختلاف يكمن في تأثير زنا المحارم على سلوى التي وجدت نفسها في مأزق وجودي وديني شديد الخرج، مما جعلها تفكر في الانتحار كمخرج بعد أزمة إلحاد، سرعان ما انطفأت؛ لتفكر في فتوى دينية قادرة على امتصاص الصدمة، فكان الالتجاء إلى فقيه متشدد بدءا، ثم التخلي عنه لصالح مواقع دينية متسامحة، هدفها سلامة الإنسان. وفي الأخير، تختار الابتعاد إلى الجبل لتواصل عملها منتقدة التعليم صنو المجتمع البالي الواجب تغييره.
* كثرة الشخصيات وتداخلها، مما صعب على القارئ فك الارتباط بينها ومعرفة شجرة الانتساب، ومن ثم معرفة الأحداث وسيرها وصيرورتها؛ فهناك الآباء والأمهات، والأجداد والجدات، والأحفاد والأعمام والعمات والأخوال والخالات، إضافة إلى الأصدقاء والصديقات، والجيران.
* هفوات على مستوى التركيب والنحو، وأكتفي بسوق هذه الفقرة كمثال، تقول: آه ثم آه يا حبيبتي سناء بعدما صرت لا أجد ما يدعوني للعيش وفقدت كل آمالي. كافحت جدا وحصلت كذلك على الوظيفة. هنا تعرفت على زميلي عبد الله أب أعمامك وعماتك. كان رجلا في مقتبل عمره وسيم جدا متيدن وبشوش الوجه وملتزم ومسرول. ص85
* فضلا عن اضطراب في رسم الشخصيات، إذ نجد إحدى الشخصيات تعاني من مرض غريب ألزمها الفراش حتى سلخ جلدها، وبعدها نجدها تنهض لتتزوج؛ وقد مورس عليها عذاب استخراج الجن...
لذا، كان لزاما إعادة النظر بغاية تلافي تلك الهفوات المضرة بالعمل الروائي.


L’image contient peut-être : une personne ou plus