المغامرة والحب، في رواية "الرقص على حبال المكر" لحسن بوفوس.
**
صدرت رواية "الرقص على حبال المكر" للمبدع حسن بوفوس، عن مطبعة سليكي أخوين، في طبعتها الأولى سنة 2018.
امتدت على مساحة 152 صفحة، مقسمة إلى فصول/مشاهد تبلغ ثلاثة عشر، مسبوقة بإهداء وتقديم من طرف المبدع، محمد الباغوري،و تحمل العناوين التالية:
رحلة العودة إلى طنجة.
أحلام اليقظة.
مصاحبة الأشرار.
الورطة.
بين العشاق.
البحث عن الهوية.
مشهد شاعري.
حفل زفاف.
لحظة شرود.
ابتلاء.
دفء المنزل.
تخيلات.
نوايا إجرامية.
نهاية مأساوية.
وهي عناوين تكاد تلخص محتوى كل فصل.
والمثير أن المتن مؤطر بقصيدتين؛ الأولى إهداء من المبدع، والثانية، وجاءت في النهاية، لعبد الله، شخصية النص الأساس.
تعتمد الرواية على سارد عالم، يهيمن على السرد، ولا يفسح المجال للشخصيات إلا مساحة ضيقة تسمح لها بعرض بعض ما يجول بداخلها من هواجس وأفكار، ويفتح الباب لتحاور بعضها مظهرة مواقفها وأفكارها. سارد عليم، يوزع الفصول، ويحضر في الأمكنة كلها، يعرف أكثر مما تعرفه الشخصيات عن بعضها، يحضر معها أنى رحلت وارتحلت.
كما أن السرد يسير بشكل كرونولوجي باتجاه النهاية السعيدة، خاصة بالنسبة لعبد الله، وتعتري السرد لحظات استرجاع واستباق تكسر هذا السير، لكنها لا توقفه.

وتعد طنجة، المدينة الدولية، الفضاء العام الذي يؤطر الرواية، متضمنا أمكنة عدة تدور فيها الأحداث، سواء أكانت مغلقة أم مفتوحة، من مثل المقهى، والفندق، والمنزل، والشاطئ، فضلا عن الشارع.

تعتمد الرواية على تركيبة دقيقة، تمزج قصتين مختلفتين لتحقيق بعد المتابعة والتشويق. فلضمان متابعة القراءة، عمد القاص إلى خلق قصتين، واحدة ذات نفس مغامراتي، روحها تهريب المخدرات والمتاجرة فيها، فيما الثانية تعتمد على علاقة الحب التي تجمع طرفين. الأولى ذات أحداث مشوقة، تفرض السير وراء أحداثها لمعرفة خفايا المجال، ونهايه الحكاية، أما الثانية فتخاطب وجدان القارئ وتحرك مشاعره.
القصتان معا، في تمازجهما، تعدان دم وروح الرواية، وبطلهما الأساسي هو عبد الله، المدرس البسيط، الذي وجد نفسه، ذات عطلة صيفية بطنجة، متورطا في أحداثهما، دون أن يكون له الاختيار.
اللحظة الأولى:
انفتحت روحه وقلبه على نادية الجميلة، وجعلته يحلق في سماء الحب، حركت مشاعره الراكدة، ودفعته إلى خطبتها والزواج بها.
اللحظة الثانية:
قدوم عبد المالك إلى طنجة لمقابلة عبد الله بشأن المشاركة في تهريب وترويج المخدرات مقابل مبلغ مالي مغر.
تتحدث الرواية عن عبد الله رجل التعلم الذي توجه إلى طنجة أثناء العطلة لمعانقة والديه، وهناك، سيتعرف على نادية التي ستتمكن من قلبه، ليعلن رغبته في الزواج بها، وبعد نقاش، ستقبل، لتنقل الأمور إلى مرحلة الزواج. في حياة الرجل امرأة عاهرة، تشتغل في البار، ويقوم عبد المالك بحمايتها وابتزازها؛ ستدرك أن قطار الزمن قد ولى، وتركها ترثي حالها بحثا عن منقذ بعد أن تجاوزت الثلاثين؛ وتجد في عبد الله، الرجل المنقذ، لكنها حين تعلم بخبر زواجه، ستلتجئ إلى تهديده ليرضخ لطلباتها، بعد أن فكر في قتلها ثم عدل عن الفكرة لكونه لا يستطيع القيام بذلك.
يتصل به عبد المالك، ليضمه إلى شبكة تهريب المخدرات والمتاجرة فيها، حماية لنفسه من غدر باقي أعضاء الشبكة. سيقبل عبد الله، مقابل مبلغ مالي كبير، يصرفه على متطلبات العرس وتقديم الهدايا الثمينة لزوجته عربون محبة ووفاء. وللتخلص من تهديدات عائشة وعبد المالك، سيحمل قدرا من المال للأولى لإسكاتها ورضوخا لمتطلباتها، حماية لعشه، أما الثاني، فستتكفل الأيام به. ومن محاسن المصادفات أن يزور عائشة عبد المالك مهددا إياها ومبتزا لها، لكنها ستتخذ قرار مواجهته، حيث ستقتله، لتحمل إلى مخفر الشرطة وبعدها المحكمة لتقول فيها كلمتها. بهذه الطريقة سيجد عبد الله نفسه قد تخلصت من التهديد المزدوج، وبالتالي، يكون عشه قد نجا من السقوط.
لهذا، نجد أن عبد الله هو مربط أحداث الرواية، تبتعد عنه لتعود إليه، غير متناسية دوره حضورا وغيابا، أما باقي الشخصيات فتدور في فلكه، لها بعض التأثير فيه، لكنه يظل المحور والمركز، تستفتح الرواية بالحديث عنه، وتنتهي بالحديث عنه أيضا.
صحيح أن الرواية لا تمتلك سوى أربع شخصيات أساسية، لكنها متفاوتة الدرجة، فعبد الله يحتل المركز الأول، لتليه عائشة كفاعلة فيه، ولها دور في تنامي شخصيته وتطورها، وفي تنامي الأحداث وتطورها أيضا، لتكون شخصية عبد المالك هي الثالثة وبعدها شخصية نادية الزوجة التي من أجلها ضحى عبد الله بصحته ووقته، وخاطر لنيل رضاها.
أما باقي الشخصيات فثانوية؛ دورها باهت، فالأبوان لا يقومان سوى باستقبال ابنهما لدى عودته، وتقديم بعض المساعدات له، كما أن أبها نادية سيقدم نصائح لا أثر لها في سير وتطور الأحداث، وفي حياة عبد الله. أما صاحب المقهى فالحديث عنه كان من أجل الحديث عن المقهى وما عرفته ومدينة طنجة من تغيرات جعلتها تشهد انحدارا قيميا. وبالنسبة لباقي أفراد العصابة فلم تكن في مستوى دورها، إذ لم نجد شرها، وخبثها، وأفعالها الشريرة في التهريب وإسكات كل من يهدد تجارتها؛ وما احتياطات عبد المالك منها إلا من نوع الهوس، فلا توجد مؤشرات دالة على ذلك، ونتاف الكلام غير مقنع.
ما يلفت الانتباه بالنسبة لشخصية عبد الله، أنها شخصية غير متوازنة، تعيش حالة من الاضطراب، وعدم القدرة على اتخاذ القرار المناسب، سوى في مناسبة حديثه مع نادية، حيث كان جريئا ومبادرا، أما في باقي النص، فكان سلبيا، طيعا، ينساق وراء ما يقدم له، ويستجيب لما يطلب منه. شخصية تتنازعها الرغبات، وهذا سر حضور الحوار الداخلي الذي يجلي صراعها النفسي. وكأن النهاية السعيدة، جاءت لتضع حدا لتذبذبها، ولتخلصها من اضطراباتها النفسية، ولتعيد إليها توازنها المفقود، صحبة نادية التي ملأت حياتها حبا ساميا.
وعلى ذكر الحوار الداخلي، نجد أنه يوظف في اللحظات الحاسمة؛ لحظات التفكير في اتخاذ القرار الفصل، يأتي ليوضح ما تعانيه الشخصية من انفعالات، ورغبات متناقضة ومتضادة، ص 123 وما يليها.
وقد برز هذا الحوار في بعض محطات حياة كل من عبد الله، وعائشة؛ إلا أن ما يلاحظ هو التشابه الكبير بين موقفيهما، يجعل القارئ يتساءل إن كانا شخصية واحدة، فالأكيد أن عائشة، لا يمنحها مستواها التعليمي، فرصة طرح الأسئلة الوجودية العميقة، ص 138، بالنسبة لعائشة، و ص125 بالنسبة لعبد الله.

واضح أن الرواية ذات نفس تشويقي باعتمادها المغامرة والحب في تركيبة ذكية لجذب انتباه القارئ، بلغة واضحة شابتها بعض الأخطاء، لكنها تظل، كمحاولة أولى، طيبة.