بسم الله و الحمد لله و سلام الله على الأحبة الكرام...



صحيفــــــة

دخل تلميد على أستاذ و هو في عز تصحيح بعض الفروض...فنظر إليه خيفة و حاول الخروج...فنادى عليه الأستاذ طالبا منه أن يرتب له بعض الأوراق على المكتب...تقدم الطالب و كله حيوية …فسأله الأستاذ:هل أنت من طلبتي...فرد عليه و قد احمر وجهه...لا يا أستاذ...لم يحصل لي شرف القراءة بعد...فتوقف الأستاذ عن النظر في الأوراق و تفحصه مليا...ألست بطالب في صفي هذا...؟فرد عليه: لا يا أستاذ...فسأله من جديد: و ماذا تفعل هنا...؟قال و الابتسامة تعلو محياه:كنت أطمع في كرمك حتى تصحح لي بعض الأجوبة لبعض الأسئلة التي قمت بكتابتها في حصة سابقة لطلبة هذا القسم...فحين مررت في الأسبوع الماضي بجانب قسمك هذا ،و كانت الأسئلة لا زالت موجودة على السبورة...راودتني نفسي أن أحاول الإجابة عنها...لحظتها طلب الأستاذ منه أن يرى الإجابات...فأخرج من تحته حزمة من الأوراق و ناولها إياه و هوبين احمرار و اصفرار...فطمأنه الأستاذ و ضرب له موعدا ريثما ينظر فيها على أمل أن يعيدها إليه في المساء...رتب الطالب الأوراق على المكتبة و خرج و هو يدعو للأستاذ بالصحة و العافية و طول العمر...في تلك اللحظة نظر الأستاذ في الأوراق التي ناولها إياه...و بدأ بقراءتها فبدت على وجهه علامات الدهشة و الحيرة و الإعجاب...ركن الأوراق في محفظته و ظل يتسائل حول جملة ألقى به الطالب على مسامعه...»لم يحصل لي شرقف القراءة بعد...»...فحاول أن يتذكر ملامح الطفل و أخرج من حقيبته بعض الملفات لينظر في صور الطلبة الذين يدرسون في قسمه...فلم يجد بينهم صورته...فتذكر قصة ابن حارس المدرسة الذي لم تسعفه الظروف لكي يعلم أولاده كلهم و كان من بينهم من كان شغوفا بالقراءة فتعلم من بعيد ...تبسم ضاحكا و قال لابد من مساعدة هذا الطالب حتى يصل إلى مبتغاه...و مع ذلك لم يحضر الطالب في المساء...و ظل الأستاذ ينتظره حتى غابت الشمس...فقال ربما سيأتي غدا لكي يرى نتيجة عمله...و توالى الغد و بعد الغد و هو يقرأ في أوراقه من حين لآخر...و في ليلة بعدما خلص من انشغالاته، أعاد قراءة أوراق الطالب للمرة المائة ثم أعادها إلى درج المكتب...أخذته سنة من النوم فرآى فيما يرى النائم أن الطفل أصبح شيخا عجوزا يدعوه ليعيد قراءة كتابه و علاقته مع الطلبة الذين لم يسعفهم الحظ ليكونوا من الأوائل أو أولائك الذين يعيشون ظروفا صعبة نتيجة أوضاع اقتصادية و ظروف مادية صعبة... و أن يكون في مستوى الرسالة التي يؤدي و الأمانة التي رفضت السماوات و الأرض و الجبال أن يحملنها و حملها الإنسان...و بينما هو كذلك في غمرة الحلم فإذا بالهاتف يرن على المكتب فأيقظه من غفوته...رفع الهاتف و ألقى السلام و لم يجبه احد...ظل يردد السلام و لا من مجيب...فقفل السماعة و قال ربما كان الرقم خطأ لكنه ظل يتسائل من يكون هذا المنادي…و من كان ذاك الطالب... ؟