نظرت إلي بعينين ذابلتين رغم الكحل الذي يزينهما، وقد أكلهما الحزن دون أن تسقط دمعة واحدة، وقالت لي بصوت مجروح:
لقد خذلني!
شعرت بقولها خنجرا يقطع أوصال مشاعري، شعرت بعجز مطلق، فلم أجد ما أطيب به خاطرها سوى:
الأمل في الله..
ردت: الرجا فالله سبحانه.
أسبلتهما، اتكأت على جنبها وراحت في نومة طويلة.
لم تهتم بشعرها المصفوف، ولا بجمال وجهها الذي أضاف إليه الماكياج لمعانا؛ هي الفاتنة ممشوقة القد.
كانت أختها تنظر إليها بحزن، تكاد تلطم خديها على وضعها، نفرت من عينيها دموع حارة. قلت لها: لا تفارقيها، أرجوك، كوني لها السند...
كانت قد قدمت من صالة التزيين مفعمة بالحيوية والنشاط، ممتلئة حبورا وفرحة، كما عهدتها؛ هي التي كانت الابتسامة لا تفارق محياها، توزعها بسخاء على الجميع فتنبت في القلوب بساتين فرحة، كانت متفتحة حتى ظن بها البعض الظنون. فصيدا سهلا، وخاب فخه، فصار كالقط حين رآة نأي القديد عن مخالبه، وظنها آخر، أو هكذا تمناها: زنديقة ينبغي رميها بالسوء، وطاش سهمه إلى نحره.
والحق أنها كانت تمتلك قلبا طاهرا ونقيا وضعته بداخلها، واقفلت عليه قفصها الصدري، وأقسمت ألا تهبه إلا لمن يستحقه، وترضى عنه. وما اهتمت بمرور الزمن، إذ كانت به تزداد جمالا وفتنة.
ما كان عليه أن يخذلها؛ لقد ضيع على نفسه حبا عظيما، وجوهرة نادرة، كانت ستجعله يذوق معنى السعادة فعلا، كانت ستحميه برموش عينيها، وتحرص على رضاه بكل ما أوتيت من حب، لكنه ضيع نفسه وضيعها، فخذلانه كان بمثابة رصاصة الرحمة.
في الصباح، وأنا مار بحييها، وجدت منزلها غارقا في صمت القبور؛ هو الذي كان يلقي على المكان الحيوية، وينشر بين جنباته السعادة. صار محاطا بغلالة من حزن عميق، دققت النظر لأكتشف أنه آيل للسقوط، أمر عجيب، لم لم ألاحظ ذلك قبلا؟ ألأن العين كانت كليلة، أم لأن الحزن يمنح النظر حدة البصر؟، تابعت سيري كالمريض، ثم التفت لألقي عليه نظرة أخيرة، وتابعت سيري.