المجتمع المدني والمواطنة

الدكتور عادل عامر

الملخص: تناولت هذه الدراسة موضوعا حيويا جديدا، لم يطرق من سابق – في مجتمع الدراسة – سواء بالبحث او المعالجة.
لذلك يأتي المجتمع المدني تدعيم قيم المواطنة، وإرساء ثقافة الحقوق والواجبات، وتعميق مبادئ المساواة والحرية والعدالة والشفافية والمساءلة وكشف الفساد، وغير ذلك من مؤشرات الحكم الرشيد، ويرتبط بذلك الدور ضرورة ضمان الدولة للحريات والحقوق الأساسية للمواطنين واستمراها في صمودها ضد التحديات المختلفة التي تواجها داخلية وخارجية.
إذ لا دولة مدنية بدون مواطنة كاملة تمارس كل حقوقها وتقوم بكل واجباتها الوطنية، كما أنه لا مواطنة مستديمة بدون دولة مدنية تسن القوانين التي تحمي مفهوم المواطنة ومتطلباته، وترفده بالمزيد من الآفاق وأدوات الفعالية المجتمعية كالحوار والتسامح وحرية التعبير وحقوق الإنسان، فقد تناول موضوع الدراسة المجتمع المدني والمواطنة
وعلية ري الباحث اهمية تناول هذا الموضوع بوصفة إحدى الازمات المحلية والاقليمية والدولية التي يواجها المجتمع الدولي والمحلي والإقليمي. وفي هذا السياق تتجه الدراسة إلى التعرف على مدى فعالية منظمات أو مؤسسات المجتمع المدني ودورها في دفع عجلة الانتماء والمواطنة كما أن مجتمع المواطنة لا تتوقف فقط على القواعد والإجراءات التي يتبناها ويكفلها المجتمع بل أيضا على طريقة استخدام المواطنين للفرص.
إذا تتمحور الدراسة في توضيح واظهار بنية المجتمع المدني وإسهامات منظمات المجتمع المدني في تدشين عملية الانتماء والولاء وترسيخ مبدئ المواطنة، وكذلك معرفة تأثير الإطار الدولي للمجتمع المدني العالمي وتأثيره على المجتمع المدني في مصر.
فماذا نعني بالمواطنة؟ وما هي أبرز أسسها؟ وكيف تبلورت كنسق اجتماعي وسياسي بالعالم الغربي؟ برزت الإرهاصات الأولية لمفهوم المواطنة مع بروز دولة المدينة اليونانية؛ حيث يشارك المواطن في وضع قواعد المدينة الأمر الذي يترتب عنه أولويات؛ فالحقوق والواجبات تمنحه حق المواطنة
اذ تم تسليط الضوء على أن المسؤولية الأولى لغرس روح المواطنة داخل المجتمع هي مسؤولية الدولة وذلك من خلال تأمين المناخ الديمقراطي المناسب لتطبيق مفهوم المواطنة وتليها مسؤولية منظمات المجتمع المدني بعد أن يتم إطلاق يدها في توعية وتثقيف المواطن ثقافياً واجتماعيا وإنسانياً، فيرتبط المواطن بعلاقة مزدوجة بينه وبين المجتمع وبينه وبين الدولة، وعلية بنيت نتائج الدراسة: فالمواطنة هي أساس العلاقة بين الفرد والدولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من حقوق وواجبات واساس استمراره ونهوضه. وعليه فقد أصبحت المواطنة بمثابة آلية فعلية للحد من الصراعات الأثنية، والعرقية، والاجتماعية، على قاعدة مبدأي عدم التمييز والمساواة، فأصبح من غير الغريب أن تجد مجتمعاً متعدد الأعراق والأصول كفئة موحدة وفق منظومة من البنى القانونية، والمفاهيم الاجتماعية والقيمية التي تشترط عدم التمييز والمساواة في الحقوق والواجبات؛ وقد أدى هذا إلى إنهاء مفهوم العنصرية الذي أصبح مفهوماً مثيراً للاشمئزاز للإنسان،
وأظهرت الدراسة: ان واقعنا العربي يشير الباحث إلى أن اتساع الفجوة بين واقع الأمة يجب ضرورة الاتفاق بين جميع الدول العربية على مفهوم الدولة الوطنية، وأن القوات المسلحة والشرطة في كل البلدان العربية، لا ترعى الأنظمة ولكن ترعى المواطنين وتمكنهم من الحرية والتملك داخل وطنهم.
من يريد أن يقيم شرعا، يجب أن يقيم الدولة الوطنية أولا”. التزمت الدولة بسياسات تنموية ليبرالية جديدة، تقوم على مبادئ التقشف في الإنفاق العام، والتخلي عن الدور الاجتماعي لصالح المجتمع المدني، وتبني انفتاح السوق، وعدم التدخل فيه سواء بتحديد الأسعار أو تحديد نوعية الإنتاج، لكن ذاك يظلُّ طموحاً نظرياً بعيداً عن التحقق الفعلي، ما لم يُدرك الباحث أننا بصدد الحديث عن انحسار النموذج الليبيرالي الغربي وانخفاض درجة قبوله في معظم الدول النامية، في مقابل بروز نماذج محلية وبديلة في هذه الدول، ما يعكس جزئياً علاقات القوة والحقائق العالمية.
بناء الدولة بين الثابت والمتغير؛ طَرحت هذه الثنائية أسئلة مُزمنة ظلّت عالقةً إلى اليوم على الأصعدة التالية: السيادة، القانون الدولي، مبدأ عدم التدخل، إعادة تصميم قدرات الدولة ووظائفها، حافز البناء، إلخ. للوصول إلى المفهوم الحقيقي لبناء الدولة، ينبغي تتبع هذا المفهوم نظرياً وواقعياً في خضم التغيرات الراهنة. إذن، ما هو التطور النظري والمنهجي لبناء الدولة حسب علماء السياسة المقارنة؟
وما هو البديل المنهجي الذي طرحته النظرية السياسية المعاصرة كمقاربة لمعالجة الظاهرة؟ وخلصت الدراسة: -الي تحديد إن الواجب يستلزم من الأفراد الدفاع عن وطنهم الخاص؛ وهنا تكمن قاعدة السلوك المنظمة لنشاط الأفراد الأخلاقية بحيث تحضر الواجبات والقوانين التي يعرفها كل الأفراد فإذا أردنا القيام بفعل ما، لا يجب أن ينحصر فعلنا في إرادة الخير فقط، بل لابد أيضا من معرفة طبيعة ذلك الخير.
أن العقد السياسي يتضمن الأطر الثابتة التي ستحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وهي المبنية على الأسس الديمقراطية والحقوق الفردية والثقافة الليبرالية، ففكرة استخدام هذا العقد لتبرير أعمال تتنافى والمبادئ الليبرالية أصبح لا مجال لها اليوم في عالم السياسة، وبالتالي فالتنازل هنا مبني على فلسفة حكم الأغلبية المرتبطة بالحقوق الفردية كأساس للحقوق الجماعية، مع ضرورة مراعاة ألا يتم التفاوض مع المواطن أو المجتمع ومقايضتهما للتنازل عن الحقوق مقابل فكرة الأمن الفردي أو صيانة أمن المجتمع من خلال خفض أسقف هذه الحقوق أو إبطالها. قد يرى البعض أن المجتمعات ليست بحاجة لعقد سياسي لأن العقد الاجتماعي موجود، ولكن نظرا لأهمية الفكر السياسي في صناعة الشرعية لأي نظام، فإن فكرة العقد السياسي أصبحت ضرورة ملحة للدول المتحولة نحو الديمقراطية حتى يكون العقد النظري بين المواطن والدولة له شكله وقواعده وبنوده القانونية التي يجب أن لا تتغير تحت وطأة الظروف الاستثنائية، إذ إن الاستثناء في الديمقراطية هو القاعدة المؤدية للديكتاتورية.
إن الثورات العربية ما هي إلا إعلان عن (سقوط العقد الاجتماعي الذي كان قائم بين المواطنين ودولهم) وبالنظر إلى الوضع في مصر حاليا، فإن هناك نظاما جديدا، أعلن منذ إسناد مقاليد الحكم إليه أنه يستهدف بناء دولة جديدة، وتحقيق تنمية شاملة، كما أعلن أنه يستهدف استعادة واستنهاض الدور الإقليمي للقاهرة، وهى أهداف يتطلب تحقيقها من بين ما يتطلب، استنهاض كل أدوات القوة والتأثير لدى الدولة المصرية، مع ملاحظة أن عبئا جديدا يضاف على الدولة الجديدة، ويتمثل في أنها تحتاج إلى استنهاض قواها الناعمة في النفاذ إلى مواطنيها أولا، لاستعادة العلاقة والروابط والتماسك بين الدولة ومواطنيها،
مشكلة الدراسة: -
وتنطلق مشكلة الدراسة ان مفهوم المواطنة فإن هذه المنظمات فقد كان لها دورا إيجابيا في الحفاظ علي الدولة المدنية وتفعيل دور الانتماء والولاء وترسيخ مفهوم المواطنة للمحافظة علي الدولة الوطنية وصمودها في مواجهة التحديات التي واجتها محليا وعامليا مما ادي الي رسوخ الدولة وصمودها.
ومن ثم فان اهمية الدراسة الراهنة تكمن في انها تسلط الضوء على موضوع يعد من اهم المواضيع التي تغيب عن الباحثين على المستوي الدولي والمحلي والاقليمي، هل هناك تعارض في المصالح أم تبادل في الأدوار أم استراتيجيات للتعايش؟ هل تخترق علاقات القرابة والروابط الجهوية والمصالح الفئوية منظمات المجتمع المدني، وهل تؤثر في نوع المطالب وأشكال الاحتجاج؟ هل قطعت هذه المنظمات مع زبونيه الإدارة والتسيير والولاءات والتكتلات الفئوية؟ ومن ثم فان الدراسة الراهنة: قد حاولت الدراسة الإجابة على العديد من التساؤلات المتعلقة بمؤسسات المجتمع المدني في عملية الصمود والترسيخ، والعوامل التي يمكن أن تؤثر في تفعيل أو إعاقة دور هذه المنظمات.
لقد حظي مصطلح المجتمع المدني خاصة مع نهاية القرن العشرين بأهمية كبيرة، فقد تناول الدارسون هذا المفهوم من أبعاد مختلفة وربطوه بمتغيرات مختلفة أيضا، وهو شأن هذه الدراسة التي ربطت المجتمع المدني بالمواطنة وحاولت البحث في الواقع والمعوقات من خلال محاولة الإجابة على إشكالية مفادها: ما هو واقع ومعوقات المجتمع المدني التي تحول دون تمتع الفرد بصفة المواطنة؟
اهداف الدراسة: -
1- تفعيل مفهوم المواطنة التي تعني الانتماء إلى بلد ما، وإلى شعب يقطن في هذا البلد، وبالمفهوم الواسع هي العلاقة القائمة بين المواطن والوطن، والصلة بين الفرد والدولة التي يقيم فيها بشكل ثابت ويحمل جنسيتها.
2- هذا المفهوم قد عرف تغييرات جوهرية في مضمونه واستخدامه، فلم يعد فقط يجسد العلاقة بين الفرد والدولة في شقها السياسي والقانوني، بل أمسى الاهتمام بمفهوم "المواطنة" يطغى على كل مناحي الحياة المجتمعية محتلا بشكل تدريجي مفهوم "الدولة" مع نهاية الثمانينيات.
3- هل للمجتمع المدني دور اجتماعي في نشر القيم الأخلاقية والتربوية من خلال إشاعة روح التسامح والشفافية وقبول المحاسبة والقبول بالرأي الآخر والالتزام بأخلاقيات الحوار؟ ما مدى إسهام الثقافة المدنية في نشر وإشاعة ونقل قيم التغيير والمشاركة والتداول؟
فرضيات الدراسة: -
تنطلق الدراسة الراهنة من فرضية رئيسية هي: هل المواطنة بحاجة إلى قانون لحمايتها وتطبيقها أم أنها بحاجة إلى وعي وإدراك وإرادة احترام المواطنة التي لا يكاد يخلو أي قانون من أحد مبادئها ؟؟؟
ومنها الفرضيات الفرعية الاتية:
1- الفرضية الاولي: لا شك أن المواطنة هي وعي وثقافة وممارسة قبل أن تكون نصوصاً ومواد قانونية، فهي ثقافة ممارسة الحقوق وأداء الواجبات التي كفلها الدستور والقانون بمعنى حرص المواطن على القيام بسلوكيات واجباته، والمشاركة الواعية والفاعلة في بناء الإطار الاجتماعي والسياسي والثقافي لدولته، وذلك بالتعبير عن رأيه والمشاركة في العمل العام كاستخراج البطاقة الانتخابية والتصويت في الانتخابات والاستفتاءات العامة، والانضمام إلى الأحزاب والاتحادات العامة والنقابات والعمل التطوعي والأهلي والدفاع عن حقوق الإنسان.
2- الفرضية الثاني: من المسؤول عن نشر هذا الوعي وتعزيز هذه الثقافة ؟؟؟
منهجية الدراسة: -
وقد اعتمدت الدراسة في التحليل على المنهج المؤسسي ومنهج تحليل النظم. وقد تم استخدام منهج تحليل النظم لأنه يعد منهجاً صالحاً للتطبيق على هذه الدراسة حيث أن الدراسة تناولت الأبعاد الخاصة ببيئة النظام المدني المصري وأثر ذلك على دور المجتمع المدني في مشاركة المجتمع المدني في بنيان الدولة المصرية والمحافظة عليها وتفعيل دور البيئة الثقافية والعرف العام التي بني علي مفاهيم راسخة وهي الوحدة الوطنية والمواطنة.
أما المنهج المؤسسي فقد تم استخدامه في هذه الدراسة لمعرفة قدرة مؤسسات المجتمع المدني ودورها في بنيان المجتمع المدني وترسيخه.
من الاهمية بمكان ان تستند البحوث والدراسات الي القواعد النظرية العلمية التي تساعد الباحث علي توجيه بحثه الي الاسباب التوضيحية والعوامل المفسرة ل (موضوع البحث) كما هي في دراستنا الراهنة
يمكن القول إن: -وبهذا الحضور تختفي الكثير من الولاءات الثانوية التي تلغي مفهوم المواطنة، فكلما توفرت مواقف سياسية وتشريعات قانونية للدولة تنبذ التباين والتمييز بين أبناء الوطن على أسس طائفية وقومية وتحقق العدالة والمساواة أمام القانون، كلما زاد الولاء للوطن ونمت روح المواطنة بين مكونات المجتمع المختلفة.
ولا يكتمل مفهوم المواطنة إلا بنشوء دولة الإنسان، الدولة المدنية التي تمارس الحياد الايجابي تجاه القناعات والمعتقدات، بمعنى أن لا تمارس الإقصاء والتهميش والتمييز تجاه مواطن بسبب معتقداته أو أصوله أو رأيه، الطريق إلى استنهاض أدوات القوة الناعمة المصرية واستعادة تأثيرها ونفوذها في محيط البلاد الإقليمي والعربي، بل وحتى لدى فئات داخل البلاد ليس ممهدا، فهناك تحديات كثيرة على الطريق، ومتغيرات عدة يجب على الدولة المصرية الاعتراف بها، والمبادرة إلى ابتكار طرق للتعامل معها، وعلى رأس ذلك تراجع مستوى كثير مما كانت تملكه مصر من أدوات وخاصة في مجالات الإعلام والفن،
فالريادة التي حظي بها الفن المصري على سبيل المثال، لعقوده عدة باتت تواجه منافسة لصالح بلاد أخرى، والمكانة الثقافية التي حافظت مصر عليها منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى سبعينيات القرن الماضي كل ذلك لا يمكن تجاهله، ولا بد من مواجهته إذا كان مقدراً لجهود الإصلاح الراهنة أن تنجح، وبعض مما نواجهه الآن واجهته دول قبلنا.
فالصورة السلبية للصين كدولة شيوعية فقيرة متعصبة ومنعزلة تهدد كل من حولها، تغيرت كثيراً بفعل الانطلاقة الاقتصادية الكبرى من ناحية، وأن الصين الآن، وليس أميركا، هي التي تتبنى «العولمة» وتدافع عنها. الهند كانت سلة من التخلف والفقر، ولكن الثورة الاقتصادية الرقمية دفعتها كثيراً إلى الأمام. روسيا بعد انهيارها الكوني استعادت كثيراً من الاحترام والمهابة باستخدامها للقوة في أوكرانيا وسوريا؛
إنقاذ السمعة العربية جزء من عملية الإصلاح الحالية، ويتفاعل معها، ولكن ربما ينقصه القدرة على التواصل والاتصال، وباختصار: الرسالة التي ينبغي أن تكون واضحة ونقية من الضوضاء والتلعثم، وحازمة في توجهاتها الإنسانية، ونائية عن ثقافة المؤامرة، ومتداخلة مع الجهود البشرية لإنقاذ الدنيا من أمراضها، من أول الفقر وحتى الاحتباس الحراري.
باختصار: أن يكون العرب جزءاً من العصر، وليسوا جملة اعتراضية عليه؛ ولا يعني ذلك بأي معنى ألا يصير العرب عرباً، فربما كان ما لديهم من حضارة أصيلة هو أهم ما يقدمونه للدنيا.
المقدمة: -
يعتبر مفهوم أو مبدأ المواطنة من المفاهيم الأساسية التي أثرت بشكل كبير في الفكر الليبرالي منذ تبلوره في القرن السابع عشر باعتبارها نسقا متكاملا للأفكار والقيم ليتم إعمال هذا المفهوم في المجالين الاقتصادي والسياسي؛ بحيث سيتمخض عنه آثار إيجابية بدت واضحة على المستويين الاجتماعي والسياسي الغربي؛ بل إن هذا المفهوم سيصبح بمثابة مفهوم مفتاح يتعذر فهم الليبرالية وجوهرها دون الإحاطة بأبعاده المختلفة وتطوراته الحادثة المستجدة، حيث يستبطن بداخله تصورات الفرد، الجماعة، الرابطة السياسية، وظيفة الدولة والقيم الإنسانية. وبقدر ما أصبح هذا المفهوم مفهوما حيا ومتحركا في إطار صيرورة تاريخية مستمرة بقدر ما أثار صعوبة واضحة في إيجاد تعريف مانع وجامع. [1].
ومع أن هذا الشكل من المواطنة اقتصر على فئات اجتماعية دون غيرها إلا أنه تضمن إقرار حق المشاركة السياسية الفعالة لمن يتمتع بها، وصولا إلى تداول السلطة وتولي المناصب العامة؛ فقد ذهب أرسطو إلى أن الصلاحية لتولي وظائف المحلفين هي المعيار المميز لصفة المواطن، ليأخذ هذا المفهوم بعدا قانونيا في الفكر السياسي الروماني. أما رموز عصر التنوير أمثال هوبز، ولوك، وروسو، ومونتسكيو... فقد طرحوا تصورا آخر يقوم على العقد الاجتماعي ما بين المواطنين والحاكمين، وعلى آلية ديمقراطية تحكم العلاقة بين أطراف المجتمع وبين المواطنين أنفسهم بالاستناد إلى القانون ليتحول المواطن إلى ذات حقوقية وكينونة مستقلة، بعد أن كانت القبيلة أو العشيرة هي الإطار الذي ترتبط علاقاته بالآخرين بناءً على موازين القوى. ومع ظهور قوانين حقوق الإنسان كوثيقة حقوق الإنسان الفرنسية، وانتشار تلك المواثيق على المستوى الكوني، خاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في سمة 1948، وكذلك العهدين الحقوقيين الاقتصادي والاجتماعي والثقافي،
وكذلك السياسي والمدني، الصادرين عن الأمم المتحدة سنة 1966 أصبحت هناك قيم ومفاهيم ومعانٍ جديدة تستند إلى منطق المواطنة، وعدم التمييز والمساواة في كل التعاملات المجتمعية في نفس الدولة أو على الصعيد العالمي؛ فهناك حقوق للبشر أينما تواجدوا، تنظمها تلك المواثيق وتستند إلى التعامل بالتساوي مع أبناء البشر بغض النظر عن الدين، العرق، اللغة، الجنس، أو الأصل الاجتماعي....
إن هذا التوجه نجده حاضرا في الكثير من دساتير البلدان الوطنية حينما أشارت على أن الجميع سواء أمام القانون؛ ليصبح هذا الأخير هو الناظم المركزي للعلاقة ما بين المواطنين المتساوين الأحرار؛ بيد أن هذا المفهوم سيشهد تحولا نوعيا مع بروز النهج الليبرالي المتمركز حول فكرة الحرية الفردية والعقلانية
وتقوية مركز الفرد لتعرف المواطنة تطورا ديناميكيا تزامن مع تطور مسيرة النهج الليبرالي المرتكز حول خيارات الفرد المطلقة واعتباره مرجعا أساسيا للخيارات الحياتية والسياسية سواء تعلق الأمر بمجالات المجتمع المدني أو المجال العام.
ويكون مشاركاً في الحكم فيها ويخضع للقوانين الصادرة عنها ويتمتع بشكل متساو مع بقية المواطنين بمجموعة من الحقوق ويلتزم بأداء مجموعة من الواجبات تجاه هذه الدولة دون أي تمييز على أساس الدين أو الجنس أو الإقليم أو ادعاءات الأصل أو الثروة أو أي اعتبار آخر. ومفهوم المواطنة من المفاهيم الحضارية التي أنتجها التطور الفكري الحديث،
ولا يعني هذا المفهوم بأي حال من الأحوال إنكار الرابطة القومية أو الدينية أو المذهبية أو حتى الرابطة الطبقية أو الفئوية التي تجمع أغلبية أو بعض المواطنين في القطر الواحد، ولكن باختصار يعني تغليب الولاءات الفرعية أو الثانوية أو الضيقة لصالح ولاء أعلى وأعم وأشمل يتمثل بالدولة التي تعتبر أن المواطن هو الوحدة الأساسية للوطن، وأن قوة ارتباط الدولة بمواطنيها هي المعيار الحقيقي لقوة الدولة ووجودها.
اولا: -مفهوم المواطنـة
تعرف الموسوعة العربية العالمية المواطنة بأنها "اصطلاح يشير إلى الانتماء إلى أمة أو وطن". وفي قاموس علم الاجتماع تم تعريفها على أنها مكانة أو علاقة اجتماعية تقوم بين فرد طبيعي ومجتمع سياسي (دولة)، ومن خلال هذه العلاقة يقدم الطرف الأول الولاء، ويتولى الطرف الثاني الحماية، وتتحدد هذه العلاقة بين الفرد والدولة عن طريق القانون". وينظر إليها فتحي هلال وآخرون من منظور نفسي بأنها الشعور بالانتماء والولاء للوطن وللقيادة السياسية التي هي مصدر الإشباع للحاجات الأساسية وحماية الذات من الأخطار المصيرية".
لا ريب أن مفهوم ومبدأ المواطنة من نتاج التحولات المجتمعية السياسية المقترن بولادة الدولة الحديثة، وهو وان وكان قديماً ومعهوداً لدى العديد من الحضارات الإنسانية كما عند اليونان والرومان إلا أن صيغته المعاصرة قد خرجت عن نطاقها التقليدي إلى حق ثابت في الحياة السياسية والاجتماعية بين الدول ورعاياها، وبذلك يكون مفهومه وفروضه على النقيض حتى من الدول الملكية والأرستقراطية، فالمواطنة حصيلة ترسيخ مفهوم الدولة الحديثة وما تقوم عليه من سيادة لحكم القانون والمشاركة السياسية الكاملة في ظل دولة المؤسسات.
وبالرجوع إلى أهم المراجع التي تناولت المواطنة وبالتعريف كما في دائرة المعارف البريطانية وموسوعة الكتاب الدولي وموسوعة كولير الأمريكية يمكننا إجمال تعريف المواطنة بأنها: عضوية كاملة تنشأ من علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات كدفع الضرائب والدفاع عن البلد وبما تمنحه من حقوق كحق التصويت وحق تولي المناصب العامة في الدولة.
وعليه تكون المواطنة من اشد أنماط عضوية الفرد اكتمالاً في الدولة الحديثة، فهي هنا ليست صورة باهتة لانتساب صوري بين أفراد المجتمع بدولتهم المعينة بقدر ما هي كينونة لجنس العلاقة الرابطة بين الفرد ومن ثم المجتمع بدولتهم التي يستظلونها وينتمون إليها وهي على ذلك من مستلزمات الانتماء للمجموعة السياسية أو للدولة كوحدة سياسية متكاملة والتي تتألف من وطن (كإقليم جغرافي) وأمة (أو شعب) ونظام وسلطة.
ومثل هذا الانتماء يفرض حقوقاً ويستلزم واجبات كمنظومة متكاملة لا تعرف الفصل والتفكيك في أنظمتها واستحقاقاتها، انطلاقاً من هذه العضوية المسماة بالمواطنة في ظل الدولة المعاصرة والتي تكتسب بشكل عام في ظل الأنظمة القانونية الحديثة، على أساس الولادة في الدولة والانحدار من أبوين مواطنين والتجنس ويرى الكاتب عبد الكريم غلاب إلى أن المواطن يأخذ جذره من الوطن في أوسع معانيه الذي يمنحه الإقامة، الحماية التعليم، الاستشفاء، الحرية، حق الحكم والتوجيــه واستعمـــال الفكــر واليد واللسان.
ويرى بعض الباحثين أن المواطنة تعني من بين ما تعنيه الاعتراف الشرعي والدستوري بحق الفرد في المشاركة وإدارة البلاد وفي تقرير شؤونه ولعل ركائز المواطنة كافة تستند في عمقها إلى منظومة الحقوق والواجبات كأسس تنبثق عنه قيم المساواة ومنح الحريات وتطبيق العدالة. ومنظومة الحقوق والواجبات وان كانت أساسا جوهرياً في التشكيل الحديث للدولة إلا أنها منظومة قيمة إنسانية في حقيقتها قبل أي شيء أخر وما الدولة سوى ظاهرة إنسانية تسند إلى القواعد القيمية لكسب مشروعيتها وسلطتها الواقعية.
والمواطنة تتعدى العلاقات والروابط الاجتماعية الأخرى كالعشائرية والمذهبية والقومية والعرقية والاثنية والدينية. غير أن الفرد من حيث هو عضو في طائفة فهو موجود إذن في كيان يحيط به من جميع الجهات وهذه الاحاطة الشاملة المفروضة عليه بصفة كيا نية غير قابلة للنقاش. والمواطن هو ذلك الفرد الذي خرج من الدائرة البيولوجية ودخل الدائرة الاجتماعية بمحض إرادته وبوعيه الذاتي عليه الالتزام بمنظومة الحقوق والواجبات والوعي السياسي بهويته كمواطن والدور المنبثق عن المواطنة بوصفها العلاقة القانونية والشعورية بين الفرد والدولة والانخراط في عمل طوعي في إطار المجتمع المدني.
والمواطنة عضوية كاملة تنشأ من علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات كدفع الضرائب والدفاع عن البلد بما تمنحه من حقوق كحق التصويت وحق تولي المناصب العامة في الدولة.
وتصبح المواطنة أقرب إلى المفهوم الاجتماعي لحقوق المواطن وإنسانية تطابقاً يقترب معه من مدينة الفارابي حيث ينتشر الكمال وتشيع الطمأنينة وهناك مصطلحان هما الفرد والمواطن، أما الفرد فهو ذلك الكائن البيولوجي الذي يعيش في دائرة مغلقة قوامها الهم الحياتي الشخصي والعائلي الصغير أما المواطن فهو ذلك الفرد الذي خرج من الدائرة البيولوجية ودخل الدائرة الاجتماعية بمحض اراداته وبوعيه الذاتي.
وملخص القول في ذلك وفقاً لهذه التعاريف التي أوردناها هي
التعبير القانوني للمواطنة في القانون الدولي هي الجنسية وهي رابطة قانونية تربط شخصاً بدولة، فهي رابطة قانونية بين الشخص والدولة تترتب عليها حقوق والتزامات متبادلة بينهما وهي رابطة سياسية لأنها أداة لتوزيع الأفراد جغرافياً بين الدول وتجعل الشخص أحد أعضاء شعب الدولة.
فالشعب وهو ركن أساسي من أركان الدولة يتكون من مجموع الأفراد الذين يرتبطون في الدولة قانونياً وسياسياً برابطة الجنسية ويصبحون بموجبها وطنيين يتمتعون بالحقوق ويلتزمون بالواجبات ويختلف من جراء ذلك مركزه القانوني في الدولة عن المركز القانوني للأجانب، خاصة للتمتع بالحقوق السياسية وحق العمل وتملك العقارات وأداء الخدمة العسكرية.
أما التعريف الإسلامي للمواطنة فينطلق من خلال القواعد والأسس التي تنبني الإسلامية الإسلامية لعنصري المواطنة وهما الوطن والمواطن وبالتالي فإن الشريعة الإسلامية ترى أن المواطنة هي تعبير عن الصلة التي تربط بين المسلم كفرد وعناصر الأمة، وهي الأفراد المسلمين، والحاكم والإمام، وتُتوج هذه الصلات جميعاً الصلة التي تجمع بين المسلمين وحكامهم من جهة، وبين الأرض التي يقيمون عليها من جهة أخرى.
وبمعنى آخر فإن المواطنة هي تعبير عن طبيعة وجوهر الصلات القائمة بين دار الإسلام، وهي (وطن الإسلام) وبين من يقيمون على هذا الوطن أو هذه الدار من المسلمين وغيرهم.
ويؤكد ذلك القحطاني بقوله إنَّ مفهوم المواطنة من المنظور الإسلامي هي "مجموعة العلاقات والروابط والصلات التي تنشأ بين دار الإسلام وكل من يقطن هذه الدار سواء أكانوا مسلمين أم ذميين أم مستأمنين".
كما أن هناك مستويات للشعور بالمواطنة أوردها رضوان أبو الفتوح في النقاط التاليـة: 1 -شعور الفرد بالروابط المشتركة بينه وبين بقية أفراد الجماعة كالدم والجوار والموطن وطريقة الحياة بما فيها من عادات وتقاليد ونظم وقيم وعقائد ومهن وقوانين وغيرها.
2 -شعور الفرد باستمرار هذه الجماعة على مر العصور، وأنه مع جيله نتيجة للماضي وأنه وجيله بذرة المستقبل.
3 -شعور الفرد بالارتباط بالوطن وبالانتماء للجماعة، أي بارتباط مستقبله بمستقبلها وانعكاس كل ما يصيبها على نفسه، وكل ما يصيبه عليها.
4 -اندماج هذا الشعور في فكر واحد واتجاه واحد حركة واحدة.
ومعنى ذلك أن مصطلح المواطنة يستوعب وجود علاقة بين الدولة أو الوطن والمواطن وأنها تقوم على الكفاءة الاجتماعية والسياسية للفرد، كما تستلزم المواطنة الفاعلة توافر صفات أساسية في المواطن تجعل منه شخصية مؤثرة في الحياة العامة، والتأثير في الحياة العامة والقدرة على المشاركة في التشريع واتخاذ القرارات.
وإذا ربطنا مفهوم المواطنة بالديمقراطية نجد أن المواطنة ركيزة الديمقراطية، فلا يوجد مجتمع ديمقراطي، لا يعتمد في بنيانه على كل مواطن.
ثانيا: -مفهوم الوطنيـة
تعرف الموسوعة العربية العالمية الوطنية بأنها "تعبير قويم يعني حب الفرد وإخلاصه لوطنه الذي يشمل الانتماء إلى الأرض والناس والعادات والتقاليد والفخر بالتاريخ والتفاني في خدمة الوطن. ويوحي هذا المصطلح بالتوحد مع الأمة".
كما تعرف بأنها "الشعور الجمعي الذي يربط بين أبناء الجماعة ويملأ قلوبهم بحب الوطن والجماعة، والاستعداد لبذل أقصى الجهد في سبيل بنائها، والاستعداد للموت دفاعاً عنها".
أ/ المواطنة والوطنيـة
في تقديرنا أن الوطنية هي الإطار الفكري النظري للمواطنة. بمعنى أن الأولى عملية فكرية والأخرى ممارسة عملية.
والمواطنة "مفاعلة " أي مشاركة. وبهذا يكتمل ويتكامل معنى التجريد بالتجسيد. وقد يكون الإنسان مواطناً بحكم جنسيته أو مكان ولادته أو غيرها من الأسباب لكن التساؤل: هل لديه " وطنية " تجاه المكان الذي يعيش فيه؟ هل لديه انتماء وحب وعطاء... ذلك هو المعنى الذي نحن بصدد بحثه ودراسته وتجسيده.
يشير عدد من الباحثين بأن مفهوم الوطنية/المواطنة اصطلاح حديث. إلا أن المعنى الذي تستهدفه الوطنية قد تناولته من قبل أفكار الفلاسفة والمفكرين الاجتماعيين. ويذكر العلواني أن الاهتمام بهذا المصطلح قد نشأ مع ظهور الدولة الحديثة وحدودها الجغرافية والسياسية. ولفظ "مواطن" تعبير لم يظهر إلا بعد الثورة الفرنسية سنة(1789) م أما قبلها فالناس ملل وشعوب وقبائل لا يعتبر التراب -إلا تبعاً لشيء من ذلك-وسيلة من وسائل الارتباط (الغنوشي: 1989). والذي يبدو لنا من وجهة نظر خاصة أن الرسول كان أول من وضع المعنى الحقيقي لمفهوم المواطنة المسئولة والمحدودة بحدود وضعها الرسول على جنبات المدينة المنورة كعلامات تقع مسؤولية من أخل بداخلها تحت دائرة حكم الإسلام ومرجعيته، ويوضح ذلك دستور المدينة (صحيفة المدينة التي تعد مرجعية دستورية لسكان المدينة النبوية).
وتعرض بنود صحيفة المدنية (47 بنداً) مبادئ مهمة لفكرة المواطنة، حيث نصت على تكوين مفهوم الوطنية/المواطنة واحترام حقوق وواجبات كل من سكن المدينة مسلماً كان أو غير مسلم. إضافة إلى تحديد النطاق الجغرافي الذي يحاسب عليه أي إنسان اقترف جرماً داخل ما يسمى بجوف المدينة كما في البند رقم (39 -44).
كما تؤكد الصحيفة مفهوم النصرة المتبادلة بين سكان المدينة مسلمين وغيرهم كما في البند (16 – 37)، وتعرض الصحيفة في مواضع مختلفة أن الاحتكام حين التشاجر والاختلاف هو لله ورسوله (بند23 – 42) مما يعني تأكيد السيادة الشرعية.
وتتعدد مفاهيم الوطنية وتعريفاتها فمنها ما يحمل معنى عاطفياً وانتماءً وجدانياً للمكان الذي ألفه الإنسان، ومنها ما يحمل معنى فكرياً يفضَّل فيه المكان على شريعة الرحمن ومنها ما يؤسس لمعنى قانوني يعبر عن واجبات المواطن وحقوقه تجاه وطنه. ويعرض الزيدي (1417ه) لعدد من التعريفات منها أن الوطنية تعني "العاطفة التي أجله. آن ولاء الإنسان لبلده".
والوطنية عند آخرين تعني "تقديس الوطن وتقديمه في الحب والكره بل والقتال من أجله. حتى تحل الرابطة الوطنية محل الرابطة الدينية " والوطنية في معناها القانوني الحديث تعني "انتماء الإنسان إلى دولة معينة يحمل جنسيتها ويدين بالولاء لها". وتعرِّف الموسوعة العربية العالمية" الوطنية بأنها تعبير قومي يعني حب الشخص وإخلاصه لوطنه.
ويستخلص الحسان (1995) تعريفاً للمواطنة بأنها "عبارة عن مجموع من الحقوق والواجبات يتمتع ويلتزم بها في الوقت ذاته كل طرف من أطراف هذه العلاقة".
ويرى هويدي (1995) بأن المواطنة: "تعبير عن جوهر الصِّلات القائمة بين دار الإسلام وبين من يقيمون في هذه الدار من مسلمين وذميين مستأمنين" (الحسان،1995). ويضمِّن عدد من الكتاب (الحقيل 1417، والشيخ،1420) مفهوم المواطنة أصول مفاهيم الإسلام حيث تستوجب عدم الإشراك بالله!! والتحلي بالصبر والصدق. الخ وهي على حد تعبير ابن الشيخ "ذلك الإنسان الذي يتحلى بصفات العقيدة الإسلامية!!. وفي الموسوعة السياسية (1990) المواطنة هي "صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات التي يفرضها عليه انتماؤه إلى الوطن.
وتتراوح طروحات الوطنية/المواطنة في منظور الغربيين وفلسفاتهم بين رؤى تختصر العلاقة بين الفرد ودولته إلى أدنى درجة ممكنة وبين أخرى ترى أن الفرد لا يعني شيئاً أمام دولته، ففي الأولى لم توجد الدولة إلا من أجل الفرد وفي الأخرى لم يوجد الفرد إلا لخدمة دولته.
ويعتمد منظرو فلسفة المذهب الفردي أمثال "جون لوك" و"جان جاك روسو" على أساس الاعتراف بحقوق الإنسان وحرياته العامة باعتبار هما حقوقاً طبيعية لكل فرد وليست مكتسبة، ومهمة الدولة احترام وضمان تلك الحقوق.
وإذا كان المذهب الفردي يتجه إلى المساواة النظرية بين أفراده فإن الواقع الفعلي يؤكد عدم تساوي الأفراد في ظروفهم وقدراتهم وبالتالي فإن "البقاء للأصلح" كمبدأ يتبناه هذا الاتجاه لا يتفـق مع القيم الإنسانية والشرائع السماوية بل ويهدم حقيقة المواطنة الحقة التي هي مقصد هذا البحث، ذلك أن هذا التوجه الفكري يرسخ سلبية الانتماء للمجموع (الوطن)
وبالتالي يعزز الأنانية ويعمق الفصل بين الأفراد ودولتهم. وفي مقابل الجدل القائم لضمان مجتمع آمن ومستقر من خلال مواطنة عادلة ومسئولة، يطرح المذهب الاشتراكي أنه لا معنى للحرية الفردية في ظل صراع المصالح الخاصة للطبقة الرأسمالية وما جدوى الحرية المضمونة بالدستور إذا كان الإنسان لا يجد الحماية من المخاطر والابتزاز بل وما فائدة حرية العمل إذا كان المواطن يترك فريسة للبطالة مما يضطره إلى التنازل عن حريته وكرامته ليواجه شروطاً حياتية صعبة.
وإلى هنا يتبين من خلال هذه الجولة المختصرة لمفهوم الوطنية مدى تباين المفاهيم وسعة الاختلاف فيما بينها (رفضاً وقبولاً) مما يؤكد الحاجة إلى طرحها للنقاش للوصول إلى فهم أكثر عمقاَ وواقعية علمية ذلك أن هناك من يتحدث عن المفهوم – كما تبين-ويخلط بينه وبين مفاهيم العقيدة والشريعة الإسلامية ومنهم من يجعله عقيدة في ذاته إلى غير ذلك مما سبق طرحه. والملا حظ المهم إزاء ذلك كله أن هناك من يتحدث دون تخصص من جهة ويلغي من حساباته أحياناً اختلاف البلاد وأنظمتها وسياساتها وخصوصياتها من جهة واختلاف استخدام المفاهيم والمصطلحات العلمية وما يترتب عليه من جهة أخرى.
ولبيان الفرق بين مفهوم المواطنة والوطنية يجب إدراج مفهوم آخر لا يقل أهمية عن المفهومين السابقين وهو مفهوم التربية الوطنية الذي يشير إلى ذلك الجانب من التربية الذي يشعر الفرد بصفة المواطنة ويحققها فيه، والتأكيد عليها إلى أن تتحول إلى صفة الوطنية، ذلك أن سعادة الفرد ونجاحه، وتقدم الجماعة ورقيها لا يأتي من الشعور والعاطفة إذا لم يقترن ذلك بالعمل الإيجابي الذي يقوم على المعرفة بحقائق الأمور والفكر الناقد لمواجهة المواقف ومعالجة المشكلات، فبهذا الجانب العملي تحصل النتائج المادية التي تعود على الفرد بالنفع والارتياح والسعادة، وعلى الجماعة بالتقدم والرقي.
ومعنى ذلك أن صفة الوطنية أكثر عمقاً من صفة المواطنة أو أنها أعلى درجات المواطنة، فالفرد يكتسب صفة المواطنة بمجرد انتسابه إلى جماعة أو لدولة معينة، ولكنه لا يكتسب صفة الوطنية إلا بالعمل والفعل لصالح هذه الجماعة أو الدولة وتصبح المصلحة العامة لديه أهم من مصلحته الخاصة.
وقد أشار عبد التواب إلى أن الحديث عن المواطنة والوطنية يختلف عن الحديث عن الانتماء والولاء، فأحد هما جزء من الآخر أو مكمِّل له. فالانتماء مفهوم أضيق في معناه من الولاء، والولاء في مفهومه الواسع يتضمن الانتماء، فلن يحب الفرد وطنه ويعمل على نصرته والتضحية من أجله إلا إذا كان هناك ما يربطه به، أما الانتماء فقد لا يتضمن بالضرورة الولاء، فقد ينتمي الفرد إلى وطن معين ولكنه يحجم عن العطاء والتضحية من أجله.
ولذلك فالولاء والانتماء قد يمتزجان معاً حتى أنه يصعب الفصل بينها، والولاء هو صدق الانتماء، وكذلك الوطنية فهي الجانب الفعلي أو الحقيقي للمواطنة. والولاء لا يولد مع الإنسان وإنما يكتسبه من مجتمعه ولذلك فهو يخضع لعملية التعلم فالفرد يكتسب الولاء "الوطني "من بيته أولاً ثم من مدرسته ثم من مجتمعه بأكمله حتى يشعر الفرد بأنه جزء من كل.
ب/المواطنة والوطنية
ما أبعد الشقة بين الكلام والعمل وما أبعد المسافة بين النصوص والواقع، وعلى أي حال فهذه سمة من سمات التخلف، أن يكون الكلام والنصوص في ناحية والعمل والواقع في ناحية، الحقوق بعيدة كل البعد ومختلفة كل الاختلاف.
ما الذي نعنيه عندما نتحدث عن المواطنة؟
نعني أن الرابطة في الدولة الحديثة بين الدولة والشعب، هي رابطة تقوم على علاقة الجنسية، فكل من يحمل جنسية الدولة، يعد من مواطني الدولة، ومواطنو الدولة يتمتعون بنفس الحقوق، ويتحملون ذات الواجبات، وفي ذلك يقول الدستور المصري:
ثانيا: -الفصل الثاني: -دور المواطن في ترسيخ المجتمع المدني والمواطنة؟
المواطن كائن بشري له احتياجات خدمية وإنسانية، وعليه ضغوطات نفسية واجتماعية، يمكن أن تؤدي به إلى اللجوء إلى القبيلة والطائفة أو أية ولاءات أخرى كملاذ في حالة غياب القانون والدولة وعدم حماية حقوقه وتحقيق مصالحه التي كفلها الدستور ونص عليها القانون، حيث تصبح تلك الجهات مصدر قوة مؤثرة فيه، ولكن عند حضور الولاء للوطن بكل قوة متجسداً في هيبة الدولة واحترام القانون، سيكون هو الحاضن الحقيقي للمواطن، بحيث يصبح الوطن مصدر الجذب الرئيسي لتنمية المواطنة، معركة بناء الدولة وفق ثقافة الولاء والوطن الواحد والمواطنة المتساوية هي معركتنا الحقيقية فالمعركة القادمة هي معركة بناء الدولة،
والدولة الحقيقية تعني دولة الوطن والمواطن وعلاقة المواطن مع الدولة تكون قائمة على الولاء لمشروع الدولة وهذا الأمر هو ما كان غائباً في الماضي فلم توجد دولة بهذا المعنى وإنما وجدت سلطة علاقتها بالمواطن قائمة على الإخضاع والإكراه بكل أشكالهما وعلاقة المواطن بالسلطة مبني بثلاث مستويات الخضوع والرفض والتمرد والمواجهة وبغياب العلاقة الطبيعية القائمة على مشروع الوطن الواحد والمواطنة المتساوية
نشأت العلاقة المشوهة بين السلطة والمواطن بتلك المستويات من العلاقة الغير طبيعة والتي ترجمها سلوك الانتهازية والفساد. كما أنها لا تمنح الحظوة لمواطن بفضل معتقداته أو أصوله أو ولائه، فهي مؤسسة جامعة لكل المواطنين وهي تمثل في المحصلة الأخيرة مجموع إرادات المواطنين، فهناك علاقة وطيدة بين مفهومي الدولة المدنية والمواطنة، فالجماعة الإنسانية تشكّل المجتمع، والجماعة السياسية تشكّل الدولة، والجماعة المدنية المؤسسية تشكّل المجتمع المدني، ودولة الإنسان والدولة المدنية هي الدولة التي يكون فيها للمجتمع المدني دور حاضر وفاعل، والمجتمع المدني هو مجموعة التنظيمات، غير الحكومية، التي يقوم نشاطها على العمل التطوعي، الذي لا يستهدف الربح، كالنقابات والاتحادات والجمعيات الخيرية ومنظمات التنمية وفرق المجتمع المدني وتنظيمات النساء والتنظيمات المؤسسة على عقيدة الإيمان الديني والحركات الاجتماعية ومنظمات التجارة والتحالفات والفرق التي تتكفل بالدفاع عن حقوق الإنسان والبيئة والحيوان، ولا تستند العضوية في منظمات المجتمع المدني على روابط الدم والقرابة أو الطائفة أو ما شابه ذلك، وإنما على رابطة المواطنة فحسب، وهذه التنظيمات
وان كانت متنوعة في أهدافها وبرامجها إلا أنها تلتقي من حيث النتيجة في طريق واحد وهو دعم المواطن في حصوله على حقوقه وتحفيزه لأداء واجباته التي نص عليها القانون. وبالتالي فان تنظيمات المجتمع المدني هي الوسيط التفاعلي الأمثل لتفعيل المواطنة وتجذير المواطنية وترسيخ الديمقراطية وتحقيق التعايش في المجتمع السياسي (الدولة) كونها تقوم على أساس مبادئ مدنية قافزة على العصبيات العرقية والطائفية والمناطقية الضيقة،
وكونها وعاءً مدنياً متجاوزاً للحواضن الاجتماعية التقليدية الراكدة والمتخلفة، وكونها تشكيلات عضوية طوعية متحررة من النزوع للسلطة، وكونها أداة التعدد التنظيمي المعزز لممارسة الحقوق والمطالبة بها، ولكونها حاضنة لثقافة مدنية منتجة لقبول الآخر على أساس من احترام التعددية والقبول بها، فقضايا الحوار والتعايش لازم وجودي للمجتمع والدولة، وهي عملية مجتمعية سياسية مستمرة ودائمة لا تتأتى بقرار ولا تحسم باتفاق، هي تفاعل تحتي وفوقي لكافة بناءات ومستويات المجتمع الإنساني والسياسي. «المواطنة والانتماء للوطن»
من صفات المواطن الصالح، التي تبذل الأمم والشعوب الحية جهودها وتسخر طاقاتها لإعداده؛ لأن هذه القيم السامية العليا ضرورة وجود للأوطان ومنعتها، وهي تتجلى في أوقات الشدّة عندما تحيط الأخطار بالأمم والشعوب سواء كانت أخطاراً خارجية أو داخلية، والثانية أكثر ضرراً وإيذاءً وتدميراً للأمم والأوطان،
وهي تجد دائماً في ضعف قيم المواطنة والانتماء بيئة خصبة لها بما نتيجة هذه البيئة من ظروف تعين المفسدين والمخربين على العبث بالأمن وإشاعة الفساد والاضطراب والخلاف، كما يحصل في الوقت الحاضر في بعض الأوطان التي وصلت الحال فيها إلى حروب مدمرة تأكل الأخضر واليابس، وهي مع الأسف الشديد تكون معظمها بيد من ينتسبون إلى هذه الأوطان، والذين ينبغي أن يدفعهم الانتماء لوطنهم إلى حمايته من الخطر لا جلبه له.
المحور الأول: -أساس المواطنة
الأولى على أساس الحقوق المدنية والثانية على أساس الحقوق السياسية. ولعل دول العالم الثالث ومنها الدول العربية هي الآن بأمس الحاجة إلى وجود مجتمع مدني يضم النخب ويستطيع أن يصل بأصوات المواطنين بأي وسيلة كانت إلى مراكز القرار للضغط والتغيير، خاصة مع انتشار أفكار الحرية والعدالة والمساواة ومع ما تم من تحولات تاريخية هامة في حياة الشعوب حيث فرضت هذه التحولات وعياً لدى المواطن بمواطنيته أولاً والسعي لتحقيقها ثانياً، فالحكومات التي تعي أو تتفهم دور المجتمع المدني في تجذير وترسيخ مفهوم المواطنة هي تلك الحكومات التي ترغب فعلا بالسلام والاستقرار، فالمجتمع المدني هو المجتمع الرافض ثقافياً ومعرفياً لشرعية القوة، وهو مجتمع الاختيار والقانون، المُنتج للنظام والمواطنة المنتجة للمحافظة على الحقوق وأداء الواجبات. ‏
الواقع أن هناك جملة من التحولات الكبرى المتداخلة مرت بها التغييرات السياسية التي أرست لمبادئ المواطنة: أولها بروز الدولة القومية، وثانيها تنامي المشاركة السياسية وتداول السلطة، وثالثها إرساء حكم القانون وإقامة دولة المؤسسات.
وبالرجوع إلى تعريف ماهية المواطنة نجد دائرة المعارف البريطانية تعرفها بكونها تلك العلاقة التي تنشأ بين الفرد والدولة والتي يحددها قانون تلك الدولة؛ فيما تشير موسوعة الكتاب الدولي على أن المواطنة هي العضوية الكاملة في دولة. وإذا كان برهان غليون في كتابه "نقد السياسة، الدين والدولة" يرى أن فكرة المواطنة تأتي كتحالف وتضامن بين أناس أحرار، فإن وليم سليمان قلادة يؤكد على ضرورة وجود أساسين للمواطنة هما: المشاركة في الحكم من جانب، والمساواة بين جميع المواطنين من جانب آخر. أتصور أن حق الإنسان في أن يكون له وطن هو أساس كل الحقوق الدستورية الأخرى‏.
‏ فمنذ أن استقرت بعض القبائل على وديان الأنهار بدأت فكرة الوطن وبدأت تتبلور بعد هذا الاستقرار، سواء على ضفاف وادي النيل أو على ضفاف دجلة والفرات، فكرة المواطنة. ولست أعدو الحقيقة عندما أقول إن أول تدوين يمكن أن نطلق عليه وصف التدوين الدستوري كان فيما عرف في التاريخ الإسلامي باسم وثيقة المدينة التي عقدها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بعد هجرته من مكة إلى المدينة، واستقراره فيها هو ومن هاجر معه من المسلمين ومن أسلم معه من أهل يثرب المدينة المنورة.
ولم يكن كل أهل المدينة من ملة واحدة. كان منهم المسلمون بطبيعة الحال وربما كانوا الغالبية من السكان ولكن كانت هناك قبائل تدين باليهودية وأخرى تدين بالمسيحية إلى جوار ملل أو نحل أخرى من غير الديانات الإبراهيمية الثلاث.
وقد آخى الرسول في وثيقة المدينة بين كل المواطنين الذين كانوا يقيمون فيها أو حولها ولم يفرق في ذلك بين أبناء دين ودين أو بين أبناء قبيلة وقبيلة أو منطقة ومنطقة. وقد كانت كل هذه الأمور حواجز عالية تفصل بين الناس وبعضهم، وجاءت وثيقة المدينة لأول مرة لتهدم هذه الحواجز ولتقيم دولة المواطنة.
المحور الثاني: دوافع بروز المواطنة
يرجع بروز مفهوم المواطنة إلى عدة عوامل، أبرزها الأزمة التي تعرضت لها فكرة الدولة الوطنية والتي شكلت ركيزة الفكر الليبرالي لفترة طويلة؛ وذلك نتيجة عدة تحولات شهدها نهاية القرن العشرين:
أولها: تزايد المشكلات العرقية والدينية في أقطار كثيرة من العالم، وتفجر العنف والإبادة الدموية، ليس فقط في بلدان لم تنتشر فيها عقيدة الحداثة كبلدان العالم الثالث بل أيضاً في قلب العالم الغربي.
ثانيها: بروز فكرة "العولمة" التي تبلورت على أساس التوسع الرأسمالي العابر للحدود وثورة الاتصالات والتكنولوجيا، والحاجة لمراجعة المفهوم الذي قام على تصور الحدود الإقليمية للوطن والجماعة السياسية وسيادة الدولة القومية، وكلها مستويات شهدت تحولاً نوعياً[2]. وعلى صعيد آخر فإن نمو الاتجاهات الأصولية المسيحية واليمينية المتطرفة في البلدان التي شكلت مهد التجربة الليبرالية قد أدى إلى التفكير في مراجعة مفهوم المواطنة والتأكيد على محوريته لمواجهة هذه الأفكار وآثارها على الواقعين السياسي والاجتماعي الغربي المعقد مع وجود أقليات عرقية ودينية منها العرب والمسلمون
ثالثها: وصول الفردية كفكرة إلى منعطف خطير في الواقع الليبرالي، بعد أن أدى التطرف في ممارستها واهتمام الأفراد بدواتهم إلى تهديد التضامن الاجتماعي الذي يمثل قاعدة أي مجتمع سياسي وتراجع الاهتمام بالشأن العام لصالح الشأن الخاص، وتنامي ما يسميه البعض" موت السياسة.
"يشير مفهوم الانتماء إلى الانتساب لكيان ما يكون الفرد متوحداً معه مندمجاً فيه، باعتباره عضواً مقبولاً وله شرف الانتساب إليه، ويشعر بالأمان فيه، وقد يكون هذا الكيان جماعة، طبقة، وطن، وهذا يعني تداخل الولاء مع الانتماء والذي يعبر الفرد من خلاله عن مشاعره تجاه الكيان الذي ينتمي إليه.
ولقد ورد في الانتماء آراء شتى للعديد من الفلاسفة والعلماء وتنوعت أبعاده ما بين فلسفي ونفسي واجتماعي، ففي حين تناوله ماسلوMaslo من خلال الدافعية، اعتبره إريك فروم Fromm حاجة ضرورية على الإنسان إشباعها ليقهر عزلته وغربته ووحدته، متفقاً في هذا مع وليون فستنجر Leon Festinger الذي اعتبره اتجاهاً وراء تماسك أفراد الجماعة من خلال عملية المقارنة الاجتماعية، وهناك من اعتبره ميلاً يحركه دافع قوي لدى الإنسان لإشباع حاجته الأساسية في الحياة.
وعلى الرغم من اختلاف الآراء حول الانتماء ما بين كونه اتجاهاً وشعوراً وإحساساً أو كونه حاجة أساسية نفسية – لكون الحاجة هي شعور الكائن الحي بالافتقاد لشيء معين، سواء أكان المفتقد فسيولوجياً داخلياً، أو سيكولوجياً اجتماعياً كالحاجة إلى الانتماء والسيطرة والإنجاز-أو كونه دافعاً أو ميلاً، إلا أنها جميعاً تؤكد استحالة حياة الفرد بلا انتماء، ذاك الذي يبدأ مع الإنسان منذ لحظة الميلاد صغيراً بهدف إشباع حاجته الضرورية،
وينمو هذا الانتماء بنمو ونضج الفرد إلى أن يصبح انتماءً للمجتمع الكبير الذي عليه أن يشبع حاجات أفراده. ولا يمكن أن يتحقق للإنسان الشعور بالمكانة والأمن والقوة والحب والصداقة إلا من خلال الجماعة، فالسلوك الإنساني لا يكتسب معناه إلا في موقف اجتماعي، إضافة إلى أن الجماعة تقدم للفرد مواقف عديدة يستطيع من خلالها أن يظهر فيها مهاراته وقدراته، علاوة على أن شعور الفرد بالرضا الذي يستمده من انتمائه للجماعة يتوقف على الفرص التي تتاح له كي يلعب دوره بوصفه عضواً من أعضائها.
المحور الثالث: أسس ومرتكزات مجتمع المواطنة
يتوقف بناء مجتمع المواطنة على جملة من الأسس والمرتكزات المركزية يشكل دمقرطة النظام السياسي أولها، وتفعيل المجتمع المدني يبلور تربية سليمة للمواطنة ثانيها، وخلق تنمية مستدامة ثالثها، وتضمين وسائل الإعلام لأسس المواطنة الحقة رابعها، وبناء أواصر التسامح خامسها.
1- : المواطنة كدعامة أساسية للنظام السياسي الديمقراطي.
يحصر فيليب برو المواطنة في القدرة على ممارسة الحقوق المرتبطة بمشاركة سياسية في إطار نمط ديمقراطي"[3]
ذلك أن الديمقراطية تتحدد من خلال مشاركة المواطنين في تدبير شؤون مجتمعهم[4] والواقع أن الحديث عن مجتمع المواطنة لا يمكنه أن يتم إلا في ظل نظام ديمقراطي يحقق التعددية الحزبية والتعددية السياسية مثلما يقر صراحة وفعليا بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا.
وهو الأمر الذي ترجمه روبرت دال في كتابه "الديمقراطية" حينما نعتها بـ "الديمقراطية المتضامنة" المتضمنة لحقوق التصويت في إطار انتخابات حرة وعادلة أو الترشيح لوظيفة تشغل بالانتخاب وحرية التعبير وحرية تكوين والمشاركة في منظمات سياسية مستقلة وحق الوصول إلى مصادر مستقلة للمعلومات وحقوق الحريات الأخرى والفرص التي قد تكون لازمة للعمل الفعال للمؤسسات السياسية في الديمقراطية كبيرة الحجم"[5]
إن توفر هذه الشروط ليس ترفا فكريا بل ضرورة استراتيجية يتطلبها مجتمع المواطنة؛ فإذا كانت الديمقراطية تعني في أبسط معانيها حكم الشعب للشعب بواسطة الشعب[6]؛ فإن المواطنة تعني تمكين أفراد هذا الشعب من حقوقهم والاستبطان في نفوسهم أهمية الإدراك بواجباتهم تجاه مجتمعهم بشكل يجعل من العلاقة بين مفهومي الديمقراطية والمواطنة علاقة جدلية يصعب معها تصور إحداهما في غياب الأخرى.
إن المواطنة كمرجعية دستورية وسياسية لا تلغي عملية التدافع والتنافس في الفضائين الاجتماعي والسياسي، بل تضبطها بضوابط الإحساس العارم اتجاه الوطن ووحدته القائمة على احترام التنوع وليس على نفيه، والساعية بوسائل قانونية وسلمية للاستفادة من هذا التنوع بغية تمتين قاعدة الوحدة الوطنية، بحيث يشعر الجميع بأن مستقبلهم مرهون بها، فهي لا تشكل نفيا لخصوصياتهم، وإنما مجالا حيويا للتعبير عنها بوسائل منسجمة.
إن مجتمع المواطنة هو تلك الدولة المدنية التي تجسد إرادة المواطنين جميعا، بحيث لا تميز بين المواطنين لدواعي ومبررات غير قانونية ولا إنسانية؛ فهي دولة جامعة وحاضنة لكل المواطنين فتدافع عنهم، وتعمل على توفير ضرورات معيشتهم وحياتهم.
ولا يتحقق هذا المسعى إلا بوجود مشاركة سياسية فاعلة وفعالة؛ بيد أن المواطنة لا تعني فقط مشاركة المواطن في صنع القرار السياسي بل ضمان الحق له في هذه المشاركة وعدم تنازله عن هذا الحق للآخرين[7].
وعلى الصعيد الواقعي لا يمكن لمفهوم المواطنة أن يكتمل إلا بنشوء الدولة الإنسانية؛ تلك الدولة التي تمارس الحياد الايجابي تجاه قناعات ومعتقدات وأيدولوجيات مواطنيها؛ بحيث لا تحشر نفسها في قلب هذا الخضم بقدر ما تتحول إلى صمام أمان يؤطر ويضمن لمواطنيها جميع حقوقهم؛ فلا تمارس الإقصاء أو التهميش أو التمييز تجاه مواطن بسبب معتقداته أو أصوله القومية أو العرقية؛ كما أنها لا تمنح الحظوة لمواطن بفضل معتقداته أو أصوله القومية أو العرقية؛ فهي بوثقه جامعة لكل المواطنين ومن تم تصبح ممثلة لمجموع إرادات المواطنين؛ كما لا يمكن الحديث عن مجتمع المواطنة
إلا إذا كان هناك إقرارا فعليا بمبادئ وأسس المواطنة الحقة حتى يتسق الفكر مع العمل؛ وتكفي الإشارة إلى بعد الهوة بين تقرير حقوق المواطنة للمواطنين السود في الولايات المتحدة الأمريكية ومن تمتعهم الفعلي بهذه الحقوق[8]
ويتطلب بلورة مجتمع المواطنة الإيمان الفعلي بمبادئها؛ فالدولة المدنية التي تحترم مواطنيها وتصون كرامتهم، وتمنحه حرياته الأساسية هي التي تبلور بشكل عملي مفهوم المواطنة، وتخرجه من إطاره النظري المجرد إلى حقيقة سياسية ومجتمعية راسخة وثابتة.
وفي المقابل نجد دولة الإكراه والاستبداد تجهض مفهوم المواطنة وتخرجه من مضامينه السياسية المتجهة صوب الموازنة الفذة بين ضرورات النظام والسلطة ومتطلبات الكرامة والديمقراطية؛ فتبقى كل الشعارات التي تحملها بعض الأنظمة السياسية مندرجة في دائرة الاستهلاك الإعلامي والسياسي ما لم تتوافق في تحقيق هذا الهدف.
إن هذا التوجه يفضي بنا إلى الإفصاح على أن مفهوم المواطنة لا ينجز في ظل أنظمة شمولية-استبدادية، لأن هذه الأنظمة ببنيتها الضيقة تحول مؤسسة الدولة إلى مزرعة خاصة لطبقة مستفيدة في مقابل سجن كبير للطبقة المحرومة؛ فتقدم باليد اليمنى الامتيازات والمكافآت وتضرب باليد اليسرى على الطبقات المستضعفة لتمارس عليها الإقصاء والتهميش.
إن عدم تحقيق تلك الأسس القائمة على الفصل بين السلطات، فاستمرارية سيطرة السلطة التنفيذية على السلطتين القضائية والتشريعية؛ وعدم اتخاذ إجراءات من المحاسبة والمساءلة لمهدري المال العام نتيجة سوء الأداء الإداري والمالي تفضي إلى فقدان ثقة المواطن بمرتكزات السلطة التي لم ترتق إلى طموحات هذا المواطن عبر تعزيز أسس الحكم الديمقراطي السليم المستند إلى القوانين والتشريعات وعليه، فقد سادت مفاهيم العشائرية والقبلية ومنطق أخذ القانون باليد، في ظل تبهيت القضاء المدني وعدم إعطاء نماذج في المحاسبة، بغض النظر عن موقع الشخص المخالف أو مكانته؛ كما عمدت الفعاليات السياسية إلى تقوية نفسها لحماية أعضائها،
وأصبحت الحقوق تنفذ عن طريق الواسطة ومدى القرب من صناع القرار؛ وغابت مفاهيم الشفافية، والمساءلة والمحاسبة، ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب؛ وحلت محلها العلاقات الذاتية ومنطق الواسطة.
ولا سبيل لتجاوز هذا الاشكال سوى تغذية روح المواطنة المسؤولة؛ بحيث يجب أن تخضع أعمال الحكومة لاطلاع الشعب ومحاسبته"[9]
ولا يتم ذلك إلا ببلورة حكومة مسؤولة ومتضامنة؛ كما أنه لإعمال مجتمع المواطنة ينبغي على الحكومة أن تعمل على نهج استراتيجية تشاركية فعلية مع فعاليات المجتمع المدني فليس هناك من خطر على المجتمع سوى أن يظل أفراده في موقف المتفرج أو على الأقل في حالة انتظارية قاتلة ذلك أن المشاركة اليوم تتجاوز المجال العمومي إلى المجال السوسيو عمومي: الجمعيات؛ المقاولات والجامعات[10]
في ظل نظام الحكم الديمقراطي لا يكون الناس في حاجة على أن يفكروا ولا بحاجة إلى أن يختاروا ولا بحاجة إلى إعمال العقل أو أن يبدوا موافقتهم كل مطلوب منهم هو أن يتبعوا وهذا هو الدرس القاسي الذي تعلمناه من الخبرة السياسية الفيليبينية منذ فترة غير بعيدة. وبقدر ما ينبغي أن يوفر المجتمع السياسي للمواطن حقوقه ومجال ممارسة مواطنته بقدر ما ينبغي أن يصبح المواطن فاضلا؛ ذلك أن المواطن الواضح والمسؤول هو ذلك المواطن الجيد الذي يمارس حقوقه ويقوم بواجباته ويحقق النظام الأخلاقي في مجتمعه[11]
2- المجتمع المدني كأساس للمواطنة الحق
ثمة علاقة جدلية بين بلورة مجتمع المواطنة وتفعيل المجتمع المدني الأمر الذي يدفعنا إلى البحث حول ماهية المجتمع المدني.
فماذا نعني بالمجتمع المدني؟ وكيف تساهم أسس المواطنة الحق في بلورة مجتمع مدني فاعل وفعال؟ يعد مفهوم المجتمع المدني من المفاهيم الحديثة النشأة في الثقافة السياسية؛ وقد ارتبط تاريخ هذا المفهوم بتاريخ الحداثة الغربية خصوصا في مجالات السياسة؛ الثقافة والاجتماع ليعكس من خلال توظيفه انتقالا نوعيا من التاريخ الوسيط إلى التاريخ الحديث[12]
فكيف يتم إعمال المواطنة في المجتمع المدني؟ يجيب ما يكل جويس على هذا السؤال بكون ممارسة المواطنة كنشاط داخل المجتمع المدني لا تتم بشكل عرضي، أو مرحلي كما هو الحال بالنسبة للانتخابات، بل بشكل منتظم ومتواصل، بطرق صغيرة لا تعد، فهي جزء من نسيج حياتنا اليومية، لا نكاد ننتبه إليها في أغلب الأحيان، ففي كل مرة نحضر فيها قداسا دينيا أو نذهب لاجتماع أولياء أمور الطلبة، أو نساعد في عمل خيري، أو ننجز عملا أو مهمة بشكل جيد وبإخلاص نكون عندها مواطنين محترمين، [13]
يقوم مجتمع المواطنة الحق على التربية السليمة للقيم والأخلاق بدءا من الأسرة مرورا بالمسجد وصولا إلى المدرسة والجامعة دون أن ننسى الدور الطلائعي الذي يلعبه باقي فرقاء المجتمع المدني من صحافة وجمعيات المجتمع المدني...
فمن بين الأهداف التي خلقت من أجلها المؤسسات التربوية والاجتماعية هو إشاعة وعي اجتماعي ثقافي سياسي وهذا الأمر موكول إلى التنظيمات السياسية والاجتماعية والحقوقية على مختلف مشاربها[14]
إن هؤلاء الفرقاء هم عادة من ينتجون قيم المجتمع؛ فيؤسسون لثقافة التسامح والاختلاف؛ مثلما يغرسون في الفرد الإيمان الفعلي بالمواطنة الحق؛ فمؤسسات المجتمع المدني، تأخذ على عاتقها استيعاب طاقات المجتمع وتبلور كفاءاته وقدراته، وتساهم في معالجة المشكلات التي يمر منها المجتمع. بيد أنه لا يكفي خلق عدد كبير من جمعيات المجتمع المدني بقدر ما ينبغي الحرص على أن تساهم هذه الجمعيات في تعميق وبلورة فعلية لمفهوم المواطنة.
ويشير إميل دوركايم على أن السلطة الأخلاقية لا تكمن في أي ظاهرة خارجية موضوعية تنتظمها منطقيا وتنتجها بالضرورة، وإنما تنحصر كلها في فكرة الناس عن هذه الظاهرة، إنها مسألة رأي عام،
والرأي العام ظاهرة جمعية، فهو ليس إلا شعور المجموع؛ وفضلا عن ذلك، من السهل أن ندرك لماذا ترجع كل سلطة إلى أصل اجتماعي؛ فالسلطة هي صفة إنسان يسمو عن طبيعة الناس أي أنه إنسان أعلى.
على أن أذكى الناس وأقواهم وأكثرهم استقامة يظل مع ذلك إنسانا، فليس بينه وبين أقرانه إلا فرق الدرجة والمجتمع وحده هو الذي يعلو على الأفراد، فمنه تصدر كل سلطة وهو الذي يضفي على أناس معينين تلك الصفة الفريدة وذلك النفوذ الذي يعلو بأصحابه عن أنفسهم؛ وهكذا يصبح كل إنسان منهم أعلى لأنه يشارك بهذا النوع من العلو والسمو الذي يتصف به المجتمع بالقياس أفراده. [17]
3- : بلورة تنمية مستدامة فاعلة وفعالة
هنا أيضا تكمن علاقة جدلية بين مفهوم المواطنة والأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية السائدة. ذلك أن الكثير من مضامين المواطنة على الصعيدين الذاتي والموضوعي بحاجة إلى فضاء مجتمعي قوي ومتجدد، يأخذ على عاتقه تحريك الساحة بقواها ومكوناتها المتعددة.
4- : الإعلام المواطن
يشير تيمونز روبيرتيس ايمي هايت في كتابهما من "الحداثة إلى العولمة" على أن ارتفاع المشاركة الإعلامية يعمل على رفع المشاركة في كل قطاعات النظام الاجتماعي، فتسريعها لانتشار التقمص الوجداني ينشر أيضا المطالب الحديثة التي تستجيب لها مؤسسات المشاركة في اقتصاد المستهلك عبر الدفع النقدي والائتمان وفي المناقشة العامة عبر الرأي وفي الحكومة التمثيلية عبر التصويت تظهر المشاركة الإعلامية "[18]
يمثل مفهوم الصحفي الشامل بعداً جديداً في العمل الصحفي، فالصحفي الشامل يقوم بكل شيء وحده، بحيث يكتب لكل الوسائل، وينتج القصة بأشكال مختلفة، ويتعامل مع التقنيات الحديثة من دون مساعدة؛ فهو يصور القصة للصحافة، ويُنتج الفيديو للتلفزيون، ويحرر الصوت للإذاعة، ويكتب النصوص بكل الأشكال ولكل الوسائل الإعلامية المختلفة، وينشرها عبر الأنترنت. فإن تطرف الخطاب السياسي الرسمي أحيانا يولد خطابا سياسيا مقابلا أشد تطرفا، وخاصة عندما يتم احتكار الخطاب السياسي الرسمي في أوساط فكرية وعقائدية معينة دون غيرها، وحرمان الآخرين من المشاركة والحضور،
فإن هذا يولد توترات نرى صخبها كثيرا في منابر الفضائيات المهتمة بالشأن السياسي، وليس من شك في أن مسألة غياب الحريات بشكل عام والتضييق عليها تعتبر بابا سحريا للغلو السياسي والإعلامي، لأن التجربة في الشرق والغرب سواء، أكدت على أنه كلما كان لدى المتحدث إدراك بأن الطرف الآخر يسمعه جيدا ويقدر ما يقوله حتى وإن اختلف معه فإن صوته ونبراته وتوتراته ستكون أكثر اتزانا وهدوءا وإحساسا بالمسؤولية، وبالمقابل كلما وجد أنه يصرخ في واد، ولا أحد يسمعه أو يتيح له الفرصة للتعبير الكامل عن وجهة نظره فإن الصراخ لديه سيتزايد مع الوقت وتوتراته ستصل إلى درجات من "الزعيق" البعيد عن أي منطق أو حكمة أو إحساس بالمسؤولية،
5- : المواطنة والتسامح أية علاقة؟
رغم أن المواطنة جاءت كنتاج لتحولات اجتماعية واقتصادية في إطار سعي دؤوب لتفكيك البنى القبلية والعشائرية وسيادة المواطن كوحدة اقتصادية وحقوقية مستقلة، إلا أن ذلك النتاج تعزز من خلال منطق سيادة القانون وأجهزة حفظ الأمن الذاتي والأمن العام في الوطن؛ وبالتالي لم ينبر أحد للتفكير بأدوات للحماية الذاتية،
بل انبرى الجميع للتفكير بالانخراط في خلق آليات تعبر عن مصلحة جمعية عن طريق الانضواء في حزب سياسي أو نقابة مهنية أو منظمة أهلية، يمارس بها المواطن دوره وفاعليته ونشاطه ومشاركته في الحياة الاجتماعية الوطنية العامة على قدم المساواة مع الآخرين، وما يميزه هو فاعلية دوره في تقدم المجتمع وليس أصله العرقي، أو الاجتماعي، أو الطبقي، أو جنسه أياً كان ذكراً أم أنثى.
وتعزز ذلك عبر كفاح الشعوب ضد أنظمة الاستعمار من أجل إزالة نظام التمييز العنصري كما حصل في كفاح شعب جنوب إفريقيا، وكذلك عبر حركة الحقوق المدنية والتي عبر عنها مارتن لوثر كنج في الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أفضى إلى إلغاء كل القوانين العنصرية بحق السود الذين كان يتم التعامل معهم بوصفهم كائنات إنسانية من الدرجة الثانية أو الثالثة؛ كما تم إلغاء العديد من القوانين والإجراءات التمييزية بحق النساء، فأصبحنا نجد الكثير من النساء يتبوأن مراكز قيادية في الأحزاب والنقابات أو أعضاء برلمان، أو حتى رئيسات دول؛ واستطاعت الحركة النسوية العالمية تحقيق إنجازات دالة على هذا الصعيد، كما حققت فئات اجتماعية كانت محرومة ومقهورة الكثير من الإنجازات على صعيد نيل حقوقها كالحركة العمالية على سبيل المثال؛ ليتعزز هذا التوجه بإقرار مواثيق دولية ضمنت العديد من الحقوق للعمال. [19]
إن الإنجازات الواردة أعلاه أتت بفضل إعمال مفهوم المواطنة، وسيادة منطق القانون والمساواة؛ بيد أننا نريد أن نشير في هذا السياق إلى أن مبدأ التسامح مبني أساساً على الحقوق، أي حقوق البشر جميعاً والشعوب أيضا
المحور الرابع: إحياء المواطنة في زمن العولمة
إذا كان مفهوم المواطنة قد شكل حصان طروادة في صراع الطبقات السياسية إبان القرن الثامن عشر فإن هذا المفهوم اتخذ أبعادا وتجليات مغايرة نسبيا في عالم العولمة.
إن الفكر الليبرالي لم يؤدِّ إلى تأسيس تجارب ديمقراطية في العالم الغربي فقط، بل أمسى يطرح نفسه كبديل للواقع السياسي والفكري في دول العالم الثالث التي تشهد تحولات نوعيةً في اتجاه غرس ديمقراطية الوصايةّ، كما في أطروحة "نهاية التاريخ" وإعلان انتصار الليبرالية النهائي لباحث مثل فوكوياما، أو كطرف متماسك ومتجانس ومتقدم في مقابل حضارات أخرى (أو أدنى) في أطروحة "صراع الحضارات" لهنتنجتون ؛ فخيار المواطنة صار مقاربة مثالية تروج لها الرأسمالية الليبرالية في الدول غير الغربية، ليتم تقديمها كحل لمشكلات الجنوب "على طريق التقدم" بشكل يرتهن بتحول الرابطة السياسية داخل مجتمعاتها من رابطة أبوية أو أبوية مستحدثة- إلى رابطة تعاقدية.
لقد قادت الكتابات النظرية السياسية الليبرالية الأولى التي كان مفهوم العقلانية والرشد فيها مرتبطًا بالقيم المثالية والفلسفية لتتناول مفهوم المنفعة بمعنى ذاتي/ نفسي ثم بمعنى اقتصادي/ مادي، فربطت في مجملها بين المفاهيم النظرية السياسية والرؤى الاقتصادية وهو ما أسماه البعض بالتحول من الديمقراطية الليبرالية إلى الليبرالية الديمقراطية بتقديم الفاعل الاقتصادي على الفاعل السياسي فأصبحت الشركات العابرة للقارات تتحكم في صياغة القرار السياسي من خلال تحكمها في القادة السياسيين بواسطة تقنية التمويل الانتخابي مثلما هو عليه الحال في الولايات المتحدة الأمريكية[20]
ليتمخض عن هذا الوضع غلبة الاتجاه المادي على الفكر الليبرالي؛ فتحول الاقتصاد الليبرالي من ليبرالية كلاسيكية تتحفظ على تدخل الدولة الليبرالية بشكل يفضي إلى تدخل الدولة من أجل تحقيق الرفاه في مجالات الأمن الاجتماعي
فمن ناحية تحولت رابطة "المواطنة" إلى منافع وحقوق مادية محددة يطالب بها المواطن في مجالات الصحة والتعليم. ومن ناحية أخرى قاد هذا التوجه إلى تحول نوعي في وظائف الدولة في الوقت الذي كانت تحولات العولمة ترشحها للتآكل والذبول، فاستردت دورها في التوزيع السلطوي للقيم -المادية والمعنوية-وما لبثت أن بدلت هذا الدور في ظل تنامي الحديث عن الإدارة السياسية (Governance) عبر الترويج المكثف لفكرة الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني والفاعل الاقتصادي، رغم أن سلطة الدولة لا تقارن بالطرفين الآخرين، ونفوذها يخترقهما على شتى المستويات.
عبر تفاعل هذه المعطيات تحول مفهوم المواطنة إلى دلالات برغماتية، كما صار مؤسساً على واقع معقد لا يثمر نتائجه المثالية الأصلية المنشودة بسبب وجود الدولة الطاغي، رغم تحول هذا الوجود نوعياً وتغير وجهته وتجلياته بما أوحى للبعض بضعفها أو تراجع دورها لصالح آليات السوق العالمي.
إن هذا التناقض تزامن أيضاً مع بروز تيارين متعارضين:
أولهما: واقعي، يرتبط بالتأكيد المتنامي على المصلحة المباشرة؛ ليتم تهميش المثاليات الكبرى والمنافع الجماعية والمؤجلة التي تأسست عليها نهضة الرأسمالية الأولى
ثانيهما: تنويري، يتمثل في مناداة بعض الكتابات بإدخال البعد الأخلاقي في النظرية الاقتصادية، أي تجاوز المقاربة الاقتصادية الصرفة بغية استعادة الأبعاد الإنسانية/ الاجتماعية/ الأخلاقية في النظرية والتحليل الاقتصادي، وهو ما يستلزم ربط مفهوم المواطنة عند تحليله بالأسئلة الكلية في الفكر الليبرالي، وأبرزها تصورات الفرد وتعريف السياسة وما يترتب على ذلك من تصور لطبيعة المجتمع السياسي.
أتاحت التحولات الديمقراطية في موجاتها السابقة أو الحالية في أكثر من بلاد، رغم تعثرها أحيانا، فرصة ثمينة للنخب السياسية والفكرية لاكتشاف وإعادة اكتشاف المجتمع المدني. وقد تم ذلك من خلال الاطلاع على ملامحه الجديدة وغير المسبوقة والتعرف على فاعلين جدد وفدوا إليه من مسالك ومسارات مختلفة أدّوا وظائف وأدوارا غير مألوفة
(منظمات، جمعيات، منتديات ...). كما أبانت هذه التحولات عن إنهاء حالة الاحتكار للحقل السياسي، الأمر الذي مكّن المجتمع المدني من لعب أدوار مهمة سياسيا، كانت مصدر إرباك للدولة وللأنظمة السياسية في آن واحد.
ان إعادة بناء الإنسان المسرى المهمة الأساسية والرئيسية للدولة في الوقت الحاضر، وهو أمل رقى وتقدم مصر بعد ثورة الشعب ضد الفساد والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان. مهمة الدولة تمكين الشباب وتدعمهم من خلال توفير البرامج والمشاريع التي تساهم في تنمية مهاراتهم ورفع قدراتهم وصقل مواهبهم واستثمار طاقاتهم.
لابد أن يقوم النظام التعليمي على مجموعة من الأسس والأهداف أولها بناء الإنسان المصري بطريقة تجعله ناجحا في كل مناحي حياته الاجتماعية ثانيها الانتماء الوطني ثالثها أن يكون صاحب مهنة ومتخصصا في مجال معين قادرا على ممارستها بإتقان. إن إعادة بناء الإنسان المصري مسئولية جماعية بين البيت والمدرسة والإعلام فكل راع مسئول عن رعيته والأم مدرسة إذا اعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق.
لكي نعيد بناء الإنسان ونرتقي به نركز على تنمية النواحي الإيجابية والسيطرة على انفعالاته من خلال التحكم في التنشئة الاجتماعية وعوامل التربية المستقرة وتنمية الايجابيات ومحاربة العادات السلبية عن طريق نمو المهارات والقدرات التي تظهر عند الوقوع في مشكلة، مثل المشكلة الاقتصادية عن طريق الصبر والجلد والتعلم من الدول التي واجهت مشاكلها الاقتصادية وعدم عرض فيديوهات التفجيرات بشكل متعاقب لكي لا نحمل النفسية بشكل أكبر، مع التركيز على الإنجازات التي تحدث في البلاد لزيادة الطاقة الإيجابية.
ومصر من حيث الثقافة والحضارة كانت مثلاً رائعا للبلد الذي يعرف كيف يحافظ على الأصول ويغير في الفروع، فقد ظلت مصر هي مصر دائماً، دون أن يحول ذلك بينها وبين أن تخلع عن نفسها حضارة ذهب زمانها،
لترتدي ثوب حضارة جديدة، ومع الحضارة تأتي ثقافة، أو مع الثقافة تأتي حضارة، فالعلاقة بينهما هي علاقة الجسد والروح التي تحل فيه الحضارة مجسدات والثقافة قيم وأذواق تسري في عروقها. ومصر في عصرها الأول كانت فيه مبدعة الحضارة لنفسها ولغيرها، حتى أخذت حضارات أخرى تتوالى عليها، فلا تكاد تلتقي حضارة منها حتى تمسك بزمامها وتنزل منها منزل الصدارة، وهذا هو جانب من معنى عبارة نرددها بحق وصدق، إذ نقول عن مصر إنها "مقبرة الغزاة "، فهؤلاء الغزاة ومعهم غزواتهم، يفنون ويذوبون في أرضها لتحيا هي، وسر ذلك هو أن الغزوات غالباً ما كانت حاملات لحضارات مستحدثة، فوجدت في المصري إنساناً واثقا بنفسه وبتاريخه، فيأخذ ما يتلقاه ويتمثله، وسرعان ما يبرع فيه حتى يحتل منه مكان الريادة والتفوق.
وهل يمكن أن نعود بالمصري إلى حيث كان؟
إنه سؤال طرحته هيئات علمية، وطرحه أفراد وحاول الجميع مخلصين أن يجدوا الجواب، والسؤال يوضع ــ عادة ــ في هذه العبارة: كيف نحقق إعادة بناء الانسان المصري؟
ومعنى ذلك ان هناك خللاً ما قد أصاب بناء المصري في شخصيته، فما هو؟ وكيف نعالجه ليعود المصري سيرته الأولى؟
الاجابة تدور حول محور أساسي، هو أن مصر تجتاز اليوم مرحلة، هي نفسها المرحلة التي يجتازها العالم كله فمصر تتعرض خلال هذه المرحلة لما يتعرض له العالم كله ــ من جهة ــ ثم تنفرد وحدها بظروف خاصة بها ـ من جهة أخرىـ أما الجانب الذي تشارك فيه مصر سائر أقطار الأرض المتقدم منها والمتخلف على السواء فهو القلق الذي يسببه السير في طريق مجهول ، فعصرنا هذا منذ قيام الحرب العالمية الثانية بصفة خاصة هو عصر انتقال بين حضارتين، عرفنا الأولى التي سادت الدنيا خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر وأما الحضارة الأخرى .
.. التي ننتقل إليها. فلا نعرف عنها إلا بشائر ومقدمات. لكن تفصيلاتها لم تزل مجهولة، انتقلنا من حضارة كانت فيها الغلبة والسيادة للرجل الأبيض الأوروبي الأمريكي، إلى حضارة بدأت كتابها بصفحة جديدة من حيث تلك السيادة اللونية، ولم يعد أحد يجادل الآن في إزالة الفوارق بين الألوان، اللهم إلا أن تكون تلك الفوارق مكتومة في الصدور.
إننا ننتقل إلى حضارة جديدة قائمة على أسس جديدة، لم نعلم من حقيقتها وطبيعتها إلا البشائر والطلائع، ومن أراد صورة مفصلة بعض الشيء عن تلك البشائر والطلائع فليقرأ كتابا ممتازا في ذلك أصدره الاستاذ الدكتور حازم الببلاوي بعنوان " على أبواب عصر جديد "ونحن في طريقنا لاجتياز هذه المرحلة الانتقالية بين الحضارتين لا مفر لنا في مصر وغير مصر من سائر أقطار الأرض ــ عن التخبط في الطريق، إذ انبهمت أمامنا الفواصل بين الصواب والخطأ في كل الميادين.
وإلا ... من منا يستطيع القول وهو موقن مما يقوله: ما هو أفضل نظام للحكم؟ ما هو أفضل نظام في دنيا الاقتصاد؟ ما هو أفضل نظام للتعليم؟ وهكذا يمكنك المضي بأسئلة كهذه عن كل وجه من وجوه الحياة الانسانية، فإذا نحن أمام عشرات الاجابات المتضاربة، والسبب واضح وهو: أن الانسان لم يعرف بعد طبيعة العصر الذي نحن في حالة انتقال إليه، فكأننا نعيش على تجارب نجريها كل يوم، تفشل تجربة فنجرب أخرى.
هناك ضباب حضاري ـ هناك ويلحق به ضباب ثقافي، تشارك مصرفيه مصر بقية العالم، لكنها تعود فتنفرد وحدها بظروف جديدة خاصة بها، لا أقول أنها ظروف تضيف إلى الضباب ضباب أكثف، بل هي ظروف فعلت بنا أكثر من ذلك، لأنها مالت بنا نحو أن نترك المسيرة الحضارية بضبابها وصفائها، لنرتد على أعقابنا قافلين إلى مولد التاريخ.
ثم لم نكتفي بتلك الردة الحضارية العامة فزدناها تخليطاً وعسراً، فزدنا الطين بلة بأن أقمنا نموذجاً جديدا للإنسان الناجح في حياته، (والنجاح في قاموسنا القومي معناه منصب كبير أو مال كثير!) ويتلخص ذلك النموذج في برنامج سهل ومنظومة ميسرة على من اتسعت حيلته، وهو برنامج شعاره.
أكبر ناتج ممكن، بأقل جهد ممكن، فلم يعد النجاح مكفولاً لمن يحملون الأثقال، ويحطمون الصخر، ويلهثون وتتفصد اجسادهم عرقاً. لا. فتلك صور من الماضي. كان الخبراء الحكماء يضحكون على أبنائهم: بقولهم من طلب العلا سهر الليالي، أو ربما بقيت تلك الحكمة الخالدة مع تغيير في مضمون كلمة واحدة من كلماتها، هي كلمة "سهر" وكان الذي أوحى بالشعار أمثلة لا تعد ولا تحصى، لأفراد بلغوا ذروة الجاه، إذا قيس الجاه بالمناصب ونفوذها، أو بلغوا ذروة من الثراء
لم يكن أحد يسمع قبل اليوم بمثلها. ثراء المصري حتى الأمس القريب كان يقاس بعشرات الألوف أو بمئاتها، أما لغة الملايين والمليارات فلم تكن معروفة في اللغة العربية بأكملها، فالألف هو أقصه ما استعدت له لغتنا باسم خاص، لا بل إن الملايين الدخيلة على لغتنا قد أهينت، فاختير لها اسم الأرانب! وربما وصفوا المليارات بالأفيال وأصحاب الأفيال بمصر كثيرون سرقوا ثروات المصريين بدون وجه حق وتركوهم من أفقر شعوب المنطقة.
وإذا لم يكن العمل المنتج هو الذي يصل بصاحبه إلى "النجاح" بالمعنى الذي نعرفه له، وهو مناصب النفوذ والثراء، فما هي الوسيلة في ظل الشعار الجديد؟
إنها وسيلة غاية في البساطة، تتخلص في: الكلمة المناسبة في اللحظة المناسبة، للشخص المناسب (النفاق الاجتماعي) فإذا وُفقت في ذلك وجدت نفسك بين عشية وضحاها، صاحب النفوذ الذي يهيمن ويسيطر ويكسب المال. وما دام هذا هو النموذج القائم أمام الأبصار، فلا بديل أمام الشباب الساعي إلى حياة ناجحة (بمعنى النجاح في قاموسنا القومي) سوى أن يتجه بمعظم جهده لا نحو مزيد من كد وكدح وعناء في دنيا العمل، بل إلى البحث عن تلك "المناسبات الثلاث" التي هي: الكلمة المناسبة، في اللحظة المناسبة، للشخص المناسب، وهو طريق يؤدي بنا حتماً إلى اختلال العدالة ـ من جهة ـ وإلى ضعف الانتاج (المادي والعلمي) من جهة اخرى. أما اختلال العدل، فلأن من لا يستحق ستكون له السيادة على من يستحق، وأما ضعف الانتاج بكل أنواعه، فلأن الزمام حين تمسك به أيد قادرة وغير أمينة، ضلت سواء السبيل، وأضلت، ثم هي فوق ذلك تحدث في نفوس العاملين مرارة ويأساً واستهتاراً وتراخياً.
ونحن في أمسِّ الحاجة في هذا العصر إلى رجال عظماء يواجهون بالعلم والإيمان والفكر السليم الطوفانَ الثالث، الذي بدأت تتشكل سحابته السوداء في الأفق، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة جدًّا لا قدر الله؛ لأن الطوفان الثالث يختلف كثيرًا عن السابقَيْنِ، كمًّا ونوعًا وتأثيرًا، ويختلف في أنه يُركز تركيزًا خطيرًا على قلب ومنبع ومصدر الإسلام، بلاد الحرمين الشريفين وأهلها، نسأل الله أن يحميها وجميع بلاد المسلمين.
الفصل الثالث: -المواطنة في التشريعات الحديثة والقانون الدولي
تظهر المواطنة من جانبها المواطن باعتباره مشاركا فعالاً في المجتمع السياسي، إن المواطنة مشروطة حتى الآن بالجنسية، لذلك فان المجموعة الدولية اهتمت بقضايا الدولة المستقلة مجدداً، أي تلك التي نالت استقلالها، وتلك التي كانت موضوعاً لمسيرة حل الدولة وانفصالها، وحيث تناولت مسألة منح جنسيتها للأفراد وفيما يتعلق بالحقوق الإنسانية،
إن القانون الدولي لا يعارض التفريق بين المواطنين والأجانب، ولا يعتبر انه تمييز غير مبرر، بيد أن هذا الخطر من التمييز قد اتخذ بعض التوسع مما أدى إلى اهتمام القانون الدولي بموضوع منح الدولة لجنسيتها حيث تحدد الحقوق السياسية للمواطنين وإمكانية مشاركتهم في الشؤون العامة
وترتبط إذن بالتنظيم الديمقراطي للدولة، تحدد المواطنة والجنسية كلتاهما صلة قانونية، بيد أن صلابة هذه الصلة متفاوتة والجنسية تتصل بارتباط الفرد بالدولة كما أكدت محكمة العدل الدولية في القرار المتعلقة بقضيةNottebohm ، كما أن وظيفة الجنسية إسناد مركز موضوع حيث تنجم عنه بالنسبة للدولة سلطات والتزامات في علاقاتها مع رعاياها ونظرائها ورعايا هذه الأخيرة.
ويعترف القانون الدولي بسلطة الدولة لتحديد القواعد المتعلقة بجنسيتها بيد أن الحد من هذا الاختصاص قائم على قاعدة عدم حجية وسريان الجنسية غير النظامية دولياً، إن التطور الراهن للقانون الدولي يتركز بمصلحة المجموعة الدولية بشرط منح الجنسية في حدود حيث تؤدي إلى مخاطر تحد من عدد الأفراد الذين يمكنهم من ممارسة الحقوق السياسية في الدولة.
والواقع، إن الجنسية التي تشكل العلاقة الفعالة والحقيقة بين الفرد والدولة يبدوا أنها معيبة في معظم هذه الحالات، كما أن القانون الدولي يمكنه أن يعارض مرة واحدة: قوانين الجنسية التقييدية جداً، والتي لا تعترف بالنتيجة بالعلاقة الفعالة بين بعض الأفراد ودولتهم المقيمين فيهاـ ثم القوانين الواسعة جداً التي على العكس تخفف هذه العلاقة ولا تعترف بها كخيار منح الجنسية إن النقطة المشتركة بين هذين النموذجين من القوانين أنها لا تعتبر العلاقة الفعالة والحقيقة بين الفرد والدولة معياراً لمنح المواطنة.
إن قوانين الجنسية المعتمدة في الدول المستقلة مجدداً تحدد، من جهة الأشخاص الذين يشكلون السكان الأصليين للدولة وتطرح من جهة أخرى، الشروط التي تسمح لأشخاص آخرين بالحصول على الجنسية وبصورة غير مباشرة المواطنة.
إن الرهانات على مسائل الجنسية والمواطنة مهمة من حيث حقوق الإنسان ولاستتباب السلم والأمن الدوليين وخاصة في بعض مناطق أوربا التي تضم مختلف الأصول القومية، لذلك فان لجنة الخبراء عن الجنسية في المجلس الأوربي كانت قد كلفت بصياغة اتفاقية عن الجنسية، هذه الاتفاقية تعترف بان يبقى ضمن اختصاص الدولة تحديد مواطنيها وهذا الاختصاص يجب أن يمارس وحقاً للاتفاقيات الدولية والقانون الدولي العرفي ومبادئ القانون المعترف بها عامة في موضوع الجنسية وتفرض كمبدأ عام بان لكل شخص الحق في جنسيته،
ولا يجوز تجريد أحد من جنسيته تعسفاً ولا يقبل أي تمييز كما وضعت من جانب آخر بعض المبادئ المتعلقة بإسناد الجنسية وبالمصادقة على هذه الاتفاقية تتعهد الدولة بمنح الحق الكامل بالجنسية لكل طفل يكون أحد والديه من رعايا الدولة والأشخاص الذين ولدوا على أرضها والا أصبحوا عديمي الجنسية،
كما تتعهد الدولة بان تفتح إمكانيات التجنس للأشخاص المقيمين فيها وبصورة قانونية واعتادوا على إقليمها ولا يجوز ان تزيد مدة الاقامة المطلوبة على عشر سنوات.
المواطنون المنتمون للأقليات:
ادرجت مسألة حماية الاقليات مجدداً على جدول اعمال المنظمات الدولية العالمية والاقليمية فقد دفعت احداث يوغسلافيا السابقة انهيار الكتلة السوفيتية مسألة الاقليات الى المستوى الاول للضمير العالمي.
ان مصلحة المجموعة الدولية في موضوع الاقليات حتى التوت منذ عام 1945 وحتى 1989 بفعل التعارض بين الكتلتين الذي رسخ منظوراً ثنائي القطب لمشاكل العلاقات الدولية. هذه المصلحة تركزت اليوم مجددا على مفهوم الاثنية بسبب عدة عوامل كإعادة اكتشاف تضامنات محلية تجاه العولمة او انبعاثات انظمة سياسية قائمة على الرابطة الاثنية-القومية
وكان للمنظمات الدولية دور مهم مارسته لتقوية التقدم الذي حصل في الموضوع من قبل بعض الدول وشجعت الاخرى على تحسين قوانينها وممارساتها. ان التنظيم الراهن لحقوق الاقليات تعدد ولكنه لم يؤد الى نظام منسق وشامل لحماية الاقليات القومية في القانون الدولي.
وضع وتقنين حقوق الاقليات:
منذ الثورة الفرنسية عام1789 وحتى الحرب العالمية الاولى لم تقحم قضية الاقليات حيث (انه ليس هناك قضية اقليات قومية) أهمل حقوق الانسان والمواطن الصادر عام 1789 حقوق الاقليات ولم يهتم الا بحقوق الانسان بصورة مجردة. كل حق ناتج عن الثورة الفرنسية يقوم على مفهومين: الانسان والدولة. ولد حق الاقليات مع عصبة الامم التي شكلت حماية حقوق الاقليات جزءاً مهماً من برنامجها وادارة معاهدات السلام في عامي 1919-1920 م للمرة الاولى في التاريخ ضمان حقوق الاقليات. وهذه الحقوق محدودة جوهرياً بحقوق الافراد المنتمين للأقليات دون ان يجري الاعتراف السياسي بها. ان النظام الذي اقيم بمعاهدات الاقليات ورقابة عصبة الامم تتضمن على كل حال بذرة عناصر نظام لحماية حقوق الانسان: وجود قاعدة مشتركة عليا لحقوق الدول وقانون العلاقات الدولية واعتماد مؤيد جزائي للقاعدة بإقامة رقابة ثلاثية وسياسية ودبلوماسية من قبل مجلس عصبة الأمم ورقابة قضائية من محكمة العدل الدولية الدائمة.
الفكر الإسلامي للمعاهدات كانت كما فسرتها محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية مدارس الأقليات في ألبانيا لضمان تمتع المجموعات الاجتماعية المدمجة في الدولة بإمكانية التعامل السلمي وذلك بالمحافظة على الخصائص التي تختلف فيها عن الأغلبية لبلوغ هذا الهدف يجب أن يضمن للا فراد المنتمين للأقليات مساواة كاملة مع الرعايا الآخرين للدولة وذلك بإعطائهم إمكانية المحافظة على خصائصهم الاثنية وتقاليدهم.
إن نظام حماية الأقليات الذي وضع من قبل عصبة الأمم لم يطبق بسبب انحيازها، بينما كانت القوى الكبرى غير خاضعة لنفس الالتزامات التي كانت دول أوربا الوسطى والشرقية ملتزمة بها بسبب فشل يحمل أحكام المنظمة الدولية.
وقد تمسكت الحركة التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لحماية حقوق الإنسان باعتبـارهـا حقاً فردياً يتمتـع به كــل شخص دون تمييـز شخصي مبني على العرق أو الجنس أو الدين، وأصبح مبـــدأ عدم التمييز أحد المبادئ الجوهريـة لحقوقه الفرديـة ويسـمح بحمـاية ضمنيــة للأقليات.
الإطار العالمي الشامل لحقوق الأقليات:
يتشكل الإطار العالمي لحماية الأقليات من نوعين من النشاطات التي قادتها الأمم المتحدة، نشاط معياري ونشاط رقابي.
1-النشاط المعياري للأمم المتحدة:
النص الأول التحريض كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الذي أعلن في مادته الثانية الاعتراف بالحقوق الأساسية لكل فرد دون تمييز مبني على العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين هذا المبدأ ورد بدقة في إعلان اليونسكو حول العرق والمعتقدات العرقية الصادر عام1978 وفي إعلان القضاء على كافة أشكال التعصب والتمييز المبني على الدين أو المعتقد الصادر عام1981 ثم تسارعت النصوص بالنمو: اتفاقية منع وقمع جريمة الابادة الجماعية في سنة 1948 واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام1965.
أي من هذه النصوص لم يورد صراحة ذكراً للأقليات ولكن احترامها من الدول يتطلب المساواة في معاملة جميع الأفراد مهما كان دينهم أو عرقهم ويحظر إذن أن يكون للإفراد المنتمين للأقليات موضع تدابير تمييزية على أساس خصائصهم الاثنية والثقافية. بينما يكمل العهد الدولي الحقوق المدنية والسياسية الصادرة عام1966 الحقوق المعلنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأكد مبدأ عدم التمييز فانه يمثل العودة إلى مراعاة الأقليات في إطار حقوق الشعوب بفضل المادة 27منه التي نصت على انه لا يجوز في الدول التي يوجد فيها أقليات اثنية أو دينية أو لغوية أن يحرم الأشخاص المنتمون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافاتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائرهم أو استخدام لغتهم بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم.
على الرغم من أن هذه المادة تشكل تقدما في حماية حقوق الأقليات إلا أنها تتضمن بعض النقاط السلبية لأنها أشارت فقط إلى الأقليات الموجودة أي أنها تلك المعترف بها مما يجيز لبعض الدول بان تعلن أنها ليست لديها أقليات على أراضيها، يضاف إلى ذلك أن الحقوق المعلنة ليست حقوقاً فردية باستبعاد أي حق للأقليات كونها مجموعة.
وأخيرا فان المنحى السلبي للجملة يقترح مجرد التزام بالتسامح من الدولة دون التزام لاتخاذ تدابير ايجابية لتعزيز ثقافة ودين أو لغة الأقلية.
على أن تفسير المادة 27 في تطور، فقد اعترفت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقها العام المؤرخ في 6/نيسان/1994 على المادة 27 بأنه رغم التقارير السلبية المستخدمة فان المادة 27 تعلن عن وجود حق وتتطلب أن هذا الحق لا يجوز رفضه من أي شخص كما تتطلب أيضا تدابير ايجابية يجب أن تتخذ لحماية حقوق الأشخاص المنتمين للأقليات ضد أعمال الدولة نفسها وضد أعمال الأفراد والآخرين على إقليم الدولة.
إن الحماية المضمونة بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية قد اكتملت مؤخراً بنص خاص اعتمد من لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة بناء على مقترح من يوغسلافيا وهو إعلان حقوق الأشخاص المنتمين للأقليات القومية أو الاثنية والدينية واللغوية الصادرة في 21/شباط/1992. إن هذا النص ليس ذا طبيعة قسرية ضاغطة، انه نص توجيهي يتضمن قائمة من حقوق الأقليات، انه يربط حماية حقوق الأقليات بالاستقرار السياسي والاجتماعي للدول وتقوية الصداقة والتعاون بين الشعوب،
لقد اكتملت الحقوق المنصوص عليها في المادة 27 من العهد الدولي بحق تشكيل جمعيات وبحق الاتصالات السلمية مع غيرها من الأقليات وخارج الحدود ويمكن أن تمارس الحقوق فردياً أو جماعياً، حتى ولو كان هذا النص هو الأول الذي لم يعالج إلا الأقليات فانه يتضمن بعض الضعف كغياب تعريف الأقلية وغياب ضمان الحقوق الجماعية وغياب آلية الرقابة الخاصة وتشكل هذه النقطة الأخيرة أحد جوانب الضعف في حماية حقوق الأقليات وتتطلب أن تتوقف على نشاط رقابة الأمم المتحدة في هذا الميدان.
2-نشاط رقابة الأمم المتحدة:
هذا النوع من النشاط يتوزع إلى نوعين من الرقابة: رقابة ذات طبيعة سياسية ورقابة خبراء مستقلين على شكاوى فردية، إن أصول الرقابة السياسية تتركز جوهرياً على تسمية لجنة حقوق الإنسان لمقررين خاصين أو مجموعات عمل تكلف بمهمة موضوعية أو قطرية وتمارس ضغطاً سياسياً ودبلوماسياً على سلطات الدول التي توجد فيها انتهاكات لحقوق الأقليات، المواضيع التي تناولتها هي مسألة التعصب الديني عام 1987 وموضوع الأقليات عامــة لـF.Capotorti عام 1994 أما الولايات القطرية فتتعلق برومانيا عام 1990 والعراق عام 1992، إن الهدف من المقررين العامين هو تسهيل الحوار لمحاولة إيجاد حلول منتظمة ودائمة وغالباً.
ومن ناحية أخرى، فان اللجنة المعنية بحقوق الإنسان تملك صلاحية بموجب البرتوكول الاختياري للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لدراسة الشكاوى الفردية المثبتة على المادتين 26 (مبدأ عدم التمييز) و27(حقوق الأقليات) من العهد، أنها معنية بصورة خاصة سكان البلاد الأصليين والأقليات اللغوية.
القضية الأولى المهمة تعلقت بهندية من كندا وحقها في العيش في مكان محدد للتحفظ، خلصت اللجنة إلى انتهاك المادة 27 من العهد إذ أن الحق بالعيش في تحفظ لا يجوز في أن يضمن كما جاء في المادة 27 وان الشرعية لا يمكن أن تجد مجموعة إلا في التحفظ وكان يجب السماح لها بإعادة الاندماج في التحفظ نتيجة هذا القرار عمدت كندا إلى تعديل قانونها حول الهنود وإعادة الرغبة إلى التحفظ. كان على اللجنة أن تصدر أحكاما في قضايا أخرى عن مزاعم انتهاك المادة25 من العهد التي تنص على الحق في المشاركة في القرارات المتعلقة بالأقلية، ومن جانبهم فان الفرنسيين من بروتون أرسلوا عدة حالات إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان
بموجب المادة27 بيد أن فرنسا عند انضمامها إلى العهد الدولي أعلنت بان المادة 27 غير قابلة للتطبيق على إقليم الجمهورية بموجب مبدأ عدم التجزئة المعلن في المادة 2 من الدستور، اعتبرت اللجنة بان هذا الإعلان معادلة للتحفظ ورفضت بالتالي شكاوى عديدة من أهالي بروتون، وخلافاً لذلك فان فرنسا قد اعترفت بحق مواطنيها المنتمين في الواقع إلى الأقلية بالمساواة وعدم التمييز لذلك فان اللجنة تمكنت من إصدار أحكام من قضايا أخرى على أساس احترام فرنسا لالتزاماتها التعاهدية وخاصة المادة 24 من العهد الدولي لضمان محاكمة عادلة.
نظريات تحديد المواطن:
اختلفت الاتجاهات في الفقه والقضاء بصدد أسس تعيين القانون الذي يحدد به المواطن، ويمكن تلخيص هذه الاتجاهات كما يلي:
1-نظرية الإرادة:
هناك اتجاه يذهب إلى ضرورة تحديد المواطن وفقاً لإرادة ورغبة الشخص بشرط أن تكون هذه الإرادة كاملة وصحيحة قانوناً وصريحة وغير مخالفة للنظام العام فالمواطن حسب هذا الاتجاه مسالة شخصية أساسا والنية أحد عنصريه المكونين له ويجب الرجوع إلى إرادة الشخص عند تحديد موطنه، أما إذا كان التعبير عن الإرادة غير صريح فعندئذ تقوم تصرفات ووقائع خارجية مقام التعبير عنها،
وقد انتقد هذا الاتجاه لان آثار المواطنة تتعلق بسيادة الدولة، كتطبيق قانون معين أو انعقاد الاختصاص لمحكمة مختصة، فلا يصح ترك تحديد ذلك لمشيئة وإرادة الشخص فضلاً عن أن الإرادة قد تكون ناقصة فلا يمكن التعبير عنها أو غير صريحة فلا يمكن إثباتها وإزاء هذه الانتقادات هجر الفقه والقضاء هذا الاتجاه في جميع الدول.
2-نظرية القانون الشخصي:
هناك اتجاه ثان يذهب إلى ضرورة تحديد المواطن وفقاً للقانون الشخصي الذي قد يكون هو قانون الدولة التي ينتمي إليها الشخص بجنسيته في الدول التي تجعل القانون الشخصي هو قانون الجنسية لفرنسا وقد يكون هو قانون المواطن في الدول التي تجعل القانون الشخصي هو قانون المواطن كإنكلترا. ويستند هذا الاتجاه إلى أن المواطن يترك أثارا متعلقة بسيادة الدولة كتعيين القانون واجب التطبيق والمحكمة المختصة، فلا يمكن والحالة هذه أن يترك لقانون دولة أجنبية ليحكم فيما إذا كان الشخص متوطناً في الدولة أو في الخارج، وفضلا عن ذلك يؤكد هذا الاتجاه أن المواطن عنصر في الحالة
ومن ثم هو يتحدد وفقاً للقانون الذي يحكم الحالة وهو قانون دولة الشخص. لقد انتقد هذا الاتجاه أيضا لإهماله حالة عديم الجنسية الذي لا يمكن تحديد موطنه عند التنازع لأنه لا يحمل جنسية أي دولة، خاصة في الدولة التي تعتبر القانون الشخصي هو قانون الجنسية، كما أن الأخذ بهذا الاتجاه يؤدي إلى حلقة مفرغة إذا كانت الأحوال الشخصية تخضع لقانون المواطن كما هو الحال في إنكلترا.
لأنه إذا قلنا أن المواطن يتحدد بالقانون الشخصي، والقانون الشخصي هنا يكون قانون المواطن، ولمعرفة هذا القانون يجب أن تعرف أين المواطن أولا، ولمعرفة هذا المواطن لابد من معرفة القانون الذي يتحدد به أولا وهكذا دواليك.
وحتى في حالة اعتبار القانون الشخصي هو قانون الجنسية، وليكن هذا القانون الإنكليزي مثلاً فانه يحيل مسالة تحديد المواطن إلى قانون المواطن ولمعرفة المواطن يجب الرجوع إلى قانون الجنسية، وقانون الجنسية يحيلنا من جديد إلى قانون المواطن وهكذا دواليك.
وإزاء هذه الانتقادات لم يأخذ القضاء بهذا الاتجاه كثيراً، حيث هناك بعض قرارات صدرت بالاستناد إليه، ومنها قرار محكمة (جراس) المدنية عام 1926 وقرار محكمة جنيف عام1919 وقرار محكمة(جاندة) في بلجيكا عام 1920 وقرار محكمة أمستردام عام1916.
3-نظرية قانون المحكمة:
ويذهب اتجاه ثالث إلى ضرورة تحديد المواطن وفقا لقانون القاضي المعروض عليه النزاع (Tax Fort) على أساس أن المواطن عبارة عن علاقة قانونية بين شخص ودولة وان تعيينه مسألة متعلقة بتكييف هذه العلاقة والغالب في التكييف أن يخضع لقانون القاضي فعندما تثار مسألة تحديد المواطن أمام القاضي لتطبيق قاعدة من قواعد تنازع القوانين بشأنها فان تحديد المواطن حينذاك يكون بحد ذاته بمثابة تحديد لهذه القاعدة أو بمثابة عنصرا شرط في تطبيقها وهو أمر يجب أن يخضع لقانون القاضي المتعلقة بالسيادة.
برغم أن الفقه قد أيد هذا الاتجاه في فرنسا وإنكلترا وألمانيا وهولندا ولبنان إلا انه انتقد أيضا لأنه يؤدي إلى بعض النتائج غير المنطقية، وخاصة عندما يكون الشخص المراد تحديد موطنه في غير دولة القاضي. وقيل أيضا إن مسالة معرفة ما إذا كان الشخص يتوطن في بلد من البلدان، لا يمكن أن تعد من مسائل التكييف بأنه حال من الأحوال.
4-نظرية القانون الإقليمي:
ويذهب اتجاه رابع إلى ضرورة تحديد المواطن وفقاً للقانون الإقليمي أي قانون الإقليم الذي يدعى الشخص انه متوطن فيه باعتبار أن الجنسية والمواطن هما نقطتا الارتكاز اللتان يقوم عليها القانون الدولي الخاص فكما أن الجنسية أداة لتوزيع الأشخاص دولياً وان بيان من يتبعون الدولة ومن لا يتبعونها أمر متروك للدولة وحدها بصرف النظر عن مصالح الدول الأخرى فان حق تحديد من هو متوطن في إقليم دولة معينة يجب أن يترك لقانون تلك الدولة وبالتالي يجب أن يكون أمر تحديد المواطن خاضعاً لقانون الدولة التي يدّعي الشخص انه متوطن فيها دون قوانين سائر الدول الأخرى.
ومن جهة أخرى فان الدولة لا تستطيع أن تفرض بقانونها اعتبار شخص ما متوطناً في دولة أخرى شان القاعدة في ذلك شانها في الجنسية حيث لا تستطيع الدولة أن تفرض على دولة أخرى اعتبار شخص ما تابعاً لها في الجنسية.
وهناك اتجاه توفيقي يذهب إلى ضرورة تحديد المواطن وفقاً لقانون القاضي والقانون الإقليمي معاً، بحيث يتم تحديد المواطن بتطبيق قانون القاضي أولا لمعرفة ما إذا كان للشخص موطن في بلد القاضي أولا فإذا اتضح انه غير متوطن في بلد القاضي ترك القاضي قانونه الوطني وطبق قانون الدولة المطلوب الفصل في اعتبار الشخص متوطناً فيها فيتحدد الموطن حينذاك وفقاً لقانون تلك الدولة.
فهذا الاتجاه يوفق بين بعض من الاتجاهات السابقة ولا يتنافى مع فكرة السيادة في الوقت نفسه، لأنه يستبعد مساوئ الانطلاق من فكرة تطبيق قانون القاضي لتحديد الموطن خارج بلدة كما انه يضبط مبدأ تطبيق القانون الإقليمي ويكفل عدم إهدار سيادة قانون القاضي عندما يلزم القاضي بتطبيق قانونه الوطني أولا.
وقد أخذت بهذا الاتجاه قوانين بعض الدول وتبنته مؤتمرات دولية كمجموعة (بوستا منتي) الخاصة بالقانون الدولي الخاص بين دول أمريكا العام 1938 ويصرح القانون الدولي في كمبريدج الذي قرر سنة 1931 انه لا يمكن لشخص من الأشخاص أن يدعي بان له موطناً في دولة معينة ما لم يكن قانون هذه الدولة يعترف به.
وبدءاً يتضح أن هذا الاتجاه هو أوفق الاتجاهات لان المواطن عبارة عن رابطة بين شخص والدولة وهو بذلك يخضع للقانون العام ويتأثر بالاعتبارات السياسية ومبدأ السيادة الإقليمية مما يجب أن يتأثر به وتحديده قانون كل دولة لبيان من يعتبر متوطناً فيها ومن لا يعتبر.
خلاصة القول:
إن أثر ونفوذ الحقوق السياسية على مفهوم المواطنة يتضمن ثلاثة جوانب:
الاتجاه لتا طير شروط منح المواطنة، صياغة مبادئ تتعلق بفئة خاصة من المواطنين المنتمين للأقليات، إحداث تفريق في فئة غير المواطنين بين الأجانب المنتمين إلى المجموعات والأجانب خارج المجموعات، يؤدي أيضا إلى التساؤل عن بناء ديمقراطية متعددة الثقافات تأخذ بالاعتبار تعريفاً جديداً للأمة: امة متعددة الثقافات عائدة لوجود أقليات وأجانب والجدل الداخلي والخارجي حول الأنموذج السياسي لدولة الأمة.
كذلك يوجد ترابط معياري بين مفاهيم المواطنة والديمقراطية. إن مسائل حقوق الأقليات أو الأجانب نزعت أكثر فأكثر أسلحة النظرية السياسية الليبرالية لأنها وضعت موضع البحث النموذجي الديمقراطي الليبرالي، تفترض الديمقراطية المتعددة الثقافات مسبقا تنوعاً في الانتماءات الثقافية والأخلاقية والقيمية على إقليم الدول يتطلب البحث عن المواطنة التي يجب أن تكون متوافقة مع تعدد ولادات الأفراد، يجب التفكير إذن في مجتمع ديمقراطي لا يتطلب التطابق الحتمي مع المجموعة الثقافية والمجموعة السياسية يختلف الليبراليون وأنصار المجموعات على بناء المواطنة في هذا الإطار حيث يعتبر الليبراليون المواطنة كونها مركزاً قانونياً وان المشاركة تعود فيها إلى الخيارات الشخصية وعلى النقيض من ذلك يرى أنصار المجموعات بان المواطنة ممارسة وتعهد في المجال العام.
إن البعد الأساسي لأنموذج الديمقراطية المتعددة الثقافات هو في إدماج الاختلافات، مما يتعـــين العمــل بان يكون الدستور مكاناً للتعبير عن هذه الديمقراطية الجديدة. وإذا كان يمكن أن تكون التطورات في الحقوق السياسية موضع جدل ونزاع كونهـــــا عنصراً لمركــــز الفـــرد الحر، فان تطـــــور القواعـد الدوليــة لم يؤد بعد إلى انسجــــام حقيقي في الحقـــوق المدنيــة
الفصل الرابع: -الدولة المدنية والمواطنة:
تمارس الدولة المدنية الحیاد الإيجابي تجاه قناعات ومعتقدات وأیدلوجیات المواطنين. بمعنى أنھا لا تمارس الإقصاء والتھمیش والتمییز تجاه مواطن بسبب معتقداتھا أو أصولها القومية أو العرقیة. كما أنھا لا تمنح الحظوة لمواطن بفضل معتقداتھا أو أصولھم القومية أو العرقیة. منظمات المجتمع المدني والمواطنة:
تعتبر منظمات المجتمع المدني خیر معبر عن دولة المواطنة الكاملة ویتجاوز أفراده مفهوم الاعتقاد الديني الضیق إلى آفاق مفهوم مبدأ المواطنة الرحب. لأنھم تعترفون بمبدأ الاختلاف في العقيدة الدینیة التي لا تحول دون الانتساب لمواطنة مشتركة، لان المواطنة توفر آلية العیش وسط التنوع والاختلاف، على قاعدة المساواة في الواجبات والحقوق بین جمیع المواطنين. كما أنھا تمكن المواطنين من المشاركة المتساوية والمتكافئة في الشأن العام من خلال النظام الانتخابي ناخببین ومرشحین في كافة المؤسسات المنتخبة التي تعبر عن دولة القانون والمؤسسات. وكذلك من خلال العضوية في منظمات المجتمع المدني، مما یعني أن المواطن یساھم في البناء الدستوري والسیاسي والمدني للدولة من حیث ضمان الدولة لھذا الحق.
دوافع ظهور مبدأ المواطنة:
یرجع بروز مفهوم المواطنة إلى عدة عوامل، أبرزها الأزمة التي تعرضت لھا فكرة الدولة الوطنية والتي شكلت ركیزة الفكر الليبرالي لفترة طويلة؛ وذلك نتيجة عدة تحولات شھدھا نھایة القرن العشرين:
أولھا: تزايد المشكلات العرقیة والدینیة في أقطار كثيرة من العالم، وتفجر العنف والإبادة الدموية، لیس فقط في بلدان لم تنتشر فیھا عقيدة الحداثة كبلدان العالم الثالث بل أبضا في قلب العالم الغربي.
ثانیھا: بروز فكرة "العولمة" التي تبلورت على أساس التوسع الرأسمالي العابر للحدود وثورة الاتصالات والتكنولوجيا، والحاجة لمراجعة المفهوم الذي قام على تصور الحدود الإقليمية للوطن والجماعة السیاسیة وسيادة الدولة القومية، وكلھا مستويات شھدت تحولاً نوعيا
مظاهر المواطنة:
للمواطنة مظاهر مختلفة تبدو بكل وضوح في انتماء الفرد إلى وطن معین، وتمتع الفرد بحقوق المواطنة، وأداء الفرد لواجبات المواطنة، والمشاركة الفعلية في الشأن العام للوطن، وتدبير الاختلاف بالحوار، وتقدير الآخر واحترامهما كان انتماؤه العرقي أو الديني أو السياسي أو الثقافي وكذلك في الممارسة الفعلية للحقوق وللواجبات.
حقوق المواطنة:
وتتمثل حقوق المواطنة في المجالات المدنية والسیاسیة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية وغیرھا.
1 – الحقوق المدنية:
2 -الحقوق السیاسیة:
3 – الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:
مجتمع المواطنة الحقة:
یقوم على التربية السليمة للقیم والأخلاق بدءا من الأسرة مرورا بالمسجد والكنيسة وصولا إلى المدرسة والجامعة دون أن ننسى الدور الطلائعي الذي یلعبھا باقي فرقاء المجتمع المدني من صحافة وجمعيات المجتمع المدني.
لماذا ننادي بتفعيل مبدأ المواطنة الآن؟
لأننا نرغب في إحداث تغییر وتعديل في المفاھیم المجتمعة الخاطئة كالتعصب والعنف. ونرغب في النهوض بالمجتمع المصري ویتطلع إلى التقدم ونرى في التعددية والاختلاف قیمة كبیرة لإثراء المجتمع. ونرغب في مشاركة الآخرين والتعاون معھم في نشر وتبنى مفاھیم مثل التعددية والمساواة وقبول الآخر.
ونحمل أفكارا نسعى إلى تنفیذھا في ھذا المجال.
ونحن ندعو إلى المشاركة في تفعيل مبادئ المواطنة وثقافة التسامح وعدم التمییز إلى جانب إعلاء القیم والمبادئ الحقوقية ونشر ھذه المبادئ كحل لما تشھده مصر من أحداث عنف طائفي وتعصب تجاه الآخر المختلف، ومشاكل التمییز وعدم المساواة بین الرجال والنساء.
وكذلك التصدي لدعوات التعصب والكراھیة بین أفراد المجتمع ليكونوا قادرین على المشاركة والتعاون مع الآخرين على نبذ العنف والتعصب ونشر ثقافة التعددية والتنوع وقبول الآخر والعمل في مجموعات لإنتاج أفكار مبتكرة وجديدة لتوصيل ھذه القیم والمبادئ.
وأھم ھذه المبادئ ھي:
ـ المواطنة ومبدأ تكافؤ الفرص
ـ التسامح وقبول الآخر
ـ عدم التمییز وأھمیة الاندماج في المجتمع.
ـ تشجيع قیم التعددية والتنوع ودورها في إثراء المجتمعات الإنسانية.
ـ ونشر ثقافة التسامح والتعددية وقبول الآخر في وسائل الإعلام المختلفة.
نتائج الدراسة: توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج وهي: -
1- ومهما كان الاختلاف حول تقييم أداء المجتمع المدني في بلدان مثل تونس وليبيا والمغرب ومصر وسوريا واليمن. وتباين وجهات النظر حول عقلانية المطالب المرفوعة والممارسات المستحدثة مع قيم الديمقراطية، فقد تمكن المجتمع المدني في كل ذلك من ابتكار أشكال مستحدثة من الاحتجاج والضغط والمشاركة في صناعة القرار السياسي إلى حد فرض خياراته في أكثر من حالة.
لقد كشفت إدارة مرحلة الانتقال الديموقراطي في تلك البلدان نشأة علاقات جديدة بين الدولة والمجتمع المدني يعاد فيها رسم الفضاءات والأحيزة وقواعد اللعبة، كما أثارت جملة من القضايا المجتمعية والنظرية فهمها
وتحليلها من خلال أربعة محاور رئيسية:
2-المحور الأول: إشكالية المفهوم والمعنى
3-انطلاقا من ملاحظات ألكسيس دي طوكفيل Alexis De TOCQUEVILLE ووصولا إلى تنظير أنطونيو غرامشي Antonio GRAMCHI حول الهيمنة الثقافية، وعلى الرغم من التراكم النظري ومركزية حضوره في الفلسفة السياسية والعلوم الاجتماعية والسياسية وفي الأدب السياسي الحديث والمعاصر، ظل المجتمع المدني مفهوما جداليا غائما ومنفلتا عمقت كثافة استعمالاته طابعه الإشكالي، وحولته الى مفهوم "جراب " يتسع لكل شيء ويتمطط ويُستعمل كيفما اتفق دون ضوابط منهجية.
4-لعلّه من المفيد الانتباه النقدي إلى ذلك والسعي إلى تحديد تحولاته وديناميته المفهومية في علاقته بمفاهيم اخرى كمفهوم الحزب أو الطبقة السياسية أو النخبة، خاصة إذا اعتبرناه مفهوما محوريا للتفكير في مراحل الانتقال الديمقراطي.
وهذا من شأنه أن يتطلب مساءلة أبعاده الاجرائية ورهاناته التعريفية وجدواه المفهومية، وخصوبته التحليلية والبحث في استتباعات "توطينه" في بيئة المنطقة العربية والتي فيها تتكثف الخصائص الثقافية
5-والانتروبولوجية (الوجهاء المحليون، والفضاءات، والمكانات الاجتماعية التقليدية) الفاعلة والمؤثرة. ولعل ما يدفع أكثر لتجديد البحث في مفهوم المجتمع المدني وإشكاليات استعماله وقدراته الإجرائية هو تجاوز الثنائية المبسطة: المجتمع المدني /الدولة، ومرور الدولة الراعية أو دولة الرّفاه بسلسلة من الأزمات،
وتنامي أشكال جديدة من الاحتجاجات، وتصاعد دور تكنولوجيات التواصل الحديثة في الحشد والتعبئة، وأزمة الاعتراف والشرعية المتبادلة بين الدولة وبقية الفاعلين الاجتماعيين فضلا عن التمظهرات الجديدة للروابط بين الفرد والمجتمع.
6-المحور الثاني: المجتمع المدني، الأدوار، الوظائف والانتقال الديمقراطي
7-يسعى هذا المحور إلى مزيد تسليط الضوء على الأدوار والوظائف التي يؤديها المجتمع المدني في مراحل الانتقال الديمقراطي التي تتسم عادة بالتعقيد وتعدد المسارات وتباين المآلات. بعد " الربيع العربي" تغير المشهد المدني العام ببروز بوادر "انفتاح" سياسي بإدماج أطر دستورية وتأكيد علوية القانون. وقد يسرت تلك البوادر بظهور حاجيات جديدة مثل حماية الحريات والحقوق الجماعية والفردية، فتوسعت منظومة المشاركة الاجتماعية والسياسية وتصاعدت المطالب المنادية بتغيير قواعد ممارسة السلطة.
8-كما أفضت إلى تبلور تعبيرات مدنية متنوعة فتغيرت العلاقة بالسلطة، وبكيفية إدارة الشأن العام والتعاطي مع الروابط الاجتماعية الجديدة، في ظل وجود شبكات المصالح ودوائر المناصرة التي تشكلت. يضاف إلى ذلك تنامي الاحتجاجات المواطنة خارج الأطر السياسية التقليدية للديمقراطية التي اتخذت من الشارع والساحات العامة ووسائل الإعلام التقليدي وشبكات التواصل الاجتماعي الحديثة فضاء لها.
كل هذه المؤشرات تستدعي إعادة النظر في جغرافية الأدوار والوظائف التي يؤمنها المجتمع المدني عموما، بين تدعيم تماسك الفئات الاجتماعية أو تذكية التوترات بينها، والتفاوض بصيغ مختلفة حول توفير الشروط الضرورية لتأسيس الممارسة الديمقراطية وتأكيد قيمها وتجديد ممارستها، وذلك في مراحل الانتقال الديمقراطي بشكل خاص.
9-لقد انفتح مفهوم الديمقراطية على مسائل مفهومية متفرعة عنها كالديمقراطية التشاركية والديمقراطية المحلية والحوكمة وقضايا التفاوت واللامساواة والفساد وأدوار الرقابة وإدارة الصراعات واستراتيجيات الدفاع عن المصالح ونشأة مجموعات الضغط وأشكال جديدة للفعل المواطني.
فكان أن برزت صعوبات في ضبط أدوار المجتمع المدني ووظائفه خصوصا مع أزمة تكلس التصور والابتكار السياسي (في الأحزاب وفي المؤسسات المنتخبة) وطريقة ممارسة الفعل السياسي، وكيفية انخراطه في وظائف ثقافية واجتماعية وتنموية.
10-يبدو هذا الأمر وكأنه "افتكاك" للوظائف التقليدية أو تقليص منها على حساب الدولة ولصالح منظمات المجتمع المدني.
فهذه الأخير ة بصدد فرض نفسها كفاعل سياسي شرعي يؤثر في السياسات العمومية ويضغط عليها عبر قدراته التعبوية خاصة أثناء إدارة الانتقال السياسي والتوجه نحو إرساء التعددية وتأصيل المطلب الديمقراطي وما يثير ذلك من رهانات على مستوى الشرعية السياسية. ألا يشكل تنامي الحراك المواطني خارج الأطر المؤسساتية التقليدية في الشارع والساحات العامة والفضاء الافتراضي خطرا على "تماسك المجتمع" وعلى سيادة الدولة؟
هل يستقيم حال ديمقراطية قائمة على التمثيل والانتخاب بإضعاف دور النخب والأحزاب السياسية وتعويضها بفاعلين مدنيين؟
11-إن هذه الأسئلة الوجيهة تحث الباحث على تشخيص الرهانات والغوص فيها، والتطرق إلى أنماط مساهمة مؤسسات المجتمع المدني في تدوير النخب وتجديد الطبقة السياسية والنظر في ما إذا تحوّل المجتمع المدني فعلا إلى سلطة مضادة. .
12-سمحت التحولات السياسية الجارية حاليا بنشأة بيئة مناسبة لنمو المجتمع المدني وتطوره من خلال تيسير إنشاء الجمعيات وتوسيع دائرة الحريات العامة.
ومع ذلك يبقى السؤال قائما حول علاقة المواطنة والسياسة بالحق والقانون، وهو كالتالي: ماهي خرائط الثقافة السياسية المواطنية الجديدة؟ وهل تسعى الأحزاب إلى الهيمنة على منظمات المجتمع المدني، وهل أنها ترى فيها امتدادا فضائيا لنشاطها وحقلا لنشر ايديولوجيتها؟
13-كيف تتفاعل منظمات المجتمع المدني مع البنى الاجتماعية التقليدية (عشائر وقبائل وعروش وطرق...)؟
14-هل أن المجتمع المدني كيان موحّد أم هو مجموعات وهياكل وجمعيات متناثرة، يحكمها منطق التوازنات ومراكز المصالح ومجموعات الضغط، وتشابك المحلي والجهوي والوطني؟ ألا تستدعي والحال هذه، تشخيص "تفاصيل" الانتقال الديمقراطي والسلوك المدني، ومساءلته عن طريق دراسة حالات معينة من الجمعيات والمنظمات وفحص تغير شبكاتها وخطاباتها وأنماط أنشطتها وممارساتها؟
هل استطاعت هذه الجمعيات والمنظمات أن تقدم صورة جاذبة تغري بالانضمام إليها في ظلّ تسجيل حالات محيّرة من العزوف عن الشأن العام في أوساط عديدة أهمها أوساط الشباب؟ هل تمكن المجتمع المدني من صياغة فعل اجتماعي يسمح للمواطن بتمثل علاقة جديدة مع محيطه السياسي وتمثل فعله المدني وعلاقته بالشأن العام؟
15-المحور الرابع: المجتمع المدني والنوع الاجتماعي
16-مكن الانتقال الديمقراطي من خلق ديناميات سياسية نسوية متنوعة ومكثفة لعبت فيها المرأة أدوارا رئيسية مختلفة. فقد فتح الحراك السياسي آفاقا جديدة أمام تمكين المرأة من مشاركة أكبر عبر الدسترة وبقية المجهودات التشريعية. ولنا أن نتساءل: هل تمكنت التحولات السياسية من فتح مجالات فعل جندري يؤصل لمكانة المرأة كفاعل كامل الحقوق؟ هل تمكن من القطع مع الصور النمطية التي تنتقص من الدور السياسي والمدني للمرأة إذا ما استثنينا حجمها التصويتي؟
وهل كشفت الحركية المدنية والسياسية وحتى الدستورية عن جيوب ممانعة تحصنت بها الثقافة الابوية/ الذكورية التي قد تكون مهيمنة حتى داخل منظمات المجتمع المدني؟ كيف يمكن أن نقطع مع الرهان السياسي الفج على القضايا أو توظيفها للتسويق وحشد الأصوات؟ وهل من مقاربات مبتكرة تنمي مشاركة أكثر عمق وفاعلية للمرأة في المجتمع المدني؟
وهذا بحد ذاته دور مهم في عملية التنشئة التي تقوم بها هذه المؤسسات في بناء مجتمع واعي سياسياً وديمقراطياً، إذ يمارس فيه كل فرد حقوقه وحرياته دون الاعتداء على الآخرين والكيان السياسي للدولة.
-التوصيات
1 –. يجب العمل على وجود مؤسسات ومنظمات مجتمع مدني فاعلة تسهم في توسيع قاعدة المشاركة السياسية، وتعميق مستويات الديمقراطية وتعميق المشاركة المجتمعية على أسس قانونية ومشروعة
2 – يجب تفعيل دور رجال الاعمال في مصر عليهم مسئولية كبرى في دعم الجمعيات الاهلية خاصة ومنظمات المجتمع المدني عامة بما يساعدها على القيام بهذا الدور المطلوب منها في خلق بيئة مدافعة عن الوطنية والمجتمع المدني
3 –يمكن النظر إلى هذه المنظمات والمؤسسات بأنها تعبير عن رسالة اجتماعية سياسية من القيم والأفكار والممارسات التطوعية والخيرية وحب البشرية والتعاضد المتبادل الهادف لبناء الأسس والبنى التحتية لمجتمع مدني متحضر يقوم على مبادئ التطوعية
والاستقلال الذاتي والمواطنة الفعالة والمشاركة القائمة على التوفيق بين المصالح الخاصة المتباينة من أجل الصالح العام وقبول الاختلاف والتنوع؛ ما يقود إلى تجويد وتحسين رأس المال الاجتماعي باتجاه إعادة هيكلة البنى والبيئة الاجتماعية لصالح التعددية والعلنية والاعتدال والتسامح والتعامل السلمي.
4-ومما نحتاجه من إعلامنا بوسائله مختلفة الآتي:
أ‌-برامج جديدة موجهة للشباب وعلى وجه أخص تناقش معهم همومهم وتطلعاتهم، وتستضيف دورياً شرائح مختلفة منهم من خلال جولات إعلامية لمختلف مناطق الوطن، كل ذلك من أجل تعزيز الانتماء للوطن وتنمية الحس الوطني.
ب‌-تكثيف المهرجانات الوطنية التي تتبناها وزارة الثقافة والإعلام، أو تتعاون مع مؤسسات المجتمع المختلفة في نقلها حية للجمهور من خلال أجهزتها وإدارتها المختلفة.
ت‌-المواطن العربي في مختلف أرجاء الوطن يحتاج لأن يسمع صوته من خلال الإعلام وهنا نقترح أن يقوم الإعلام المرئي بتهيئة مادة إعلامية تكون بمثابة " منبر وطني " دونما كلفة أو تعقيدات يترك للمواطن البسيط أن يعبّر من خلاله عن كل ما يريده ومن ثم يستمع كل مسئول معني إلى هموم المواطنين لتشكل هذه الأداة الإعلامية قناة تواصل مباشر بين الوطن والمواطنين.
ث‌-تفعيل معنى الرقابة والمسؤولية على كل ما يخلّ بثقافة المجتمع وأمنه سواء في الفكر أو السلوك خصوصاً تلك المادة التي يمكن أن يتداو لها الناس مسموعة أو مقروءة أو مرئية، وتشكيل هيئة رقابة فاعلة من إعلاميين وشرعيين واجتماعيين لتقوم بهذه المسؤولية.
5-وعلى مستوى المؤسسة السياسية يحتاج المجتمع إلى صناعة وتفعيل معنى الوطنية وتفعيله إلى العمل على مستويين:
الأول: في مفهوم التعزيز.
والثاني: في مفهوم الحماية.
ومما يمكن التوجيه به لتحقيق المعنيين الآتي:
أ‌. تبني مفهوم التنمية الشاملة والمستدامة لكل أرجاء الوطن فلا يهمش مكان على حساب أو لحساب آخر.
ب‌. دعم الفئات الأكثر احتياجاً في المجتمع لأن الحاجة عادة ما تؤثر في السلوك وبالتالي فوجود مؤسسات تلبي حاجة الناس في الإقراض أو التوظيف وسد العجز وغيرها هي عوامل من شأنها أن تعزز من جهة وتحمي معنى المواطنة وتحمي من جهة أخرى المواطن من الانحراف. ج‌. التأكيد على تعليم القيم ودراستها في كل مراحل التعليم خصوصاً قيم العمل، والمشاركة الاجتماعية، وقيمة الأداء والإنجاز.
د‌. تشكيل هيئة وطنية فاعلة لحماية ((الهوية الوطنية)). وإذا كان لدينا من الهيئات ما تختص بالسياحة، وبحقوق الإنسان، وبحماية الحياة الفطرية، فإن " حماية الهوية الوطنية " في تقديرنا يعد اليوم أكثر أهمية خصوصاً في عالم يعج بالمتغيرات المفيدة والمخيفة في آن واحد.

خامسا: -الخاتمة: -
وعليه فإن منظمات المجتمع المدني تلعب دوراً فاعلاً في عمليات التنشئة الاجتماعية والسياسية، وهي إحدى الوسائل الرئيسية في هذا المجال، ويمكن لنا إيجاز الأدوار التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني في مكافحة التطرف والغلو ومن خلال ما يلي:
أولاً: تحقيق النظام والانضباط في المجتمع، إذ إن هذه المنظمات ليست تطرفية أو موجهة، والأصل فيها الحياد والحيادية في العمل والإجراءات المتعلقة بتلك المنظمات، وتشكل أداة رقابية على سلطات الحكومة وضبط سلوك الأفراد والجماعات تجاه بعضهم البعض، ومن المعروف أن كل منظمة لها جملة من القواعد (النظام الداخلي) بخصوص الحقوق والواجبات الملقاة على عاتق الفرد المنضوي تحت مظلتها كعضو فيها، وبعض المنظمات تلزم الأعضاء بالقواعد والأسس وأحياناً تكون شرطاً لقبولهم في العضوية.
ثانياً: عمليات التنشئة الاجتماعية والسياسية، حيث أن هذا الدور من أهم الأدوار التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني من القيم والمبادئ بين الأفراد الأعضاء وغير الأعضاء من خلال النشاطات المختلفة التي تقوم بها، ناهيك عن خلق القيم المثالية والانتماء والولاء والتعاون والتضامن والقدرة على تحمل المسؤولية وتنقل هذه القيم لبقية أفراد المجتمع بوسائل متعددة، وتسعى هذه المنظمات إلى تعزيز روح المبادرة بين الأفراد؛ ما يقود إلى طرح وابتكار مقترحات خلاقة تعزز بناء قدرات المجتمع بصورة كلية.
إضافة إلى قدرة هذه المؤسسات على احترام حرية الفرد والمجموعات، إذ لا يتغول عليها أحد بسبب معتقده، أو مذهبه، وهذا معيار أساسي في تكوين منظمات المجتمع المدني، حيث تعمل على حماية الفرد ومعتقده وتمثل مظلة قانونية للجميع، وهي أيضاً حامية للآخر لا مكان فيها للعنصرية، والتطرف، والغلو، ولا مكان فيها للإقصاء والتهميش للآخرين،
ويضاف إلى ذلك احترام حقوق الإنسان السياسية والمدنية قولاً وفعلاً من حيث دعم وتعزيز حقوق الفرد الأساسية والسياسية والثقافية والاقتصادية بغض النظر عن جنسه، أو عرقه، أو دينه، أو معتقده السياسي، أو مذهبه، فهي تلعب دوراً أساسياً في حماية الحريات العامة وحقوق المواطنين، وبالتالي لا مجال فيها للتطرف والغلو
لأن من أهم أساسياتها هو معيار الاعتدال والتوازن، وتساهم أيضاً في عملية نشر الوعي والثقافة المتوازنة المعتدلة من أجل ضمان حريات وحقوق المواطنين وإعلاء مبادئ المساواة وإرساء العدل في الواجبات، وهذا بحد ذاته يكفل للدولة والوطن مستويات عالية من الأمن والاستقرار.
ومن التحديات الأخر التي تواجهها مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الإرهابية هو خطاب الإرهاب ، الذي یطرح تساؤلات حول المبادئ والموازين التي کان هناك تصور سابق بأنها بعیدة عن نطاق التشكيك والسؤال ، ومن أوضح الأمثلة والتي شکل في الوقت ذاته أحد الهواجس في هذا المجال ، منع التعذيب ، فالشك في مسألة « منع التعذيب »أوجد شکوکا أساسية بشأن جهود الدعم التي تقوم بها المنظمات غیر الحکومیة وأوجد أيضا تحديات کبیرة لاستمرار نشاطاتها ، وإضافة إلی ذلک فإن «سياسات مواجهة الإرهاب» ترکت تأثيرات سلبية علی مفهوم « الاختلاف في العقيدة » كمفهوم ديمقراطي ،
وقد أثرت هذه السياسات بشکل خاص علی أداء المنظمات الأهلة ووسائل الإعلام العامة، بما صعب من عمل المؤسسات المدنية وتعاملها مع الحكومات والتجمعات المحلیة ومن التحيات الأخری المرتبطة بالموارد السابقة هو القلق من مسألة کون المؤسسات المدنية والمنظمات الأهلة تشکل عائقا أمام الدول في مواجهة الأخيرة لظاهرة لإرهاب، وفي مثل هذه الظروف فإن السعي لتحقيق احترام حقوق الإنسان ومراعاة القوانین باعتبارها عناصر أساسية في استراتيجية فاعلة لمواجهة الإرهاب تعتبر «دعما للإرهاب»
کما تتهم المؤسسات المدنية بأنها تسعی لتحقيق أهداف جهات أجنبية بدل اهتمامها بالمصالح الوطنية، وفي بعض الأحيان یجري قطع ميزانيات المنظمات الأهلية بسبب ارتباطها بالإرهابیین وعلم تلک الدولة بذلك، لکن المسألة التي تبعث علی القلق أكثر هي تعذيب المدافعين عن حقوق الإنسان تحت شعار مواجهة الإرهاب،
وقد وصل هذا التعذيب أحيانا إلی تهديد السلامة حیاة بعض المدافعين عن حقوق الإنسان أبضا، في حین أن أغلب قطاعات المجتمع تفتقد لفهم صحیح وإمكانية الحصول علی معلومات موثقة حول الإرهاب ومواجهته، وهنا نجد من الضروري التأکید علی لزوم صحة المعلومات التي تقدمها المؤسسات المدنية والمنظمات الأهلية وفي تحسین أساليبها لنشر هذه المعلومات، ومن المهم أبضا تشکیل جبهة سیاسیة عریضة ودعم الائتلافات التي تسعي لنشر قیم الديمقراطية وحقوق الإنسان، یعتبر حضور ودور مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية أمرا حیاتیا في السعي لمكافحة الإرهاب،
وذلك بسبب الدور القیم الذي تلعبه هذه المؤسسات والمنظمات في المجتمع، ومع ذلک یجب علی الحكومات والدول أن تعمل علی مشارکة حقيقية مع هذه المؤسسات والمنظمات وأن تتجنب الاستغلال السياسي أو الأمني للمعطيات التي تقدمها، وبالطبع فإن المشاركة بین الحكومات ومنظمات المجتمع المدني تختلف بحسب الظروف وهي مرتبطة بالواقع السیاسی لکل بلد.
ان الخطة الفاصلة بين معركة التكوين وبين معركة البناء خطة حاسمة وهامة ومن ثم كانت لحظة تاريخية نتذكرها لا لنفرح ونسعد فقط. وانما لنثمن الجهد المبذول في ابراز هذا الكيان الحضاري ونعمل على المحافظة عليه بالالتفاف حول قادتنا المخلصين الذين يبذلون كل جهد لإسعاد وراحة المواطن في هذه البلاد العزيزة ونعمل على تنميته بالعمل الجاد والصادق والمخلص ان هذا المنجز العظيم امانة في اعناقنا ومن واجبنا ان نحافظ عليه وان نبذل ما في وسعنا من جهد لتنميته.
انها الارض التي اقلتنا بتربتها واظللتنا بسمائها واروتنا بمياهها وغدتنا بخيراتها انه الوطن الذي عشنا في ظلاله في أمن واستقرار ورخاء عيش لا يوجد له مثيل في كثير من بلاد العالم بفضل الله ثم بفضل قيادتنا الحكيمة الساهرة على مصالحنا وتحقيق العيش الرغيد لنا جميعاً.
هذا الوطن الذي صنعه الصدق والاخلاص والتفاني والبطولة التي بذلها باني هذا الوطن اننا جميعاً في هذه البلاد سعداء بهذا اليوم وسعداء بالوفاء لهذا اليوم وكل الذي نرجوه من الله عز وجل ان يديم على هذه البلاد نعمة الأمن والاستقرار والرخاء بفضل تمسكنا بعقيدتنا
إن إيماننا راسخ بقدرة الشعب على التمييز بين أولئك وهؤلاء كذلك نحن من جهتنا ملزمون ببيان ما هو حق وما هو واجب في هذه المعركة ، وقلنا ذات مرة ونكرر ذلك هنا ونقول : بان البناء أو التأسيس يجب ان يركز على الإنسان وعلى بناءه الصحيح الغير مدلج والغير مؤطر بأطر الطائفية والقومية وما هو ضيق من المدعيات ، بناء الإنسان يعنينا نحن المصريين فالإنسان هذا الكائن البشري لهذا فمن لوازم وطبيعة البناء الصحيح إعادة الاعتبار لهذا الإنسان المصري ذكراً كان أو أنثى ، من خلال إعادة صياغة مشروع الحياة التي تحقق له العيش بكرامة وحرية وتحقق له الاكتفاء الذاتي وترفع عنه الحاجة والعوز حياة حرة متكافئة متساوية للجميع، وإعادة برامج التثقيف المجتمعي التأهيلي فيما يخص طبيعة الحقوق والأنظمة والقوانين. إن البناء والنهوض والإعمار ليست مصطلحات إعلامية وحسب بل هي برامج توعية وتعليم ومعرفة شاقة ومصيرية،
ومن طبيعة البناء الحديث نفهم شروط ذلك ولوازمه التي تقتضي التغيير في بعض أو كل ما هو قديم وبالي من عادات اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية، والتغيير هذا طريقه شاق لهذا واجب علينا جميعاً تأييد الحكومة وتشجيعها في هذا المجال وعدم وضع العراقيل في عملها، لأن البناء الذي نفهمه هو -تشريع وسلوك -لا ينفصلان عن بعض حينما يتعلق الأمر بالمصير والإرادة، وطبيعي في هذا الشأن أن نقول : إن التركيز على الأمن وأدواته مطلوب ، لكن لا يجب أن تبعثر كل الجهود وكل الطاقات وكل المال في هذا الاتجاه ، و استحضار الهمة في مواجهة الصعاب ،
لهذا أقول: يلزمنا التركيز على بناء الإنسان وتسخير كل ما هو ممكن في هذا الطريق لأنه الضمان الممكن في الاستقرار والسلام والأمن، ومعلوم بالضرورة إن الدول التي تعيش الاستقرار والأمن إنما هي تلك الدول التي حققت الأمن الاقتصادي والضمان الاجتماعي والحقوق قبل الواجبات، من خلال التركيز على الحرية الاقتصادية والحرية السياسية والحرية والثقافية ومحاربة الفساد الإداري والمالي ومحاربة الرشوة والكسب الغير مشروع وتحديد موارد الدولة فيما يخص قضايا البناء والإعمار.
يجب تكريس قيم المحبة والغيرية والوطنية والتعاضد والتكاتف الوطني فيكونوا عونا لرجال الوطن الساهرين لتحقيق أمنهم وأمانهم في كشف المجرمين وداعميهم وحاضنيهم، والوعي الذي صار ميزة يفاخر بها المصريون شعوب الأرض، وبالمقابل هي فرصة لدعوة الحكومة وكافة أجهزتها للوقوف إلى جانب الناس والتواصل معهم من أجل أن يطمأن الجميع أننا في وطن من حقه أن يعيش بسلام. ‏
فمعركتنا هي ثقافية بامتياز حيث تشمل ثقافة ارساء مشروع الدولة المصرية وبناء ثقافة الولاء بين الدولة والمواطن داخل الوطن الواحد تلك معركة المستقبل وهي أصعب من المعركة العسكرية فهي تحيي الإنسان ولا تقتله فأداتها القلم والكلمة وتلك أداتها الرصاص والبندقية وما أسهل قتل الإنسان وما أصعب بنائه إن بناء السلام يحتاج إلى بناء قوة تحميه، ليكون سلامًا صحيحًا لا استسلامًا مغلّفًا بعباءة السلام،
وإن بناء منظومة تعليمية وتربوية وثقافية وقيمية وأخلاقية ووطنية صحيحة ليس نزهة أو مجرد أفكار أو أحلام نوم أو يقظة، إنما هو جهود مضنية ومؤمنة بالله (عز وجل) وبوطنها ، يحمل همها رجال لا ينامون ولا يمكن أن يفكروا في الخلود إلى الراحة أو الكسل أو الفتور أو الإحباط، إنما يحملون دائمًا مشاعل الأمل في غد أفضلٍ ، رائدهم مرضاة الله (عز وجل) ، ومصلحة الوطن التي هي أيضًا مرضاة لله تعالى، رجال لا يلهيهم ولا يثنيهم ولا يصرفهم عن هدفهم السامي أي صارف أو صادٍّ، رجال مؤمنون بالله وبأوطانهم، ولديهم الرؤية والفكر والقدرة على العطاء وتحمل المشاق.

سادسا: -المراجع:
1-راجع محمد زين الدين: "محاضرات في القانون الدستوري" مطبوع خاص بطلبة الأولى ـكلية الحقوق المحمدية ـ السنة ال جامعية2003/2002
[2] -V.ANICET LE PORS -La citoyenneté- que sais je -Paris 2000-p3
[3] -أنظر محمد عابد الجابري:" العولمة: نظام وإيديولوجيا" دراسة ضمن المؤلف الجماعي:" العرب وتحديات الهيمنة والعولمة " منشورات المجلس القومي للثقافة العربية-الكتاب الثقافي السنوي-2-1997-المؤسسة العربية للنشر والابداع-البيضاء1997-ص15.
[4] -راجع فيليب برو"علم الاجتماع السياسي "ترجمة محمد عرب صاصيلا -المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع -الطبعة الأولى 567-ص1998
[5] - V. Ph.Ardant "institutions politiques et droit constitutionnel " L G D J - paris 2001.p164
[6] - V. Robert a.Dahl ـon democracy yale university1999.p82
[7] -راجع محمد زين الدين:" محاضرات في القانون الدستوري " مطبوع خاص بطلبة الأولى ـكلية الحقوق المحمدية ـ السنة الجامعية 2002/ 2003
[8] -Sieyès, « Reconnaissance et exposition raisonnée des droits de l'homme et du citoyen, Comité de Constitution, 20 et 21 juillet 1789 » in Yannick Bosc, Sophie Wahnich, Les Voix de la Révolution Projets pour la démocratie, préface de M. Vovelle, Paris, La Documentation française, 1990, coll. « Notes et études documentaires », p. 470
[9] -أنظر السيد ياسين:" المواطنة في زمن العولمة" المركز القطبي للدراسات الاجتماعيةـ سلسلة المواطنةـ الدار المصرية22/24 ص 2002
[10] -راجع يوجين دبليو. هيكوك الابن: " الفيدرالية والمواطنة والمجتمع المحلي " ضمن المؤلف الجماعي: المجتمع المدني في القرن الحادي والعشرين" تحرير دون إي. إيبرلي -ترجمة هشام عبد الله -مراجعة فؤاد سروجي-دار الأهلية -الصفحة277
[11] - Leca Jean « Réflexions sur la participation politique des citoyens en France » in Yves Mény, Idéologies, partis politiques et groupes sociaux, Études réunies pour Georges Lavau, Paris, Presses de Sciences Po [Presses de la Fondation nationale des sciences politiques] 1991 [1re édition 1989], coll. « Références » p. 139
[12] -Braud Philippe" Sociologies polities" Paris، LGDJ, 1998، p 603. [13] -أنظر محمد زين الدين " الممكن والمستبعد في خلق مجتمع مدني بالمغرب" جريدة الاتحاد الاشتراكي -الثامن دجنبر 1996
[14] -راجع مايكل إس جويس " المواطنة في القرن الحادي والعشرين: ضمن المؤلف الجماعي: المجتمع المدني في القرن الحادي والعشرين" مرجع سابق الذكر. الصفحة 59 [15] -أنظر محمد زين الدين"الممكن والمستبعد في خلق مجتمع مدني بالمغرب" م س ذ.
[16] -راجع هيجل "العقل في التاريخ".
عن كتاب الفلسفة المركز القومي البيداغوجي ـتونس راجع إميل دوركايم: "التربية الأخلاقية "ترجمة محمد بدو
[17] -راجع إميل دوركايم: "التربية الأخلاقية "ترجمة محمد بدوي ـ
[18] - v Timmons Roberts. Amy hite from modernization to globalization :blackwell publishers/ usa 2000-p197
[19] -مؤخراً انتصر الزعيم "لولا" في البرازيل وهو قائد عمالي ونقابي سابق ليصبح رئيساً للدولة البرازيلية
[20] -راجع محمد زين الدين:"الديمقراطية المعولمة" مجلة فكر ونقذ العدد73 سنة 2005 21ـ حسن الشامي ـ تقرير التحول الديمقراطي في مصر 2011 ـ الحوار المتمدن ـ العدد: 3712 ـ نشر بتاريخ 29 أبريل .2012
22ـ عبد العزیز قریش ـ مفھوم المواطنة وحقوق المواطن -الجزء الثالث ـ 9 یولیو 2008 ـ 32 ـ محمد زین الدین ـ بناء مجتمع المواطنة ـ الحوار المتمدن-العدد: 1551 – 15 مایو 2008.