اقتلاع الإرهاب الفكري من جذوره
الدكتور عادل عامر
إن ظاهرة الإرهاب ظاهرة عالمية، لن تكلل بالنجاح في غياب مواجهة الفكر المنتج للظاهرة؛ الأمر الذي يستدعي تعاونًا دوليًا مكثفًا؛ لتمكين الخطاب الديني المعتدل ضد الفكر المتشدد، وعدم اختزال محاربته على طائفة، أو شريحة، أو جماعة، أو دولة بعينها؛ من أجل وضع التصورات، والسياسات الإجرائية التي تكفل مواجهته، ووقف نزيف التحول نحو التطرف، وممارسة العنف، ومواجهة هذا الفكر، وهو معيار النجاح الذي نطمح إليه.
فالمفاهيم الدينية الحالية والتي تهيمن على الفكر الإسلامي للأسف الشديد تكرس للعنف والغل والكراهية وتشعل نيران التطرف الديني، وليس أدل على ذلك من وقوف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وبقوة ليطالب رجال الدين الإسلامي وشيوخ الأزهر بعرض مفهوم أو خطاب ديني جديد ووصفه بأننا نحتاج إلى "ثورة دينية"
رغم صعوبة المعركة ضد الإرهاب، فإن اقتلاع الإرهاب من جذوره ليس عملاً وقتياً كما في المعالجة الأمنية المنظمة؛ كونه يتطلب تعميق الجبهة الداخلية، وتعزيز الحوار الثقافي، والديني، وانتهاج مبدأ التسامح كوسيلة لتقوية تعامل المجتمعات مع التطرف العنيف، وتعزيز الاستجابة – الثقافية والاجتماعية والتعليمية – لخطر التطرف.
كما أنني لا أستطيع إغفال اعتماد أساليب الحوار القائم على الحجة، والإقناع، والتنوير بمخاطرة، وآثاره خصوصًا ما يطرح في وسائل الإعلام الحديثة، التي تعتمد على شبكات مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة قادرة على الإفلات من الرقابة.
أول خطوة لحل أي مشكلة تواجه الإنسان هو الاعتراف أولا بأن هناك مشكلة في وجود نصوص يرتكز عليها الإرهاب في كل تصرفاته وأيضا آيات قرآنية يتخذونها ذريعة للقتل وتكفير الناس بمناسبة أو بدون مناسبة بسبب التأويل والتفسيرات المغلوطة أو تفسيرات من شيوخ لا يعلمون شيئا عن كلمات اللغة العربية ومعانيها المختلفة، فهل شيوخ المسلمين مجتمعين بأن هناك مشكلة من الأساس أم لا؟
أم أن هناك شيوخا من المسلمين دائما نجدهم ملتزمين الصمت حيال ذلك وبصمتهم يجعلون الفكر التكفيري الإرهابي يزداد انتشارا
ثانيا هناك نصوص كثيرة في الأحاديث النبوية يجب أن تنقى لأنها كثيرا منها ضعيف الإسناد أو أحاديث كانت مترابطة بأحداث حدثت أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ولو أخذت بالقياس لظروف الآن نجد أن تطبيقها يكون مستحيلا أو صعبا جدا ثالثا الأوضاع السياسية في بلدان العرب مسدودة للغاية.
يتطلب رصد الجوانب الاجتماعية والفكرية للاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، الاطلاع على الخبرات العالمية في تعريف الإرهاب وفي رسم استراتيجياته، مدى شمول الاستراتيجية العربية وتوافقها مع الاستراتيجيات الدولية، ذلك ان محاربة الإرهاب ومكافحته تتطلب جهد وطني وإقليمي ودولي. وهذا يتطلب مزيد من التعاون وتبادل الخبرات وعولمة القوانين والتشريعات ذات الصلة بمكافحة الإرهاب.
ويمكن القول ان الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب تقوم على أربعة أعمدة هي: اولاً. أنتاج تعريف عربي للإرهاب يأخذ بالحسبان الحالة العربية في التعامل مع الاحتلال وحق تقرير المصير والتفريق بين الإرهاب وحق الشعوب في الحرية والاستقلال وتقرير المصير. وثانياً. إظهار القيم الإسلامية والعربية النابذة للعنف والإرهاب وتعزيز قيم التسامح والوسطية ضمن مظلة قيم الحرية والعدالة وحقوق الانسان، وجلب الإرهابيين للقضاء ومحاكمتهم بشفافية لا تهدد الأمن الوطني.
وثالثاً. استئصال الإرهاب من خلال معالجة المنتجات الاجتماعية وعوامل الخطورة الاجتماعية المنتجة له كالفقر والبطالة وسد قنوات الوصول الى تجنيد الشباب الفئات المهمشة والمنكشفة للإرهاب، وخلق ثقافة التسامح والصمود وتحصين المجتمع قيميا ضد العنف والإرهاب.
رابعاً. خلق شبكة شراكة وتعاون اجتماعية وأمنية محلية وإقليمية ودولية مناهضة للعنف والإرهاب والتطرف، ومعززة لقيم الديموقراطية واحترام الاخر، ودعم الضحايا وتبادل الخبرات والتدريب وحماية الشهود.
وتقوم على الأسس الفكرية التي انبثقت عنها الاتفاقية على قيم عالمية إنسانية وإسلامية تنبذ الإرهاب والعنف وتعزز التسامح والمواطنة وحقوق الانسان. كما ان الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب تستند على المنتج الاجتماعي للإرهاب، وهي تركز على دور الثقافة والدين والعوامل الاجتماعية والاقتصادية في انتاج الإرهاب وتحصين المجتمع ضده من خلال العمل على عوامل الخطورة الاجتماعية وتحييدها.
واستندت الاستراتيجية العربية لمكافحة الإرهاب على أسس تتعلق بالفرصة، وتصعيب تحقيق الأهداف الإرهابية، وتجفيف مصادر الدعم للعمل الإرهابي وتقييد حركة الإرهابيين، وتعطيل مسارات عملهم ووصولهم للمصادر الهامة لهم المالية والبشرية وغيرهما. كما انها تركز من الناحية النظرية وبطريقة غير مباشرة على تعزيز أليات ضبط الذات، كمحصن فردي ضد الانخراط في الإرهاب. واحترام قيم احترام حقوق الإنسان،
وشملت ضمانات تسليم المجرمين إجراءات المحاكمات، والأدلة وحماية الشهود، السلام والمحبة، وتحريم إرهاب المدنيين وقتلهم وصون الحريات واحترام حقوق الشعوب في تقرير مصيرها وفي الكفاح المسلح في تحرير الإنسان والأرض من الاحتلال.
ويمكن القول إنها استندت من الناحية الفكرية كذلك على فرضيات الضغوط العامة والشخصية ودورها في انتاج الإرهاب، وعلى دور الثقافة في الوقاية والمنع والتحصين ضد الإرهاب وخاصة في مجال القيم الاجتماعية والدينية.
من الصعب فصل الأبعاد الاجتماعية عن الفكرية في التعامل مع الارهاب، فمنطلقات الفكر هي الظروف والعوامل الاجتماعية. فتفسير الارهاب والوقاية منه ومكافحته يستند على فهم الجذور والظروف الاجتماعية المنتجة له، وهذه الظروف تمثل الأسس الفكرية في فهم ظاهرة الارهاب وهي أسس اجتماعية نظرية وفكرية في تفسير الارهاب. فالخلط بين الكفاح المسلح والارهاب انما هو خلط فكري ديني قيمي مستند على فكر غير معتدل ومتطرف وهو منتج اجتماعي لتعاليم دينية خاطئة. ويمكن تحدي الابعاد الفكرية التي تضمنتها الاستراتيجية العربية لمكافحة الارهاب بشكل مباشر وغير مباشر إن ضعف النظام الاجتماعي والظلم الاجتماعي في دولة ما يهدد الأمن الكوني، إن المتوقع من الدولة أن تقدم حاكمية ( الحكم الجيد) في الأمن، والصحة، والتعليم، والقيم الأخلاقية فيها بالتساوي ( المساواة)، أما الدولة التي فيها ضعف للنظام الاجتماعي، والمساواة، فإنه ينجم عن ذلك ظهور العنف، والعنف السياسي، وفقدان التحكم بالحدود وضبطها، وظهور العداوات العرقية، والدينية، واللغوية والثقافية، والحرب الاهلية، والإرهاب ضد المواطنين، وضعف المؤسسات، وضعف البنية التحتية
بالإضافة إلى ذلك فان التفكك الاجتماعي واللامساواة في الدولة، تنتج زيادة في التعدي على الشرعية ويختفي شعور المواطن السياسي الجمعي، ويشعر بالاغتراب، وبالتالي فإن العقد الاجتماعي الذي يربط الافراد والمؤسسات الاجتماعية يفقد شرعيته، وتحل الفوضى فبدلاً من شيوع القيم المشتركة التي تربط افراد المجتمع، وتوجه سلوكياتهم، تسود الايدولوجيات الهامشية، والتي ربما تقود ظهور إلى ايدولوجيات الارهاب. تعد الأعراف الاجتماعية والقوانين أساسية للنظام الاجتماعية، وهي ضمان لان كل مواطن يتصرف وفقاُ للتوقعات الاجتماعات. فالسيادة الوطنية
ضرورية لإدامة النظام الاجتماعي، يعتقد هوبز بأن الحياة الانسانية ممكنة الاستمرار فقط داخل نظام اجتماعي مستقر وآمن. المجتمع يعطي الحكومة سيادتها، من خلال تشكيل العقد الاجتماعي، لتحقيق الحرية والرفاه داخل الجماعة، والذي يؤدي إلى تكوين النظام الاجتماعي، أما اللامساواة، والاغتراب فيؤديان إلى الإقصاء والعجز وتعزيز قيم التعايش والتسامح. كما تناولت وضع التشريعات واعاقة حدوث الحوادث الارهابية من خلال التعاون والراكة وتبادل الخبراء والمعلومات والشهود، ومراقبة وتتبع الانشطة الارهابية وتشجيع التعاون الوطني والاقليمي والدولي. بناء شراكات اجتماعية وامنية ومن منظمات المجتمع المدني، في سعيها لحرمان الإرهاب من الوصول إلى المستهدفين وخاصة الشباب. كما ركزت على دعم ضحايا الارهاب في مختلف الجوانب النفسية والقانونية والاجتماعية وفي توفير الخدمات اللزمة لهم.