(الإسلام الحضاري وحده يوحد بين المسلمين) هو سُؤَالٌ مُحَيِّرٌ فعلا، لأن الظاهرة تعرف توسعا كبيرا، فقد استطاع الفكر الشيعي أن يمدد جذوره و يعمقها في الأرض و يمد فروعه في السّماء، حلَّق في الأفق البعيد إلى أن وصل إلى قارة أفريقيا، ربما يعود ذلك إلى الخطاب الديني و طريقة المعاملة مع الآخر، فالحوار الجيد و طريقة الإلقاء عامل مهم في إقناع الآخر و إيصال له الفكرة ، خاصة إذا تعلق الأمر بحب أهل البيت و السير على نهج النبوة، على المسلمون اليوم أن ينبذوا الفكر الإنقسامي و يواجهون العولمة بكل ما يتاح لهم من إمكانات، و أن يجتمعوا على كلمة واحدة يحبطون بها مخططات إسرائيل و بروتكولات حكماء صهيون تمكن الفكر الشيعي من بسط نفوذه في المعمورة، و هو الآن بصدد دراسة النهضة الحسينية وأبعادها العقائدية وأهدافها السامية، و يسعى إلى استقطاب قلوب المسلمين من السنة، و حتى المعتنقين الإسلام من غير المسلمين لإحياء ذكريات ظلت تؤلم المجتمع الشيعي، لمقتل الحسين ابن بنت رسول الله فاطمة الزهراء، و لكن السؤال يظل يتجدد كيف يمكن أن يتخطى المسلمين هذه الخلافات فيما بينهم و يتفقون على منهج سليم ينصرون به الإسلام الذي يتربص به الأعداء لدحره ؟، ليس التطرق إلى هذا الموضوع دعوة لزرع الفتنة أو تحريض جماعة على أخرى، أو تغليب الأغبية على الأقلية، إذا قلنا أن الأقلية تكاثرت و أصبحت لها قوة و سلطان في ظل تعدد الأديان و المذاهب، كما لا نريد منه العودة إلى ظروف نشاة التشيع ، اي إلى الصراع الأول و كيف انقسم المسلمون بعد وفاة نبيهم صلى الله عليه و سلم، فيما اصطلح عليه بواقعة السقيفة، لكن الأهم هو معرفة كيف تمكنت جماعة من أن تحول الفكرة إلى مشروع و المشروح ترجم إلى فعل و ممارسة ، و بث روح المحبة و الإنسجام و الألفة في المجتمع ، و فرض كلمتهم على الناس، والتعايش والتواصل بين كافة الشعوب والجماعات في العالم، وان يكونوا دعاة إلى التفاهم والحوار الهادئ والملتزم لخدمة الإنسانية، وبالعمل لإصلاح المجتمع. الأمر يسير على الدعاة المسلمين الذين شربوا من بحر العقيدة الإسلامية و عملوا بالرسالة المحمدية، تبقى المشكلة في الطريقة ، و هذه قد تكون صعبة عند البعض، خاصة المتشددين و الذين يرون أن فكرهم هو الصحيح ، فيتشبثون بأفكارهم حتى لو اتسمت بالتطرف، دون محاورة من يخالفهم في الرأي، خاصة في المسائل التي تحتاج إلى اجتهاد، فالثابت يبقى ثابت و لا يتغير مهما اختلفت العصور، و لا يمكن أن يتعرض المقدس لأيِّ خدش لأنه مقدس ، غير ان النقاش في هذه المسائل يتطلب التعقل و التدبر لتصحيح أو تجديد ما يمكن تصحيحه أو تجديده، و لعل غياب ملتقيات الفكر الإسلامي، و المناظرات في المسائل المذهبية ساهم في تعقد الأمور، فحدث الإنشقاق بين المسلمين و بالضبط بين أهل السنة و الشيعة، و ليس غريبا أو جديدا إن قلنا أن النزاع الأموي الهاشمي في تاريخ الإسلام أدّى إلى توسع الصراع بين السنة و الشيعة، و لعل الكثير من قرأ عن انقسام القبائل بين معسكر العراق العلوي و الشّام الأموي في حروب الجمل و صفين، حتى اليمنيون ساروا في صف معسكر الإمام علي، ففي ظل صراع الأضداد و الإضطرابات التي لا حصر لها، تحفظ كثير من الدعاة و العلماء من الخوض في هذه المسألة بالذات و منهم الداعية القرضاوي و الشيخ الغزالي رحمه الله، من أجل تكريس الوسطية و الإعتدال في مثل هذه القضايا، و حل المشكلات بفكر مستنير بعيدا عن استخدام لغة العنف و التعصب و الشحن الذي يدفع بالمسلمين إلى التقاتل فيما بينهم . لم نعد نقرأ عن شيعة العراق و شيعة إيران، أو شيعة لبنان و البحرين، و شيعة سوريا و مصر، و حتى شيعة الجزائر و المغرب، لأن الفكر الشيعي يشهد امتدادا واسعا ، بحيث امتدت جذوره إلى القارة السمراء، و لذا فالمسألة حسب المحللين وجب أن تنتقل من نقد العقل إلى نقد الواقع، ليس كما هو في اللحظة الراهنة، و إنما بمعناه السايكو- سوسيولوجي، و معرفة الدوافع التي جعلت مسيحيي نيجيريا مثلا ( كنموذج) الذين اعتنقوا الإسلام عن حب و قناعة يختارون النهج "الشيعي" كمذهب لهم، بل كمرجعية دينية؟ ، تجدر الإشارة أن نيجيريا، تعد أكبر الدول في إفريقيا من حيث عدد السكان، و تقول التقارير أن نيجيريا اليوم تحظى بنشاط شيعي عالي المستوى، و لو أنهم في كل سنة يحيون الشعائر الحسينية، إلا أنهم لا يمارسون الطقوس الشيعية كالتطبير مثلا و ما إلى ذلك، كما أننا لم نقرأ بعد أن شيعة نيجريا حجوا إلى كربلاء، أو أنهم يستعملون تراب كربلاء أثناء الصلاة ، أي تحت جباههم حتى لا تلامس الأرض إن كانوا خارج كربلاء ،لأنهم يتبعون الطريقة الإيرانية، و لو أن هذه المسائل فيها نوعا من المبالغة أو الغلو إن صح القول، لأن الأرض الإسلامية واحدة ، و تراب كربلاء أو تراب قم ( إيران) أو تراب السعودية واحدٌ، لأن الجميع يلتقون في مكان واحد هو بيت الله الكبير ( الكعبة) لأداء مناسك الحج الذي هو الركن الخامس من أركان الإسلام، و يقفون في صف واحد للصلاة، أليس هذا اللقاء رحمة من الله تنزل على الجميع؟ و أليس هو عنوان للتعايش الإسلامي؟. و لا يختلف إثنان أن الإسلام تعايش مع المسيحية و تعايش مع اليهودية ، و حتى عندما ظهرت المذاهب الإسلامية على الصعيد الفقهي استطاعت أن تتعايش، يقدم الباحثون في الفكر الإسلامي نموذج الإسلام الحضاري ممثلا في جعفر الصادق الذي كان يحتك بالخلفاء العباسيين و يتعاطى معهم على الصعيدين الفكري و الفقهي، في الوقت الذي كان مضطهدا سياسيا ، ما دفعه إلى ترك السياسة و التفرغ للإبداع الحضاري، السبب حسب المؤرخين هو أن التعايش السياسي كان منعدما تماما، و الواقع أن هذه الصراعات البيزنطية بين السنة و الشيعة و الوهابية و اليزيدية و الأكراد و غيرهم ، لم تعد تجدي في وقتنا الحاضر، أمام دعوات البعض إلى وجوب التعايش مع الأديان و المذاهب و تحقيق السّلام ، و لا حل إذن إلا بتبني خطاب ديني معتدل و ليس بأسلوب جاف، كما أنه لا حل إلا بالمصالحة فكرا و ممارسة، و هذا من شأنه أن يتجنب المسلمون الهزائم التي منيت بها الأمة الإسلامية، إذا قلنا أن الولايات المتحدة و حتى إسرائيل يهمها أن ينشغل المسلمون بهذه الصراعات و ينسون القضايا التي تهدد أمن و استقرار العالم و استمرار الحروب و انتشار المجاعات و الأمراض الخطيرة من أجل فرض الهيمنة الغربية. علجية عيش (للمقال مراجع)