لا للاعتداء , نعم لانتصار السلام


حطت عصفورتان على شجرة في أعلى قمة الجبل بعد تعب رحلة طويلة , فكل واحدة قدمت من منطقة مجاورة للأخرى , وانضمتا إلى السرب الذي انتظم في رحلة جماعية , ولكنهما عند نقطة الوصول , قررتا الاستجمام بعيدا عن الصخب , فوق بساط أخضر تكسوه ندف ثلج , وبنتا عشا صغيرا مؤقتا لتستمتعا بالهواء الرطب ودفء أشعة الشمس المشرقة على جبال مكسوة ببساط أبيض بارد , وعاشتا لحظات سعيدة , إلى أن فطنتا لسماع صوت دبيب غير عاد , لا يشبه صوت حركات العصافير , فزعتا وأرختا سمعهما خوفا من أن يكون حيوان جبلي يهدد أمنهما أو ينوي إيذاءهما – ويا ليته كان كذلك – فما وقع لهما كان بفعل ثلاثة أو أربعة آدميين أو هكذا بدوا لهما من لباسهم . اضطربتا وسألتاهم . ما هذا ؟ لم نفعل جرما . إذا كان المكان محظورا فلنغيره . ولكن الوحوش الآدمية كشرت عن أنيابها وسلت سكاكينها . فتحول الفزع إلى صراخ وعويل , ولم تكد تخرج أول صيحة حتى كمموا أفواههما فلم يسمع أحد استغاثتهما . والمقاومة لم تعد ممكنة ولا حيلة لعصفورتين أمام بطش وحوش شرسة مدججة بسلاح أبيض . كانت يداهما لم تكبلا بعد فمدتا لهم ما بحوزتهما من مال ومتاع , وحاولتا استعمال الإغراء الجسدي فقد يكون هو المطلوب . فألقي بهما على الأرض ونتف منهما ريشهما الكاسي لجسديهما الناعمين , واستسلمتا مكرهتين . ولكنه كان استسلام الشاة لجزارها , فالسكين الحادة فعلت فعلها بسرعة , بنحر العنق وعزل الرأس عن الجسد بدم بارد , لتتحول العصفورتان إلى جثتين هامدتين متروكتين في العراء

بحث السرب عن أعضائه , فتبين أنه ينقص اثنتين , فتعالت الأصوات بالنداء عليهما فيرجع صدى الأصوات بين الجبال , وانطلقت الجماعات في كل الاتجاهات وهي لا تزال تردد اسميهما , وانضمت لها فرق الإغاثة وحماة المنطقة , وقد تطلب الأمر وقتا طويلا ليعثروا على الذبيحتين جثتين مفصول عنهما الرأسان . يا إلهي ما هذا ؟ ما هذه الوحشية ؟ إنه ليس فعل حيوان مفترس , فالحيوانات لا تقطع الرؤوس . تم إخبار حراس المنطقة وإخبار الأمن الذي توافدت قواته لعين المكان , وانطلق البحث عن الجناة , وحملت الجثتان وسط صراخ واستنكار وبكاء وحيرة وشدوه , وتساءل أعضاء السرب , ألم يقولوا لنا إن المنطقة غير ملوثة وآمنة ومن حقنا زيارتها والاستمتاع بجمال طبيعتها , والعيش بين أهلها في اطمئنان ؟

حزنت الأشجار وبكت السحب بكاء ساخنا عميقا تدفئه أشعة الشمس الحزينة , وعم الصمت الحزين وأصبح الجبل مقبرة قاتمة الألوان , لا عصافير ولا أزهار , وبكت المنطقة حظها لأنها فقدت أناشيد الحب والصفاء ولوثها العنف الرهيب , وقد اضطرت العصافير إلى الرحيل مهاجرة في أفواج حتى لا يلحقها الموت بأجساد واهنة , وقد تملكتها الحيرة كما تملكها الخوف , وهو ما تملك سكان الجبل في شدوه

وفجأة حطت حمامات جميلات كسفيرات للطبيعة قادمات لمنطقة السحر والجمال , وقد علق في فمهما غصن زيتون شعارا للسلام , ودعوة لعدم الدخول مع أعداء السلام في أي موقف متوتر , فغردت عصفورة صادحة . إن طائر الغراب هو الذي علم ابن آدم دفن السوأة , وعلينا أن نلقن للإرهابيين درسا في أن الحياة ستستمر , والسعادة ستعم على المكان الجميل , وتدب الحياة في الأشجار وتنمو الأزهار وتضحك الطبيعة وتغرد وتفرح العصافير المهاجرة مع ما تغرد به عصافير المنطقة وهي تستقبل عودتنا , فنحن ننتمي لنفس الجنس مهما اختلفت ألواننا وألستنا وتغاريدنا وأصواتنا الداعية لنبذ العنف والقتل

عاد الهدوء وساد الاطمئنان وانتصر السلام


محمد التهامي بنيس