دَحَلان مُجَدداَ

الطّموح مشرُوع من خِلال تراكُم الإيجابيّات، سواءً مِن قِبل الّذي يملك مُقوّمات الطّموح إلى مَن لا يَملكون من فُقراء نهشتهم أيدي الغِل والفِئويّة الجُغرافية والإنقسام وأَصبحوا سَيفًا مُسلّطا على أبنَاء شَعبِهم في غزّة وفِي مُخيّمات الّلجوء وفي الضّفة، وهُنا تتجسّد مَعاني ورُقيّ الطّموح الّذي تكُون قاعِدته وأرضيّته وحاضِنته حالةُ الإصطِفاف مع شعبِه في أَزماته ومعيشَته وحياتِه وقضيّته المُهدّدة بالنّهب والتّقاسم.



وثمّة ما هُو مُهم أن نفهَمه بأنّ الحاضِر كما هُو التّاريخ يحتاجُ من يُوقظه بِحقائق صادِمة تغُوص وتتعمّق في قلب الأَزمات، خاصةً تلك الأزمات المُعقّدة التي تصِل إلى حدّ الكوارِث الوطنية والتي تُنذر بتحوّلات في المَسارات وفِي أوقات حَرِجة، دَحلان قد إِختار هذا التّوقيت وهَذا الإيقاظ الّذي تَغافل عنه الآخرُون لسببٍ أو لآخر، كتغطيةٍ على عجزٍ أو فشل أو عدم إعترافٍ بالخطأ واستمرار فيه، ولذلك وجب التّنبيه والتّحذير، ليسَ من موقف المُحايد أو موقِف ما تَحته، بل من مُربع القُدوة، بِكلّ مقايِيسها الإنسانيّة والوطنيّة، وهُنا تبرُز الصّفات والسّمات لتُخلّد عملاً ونهجاً وسُلوكاً سيذكُره التّاريخ ويذكُره الجِيل في تقييم الإرادَات والتّصدُّعات التي تستهدِف البُنية الوطنيّة ووحدة الشّعب وما تبقّى من أراضِيه في فِلسطين التاّريخية.

قَبل كُل شَيء لنتذكّر، وفي سِجلّ أوراقْ التّاريخ، أنّ لِقاءات النّائب والقائِد الوطنِي محمّد دَحلان تنسِج أبجديّاتِها الوطنيّة مِن عُمق المسؤُليات الّتي قَبل بها طوعًا والتزامًا وانضباطًا بِمبادِئ حركتِه فَتح وبعُمقها ووطنيّتها ساعيًا لوحدتِها مُبينًا الآثار المُدمّرة لانقسَامِها بانعكاسٍ مُباشر على الأَيقُونة الذّاتية والإقليمية وهُو المُربع الأوّل الذي لَم ولَن يُغادره محمّد دَحلان ولنْ يُغادره، فَهي حَركة فتح الّتي انتمَى إليهَا مُنذ صِباه، فَكما أنّه مِن الصّعب أَن يتنكّر الإنسان لمسقَط رَأسِه، فمِن الصّعب أيضًا بل من المُستحيل أَن يبتعِد أو يختَار نسيجًا مُنافيًا لأنسجِته الوطنيّة التي بَنتها التّجربة والمُعاناة بحُلوها وبمُرها. أرشيفٌ وطنيٌ يُسجّله محمّد دَحلان في كُل الوسائِط ودائمًا يحمل مَعه خارِطةُ طريقٍ لفَكفكة الأَزمات الوطنيّة وسُبل الخُروج مِنها.

أولاً للإنسان ومِن ثمّ للوطنيّة الفلسطينيّة، وبِما تمتلكُ من مُحدّدات وطنيّة والتزاماتٍ أخلاقيّة نَحو شَعبه ومُحدداً بُؤر الأزمات ومُسبّبيها التي عِندها يقعُ الشّعب ضحيّة لتلكَ الأَطراف وتجًاذُباتٍا، والّتي يجِب ومِن المَفروض أن تَقف مَع شَعبها لا عَليه، فواجِب الحُكومات أن تصْطفّ إلى جانِب شُعوبِها، لا أن تكُون أَداة لعَذاباتِ شعبِها مُضافةً للإحتلال، وهُنا أوضَحَ دَحلان مَكامِن الأَزمة وأَطرافِها، مُشيداً بالسّنوار وجَراءتِه وقُدرتِه على القَفز فَوق المُعطّلات والحَواجِز والمَاضي الذي قَال دَحلان بأنّه كَان خَطأً.

للكارِه قبل المُحبّ، لستُ مُتغزّلاً في دَحلان، فالرّجل مواقِفه أمامَه وخَلفَه، وبصماتُه حقيقةٌ وليسَت خيالًا أو إدعاءً أو تملّقًا، فأَنا لم أُقابل هذا القائِد إلّا مَرات مَعدودة لا تتَجاوز عَدد أَصابِع اليد الواحِدة، ولأنّني أَنتمي لمدرسةِ فتح العَتيقة، ولذلِك أُطلقُ على نَفسي إسمَ "فَتحاوي عَتيق"، وهذا ما يجعلُني أفهمُ بِحسي الفَتحاوي والوَطني معَادن الرّجال وخاصّةً في مَدرسة فَتح الّتي شتّ عَنها الكثيرُون وأَعمتهم مُكيّفات المَرحلة وانبرُوا لتحقيق مصَالحِهم، فَكانَت الأَزمات الفَتحاوية والوَطنية الّتي لم يثبُت فيها إلّا الرّجال، فكان يُمكن أن تكُون لدَحلان خِيارات أُخرى مُريحة ولكنّه واجَه العَواصِف والتّحديات والمُؤامرات، ووقَف معه الأشِدّاء مِن الإِخوة الأَوفياء الذين لَم يستَمعُوا لنابحٍ أو ناعقٍ أو مُفلس وطنياً وفكريًا، بل اتّكلوا على الله أولاً، والفتحاويين الأوفياءَ ثانيًا، ليشُقّوا الطّريق الصّعب ويتحمّلوا قرارات الإقصاء وقطع الرّواتب، ومَا زال الطّريقُ طويلاً نحو الإصلَاح السّياسي والشّرعيات والبِناء والإصلاح المُجتمعي والسّلم الأَهلي والسّياسي المبنِي على الشّراكة الكامِلة.


بلا شَك أنّ المُصالحة وإعَادة الوِحدة لِما تبقّى من أرضٍ في شَطري الوَطن أَخذت حيّزا ضخمًا واهتمامًا كبيرًا من قِبل دَحلان، دافِعًا بالتّوجه لإرسَاء مُصالحةٍ وطنيّة كامِلة وشَراكة مِن خِلال الرّاعي المِصري ومُحفزاً على إنجاحِها وتسلُّم حُكومة التّوافق مهامَها فِي قِطاع غزّة وأن تُسخّر الجِباية الّتي تُقدّر بِمليار وثلاثُمائة ألف دُولار للخَدمات فِي قِطاع غزّة، في حِين أنّ تِلك الجِباية لم يُصرف مِنها إلّا القَليل عَلى المُحافظات الجَنوبية، ومِن ثَم مُطالبًا وطارِحًا أفكارًا تُمكّن شَعبنا من مُواجهة أَخطار صَفقة ترامب وقَرار نَقل السّفارة، مُنبّهًا بأنّ الوقت يقفِز من بَين أيدِي الفِلسطينييّن، مُستعجلًا تَشكيل حُكومة أو هَيئة إنقَاذ وَطني وهِي ضَرورة تَحتوي الكُل الوَطني الفِلسطيني وللوُصول إلى بَرنامج مُوحّد برُؤية تَكتيكية واسترَاتِيجية أيضًا للسّلاح الِفلسطيني، وأن لا تكُون المُفاوضات وقتًا مهدُورًا يدفُع ثَمنه الشّعب الفِلسطيني.
سميح خلف