المسرح العبرى الحديث
(روافد من الييدي/اليهودي/العبري)(2)
الأستاذ الدكتور/ أحمد صقر
كلية الآداب – جامعة الإسكندرية
========================

كان المسرح الييدى بكل أفكاره وموضوعاته بل بكل مؤلفيه وكتابه ومخرجيه رافداً من روافد المسرح اليهودى وكان أيضاً رافداً صب فى تيار المسرح العبرى.
إن الوليد بعد أن كبر وأصبح شاباً فى أوروبا هاجر ليتضرس فى أرض جديدة فى قلب آسيا وهى بيئة مختلفة تماماً لذا لم يأخذ من حضارة آسيا بل فرض على هذه البيئة الأسيوية حضارته هو كما فرض أفكاره العنصرية التى تخدم حركة ومفاهيم متعصبة نادى بها الأوائل منذ عشرات السنين.
الولايات المتحدة الأمريكية والمسرح العبرى:
بدأت الرحلة إلى نيويورك فى نوفمبر عام 1927 وكانت أهداف هذه الرحلة تقديم عروض مسرحية باللغة العبرية لجموع الجالية اليهودية فى أنحاء أمريكا . والحصول على التمويل النقدى اللازم ثم تحقق الحلم الذى كان يراود بعض المهتمين باللسان العبرى والقومية اليهودية ألا وهو قيام كيان مقبول يدعو من خلال لغة عبرية كل يهود العالم للتكاتف ويروج الأفكار الصهوينية.
أهم نتائج رحلة أمريكا:
1- جاءت المسرحيات التى قدمت مألوفة لدى المهاجرين اليهود وقدمت باللغة الييدية التى يفضلونها.
2- حماس المهاجرين للغة الييدية والتراث الييدى الذى يألفونه ويذكرهم بالوطن والأهل والثقافة.
3- إزدهار المسرح الييدى فى أمريكا وإشراف كبار الكتاب عليه.

نشاطات مجموعة زيماخ فى أمريكا:
كون زيماخ مع رفاقه فرقة مسرحية باللغة العبرية تحت اسم هابميا نيويورك وأستأجر مسرح فى أحد الشوارع الهامة فى نيويورك وأستعد لتقديم مسرحية (حلم يعقوب) فى 12 نوفمبر 1927، وفشلت الفرقة الجديدة فى جذب الجماهير المحجمة عن إرتياد عروض الفرقة مما دعى زيماخ إلى إيقاف العرض بعد بدايته بعدة ليالى.
حاول زيماخ الوصول إلى حل وبالفعل قرر جعل الفرقة تقدم عروضاً مسرحية ثنائية اللغة العبرية واللغة الييدية ولكن المشروع قد وأد فى بدايته.
عمل بعد ذلك هو وزوجته فى مسرحية قدمها مسرح أمبريال فى عام 1936 قام زيماخ بزيارة فلسطين حيث أستقر نصف الفرقة ولم تقبل الفرقة التعاون معه مرة أخرى فى فلسطين فعاد إلى نيويورك ومات هناك عام 1939م بعد أن أصيب بالسرطان وكان عمره أثنين وخمسين عاماً.
تحليل لثلاثية أرنولد ويسكر:

قبل أن نشرع فى تحليل ثلاثية الكاتب الإنجليزى أرنولد ويسكر والمتمثلة فى (حساء دجاج بالشعير، جذور، أنى أتحدث عن أورشليم) يجدر بنا أن نذكر نبذة مختصرة عن الكاتب اليهودى الديانة والإنجليزى الجنسية حيث أنه ولد عام 1932 بلندن فى حى (الايست) حيث يعيش فقراء اليهود من أب يهودى مجرى يعمل ترزياً ومن أم يهودية من أصل روسى وقد عمل ويسكر فى مطلع شبابه طاهياً والتحقق فى تلك الأثناء بمدرسة للفن السينمائى وقام فى تلك الفترة بكتابه أولى مسرحياته .
(حساء دجاج بالشعير) ، (جذور)
(إنى أتحدث عن أورشليم)
وبهذا تكتمل الثلاثية التى تدور حول أسرة يهودية هى أسرة (خان) وليست الثلاثية مجرد سجل يصور أسلوب هؤلاء اليهود فى الحياة ويعكس آراءهم ومشاعرهم ويوضح إتجاهاتهم السياسية وآمالهم المرتبطة بهذه الإتجاهات بل هى دعوة مستترة لليهود إلى الصهيونية إلى بناء أورشليم.
قراءة في المسرحية
تبدأ أحداث المسرحية الأولى " حساء دجاج بالشعير" حيث شخصيتها المتمثلة فى الأب (هارى) والأم (سارة) والأبنه (أدا) والأبن (رونى) حيث نجد أن تلك الأسرة وأصدقاءها من يهود حى الايست مستعدين لخوض معركة سياسية ضد الفاشست بقيادة ويسلى فلقد تحمس الجميع وأستعدوا بالأسلحة للمعركة إلا الأب هارى السلبى الذى لا يبالى بشيئ على عكس الأم سارة التى تتزعم هذا النشاط السياسى وتملأ أفراد أسرتها بالحماس وفى نفس الوقت تأخذ فى تقريع زوجها لتبلد إحساسه وإعراضه عن هذا الكفاح السياسى.
وفى الفصل الثانى الذى يحدث بعد عشرة أعوام نجد أن الأبنة قد تغيرت وفتر حماسها وأصبحت مثل أبيها هذا بينما يكون الصبى رونى قد أصبح شاباً متحمساً كأمه للمبادئ السياسية، ولكنه فى الفصل الثالث يصبح كأخته وأبيه وترتاع الأم حين يصارحها الأبن بأنه لم يعد يهتم بالمبادئ التى كان يدين بها ولكنها تحاول أن تقنعه بأن سلبية أبيه كادت تودى بحياة الأبنه أو المصابة بالدفيتريا لولا أن جاره لها أخذت ترعى الطفلة وتطمعها حساء الدجاج بالشعير ويسدل هنا الستار على الأم وفى المسرحية التالية (جذور) يعاود "رونى" الظهور كقوة خلاقه إننا لا نراه فى المسرحية ولكنا نشعر بوجوده فى أفعال وأقوال البطلة " بيتى" التى تعمل فى نفس المطعم الذى يعمل هو به، وتعجب هى به وبآرائه وتحبه ويتفقان على الزواج وها هى فى بداية المسرحية تأتى لزيارة أسرتها الريفية على أن يلحق هو بها كى يقابل أفراد أسرتها.
ويحاول المؤلف هنا أن يظهر الأسرتين على طرفى النقيض فبينما أفراد الأسرة اليهودية يتمتعون بكل الفضائل ويتمسكون بالقيم العليا، فى حين أن أسرة الفتاة لا ترتفع فى مستوى تفكيرها وأسلوبها فى الحياة عن المستوى الحيوانى.
ويأتى اليوم المحدد لزيارة (رونى) ويجتمع أفراد الأٍسرة لإستقباله فى الوقت الذى تردد فيه بيتى أقواله وتتحدث عنه كأنه شخصية أسطورية وبينما هم يتوقعون مجيئه يصل منه خطاب يخبرها فيه أنه قد عدل عن عزمه على الزواج منها.
وهنا يصور أرنولد ويسكر أفراد أسرة الفتاة بشكل منفر فلا يعبأ أحد منهم بالصدومة التى أخرستها وتأخذ الأم والأب فى السخرية منها مما يجعلها تنتقد أسلوبهم فى الحياة والتفكير وتتوقف فجأة إذ يحدث ما كان (رونى) يتمن حدوثه وهو أن يصبح لها آراؤها الخاصة.
وتهبط الستارة معلنة أن (رونى) هو الذى بعث هذه الفتاة بعثاً جديداً أما هم فيتركونها تصبح هكذا وينصرفون إلى الأكل ساخرين منها وبذلك تؤكد المسرحية الإختلاف الجذرى بينها وبينهم وهذا من وجهة نظرى ما يريد أن يعرضه لنا ويسكر. فتلك المسرحية جذور تبين أنه وإن خيبت الظروف السياسية آمال الشاب اليهودى (رونى) إلا أنه لا يزال قادراً على أن يملأ الأخرين بحماسة فيواصلوا الكفاح من أجل حياة أفضل حتى ولو سقط هو وتصبح المسرحية بهذا الشكل خطبه حماسية تلهب حماس اليهود.
وتؤكد المسرحية الثالثة (إنى أتحدث عن أورشليم) ما تتضمه المسرحية الثانية من معان فلقد ترك (ديف) وزوجته (أدا) لندن وجاءا إلى هذا المكان البعيد فى مقاطعة، "نورفولك " كى يؤسسا حياة جديدة وها هو (رونى) يعينهما على إقامة بيت فى هذا المكان الفقر حيث الحياة الشاقة لقد آثرا أن يتركا المدنية التى يحسان فيها بالعبودية وأن يجيئا إلى هنا كى يبنيا أورشليم خاصة بهما ويحسان فيها بالحرية، ونرى الزوجين فى الفصل الثانى وهما يرسلان الطرف فى القمح الذهبى الممتد حولهما ويتحدثان عن المستقبل وعن أبنائهما ونحس من حديثهما بأحلام التوسع غير أن العوائق تحول بين (ديف) وبين تحقيق أحلامه فأهل المنطقة لا يريدون التعامل معه كما يريد التعامل معه كما يريد وصاحب الأرض ضيق الأفق وهو يطلب من الزوجين أن يرحلا دون سبب وجيه إلا تشككه فى الدافع الذى أتى بهما إلى هذا المكان.
غير أن اليأس لا يتسرب إلى قلب الزوجين اللذين أسبغ المؤلف عليهما كل الفضائل المعروفة، إنهما على إستعداد لأن يبدأ من جديد وإذا كانا قد فشلا فى بناء أورشليم فى هذا المكان أو هذا الزمان فلسوف يعيدان الكره غداً أو بعد غد فى مكان آخر.
وكما نرى وعلى هذه النغمة الصهيونية يسدل ستار الثلاثية الحافلة بتمجيد بناء أورشليم فهناك فى المسرحية الثالثة شخصية (دوبسون) وهو أيضاً يهودى يجيئ لزيارة الزوجين ولا نعرف له وظيفة درامية فى المسرحية إلا أنه قد يرمز إلى اليهودى التائه الذى يحلم هو أيضاً بأورشليم ولكن وسيلته فى الحصول عليها تختلف عن وسيلة الزوجين إن أورشليم هى بلا شك رمز لم يحلم به هذا اليهودى التائه.
والثلاثية حافله بالمغالطات وهدف أرنولد ويسكر من هذه المغالطات هو أن يظهر اليهود بالمظهر الذى يوحى بإحترامهم والثقة بهم وكأنه يريد أن يمحو من الأذهان الصورة الحقيقية المقززة لليهود والتى قدمها لنا شكسبير فى مسرحيته (تاجر البندقية) وما رلو فى مسرحيته (يهودى مالطه) ولذلك لا يكتفى " ويسكر " بإسباغ كل الفضائل على شخصياته وتصويرها فى مثالية غير واقعية بل أنه يحاول أن يوهم القارئ أن اليهود قد أسهموا إسهاماً كبيراً فى إرساء قواعد العدالة الإجتماعية فى إنجلترا ولذلك يصور لنا فى حساء دجاج يهود حى (الايست أند) كمناضلين سياسيين يضحون بما لهم وأرواحهم عن طيب خاطر.
ويعلق الناقد الإنجليزى (جون راسل تيلور) مؤلف (الغضب وما بعده) على هذه المغالطات التى وقع فيها ويسكر قائلاً:
" إن مسرحيات ويسكر ينقصها الصدق فجيل اليهود الذى يتحدث عنه ويسكر لا يشعرك بأي كفاح – ولم يخض أيه معركة سياسية وإن كل ما كان يسعى إليه هو الكسب المادى دون أن يلفت الأنظار إليه".
ويتضح لنا تحيز ويسكر لليهود بشكل لا يمكن قبوله حيث يقارن فى مسرحية (جذور) بين " رونى" اليهودى وعائلته وبين عائلة " بيتى" الريفية فبينما يجعل من الأولي إناساً ذات مبادئ إنسانية سامية يتطوعون فى الحرب الأسبانية ويهتمون بسعادة الإنسان عامة يجعل العائلة الثانية مجموعة من الأفراد الجهلة الذين يتميزون بكره بعضهم لبعض، تعميهم الأنانية المطبقة وضيق أفقهم الذى يجعلهم أقرب إلى الحيوان.
يستنكر أيضاً الكاتب الإنجليزى "جون راسل" هذه الصور قائلاً" إنه حتى فى أكثر المناطق الريفية تخلفاً تبدو عائلة بيتى هذه (التى يصورها ويسكر شئ غير مألوف) فى قتامة الحياة التى تعيشها وفى إنعزالها عن الحياة الإجتماعية بكل أشكالها.
ومما لاشك فيه أن الهدف من وراء هذه المغالطات هو محاولة إظهار اليهود فى دولة مثل إنجلترا أو أمريكا أو غيرها من الدول فى صورة المواطنين الذين بذلوا دمائهم فى سبيل الدولة حتى ينتمون إليها.
والثلاثية أيضاً حافلة بالأمثلة التى تستدر العطف على المنظمات اليهودية فتصورهم كقوم مظلومين مغلوبين على أمرهم هذا عن مضمون الثلاثية فإذا ما جئنا إلى الشكل الفنى وجدنا بناءاً مهلهلاً مفكك الأجزاء ويجمع النقاد على أن المسرحيات غير مرضية من ناحية البناء وأن أسوأها هى مسرحية (إنى أتحدث عن أورشليم) ويشير الناقد الكبير (جون راسل) قائلاً فى كتابه(الغضب وما بعده) إلى الإهمال الشديد فى البناء حيث أن ويسكر يخلط فى أسماء الأماكن ويخلط فى التواريخ والأحداث ولم يعن المؤلف ويسكر بتوضيح أثر العامل الزمنى على شخصياته بل لم يعن حتى بتقديم شخصياته بصورة متكاملة مقنعة، وتفسير ذلك أن أرنولد ويسكر يعتبر بوق الدعاية لإسرائيل ولا يعنى بالفن المسرحى قدر عنايته بما يريد أن يضمن لمسرحياته من أفكار وهو فى سبيل توصيل هذه الأفكار إلى القراء والمتفرجين ليضحى بالفن المسرحى كما نعرفه وكما يعرفه النقاد الإنجليز غير أن معظم هؤلاء روجوا بالرغم من ذلك لأرنولد ويسكر حتى جعلوا منه علماً من الأعلام فى المسرح الإنجليزى المعاصر ويعتبر (جون راسل تيلور) فى صفحة 130 فى كتابه (الغضب وما بعده) عن دهشته الكبيرة للشهرة السريعة التى نالها (أرنولد ويسكر) ولهذا كله يقول هذا الناقد " إنه من الصعب الحكم على ويسكر كمجرد كاتب مسرحى فمن حياته تستمد أهميتها عند بعض النقاد من الآراء السياسية التى تتضمنها ولا شك أن هؤلاء النقاد تهمهم جداً هذه الآراء السياسية ولذلك حاولوا أن يظهروا بوق الدعاية الإسرائيلية هذا (أرنولد ويسكر) على أنه من طليعة كتاب المسرح البريطانى المعاصر.