العقوبات المقررة للجرائم الواقعة على التجارة الخارجية
الدكتور عادل عامر
سوف نتناول في هذا المطلب العقوبات المقررة للجرائم الواقعة على نظام الجمارك ، وهي جريمة التهريب الجمركي وجريمة الاستيراد والتصدير خلافاً لأنظمة الجمارك والجرائم الواقعة على التجارة الإلكترونية في الفروع الآتية :-
الفرع الأول
العقوبات المقررة لجرائم مخالفة النظام الجمركي
تتضمن قوانين الجمارك النصوص الخاصة بالتجريم والعقاب على جريمة التهريب الجمركي وجرائم الاستيراد والتصدير فلقد تقررت عقوبات جزائية في قانون الجمارك المصري رقم ( 66 ) لسنة 1963م والمعدل بالقانون رقم (157) لسنة 2002م ، حيث جاءت نصوص المواد " 122 ، 123 " من هذا القانون متضمنة لعقوبات أصلية وأخرى تكميلية ضد جريمة التهريب الجمركي فقد نصت المادة " 122 " على أنه ( مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها أي قانون أخر ، يعاقب على التهريب أو الشروع فيه بالحبس وبغرامة لا تقل على خمسمائة جنيه ولا تجاوز عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ) .
ويحكم بمصادرة البضائع موضوع التهريب فإذا لم تضبط يحكم بما يعادل قيمتها ويجوز الحكم بمصادرة وسائل النقل والأدوات والمواد التي استعملت في التهريب وذلك فيما عدا السفن والطائرات ما لم تكن أعدت أو أجرت فعلاً لهذا الغرض .
يلاحظ من هذا النص بأن المشرع المصري قد جمع بين عقوبتين هما الحبس والغرامة وأجاز توقيع أحدهما وترك ذلك لسلطة القاضي التقديرية حسب خطورة كل جريمة كما جعل المصادرة كعقوبة تكميلية وجوبية على البضائع المهربة وجعل مصادرة وسائل نقل البضائع جوازي .
ولقد أحتاط المشرع المصري في نص المادة " 123 " بالعقاب على كل من استرد أو شرع في استرداد الضريبة الجمركية بطريقة غير مشروعة حتى لا يتم اللجوء إلى هذه الوسيلة للإفلات من عقوبة جريمة التهريب الجمركي وبالتالي فإن العقاب على الشروع والجريمة التامة يضمن عدم التهرب من دفع الضريبة الجمركية على البضائع ولقد جاء في قانون الجمارك العماني رقم ( 22 ) لعام 1978م نصوص متضمنة العقاب على جرائم مخالفة نظام الجمارك وهي التهريب والاستيراد والتصدير .
ولقد جاء نص المادة " 121 " من هذا القانون متضمناً لعقوبة عامة هي الغرامة التي لا تجاوز خمسة آلاف ريال ، ولم يذكر الحد الأدنى لعقوبة الغرامة وبالعودة إلى قانون الجزاء فإن الغرامة في حدها الأدنى هي ريال ويمكن توقيع هذه العقوبة إذا نص قانون الجمارك على أية جريمة دون ذكر عقوبتها .
والملاحظ أن القانون المذكور قد أورد جرائم عديدة من ضمنها جريمة التهريب الجمركي دون ذكر العقوبة وبالتالي فإنه يمكن توقيع هذه العقوبة بصورة وحيدة ضمن الحدود المرسومة بالقانون وجواز فرض غرامة مقدارها ثلاثة أمثال قيمة البضائع ولقد تعرض هذا القانون إلى عقوبة المصادرة كعقوبة تكميلية وجوبية على البضائع المحظورة والبضائع المخالفة لشروط الاستيراد والتصدير نص المادة " 123 " ولقد قرر نص المادة " 124 " عقوبة المصادرة باعتبارها جوازية على البضائع المسموح تداولها والطائرات والسفن كما هو مبين في نص المادة " 125 " .
يلاحظ من تلك النصوص عدم إقرار عقوبة السجن أو الحبس كما فعل المشرع المصري ، كما يلاحظ مساواة المشرع العماني في العقاب بين مختلف الجرائم الواقعة مخالفة لنظام قانون الجمارك والذي يجرم التهريب والاستيراد والتصدير مخالفة لهذا النظام .
ونرى بأنه كان يفترض وضع عقوبة سالبة للحرية خاصة في تهريب البضائع المحظورة أو المقيد استيرادها بشروط معينة ، ولا نقصد بذلك المخدرات ، ذلك أن المخدرات يخضع مرتكبها المستوردون لها لقانون المخدرات باعتبارهم قد جلبوا واستوردوا مواداً مخدرة يعدهم مرتكبي لجرائم مخدرات وليس لجرائم تهريب جمركي وبالتالي فإن وجود قانون خاص بمكافحة المخدرات( ) يجعل هذا القانون هو الواجب التطبيق على تهريب المخدرات أي جلبها واستيرادها خلافاً لقانون المخدرات
ولقد تقرر في قانون الجمارك الصلح في جرائم التهريب الجمركي والاستيراد والتصدير خلافاً لهذا النظام إذا اعترف مرتكب الجريمة أمام مدير عام الجمارك فإنه يتم التصالح على غرامة يقدرها مدير عام الجمارك ويصبح الأمر خارج النظام الجزائي وتتخذ الغرامة الطابع المدني وليس الطابع الجنائي ، وهذا الاتجاه الذي سلكه المشرع العماني يضعف الحماية الجنائية للتجارة الخارجية بسبب عدم إتباع الوسائل الجزائية المحققة لمنع الجريمة وحماية نظام التجارة .
الفرع الثاني
العقوبات المقررة للجرائم الواقعة على التجارة الإلكترونية
بدأت التشريعات الجنائية المقارنة منذ فترة وجيزة أي في نهاية القرن العشرين ، تجريم بعض الأفعال الخطرة التي تقع على برامج الحاسب الآلي ، ومواقع الإنترنت وذلك لتوفير الحماية الجنائية للمعلومات المتصلة بالأشخاص والأموال ، ولقد أطلقت تسميات عديدة لهذا النوع من الجرائم منها جرائم الكمبيوتر والحاسب الآلي والجرائم الواقعة على البيانات التجارية أو الجرائم الواقعة على التجارة الإلكترونية .
ولقد بدأت تظهر قواعد التجريم والعقاب في صورة اتفاقيات دولية ، مثل مشروع اتفاقية جرائم الكمبيوتر والتي أعلن عنها المجلس الأوروبي في " 27 " إبريل 2000م ، ولقد أكد المجلس الأوروبي على أن الاعتداءات الحديثة على مواقع الإنترنت التجارية وشبكات الكمبيوتر، جرائم الكمبيوتر تهدد التجارة والمصالح الحكومية .
ولقد سبقت الولايات المتحدة الأمريكية إلى ذلك بإصدار القانون الفيدرالي في شأن الاعتداء على الكمبيوتر واستغلاله في عام 1984م .
ويعاقب على الأفعال العمدية الموجهة ضد معلومات الكمبيوتر وذلك بالدخول عنوة على برامج الكمبيوتر أضراراً بمصالح الآخرين ، خاصة المصالح التجارية والاتصالات .
ولقد جاء قانون الخامس من يناير لعام 1988م الفرنسي متضمناً للعقاب على الجرائم الواقعة على الكمبيوتر أو ما عرفت بالجرائم المعلوماتية ، ولقد تناول المشرع الفرنسي في قانون العقوبات لعام 1989م في الفصل الثالث منه العقوبات المقررة لجرائم الاعتداء على أنظمة معالجة البيانات .
ولقد عاقب على تلك الجرائم في المواد " 323 – 1 إلى 323 – 7 " وتعاقب الفقرة الأولى بالحبس لمدة سنة وبغرامة مائة ألف فرنك فرنسي ، على الدخول بطريق الاحتيال على أنظمة المعلومات ..
وتتصاعد العقوبات المقررة لهذه الجرائم حسب درجة الضرر الذي يحدث لأنظمة المعلومات ومعالجة البيانات من تزوير أو تعديل ووقوع الجريمة بطريقة المساهمة بعقوبتي الحبس والغرامة وذلك بزيادة مقدارهما وذلك بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات والغرامة من مائة ألف فرنك إلى ثلاثمائة ألف فرنك .
وقررت الفقرة " 5 " عقوبات تكميلية مثل مصادرة الأجهزة المستخدمة في الجريمة وإغلاق المحلات المرخصة لاستخدامات أجهزة الحاسوب الآلي إذا استخدمت في ارتكاب الجريمة و نشر الحكم .
أما المشرع العماني فقد قرر العقاب على الجرائم الواقعة على التجارة الإلكترونية تحت مسمى جرائم الحاسب الآلي فقد جاء نص المادة " 276 " مكرراً من قانون الجزاء العماني على أنه ( يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنتين وبغرامة من مائة ريال إلى خمسمائة ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين : كل من تعمد استخدام الحاسب الآلي في ارتكاب أحد الأفعال الآتية :-
1. الالتقاط غير المشروع للمعلومات أو البيانات .
2. الدخول غير المشروع على أنظمة الحاسب الآلي .
3. التجسس والتصنت على البيانات والمعلومات .
4. انتهاك خصوصيات الغير أو التعدي على حقهم في الاحتفاظ بأسرارهم.
5. تزوير بيانات أو وثائق مبرمجة أي كان شكلها .
6. إتلاف أو تغيير ومحو البيانات والمعلومات .
7. جمع المعلومات والبيانات وإعادة استخدامها .
8. تسريب المعلومات والبيانات .
9. التعدي على برامج الحاسب الآلي سواء بالتعديل أو الاصطناع .
10. نشر واستخدام برامج الحاسب الآلي بما يشكل انتهاكا لقوانين حقوق الملكية
والأسرار التجارية ) .
ثم تعرض بالعقاب على جريمة تزوير وتقليد بطاقات الوفاء أو السحب ، وذلك بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تجاوز ألف ريال( ) .
ويلاحظ من ذلك اشتراط المشرع العماني الصورة العمدية لوقوع الجريمة لكي يتم توقيع العقوبة المقررة لجرائم الحاسب الآلي ، وهذا يعني أن وقوع مثل تلك الأفعال بخطأ أمر لا يمكن العقاب عليه ، وهذا الأمر متفقاً عليه في التشريعات الجنائية المقارنة ذلك أن خطورة تلك الأفعال وخطورة مرتكبيها يتمثل في وقوعها بصورة عمدية وأن وقوع تلك الأفعال بإهمال أمر متصور الحدوث أثناء التعامل مع أجهزة الحاسب الآلي .

ونرى بأن نص المادة " 276 " مكررا الفقرة " 10 " من قانون الجزاء هي الحالة التي يمكن أن يطبق عليها وصف الجريمة الواقعة على التجارة الإلكترونية ، أما سائر الجرائم الأخرى في الفقرات من (1 – 9) فهي جرائم واقعة على أنظمة وبيانات الحاسب الآلي .
ونرى بأن العقاب على تلك الجرائم يتطلب تعاون دولي واسع النطاق خاصة إذا كان الجناة من خارج إقليم الدولة .