التعديلات الدستورية في ضوء المنظومة الاجتماعية والسياسية للمجتمع
الدكتور عادل عامر
يعد الدستور بمثابة القانون الذي يرتكز عليه نظام الحكم وينظم العلاقة بين هيئات الدولة المختلفة وفقا لمبدأ المشروعية وكيفية حماية الحقوق الفردية والحريات الجماعية.
إن الدستور لا يخلو من سمات ومميزات شكلية وموضوعية تميزه عن غيره من القوانين وتضع الدول هذه السمات بما يتوافق وطبيعة وعادات وتاريخ الدولة التي تريد اختيار نظام الحكم الأمثل والأنسب لمجتمعها، ولذلك تقوم بإجراء تعديلات دستورية بما يتماشى وتطور المجتمع وترسخ الديمقراطية
وبالنظر إلى واقعنا المعاصر وخصوصًا قبل الثورة نجد أننا نسينا أو تناسينا القيم الروحية، والمبادئ المتأصلة في الشعب المصري: الوفاء والمروءة، والصدق والعفو، والشجاعة والحياء، والأمانة والرحمة، وغيرها من الأخلاق الجميلة، واتجهنا بعقولنا وأعمالنا -في كثير من الأحيان-إلى الحياة المادية، التي تراجعت فيها منظومة القيم السابقة.
وبالعودة إلى أهم سمات الشخصية المصرية (التدين، التسامح، الاستقرار، الارتباط بالأرض والأسرة، الرضا، القناعة، النكتة، الدعابة، السخرية التي تجنح أحيانا للحزن، غير أنها كثيرا ما تلجأ إلى الصبر والزهد والتقوقع داخل الذات) وهو الأمر الذي يفسر الكثير من سلبيتها وتخاذلها، وطاعتها العمياء، حتي لو ظلمت وانتابها القهر والتسلط والاضطهاد، وساعد علي ذلك ندرة ثورة الشخصية المصرية علي الواقع، أما الثورات التي حدثت، فكانت متقطعة تدل على الفردية لا الجماعية بمعناها الواسع، مع استثناءات قليلة، وبخاصة في عصرها الحديث.
ان العملية الانتخابية بما تتضمنه من فعاليات وممارسات وأنشطة وحشد ومشاركة من قبل مؤسسات المجتمع المدني تعد أفضل مدرسة للتدريب السياسي على الممارسة الديمقراطية وبخاصة بالنسبة للشباب، حتى وإن شابها بعض الممارسات السلبية، وحتى وإن انتهت بفشل المرشحات من النساء لأسباب خارجة عن إرادتهن.
فالتعديلات الدستورية استحقاق تفرضه طبيعة الأمور بمصر طبقا للظروف التي تمر بها الدولة فالدستور ملك للشعب يراعى احتياجاته وظروف كل مرحلة يمر بها المجتمع.
انطلاقًا من أن المشاركة الشعبية هي إحدى أهم الضمانات اللازمة لنجاح مسار صياغة الدستور؛ فقد أكدت التجارب الثلاث على ضرورة وجود إرادة سياسية حقيقية قادرة على الانفتاح على الآراء المخالفة والتحاور الجدي لبلوغ التوافقات وتجنب الأزمات، وفى هذا السياق تبنت التجارب الثلاث هذا المسار ابتداءً من المراحل الأولى لإعداد مشروع الدستور، مرورًا بعملية الصياغة، ثم التصديق على الصيغة النهائية للنص الدستوري، وانتهاءً بالاستفتاء عليه. وهذا المسار لم يقتصر فحسب البرلمان، والفاعلين السياسيين والمدنيين فحسب إنما تضمن أيضًا الاستعانة بأهل الخبرة ضمانًا لجودة الوثيقة الدستورية، وكذلك إشراك المواطنين في النقاشات العامة حول مضامين الدستور،
أن الانتخابات لا تشكل وحدها الديمقراطية، ولكن الذي نفتقر إليه هو ثقافة الديمقراطية، وهي الثقافة التي يجب أن نسعى من أجل ترسيخها في المجتمع عن طريق مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية، وكذلك عن طريق مؤسسات المجتمع المدني.
يضمن النظام الديمقراطي حصول المرأة على حقوقها، بما يمثله في الدستور والقانون والتعليم والنظام الانتخابي وقانون الأحزاب وكيفية التعامل مع الإعلام الذي يجب أن يكون مستقلاً عن الدولة. كذلك تعزيز الثقافة الديمقراطية وتغيير المناهج، بالإضافة إلى ضرورة وجود الآليات الرقابية، والسعي نحو مفاهيم الحكم الصالح والمساواة وتكافؤ الفرص والمواطنة وإعطاء الشباب دور رئيسي والاهتمام بالفئات المهمشة.
شاركت المرأة المصرية في ثورة 25 يناير المصرية منذ يومها الأول ولعبت دورا كبيرا في الميدان كعضو فعال وأساسي في أحداث الثورة المصرية منذ بدءها وحتى الآن، وضحت بكل عزيز لديها لإنجاحها والحفاظ على مكاسبها وحتى تنظر للثورة كطريق جديد ونافذة للتوسع في مشاركتها ومساهمتها في الحياة العامة لكي تتحقق المبادئ الأساسية المتمثلة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية،
ولكن حقوقها بدلا من أن تتغير وتفعل بعد الثورة شهدت هجوما من أكثر من جهة. ولذا لابد من التأكيد على الدفاع عن المرأة المصرية وكرامتها ومكافحة التمييز ضدها وتمكينها من حصولها على جميع حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية ومن بينها مجالات العمل والضمان الاجتماعي والمشاركة في الحياة السياسية وتطوير قوانين الأسرة وحمايتها من العنف بكافة أشكاله لأن الدفاع عن المرأة هو دفاع عن الاسرة وهو أيضا تحقيق المصلحة الفضلى للطفل وهو يضمن التقدم لمجتمع عادل ينصف الجميع.
إن نضال النساء من أجل الدفاع عن حقوقهن هو جزء أساسي من نضال كل قوى الثورة من أجل تحقيق مطالب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ولذا فان مشاركة النساء في كتابة دستور مصر الجديد من منطلق المساواة في المواطنة أمر لا بد من تحقيقه على الوجهة الامثل ولا بد أن يضمن الدستور الجديد أيضا الحقوق والمسئوليات المتساوية لكل من النساء والرجال.
على المرأة إدراك هويتها النسوية والمواطنية السياسية في الوقت ذاته، وهو الأمر الذي يعني أن تنخرط في عمل مدني أو اجتماعي وفي عمل سياسي عام، وهذا يعني أن توجد التنظيمات والمؤسسات والكيانات التي تصبح بمثابة قنوات لمشاركة النساء في الحياة العامة، وأن تنظم النساء في هذا الإطار إلى جانب الرجال من أجل تغيير رؤية الرجل.
ان تكاتف النساء بأعداد كبيرة -حتى النساء المغتربات-يعني التحول إلى قاعدة انتخابية عريضة ومؤثرة، وهو الأمر الذي يمكن من التغيير على مستوى التفكير وعلى مستوى الأداء في القاعدة، وعلى مستوى الأداء العام.
لا يمكن للمجتمع أن يحقق التنمية الشاملة وبناء مجتمع جديد إذا لم يكن للمرأة دور في صياغة القرارات المتعلقة بحياتها الخاصة والعامة، وإذا لم تأخذ حصتها من الأعمال المهنية والإدارية والاقتصادية، وإذا لم تشارك في مؤسسات السلطة في مختلف المستويات وفي مؤسسات صنع القرار، فتمكين المرأة بات يشكل التحدي الأهم لتحقيق التنمية على أساس المشاركة والفرص المتساوية. من حيث إعادة هيكلة عمل المؤسسات الدستورية ودورها، ومن حيث تعزيز الديمقراطية، وتكريس الحقوق والحريات الفردية والجماعية وتعزيزها، وكذا تحقيق دولة الحق والقانون، وإبراز دور الدولة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، الأمر الذي يؤثر بشكل مباشر على المنظومة القانونية المصرية
المواطنـة هي مفهوم حقوقي يفترض حقوقا وواجبات للمواطن في الإطار السياسي العام الذي ينتمي إليه. والنسيج الاجتماعي في جميع الدول النامية كان -ولا يزال نسبيا– نسيجا تقليديا يتميز بالفئوية العشائرية أو القبلية أو الدينية أو المحلية أو اللغوية أو العرقية. وقد انعكس ذلك ضعفا في الشعور بالانتماء الوطني وللولاء الوطني وهشاشة المؤسسات الوطنية المشتركة وتمييزا بين أبناء البلد الواحد في التشريعات والممارسات على السواء.
كذلك صادف تشكل الدول الحديثة النامية ضعفا في الوعي الفردي ووجود ظاهرة الفردية في مقابل تكلس الوعي الجماعي الفئوي التقليدي مما أبطأ وتيرة تأسيس وترسيخ الدولة الحديثة وأخَّر تنزيه التشريعات والممارسات من أشكال التمييز كافة بحق سائر أبناء البلد. مما يسمح بالتمييز بين أنواع عدة من الروابط: الروابط التقليدية الموروثة، وأغلبيتها مبني على صلة القربى والجوار الجغرافي، والروابط الاختيارية المعقودة في أفق وطني.
تعد مشكلة عدم المساواة في الحقوق مع الرجل أهم المشاكل التي تعاني منها المرأة المصرية مثل عدم المساواة في الأجر في القطاع الخاص وأيضا تخطي البعض في الترقيات للمناصب الأعلى بغض النظر عن الكفاءة وكذلك ما زالت هناك مشكلات وتحديات مثل تلك المرتبطة بالتنشئة الاجتماعية والتمييز النوعي لا يزال فاعلا في مختلف مؤسسات المجتمع وأيضا استمرار العلاقات التسلطية الأبوية في كثير من الشرائح الاجتماعية وبخاصة الشرائح الأقل خطأ في الريف والعشوائيات التي تتسم بفقر الخدمات الاجتماعية التي لا تمكن المرأة من الملائمة بين أدوارها التقليدية وأدوارها الحديثة وفيما يتعلق بالناحية السياسية ورغم تدني نسبة مشاركة النساء في المجالس المختلفة النيابية والمحلية فإن المشاركات في هذه المجالس يعتبرن فاعلات على الرغم من قلة عددهن وقد أثبتن فاعلية في أنشطة هذه المجالس ولجانها المختلفة وشغل بعضهن مواقع قيادية فيها وتميزن عن الرجال في بعض الأحيان
وفي المقابل وعلى صعيد التنظيمات السياسية الحزبية يلاحظ من خلال الدراسات والمتابعات عزوف النساء في مصر عن العمل الحزبي بصورة عامة وأيضا هناك عزوف عن المشاركة في العمل النقابي وتشير كافة الإحصاءات إلى ضعف المشاركة النسائية في المنظمات الأهلية غير الحكومية أما فيما يتعلق بالمشاركة الاقتصادية للمرأة في مصر فقد حققت فيها المرأة بالفعل مكاسب عديدة من خلال بعض سيدات الأعمال اللاتي تمكن من إنشاء مشروعات اقتصادية كبيرة نجحت وحققت طفرة اقتصادية إلا أنه لازالت هناك بعض التحديات التي تواجه المرأة المصرية في النشاط الاقتصادي منها قضايا مرتبطة بالسياسات الحكومية والإنفاق الحكومي وقضايا أخرى مرتبطة بالإصلاح الاقتصادي والخصخصة
وانعكاسها على المشاركة الاقتصادية للمرأة أما الواقع التعليمي للمرأة المصرية رغم أن هناك تقدما ملحوظا في المجال التعليمي للمرأة إلا أن هناك تحديات ومشاكل كثيرة تؤثر على النظام التعليمي للمرأة ومن أهم القضايا والمشاكل التي لا تزال تواجه المشاركة التعليمية للمرأة المصرية وجودة فجوه توعية في الأمية والاستيعاب والاستمرار في التعليم وكذلك ظاهرة التسرب من التعليم وأيضا غياب التنسيق بين نتاج العملية التعليمية ومتطلبات سوق العمل والعناية بتعليم الإناث خاصة في المناطق الريفية الفقيرة. وعلاوة على ذلك فإن طرق التدريس والكتب الدراسية والمناهج مازالت متحيزة للذكور ومن ثم فإنها تعيد النظرة التقليدية للإناث ويضاف إلى ذلك القصور التعليمي فيما يتعلق بمعالجة قضايا المرأة وأوضاعها القانونية والتشريعية.
وكان عشية ثورة 25 يناير هناك جدل واسع حول التركيز على مفهوم الحقوق بشكل قطاعي بما فيه "حقوق المرأة" ومدى تأثير ذلك على تحقيق مفهوم المواطنة كركن أساسي من أركان الديمقراطية. والمشكلة الأساسية في هذه العلاقة تكمن في السؤال المطروح في هذا المجال، والذي غالبا ما يكون "هل العمل على الحقوق دافع للديمقراطية أم معوق لها؟" والسؤال الصحيح: هل العمل على الحقوق عامل في التحول الديمقراطي، أم أنه نتاج له؟
أن أطروحات المجتمع المدني تتبنى في الأغلب مقولة تقوم على أنه في ظل ظروف من الحكم الاستبدادي، فخلق حيوية تنظيمية يكون من خلال العمل على الحقوق وأحد أهم هذه الحقوق هي حقوق المرأة والتي تتكون من منظمات طوعية مستقلة عن الدولة، والاقتصاد، والأسرة، يمكن أن تؤدي إلى تحولات ديمقراطية من خلال تحدي الزعماء المستبدين واضطرار الدولة إلى قبول الإصلاحات الليبرالية.
ووفقا للتسلسل الكلاسيكي، سنوات من القمع الرسمي من قبل الدولة الاستبدادية تعد الزناد لإطلاق نوبات تلقائية من النشاط السياسي بين الجماعات المدنية، والذين ينظمون كتلة حرجة من المقاومة ضد النظام. القوة المطلقة لهذا الضغط الشعبي تملي على النخب الحاكمة تغييرات جزئية ومفاوضات تراكمية تؤدي في نهاية المطاف إلى تحول مؤسسي كامل نحو الديمقراطية.
وهناك أدبيات عديدة في العلوم السياسية تتبعت دور منظمات المجتمع المدني في انهيار الحكومات الاستبدادية في أمريكا اللاتينية وأوروبا الوسطى والشرقية وشرق آسيا، وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. في هذه المناطق سهل المجتمع المدني الديمقراطية عن طريق تقييد تسلط الدولة، تضخيم تكلفة القمع، وحشد الدعم الدولي للإصلاحات. وبحلول منتصف التسعينيات كان إجماع الأكاديميين الغربيين وصناع السياسات على أن ظهور مجتمع مدني حيوي يمثل شرطا لا غنى عنه للديمقراطية.
وبالتالي يمكننا تبين الترابط الشديد بين مفهوم المواطنة كأحد ركائز التطور الديمقراطي وعملية ترسيخ الحقوق وفي القلب منها "حقوق المرأة" التي يمكن وصفها بأنها الفئة الأكبر عددا ما بين الفئات التي من شأنها أن تعاني من أي اختلال بمفهوم المواطنة. وعليه يمكننا رصد انتهاك مفهوم المواطنة من منظور النوع الاجتماعي عبر رصد أي تمييز تجاه المرأة على المستويات الثلاث: 1-المشاركة في صياغة الدستور: ويتمثل في عنصرين أساسيين الأول يتعلق بحظر أو منع مشاركة مواطن في الجمعية التأسيسية لأسباب تتعلق بالنوع الاجتماعي، والثاني فعلي ويتعلق بنسبة مشاركة النساء بنسبة مرضية يمكن تحديدها بناء على المبادرات المقدمة في هذا المجال. 2-مستوى الصياغة: لا يجوز أن يتم التمييز ضد المرأة في صياغة الدستور، وإذا كان هناك إشكالية تخص اللغة العربية والتي يعد الجمع فيها يفيد المذكر والمؤنث، فعليه القياس هنا يكون على أساس أن تخصص أي مادة في صياغتها للذكور دون النساء.
3-مستوى الحقوق وذلك في المجالات المختلفة:
-الاقتصادي والاجتماعي: عبر انتقاص الحقوق الاقتصادية على أساس النوع الاجتماعي، سواء على مستوى العمل من حيث التوظيف أو الترقي داخل مؤسسات الدولة أو العامة أو الخاصة. أو حرمانها من حق اقتصادي واجتماعي تم إقراره لفئات أخرى.
-السياسي: عبر انتقاص من الحقوق السياسية على أساس النوع الاجتماعي، من خلال حظر حق الترشح في الانتخابات، وتولي المناصب السياسية بشكل عام أو في درجة من درجاتها العليا. أو حرمنها من حق سياسي تم إقراره لفئات أخرى.
-الثقافي: عبر انتقاص من الحقوق الثقافية على أساس النوع الاجتماعي، مثل حرمانها من الحريات الشخصية وحق إظهار الهوية. أو حرمنها من حق ثقافي تم إقراره لفئات أخرى.
ان تحليل طبيعة التحديات الداخلية والخارجية المؤثرة على منطقة الشرق الأوسط والعالم وما خلفته من عدم الاستقرار السياسي والأمني لبعض البلاد العربية وما صاحبها من تحولات أيدولوجية وجيواستراتيجية واجتماعية، انعكست تأثيراتها بشكل رئيسي على دول المنطقة، وما نتج عن ذلك من تحديات وتهديدات دفعت مصر إلى التركيز على الأمن القومي كاستراتيجية سياسية واقتصادية وأمنية،
وذلك كله يؤثر على الأمن القومي، مما يتوجب معه إجراء التعديلات الدستورية في هذه المرحلة، لمنح الدولة المصرية القدرة في التعامل مع تلك التحديات، خاصة في مرحلة تشهد تحولات سياسية مهمة على المستوى العربي والدولي، وهو ما يضع مصر أمام مسئوليتها الكبرى. والسير نحو المستقبل برؤية اصلاحية اجتماعية، سياسية اقتصادية تقوم على المشاركة الشعبية في صنع القرار، وهنا يتوجب على جميع الفعاليات والقوى السياسية والحزبية، والشبابية والشعبية في ضوء بروز هذه التعديلات المشاركة في المسيرة الاصلاحية والاستثمار فيها وتحويلها الى برامج عمل وطنية تخدم الوطن
بناء على هذه الوضعية فأنه سيتوجب على المهتمين بمفهوم المواطنة وفي خاصة الحركة النسوية المعنية أن تعمل خلال الفترة القادمة على مجموعة من الاستراتيجيات تضمن خلالها عدم تغول التيارات المسيطرة في المجتمع على الحقوق الخاصة بالمواطنة والنساء، وذلك من خلال اليات قانونية، واليات سياسية، واليات اجتماعية.
الاليات القانونية ترتكز على العمل عبر قضايا ترفع امام المحاكم المختصة تضمن الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية الموقع عليها من جانب مصر، وتضمن عدم تجاوز ما جاء بها من حقوق من جانب سلطات التشريع في مصر. والمبادرة لتفسير النصوص الملتبسة في الدستور الجديد بما يضمن عدم التأويل المستقبلي لها من جانب تيارات رجعية لديها قرأه مختلفة لهذه النصوص. وفي هذا الخصوص يجب ان تأخذ منظمات المجتمع المدني المبادرة وعدم انتظار صدور مثل هذه التشريعات التي تهدد مفهوم المواطنة لمواجهاتها، أي انتهاج استراتيجية الفعل وليس رد الفعل كما هي العادة.
وعلى المستوى السياسي بناء شبكة تحالفات واسعة تشمل المنظمات المعنية من المجتمع المدني والاحزاب السياسية والحركات الشبابية، تهدف هذه الشبكة إلى الحفاظ على مفهوم المواطنة وتضع قواعد ليس فقط لصيانة هذا المفهوم وإنما تحقيقه على أرض الواقع، مثال تأكيد الاحزاب المشاركة في هذا التحالف على ترشيح نسبة معتبرة من النساء في قوائمه الانتخابية، التعهد برفض اي تشريعات تمس هذا المفهوم قد تطرح في المجالس التي يشاركون فيها. كما سيكون جزء أساسي من دور هذه الشبكة هو عمل اختراق لعناصر داعمة داخل مؤسسات الدولة، وتفعيل الاليات الدولية الممكنة لضمان عدم انتهاك حقوق المواطنة ووضع المرأة في مصر.
أما المستوى الاجتماعي فيرتبط بعمل المهتمون بهذه القضية في أرض الواقع وطرح الشعارات التي تدعم مفهوم المواطنة وحقوق النساء من خلال حملات إعلامية. يصاحب ذلك عملهم على أرض الواقع في مختلف مناطق مصر لتوضيح أهمية هذا المفهوم وهذه الحقوق ليس فقط في مجال السياسة ومحورية المواطنة في العملية الديمقراطية، وإنما كذلك في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وتأثير إهدار مثل هذه الحقوق على وضع المواطن/ المواطنة في حياته اليومية ومستوى المعيشة التي يحيها.
هذه الاستراتيجيات للعمل الآني لا تنفي وجوب استمرارا العمل في محاولة لتعديل الدستور على المدى المتوسط للتوائم مع معايير المستوى الملزم الواردة في المعاهدات والاتفاقات الدولية التي تناولتها هذا الدراسة بالتحليل. على أمل ان تكون هذه خطوة أولى يتم بعدها تطوير هذه النصوص الدستورية من المستوى الملزم إلى المستوى المأمول المبني على التجارب الدولية والمبادرات المحلية المطروحة في هذا المجال، من خلال تشريعات مكملة للدستور بعد تعديله.