السياسة الامريكية بين الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيك
حددت سايكس بيكو معالم الجغرافيا السياسية للوطن العربي بعد الحرب العالمية الاولى وهزيمة الامبراطورية العثمانية ولعدة دول وفيما بعد اطلق مصطلح الشرق الاوسط على كل الدول الخاضعة في هذا الواقع الجغرافي فيما فيه مناطق متنازع عليها بين الدول وحدود متداخلة بينها بقيت محل اثارة نزاعات وخلافات بين تلك الدول الى الان ، الجغرافيا السياسية بتعريفاتها السياسية وهي حدود قائمة ومعترف بها وتمارس تلك الدول سيداتها على ارضها ولها ثلاث عناصر وشروط الحيز الجغرافي والارض والدولة .
وبالحرب العالمية الثانية لم يطرأ جديد على الجغرافيا السياسية للمنطقة العربية كدول ولكن بفقدان جزء جغرافي يربط اسيا بافريقيا هي فلسطين وبانتهاء الحرب العالمية اعلنت دولة اسرائيل ولكن تلك الدولة لا حدود لها لى ساعة كتابة هذا المقال والانتخابات الاسرائيلية الجارية ، اسرائيل لا حدود لها اي بمعنى ان اسرائيل اعتمدت على التعريف للجغرافيا السياسية بشيء اخر وهو مصطلح الجيوبوليتيك وهي دولة لا تعترف بحدود ثابتة بل تنظر للدولة بانها كائن مادي متغير ينمو ويتمدد ومن حق تلك الدولة ان تبحث عن عناصر القوة والسيادة خارج حدودها .
من المهم ان نفهم نظرية وجود الدولة الاسرائيلية بانها تبحث عن مطالبها خارج حدودها التي تبسط سيطرتها عليها ولذلك تنظر لتطورها ليس في مساحتها القائمة ، ولكن في مساحات اضافية لها ذات علاقة بالامن والاقتصاد والقوة ،و لذلك هي تجد المبررات دائما لتنفيذ اهدافها السياسية والامنية .

اذا ًاسرائيل هي دولة مبنية على نظرية الجيوبوليتيك وتعتبر نفسها انها ذات احقية وبمصدر قوتها بصرف النظر عن القانون الدولي او الحقوق الانسانية للغير ، وبذلك هي تلك النظرية العدوانية التي تستخدم الصراع بين الدول للسيطرة على اراضي مجاورة ، وبالتالي هي تعتبر انها مدرسة حتمية لبقائها ووجودها .

من هذا المدخل المهم لنظرية وجود اسرائيل وبالقفز على نظرية التوسع للاستعمار القديم وتطويرها تناغمت فكرة الجيوبوليتيك مع قدوم الرئيس الامريكي ترامب على صدارة القرار الامريكي وما يوصف عربيا وفي وسائل الاعلام بانها صفقة قرن، في حين ان الادارة الامريكية لم تعلن ولو مرة واحدة عن خطتها بهذا المصطلح ، بل تقول بانها خطة تسوية في منطقة الشرق الاوسط والصراع الاسرائيلي الفلسطيني .

نظرية ترامب مبنية على نظرية الجيوبوليتيك التي لا تؤمن بالحدود الجغرافية لسايكس بيكو والحدود القائمة بين الدول العربية وبالطبع هذا المنظور يصب لصالح دولة اسرائيل التي هي بلا حدود والتي تاتي على حساب تقسيم وتجزيئ عناصر القضية الفلسطينية وتحليلها الى عدة عناصر صغيرة تندمج في المحيط الاقليمي مع تغيير في الخرائط ، لم ياتي الاعلام بشكل دقيق عن خطة ترامب لحل الصراع العربي الاسرائيلي ، ولكن اعتقد ان بؤرته ستكون هي فلسطين بشرق اوسط جديد تتغير في القوى والجغرافيا السياسية بحيث تتزحزح من الجغرافيا السياسية الى الجغرافيا الجيوبولتيكية ، ولذلك ستشهد تلك الجغرافيا تغيرات بحيث ان سايكس بيكو لترامب وللسياسة الامريكية الجديدة لشرق اوسط جديد ستغير كثيرا ً في جغرافيا سايكس بيكو ، بالتاكيد ايضا ان العامل الاقتصادي والعامل الامني للمبريالية الامريكية والرأس مال العالمي اصبحت حاجياته للمنطقة باعادة صياغة المعادلة بين المنتج والمستهلك بما فيها ضرورة تغيير الحدود الجغرافية واستغلال ثرواتها لانشاء كيانيات جديدة منها ما يقال عن الكيانية الفلسطينية الجديدة والحدود الاسرائيلية الجديدة التي تتجاوز ما حصلت عليه ما قبل 1967 من ضم الضفة الغربية والجولان وربما بعض المناطق في الجنوب اللبناني ، وتغييرات في الحدود الشرقية .
تلك خطة السلام الامريكية التي تحدث انقلابا على الجغرافيا السياسية القديمة ، لن يتوقف الامر فيها على الدول العربية فقط من محيطها لخليجها ، ولكن هناك صيفا حارا ربما ستتعرض له تركيا بعد خسارة حزب العدالة والتنمية وربما نقول في توازن بين المعارضة وحزب العدالة والذي سيسمح بحركات وتحركات تقودها المعارضة التركية في الشارع التركي بعد فوزها في كثير من البلديات على اعتبار انها شرعيات لاثارة ازمات سياسية ودستورية في الشارع التركي مما سيدفع الى نوع من الفوضى في تركيا ستكون تركيا فيها بين جغرفيا الغرب وجغرافيا الشرق مع طموح كردي بدولة كردية تفرض بدعم امريكي خريطتها على جزء من العراق وسوريا وتركيا في ظل الفوضى العارمة والى اين ستصل الامور في هذا الصيف الساخن في تركيا ؟ وهل حزب العدالة باستطاعته السيطرة على الشارع التركي ام لا ؟ والقوى الاخرى الداخلة في اللعبة على المستوى الاقليمي والدولي .
منطقة الشرق الاوسط التي سميت بديلا عن العالم العربي بموجود اسرائيل لن تهدأ ولن تحسم قضاياها في عام اوعامين فربما يستمر التغيير لعقد من الزمن ومحاولة تغيير ايضا في ايران وخلق دويلة اخرى في الاهواز .


بقلم / سميح خلف