أزمة الحكم في السودان
مصائب السودان ونوائبه على امتداد العمل السياسي في السودان دائماً ما تأتي ذرافات وجماعات وقلما تأتي فرادى، فتأتي نائبة وفي ذيلها أخرى، فتندثر الحالية ويتناساها الناس لتأتي أخرى بديلة، فكهذا حالنا في السودان من ديمقراطية إلى ديكتاتورية عسكرية ثم بالعكس، ثم تأتي لحظات شق الجيوب والعويل، ومن جاء بالانقلاب ؟ ومن أي حزب؟ وهل هل من أنصار الديمقراطية، وهكذا تدور الساقية السودانية، وكأننا أمة مصابة بدورة خبيثة.
وبالرغم من النجاح الباهر الذي حققه هؤلاء الشباب الثائر وما قدموه من تضحيات جسام وصلت حد التضحية بالنفس، لكن لا تزال هناك كثيراً من المعوقات والعقبات العاتية والي يجب إزالتها حتى نصل إلى نصبو إليه بحول الله وقوته في إقامة دولة مدنية ديمقراطية قوية.
ففي كل الفترات السابقة والمتعاقبة لحكم السودان بهذه السلسلة الخبيثة من الديمقراطية إلى العسكرية وبالعكس إلا أننا حتى الآن لم نصل إلى الشكل السليم والذي أن تدار به هذه الدولة، لأن حل كل معضلات الدولة السودانية مبني أولاً على أساس ضرورة حل الأزمة السودانية والتي تفاقمت ووتفاقم دوماً، وهي أن الأحزاب السودانية ومنظمات المجتمع المدني، والهيئات والحركات المدنية والعسكرية لم تضع في الحسبان التلاقي في نقطة معنية والتوافق التام على شكل هوية الدولة السودانية، ومعضلة نظام الحكم فيها. والتي من رأيي أنها تتمثل أولاً في ضرورة قيام حكومة انتقالية تعمل على إعادة مؤسسات الدولة إلى قوميتها بعد الدمار الذي لحق بها جراء التمكين الإنقاذي القذر. وبعد أن استلبها هذا النظام الفاسد لخدمة مآربه الحزبية الضيقة، وبحيث تؤسس الحكومة الانتقالية لدولة مدنية ديمقراطية قائمة على أساس المواطنة أولاً وذلك بعد تحديد شكل الهوية السودانية. وتبقي الصعوبة في أنه لا بدء قبل البدء في التفكير في الانتظام في الدولة المدنية الجديدة فإنه ومن المهم جداً تفكيك هذا النظام المتجذر في كل أركان الخدمة المدنية في السودان وأي حل لا يمضي في هذا الاتجاه فسوف يعيد الأزمة من جديد ويهدد الدولة المدنية القادمة دون شك.
كما ينبغي أن تكون هناك استراتيجية قومية تتصدى لها كل الأحزاب والهيئات والحركات المسلحة ومنظمات المجتمع المدني تقوم على خلق تحالف جبهة جماهيرية واسعة يمكن الرجوع إليها في أي انتكاسة للديمقراطيات القادمة، لأن موقف الجماهير هو الفيصل لحل بعض المعضلات كما حدث ويحدث الآن مع اقتلاع هذا النظام الفاسد، كما أنها تعتبر صمام أمان لصون الديمقراطيات القادمة بشكل عام. ولأنها أيضاً الحاسم الأساس لقضية السودان ولأنها صاحبة الحق والقرار. وما نصبو إليه أيضاً إقامة عدالة حقيقية لكل المتضررين من هذا النظام جماعة أو أفراداً، وهذا لا يتأتى إلا من خلال حل الأزمة السودانية عبر حوار حقيقي يأتي بإقامة مؤتمر دستوري جامع، بحيث يكون هناك ممثلين لكل هذه المجموعات وحتى يكون النقاش متكاملاً في إطار كيف يحكم السودان، وكيف تدار السلطة والثروة بعدالة، وكيف يدار التنوع الاثني والثقافي والعرقي الجامع لكل الهوية السودانية، على أن يعقد هذا المؤتمر في نهاية الفترة الانتقالية والتي تكون قد هيئت أرضية ثابتة في البلاد وعملت على تهيئة الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية من خلال تحسين الظروف الحياتية والمعيشية للمواطنين، وترسيخ دعائم السلام بإبعاد شبح الحروب كل مناطق النزاعات في السودان. وإعادة النازحين إلى مقراتهم الأم.
ومن هنا تبرز الأهمية داخل الأحزاب والهيئات والحركات المسلحة إلى تقليب المصالح العامة داخلها، أكثر من الانكفاء تحت مظلة مصلحة أفراد الحزب أو الهيئة.. وهذا في رأينا هو جزء من كل لوضع اللبنات الأساسية لشكل الحكم في السودان في الديمقراطية القادمة بإذن الله.