"رمتني بدائها وانسلت" أو هكذا يقول لسان حال المجلس العسكري الانتقالي، والذي وقع ما بين سندان الثوار المعتصمين، ومطرقة التجاذبات والمحاور الإقليمية، وأظنه أيضاً قد دخل في إحدى زنقات القذافي رحمه الله، فالمجلس العسكري داخلياً يعاني من زنقة الثوار المعتصمين، والذين يطالبونه بإلحاح بتنفيذ مطالبهم -عصية التنفيذ- ومن أهمها تسليم السلطة إلى حكومة كفاءات مدنية. وزنقة أيضاً تأتي من التركة الثقيلة والقذرة التي تركها النظام البائد، والمتمثلة في السرقة والفساد والمحسوبية والتمكين الضارب بجذوره في الخدمة المدنية والسياسية على حد سواء، فالثوار ما زالوا يمسكون بتلابيب المجلس العسكري لإنفاذ ما يمكن إنفاذه بغية القبض على أركان النظام وإيداعهم السجون المختلفة بالبلاد، وتفكيك دولتهم العميقة والتي أظنها تحتاج إلى سنين عددا لتحقيق ذلك.
أما خارجياً فالأمر أدهى وأمر!! فمع بداية أخذ المجلس العسكري بزمام الأمور داخلياً توافدت عليه الوفود غربية وعربية وإفريقية كل يدلي بدلوه، ولقد أطبقت عليه المحاور الإقليمية، والتكتلات الخارجية، والأجندة المتلاحقة والمتطورة، بغية بسط السيطرة والهيمنة والتبعية، وبدأت التجاذبات تأخذه يمنة ويسرة، وهو لا حول له ولا قوة، فرئيسه البرهان رغم قلة خبرته، فرتبته العسكرية، وبعض خبراته الدبلوماسية السابقة قد تشفع له نوعاً ما، أما مصيبة المصائب فتأتي من نائب رئيس المجلس العسكري، والذي هو ضعيف (أكاديمياً، ومهنياً، وعسكرياً، ودبلوماسياً، وسياسياً) وهنا تكون الطامة الكبرى فهو اليوم المكلف، والمناط به استقبال كل الوفود الدبلوماسية من شتى بقاع العالم، شارحاً لهم ما يدور في الساحةـ وما هو مقبل من سياسات مستقبلية تخص البلاد، وماهية التغييرات الجذرية والتي يجب الاتيان بها لتتناسب وتتواكب مع ما يتطلبه الشارع الثوري، وما هي المآلات والتحديات والطموحات التي يصبو إليها المجلس العسكري أولاً ثم الشارع الثوري ثانياً. فكيف يتأتى للرجل أن يقوم بمثل هذه الأمور الجسام.. وأن يظل صامداً دون انبطاح.
والمتتبع بدقة لما يدور في الساحة الإقليمية، يدرك تماماً كنه ما ينتظره السودان، بشكل عام والمجلس العسكري الانتقالي بشكل خاص من متلازمات وتحديات، مالم يعجل المجلس الانتقالي بتسليم السلطة إلى سلطة كفاءات مدنية، فهي الأقدر في الراهن الحالي على تصريف الأمور.