واقعنا اليوم : الانتفاضات الشعبية كشفت عورات النخب
الأستاذ محرز شلبي

قد تكون فكرة نسبية أن يوصف المثقف أو المفكر أو الإعلامي أو حتى الداعية بالعمالة، لأن إيمانه بمبادئ معينة يعني إخلاصه لها ولقضيته أو دولته، لذا فلا يجب أن يوصف بهذا النحو بصفة يرفضها الجميع فهي قيمة أخلاقية واطئة المنسوب .
ربما يكون هذا صحيحا على نحو ما، ولكن صفة العمالة توصف بصورة دقيقة لمن يخدم ويوظف ويدس ويصنع الأفكار الجيدة للحكام السيئين أو الطغاة (وهي عبارة دقيقة تعني فئة الدكتاتور أو فئة الحاكم الضعيف)، أكان مؤمنا بهم أم مجبورا، علم مسبقا بحقيقتهم أم لم يعلم، أكان عمله بشكل سري أو لم يكن، استمر على ديدنه أم لم يستمر .



المعارضة الايجابية سكانير الكشف
يقول أفلاطون: " إذا ذاق المرء قطعة من لحم الإنسان تحول إلى ذئب”، ثم يقول: “ومن يقتل الناس ظلمًا وعدوانًا، ويذق بلسان وفم دنسين دماء أهله ويشردهم ويقتلهم.. فمن المحتم أن ينتهي به الأمر إلى أنْ يصبح طاغية ويتحول إلى ذئب!!"
كثير من الشعوب كان لها تجارب مريرة مع الطغاة الذين تحولوا إلى ذئاب كاسرة على أممهم ورعاياهم، ولم يرعوا فيها إلاًّ ولا ذمة، وكان ذنب هؤلاء الشعوب والأمم، هو الثقة في هؤلاء وتوليتهم لأمرها حتى يدبروا شئونهم ويرعوا مصالحهم، فكانوا دواهي وكوارث!
مثل هذه الشخصيات البهيمية، أو تلك الحيوانات المفترسة لن تستعين إلا برفقاء السوء وبطانة العفن النفسي من المنافقين الذين هم على استعداد لخدمته في كل ما يطلب ويرى، والمنتفعون إنما يدافعون عنه لإغداقه عليهم بسخاء كبير، ولما ينهبون من أموال الشعب التي ليس عليها رقيب ولا حسيب، ومع هذا فليس للطاغية من صديق، فهو لا يمانع من الغدر بالأصدقاء أو المعاونين إذا ما اشتبه في أحدهم، أو وشي إليه به، كما أن الملتفين حوله لا يمانعون من ركله بأقدامهم إذا وجدوا بديلاً أفضل، أو إذا زال حكمه ودارت عليه الدائرة.
من النخب أكلها (بوبي )



هناك من رصد سلوك النخب المذكورة والمنتمين للمرحلة السابقة ، إذ وصف جيروم هارتو سلوك هؤلاء بـ"سوسيولوجيا المنهزمين"، وذلك بالاستناد إلى دراسة عينية أنجزت في تونس خلال سنة 2011، وتم خلالها الانطلاق من حوارات أجريت مع كوادر النظام السابق، وقراءة في كتب ومذكرات تم نشرها من قبل مسئولين قدامى. وحاول صاحب الورقة تشريح ما سمي بسوسيولوجيا الإخفاق، حيث تفقد النخب القديمة مكانتها، وتتعرض لسلسلة من الأزمات بسبب ما حصل لها من تنزيل في مراتبها السياسية والاجتماعية والإعلامية والفكرية والثقافية والدعوية ... ، بعد أن دفعتها الظروف الجديدة نحو إعادة التأهيل، عساها تتمكن من الاندماج في مسار التغيير الذي تعرض له النظام السياسي اليوم.


صفعة للمخلّفين من النخب العميلة

لقد حرَّر الحراك التاريخ من مفاهيم النخبة والطليعة والبطل الأسطوري الخارق، أو القائد الأوحد والفخامة الذي يقود الناس إلى الخير كله زورا وتزييفا بعد أن يقضي على الشر كله...
إن المثقفُ (مهمات كانت مهمته ) كما يقول الشاعر والأديب عاشور بوكلوة : «يعلم اليوم أنّه لا يمكنه تمثيل هذا الدَّور، لقد بيّن الحراك أن الاستعباد هو المحرك الذي لا يحتاج إلى قائد أو إلى موجه أو إلى من يرسم طريق الحرية، وأن العامل المشترك بين الناس هو القوة الحقيقة لكل تكاثف وتعاون»، فالحراك فرصة مناسبة للمثقّفين بكل أطيافهم كي يُعيدوا ترتيبَ علاقاتهم الهشة بأنفسهم، وضبط مواقفهم وفق نظريات أخرى أٌقرب إلى الواقع الاجتماعي، وإنتاج مقاربات أكثر صدقية بمعرفة حقيقية للمجتمع من الداخل، وربط علاقات أكثر تلاحما مع الناس.




همسة لأنظمة الفساد وبطانتهم

لا شك أنه ما زال في الشعوب من يدافع عن الظلم لأسباب كثيرة ترجع كلها إلى مرض المزاج العنصري، وعادة الكرامة الكاذبة والدعايات المضللة، وهي بلا ريب إلى تناقص ثم إلى زوال، وكل ذلك له مؤشراته التي لا بد أن تنبه الذئاب والمتوحشين في بلادهم وعلى شعوبهم، ولن ينفعهم شغل الناس بمشاكل وهمية وقوانين استثنائية ووأد الحرية، ولن يجديهم أبدًا أو يفلتهم من براثن الشعوب وأنياب المظلومين حماية أو عمالة، بل لا بد أن يتنفس الناس الصُّعداء، وأن يتغلبوا على تلك الوصمة، وأعني بها: التخلف وغياب الوعي، واليوم قد يكون من سوء الطالع لهؤلاء القوم: تعدد الجهات الطالبة، أولها الشعوب، وثانيها حلفاء الأمس، وثالثها: محاكم أقيمت لذلك، ورابعها: فضائح هذه الأنظمة وكشف عوارتها، وخامسها: إيمان الناس بالشورى والديمقراطية، فهل يفهم هذا من بقي من طغاة العرب قبل أن يأتي الطوفان؟ نسأل الله ذلك.. آمين.







.