كلام في الحب 01

الأستاذ محرز شلبي



أعزائي السلام عليكم ورحمة الله بركاته، وأهلاً بكم في لقاء جديد حيث نناقش فيه موضوع الحب، هذه الكلمة الصغيرة المبنى، الكبيرة المعنى، التي تهتز لها أفئدة العاشقين، وتلهج بذكرها ألسنة العابدين المبتهلين، ويوصي بها الأطباء والمصلحون، ويسعى الدعاة إلى الله إلى غرسها في نفوس المسلمين أفراداً وجماعات. الحب هذه الكلمة الساحرة ذات الظلال الرقيقة في النفس الإنسانية هل يعكس الإسلام فهماً خاصاً لها؟ وهل يعترف الإسلام بعاطفة الحب على أنها واحدة من أهم الدوافع الإنسانية، والمحركات الفعالة في السلوك الفردي والجماعي؟ وهل يعاني المسلمون حقاً من أزمة في المحبة جعلت الإنسان لا يفهم إنسانيته على وجهها الصحيح، أم أن المسلمين هم أكثر شعوب الأرض صفاء وإنسانية؟ هل يعاني الإنسان في بلادنا من فقر مدقع إلى الحب يعجز فيه عن العطاء والنمو والتواصل مع أسرته ومجتمعه ومع الآخرين، ولماذا لا ينظر الأهل إلى الحب المتبادل بين الشاب والفتاة نظرة رضا حتى وإن كان هذا الحب في إطار الشّرع ؟ وما مفهوم الحب في الإسلام؟ وكيف تنظر الشريعة الإسلامية إلى هذه العاطفة، وكيف نفهم المودة والرحمة من خلال نصوص القرآن وأحاديث الرسول -عليه أفضل الصلاة والسلام-؟ وهل هناك حب مرغوب فيه، وأنواع أخرى من الحب مرفوضة؟ ولماذا جعلت الكراهية عملاً شيطانياً في الإسلام، وما هي المعاني التي تنطوي تحت عنوان عاطفة الحب في الإسلام؟ وكيف ضبط الإسلام هذه العاطفة في إطار قيود وأحكام عامة تنصب في هدف تنظيم المجتمع وإشاعة الأمن والطمأنينة في حياة البشرية جمعاء؟ هذه الأسئلة وغيرها سوف نحاول تسليط الضوء حولها في خلقات عدة مقتحمين بوابة قضية يخجل الكثير أو يخاف اقتحامها إن ذكر هذه الكلمة (الحب)عند بعض الناس لها مفهوم معين ، لكن ما هو مفهومها في الإسلام؟


عن هذا السؤال يجيب العلامة د. يوسف القرضاوي : "هناك بعض الأخوة الفضلاء بمجرد أن يسمعوا عن هذا الموضوع (عاطفة الحب) يظنون أنَّا سنتكلم عن الحب الذي تلهج به أجهزة الإعلام، وتتحدث عنه الأغاني، عن هذا النوع من حب المرأة، وحب المرأة كجسد فقط، وقالوا: كيف تتكلمون عن مثل هذا، ولكن في الواقع هذه الكلمة ظُلمت، كلمة الحب كلمة كبيرة، ومعناها معنى واسع، ولها مجالات رحبة تشمل الحياة، وما بعد الحياة، تشمل حب الله تعالى، وحب رسوله، وحب الدين، وحب الوطن، وحب الأسرة وحب الناس، وحتى حب الموت. فهذه الكلمة مظلومة، نحن نعلم أن الإنسان عقل وقلب، أو كما يقول علماء النفس المحدثون: الإنسان عقل وعاطفة، لا يستغن عن واحدة من هاتين – عقل وعاطفة - وأول ما يتجلى فيه العقل التفكير، وأبرز ما تتجلى فيه العاطفة الحب فإذا كان الفيلسوف الشهير ديكارت قال كلمته الشهيرة: أنا أفكر إذن أنا موجود، نستطيع أن نقول أنا أحب إذن أنا موجود، فالعاطفة معبرة عن الإنسان كما أن العقل معبر عن الإنسان، فالإنسان كيان مزدوج فيه هذا العقل المفكر وفيه هذه العاطفة الشاعرة، والخطر في أننا نجعل هذه الكلمة مقرونة بالمرأة وبجسد المرأة.."


إن الذين قيدوا معنى الحب، ومفهومه بهذه العلاقة الخاصة التي يتغنى بها المتغنون، هؤلاء قد ظلموا مفهوم الحب، ومعنى الحب. نحن نريد بهذه الحلقة -الحقيقة- أن نشيع معنى الحب في الحياة كلها، أكثر ما تشكو منه حياة الناس في عصرنا هو الأنانية، أن كل إنسان يريد أن يعيش لنفسه، لا يحب الناس بعضهم بعضاً، غلبت الفردية، وغلبت النفعية، وغلبت الأنانية على الناس، فنريد إشاعة المحبة بالمفهوم العام، الذين قد يظنون أن العلاقة مقصورة على هذا الجانب.. ظلموا الكلمة، وظلموا مفهومها، الإنسان: فرد وأسرة، ومجتمع، وأمة، والفرد: عقل، وعاطفة، وجسم، وروح..



إن أول ما يجب أن يحبه الإنسان هو حب الله تعالى، ولذلك القرآن لما ذكر الحب ذكر حب الله،لم يذكر الحب بين الرجل والمرأة إلا مرة أو اثنين إنما القرآن يقول (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله)، (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) والأحاديث الكثيرة،النبي -عليه الصلاة والسلام- حينما جاءه رجل وقال: يا رسول الله، متى الساعة؟ فقال: وماذا أعددت لها؟ قال: والله ما أعددت لها كثير صلاة، ولا صيام غير أني أحب الله ورسوله، فقال: أبشر أنت مع من أحببت، قال أنس: فما فرح الصحابة بشيء فرحهم بهذا الحديث. لأنهم يحبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهم يكونون معه إن شاء الله، فحب الله وحب رسول الله بصفته أنه هو الذي جاءنا بالهداية، وهو الذي أخرجنا من الظلمات إلى النور، وهو الذي هدانا إلى الصراط المستقيم نحب رسول الله كما قال (قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني يحببكم الله) حب الطبيعة نفسها، يعني الإنسان يحب الطبيعة لأنها خلق الله، وهي مصدر الخير للإنسان،ومصدر النعم للإنسان، ربنا مهدها للإنسان (جعل الأرض فراشاً، والسماء بناءً) (وجعل الأرض ذ لولاً)...





من جهة أخرى لا شك أن الحب له مُنافي، ومضاد، ومناقض، وهو البغض والكراهية، وهذه آفة الإنسانية، يعني بعض الفلاسفة يقول: العدل نائب المحبة، يعني لو أن الناس حكموا قانون المحبة ما احتاجوا إلى محاكم ولا كذا كما قال الشاعر: لو أنصف الناس استراح قضاتهم، أو أنصف القاض استراح الناس، لكن لعدم وجود المحبة، احتجنا إلى العدل، فالعدل هو الذي يضبط هذه الأمور إذا لم توجد المحبة، ولذلك إذا تعارضت عاطفة الحب مع الواجب المفروض أن الإنسان يضغط على حبه، ويتبع الواجب.


في الأخير لو انتقلنا إلى موضوع الحب بين الشباب أو بين الرجل والمرأة، ما حكم هذه العلاقة، علاقة الحب؟ هل الحب في الإسلام جائز شرعاً؟
هذا ما سنتناوله لاحقا إن شاء الله .