أولى خطوات التغيير/ صناعة الوعي
الأستاذ محرز شلبي



أكدت الأيام التي نعيشها ،وما وقع من أحداث وحتى لا تتكرر ، تؤكد بأننا في حاجة ماسّة لصناعة الوعي في ضمير ووجدان الشعب، أو بتعبير آخر نحتاج إلى إيقاظ الوعي بما يدور حولنا، ومعرفة الدور الذي يجب على كل واحد منّا القيام به لتغيير الواقع، وتوعية أفراده الذين غيبهم في نظري الاستبداد القانوني والتربوي والجهل و عديد الآفات...
إن الوعي هو ما يمتلكه الإنسان من أفكار ووجهات نظر تتعلّق بالحياة ومفاهيمها وما يحيط به من بيئة، وقد يكون وعيًا حقيقيًا بطبيعة القضايا المختلفة المطروحة حول الإنسان، وقد يكون وعيًا مُضللاً لا يدرك الأمور على حقيقتها التي تجري عليها، مما يجعل حكمه على مختلف القضايا والأمور التي تجري من حوله حكما خاطئا لا يستطع مقاربة عين الصواب بأيّ شكلٍ من الأشكال.


فما هي حقيقة الإنسان أولا وهو الهدف من هذه الصناعة ؟


يتكون الإنسان من ثلاثة عناصر: العقل الذي شرفه الله به على سائر الحيوانات، والبدن الذي خلق من تراب، والروح التي هي نفخة من الله ، حيث جاء الخطاب الشرعي على أساسها:

فالإيمان: هو خطاب الله للعقل
والإسلام: هو خطاب الله للبدن
والإحسان: هو خطاب الله للروح
ولا بد من توائمها واعتدال الإنسان بها حتى يعتدل، فإذا ركز على أحدها وأهمل البقية وقع في اختلال كبير. فإذا اعتنى الإنسان ببدنه وأهمل عقله وروحه فسيصبح ضخما لكن ليس له معنى.



الوعي يتطلب ثورة مستمرة واعية

إن التأثير الآن على وعي الشعوب والأفراد لهو الهدف الأساس الذي تسعى إليه كل الأطراف المتدخلة في تشكيل وعي المجتمع بغض النظر عن توجهاتها الإيديولوجية والفكرية والسياسية مستعملة في ذلك كافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة الظاهرة والباطنة، هدفها في ذلك كسب المزيد من المنخرطين في دائرة الوعي المنشود لديها.
إذن فالوعي فعل تاريخي خضع لسيرورة طويلة منذ حاول الإنسان استيعاب ما حوله من ظواهر وتفسيرها، والشعوب الإسلامية اليوم أحوج ما تكون إلى صنع وبناء وعي أصيل يعيد لها ريادتها بين الأمم الأخرى، ويرد لها نصاعة تقدمها وسبقها في مجالات شتى، من هنا نتساءل:
ما هي القضايا التي تحتاج من علماء ومثقفي الشعب أن يرفعوا منسوب الوعي حولها؟
وكيف نستعيد بريق وعينا المنشود؟ وأي وعي نريد لنا ومجتمعاتنا ؟ وهل غاب وعينا أم غُيِّب؟
أهم خطوات صناعة التغيير
المطلوب تغيير شامل ومستدام غايته نهضة الشعب والوطن، ولن يكون إلا بشكل تراكمي ومتواصل في شتى الميادين، ومن أهم هذه الركائز والمسارات التي يجب العمل عليها:
مسار الارتقاء بالنفس والأسرة
فمن يريد أن يساهم في النهوض بوطنه وشعبه عليه أن يبدأ بإصلاح نفسه والارتقاء بها،
وإعداد الفرد لبناء أسرة تكون محضنا تربويا وكيانا فاعلا في المجتمع.

مسار السلوك الحياتي اليومي
مطلوب أن يفكّر ويتصرف كل منّا كمواطن حر كريم شريك في الوطن وليس كأجير أو مستأجر أو ضيف أو متفرج، عندها سنقاطع السلبية ونحرص على وطننا وشعبنا كما نحرص على بيوتنا وذوينا، وندافع عن حريتنا وكرامتنا كما ندافع عن أنفسنا، ونرفض الذل ونتصدى للظلم وننتصر للمظلوم، كل ذلك كفيل بنسف مرتكزات الاستبداد والتخلف التي أحاطت بنا.
مسار التفاعل مع هموم الشعب
والأمة التي ننتمي إليها
العمل من أجل نهضة الشعب يشمل كل جهد يعود بالنفع على الوطن الذي نعيش فيه، أو نسعى لتحريره من قيود المحتكرين للسلطة أو أذناب الاستعمار، والاهتمام بقضايا الشعب في كل مكان، ولا ينبغي أن نترك الشأن العام للنخب، فحسب، التي من الممكن أن تساهم في تغييب الوعي وتزييفه، بل الأولى السعي مع كل مثقف واعي يريد للوطن النهضة والارتقاء، دون حسابات شخصية، أو مغنم فردي.
أخلص من ذلك وأقول: إن أزمتنا ليست في حكامها بالدرجة الأولى، وإنما في علمائها، ونخبها ومثقفيها، فالحكام يحكمون على المال والسلطة والجيوش، لكن العلماء يحكمون على الحكام وعلى القلوب والعقول، فلو أن علماء أي بلد اجتمعوا على أمر ما، وتعاهدوا وتعاقدوا على أن ينصحوا حاكم البلد، ولا يتنازلون عن نصحه وتوجيهه إلى الصواب بالتي هي أحسن، لأدى ذلك إلى تغير الأحوال إلى أحسن حال.
من الوعي أن يسود المجتمع الواعي لا الجاهل فكريا

لاشك أن الشعوب الإسلامية ومنها نحن أدت ضريبة قاسية ولا تزال تؤدي جراء عدم وعيها بقضاياها المحورية والمحددة لنقط قوتها وهزائمها، إذ ما خلفته صدمة انحراف مسار الحكم في تاريخ المسلمين إلى اليوم ، وما تعرضوا له وبلدانهم من استعمار مسلح وأذنابه من استغلال لثرواتهم يبقى قويا وصادما أدى لضرب أسس الوعي والقضاء على “النخب الواعية” بمقوماتنا ، ذلك بتغييبها أو إغرائها أو تجاهلها إذ تعتبر هذه العناصر أساليب قد اعتمدت لضرب وعينا قصدا وتحكما واستبدادا، فقد اعتمد النظام المدعي للديمقرطية زورا ومثلا القوة الناعمة أو القمع اللطيف والغير المحسوس لتشكيل وعي هجين يضع السم في العسل لقاعدة هامة غير محصنة فكريا وعقائديا وتربويا ضد هذه الهجمات المنظمة الخطيرة، وقد اعتمدت الأنظمة القمعية الماضية والحالية في كل المجتمعات دون تسميتها على المواجهة المباشرة لضرب فكر المخالفين قمعا لهم وسجنهم واغتيالهم بشكل مباشر وغير مباشر، وقد أدت هذه الأساليب على اختلافها لخلق وضعية فكرية وعقائدية هشة عانت منها شعوبنا ولا تزال الأمرين.