عن اي صفقة قرن تتحدثون..؟!


منذ ظهور اول مستوطنة يهودية على ارض فلسطين وفي عهد الامبراطورية العثمانية وتقريبا في عام 1908 الى تشكيل العصابات الصهيونية المنظمة على ارض فلسطين وما تبعها من انتداب بريطاني بعد الحرب العالمية الاولى ونحن نصرخ ونجيد الصراع ونجيد ردات الفعل الى يومنا هذا ، كثر العويل عن المخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية وتهدد الشعب الفلسطيني ووحدته الثقافية والاجتماعية والوطنية على الارض ومازلنا لا نملك الا التصريحات ورفض كل شيء من اجل الرفض وليس من اجل الفعل وتوفير ميكانزمات العمل اللازم واللائق لكل حدث في وقته وفي لزومه ، هكذا نحن الى ان حدثت النكبة بعد انقسام فلسطيني مع المقاومة وضد المقاومة ومع التطبيع مع العصابات الاسرائيلية وضد التطبيق وتشكيل كتائب السلام التي كانت تمول من بريطانيا وتمول من نفس ذات العصابات الصهيونية ، اما الموقف العربي العام والرسمي فالموقف العام كان مع شعب فلسطين وقضية فلسطين ولكن تاهت في المحافل العربية الرسمية بين هذا وذاك ووفد ذاهبة واتية من لندن وباريس وتعويل على عصبة الامم وتعويل على دور الامم المتحدة فيما بعد .

هكذا نحن بمواقفنا التي لا تخضع لاي فعل مدروس واستراتيجي حتى ما وضعناه من استراتيجيات تم اهماله في اول محطة من محطات التكيف مع الاقليم وقرارات الامم المتحدة التي لم ينفذ منها اي قرار للان واهمها القرار 194 والقرار 181 اي قرار التقسيم الذي بناءا ً عليه قبلت اسرائيل في الامم المتحدة بشرط قيام دولة فلسطينية .

دائما ً نندب حظنا ونندب قدرنا ولماذا وكيف ولماذا لم نفعل ولماذا حدث ذلك ، هي تلك الاسئلة بعد كل مرحلة ، وللاسف ندخل من جرف الى اخر ونفقد يوميا ً انصار ودول كانت تناصرنا واصبحت تقيم علاقات اقتصادية وامنية وتكنولوجية مع اسرائيل ، اين الخلل ..؟!

يتحدثون عن صفقة القرن وكانها هي المحطة التي اضاعت فلسطين والحقوق الفلسطينية ، طبعا ً في نطاق ردات الفعل ولكن كيف نفهم ان صفقة القرن هي تتطور مع المشروع الصهيوني، وبالمناسبة الادارة الامريكية لم تسمي مبادرتها بالصفقة، الذي اطلق اسم الصفقة هم النخب العربية بل امريكا تقول انها خطة للتسوية تبدأ بالاقتصاد وتنتهي بالسياسة .. هكذا فهمنا وهكذا قررت امريكا عقد مؤتمرها في المنامة البحرين " السلام من اجل الازدهار " لحشد المال اللازم ، وبالمناسبة ايضا ً ان هذا الجانب من خطتها لم تبتدعه الادارة الامريكية بل هو ناتج عن عدة دراسات اتسراتيجية قامت بها مؤسسات اوروبية وامريكية وتبناها رئيس الوزراء السابق بلير بالتنمية الاقتصادية في الضفة الغربية وغزة ، وطورها دايتون الخبير الامني الامريكي لتشمل الاقتصاد والامن ، وتبنى هذه النظرة مسؤول الادارة المدنية السابق مردخاي وتحدث عنها بينيت وعاموس يادلين رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية سابقا ، اما جانبها السياسي فقد طرحها ايجال الون وزير الزراعة السابق في المنتصف الثاني من السبعينات وهي روابط مدن تنظم اداريا ذاتيا وامنيا ايضا ً بتجهيز قوى امنية تحافظ على المنظومة المدنية والامنية في تلك المدن وهي تلك النظرة التي طبقت بعد اوسلو والذي طبقها ووضعها دستورها المستشار الامريكي الامني دايتون واسست عليها المدرسة الامنية للسلطة ، فالنظام في الضفة الغربية ليس نظام سياسي ، بل هو نظام امني بحث ، والتمثيل السياسي للسلطة تمثيل هامشي في اي لحظة تستطيع اسرائيل القضاء عليه وبقاء واجبات واداء الاجهزة الامنية وظيفيا واداريا في الضفة الغربية ، وهذا ما يسهل على نتنياهو واليمين المتطرف اتخاذ اي قرار لضم غالبية الضفة واخضاع المدن بحكم ذاتي محدود ومباشرة امنية اسرائيلية واقليمية ايضا ً ، اما غزة فاعتقد ان امرها يتعلق بالامن القومي المصري .

ولكن دعونا نتحدث عن صفقة القرن ومنظورها التاريخي..
الادارة الامريكية والادارات السابقة لا تختلف كثيرا ً عن بعضها ولو ارادت الادارات الامريكية السابقة ان تحقق حل الدولتين لفعلت منذ زمن ، ولكن استهلك الوقت والتاريخ ووقعت القيادة الفلسطينية في شباكه سواء بعملها او عدم علمها ، في كلا الاحوال فهي جريمة !

نعم منظمة التحرير عندما انشات انشات على اساس انها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني بوحدته الوطنية بكافة قواه ومؤسساته والاتفاق على برنامج وطني واحد وعُبر عن ذلك بميثاقها الذي يدعو لاقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني الفلسطيني التي تحفظ جميع حقوق المواطنين على ارضها بصرف النظر عن دياناتهم وهكذا اكدت حركة فتح عند انطلاقتها في عام 1965 ، ولكن ماذا حدث ؟ لم يعد اي شيء قائم من ميثاق منظمة التحرير وكذلك كل ادبيات حركة فتح ونظامها الداخلي اصبح في سجلات التاريخ ، وما تمارسه حركة فتح الان بتيارها الرسمي يخرج عن كل ادبيات حركة فتح وما انطلقت من اجله ، هي نفسها كمثل منظمة التحرير الفلسطينية .

اذا ً صفقة القرن كانت هي التمدد للمشروع الصهيوني المتدرج وصولا ً لتحقيق حلمها في يهودا والسامرة ، والادارة الامريكية لم تفعل اي شيء خارج ذلك التصور الذي اصبح امرا ً واقعا في ظل تعاسة وتخاذل او عدم فهم تكتيكي واستراتيجي للقيادة الفلسطينية ، عندما تم فك ارتباط الضفة عن الاردن كانت تحت افق ان منظمة التحرير ستقيم دولة محررة على كل من الضفة وغزة ولكن ثبت ان منظمة التحرير ليست قادرة على حماية ذاتها فما بالكم على حماية المواطنين والارض والتاريخ في الضفة وغزة ، ولا نريد ان نقول حيفا ويافا وعكا واللد والرملة .

اذا ً من استفاد من فك الارتباط في الضفة مع الاردن ، فعلا الذي استفاد المشروع الصهيوني الذي اوشك على ابتلاع كل الارض في الضفة الغربية وكما قال نتنياهو ان يهودا والسامرة ارض الاجداد لا يمكن التنازل عنها وباي صورة من الصور ، وبالمقابل ماذا فعل الفلسطينيين وبداية الرقص حجلان ، اولا تركوا الثورة بعد سنوات قليلة من انطلاقتها وما حققت من انجازات واعتراف دولي وشعبي ولهثوا وراء الاعتراف بتلك القيادة ، وليس الاعتراف بالحقوق الفلسطينية ، فكفى ان يفتح ممثلية لمنظمة التحرير فهذا هو انجازهم الذي اتى بالوبال على كل ايكونات الشعب الفلسطيني وحيثيات وجوده وماكانت قريحتهم الا ان تنازلوا عن كل شيء كتبوه وبدؤوا بالنقاط العشر والحل المرحلي الذي اساؤوا استخدامه واصبح غطاء لكل ماهو يتعارض مع الوطنية الفلسطينية ، اتصالات الفيد باك مع الاسرائيليين في عواصم عربية واوروبية وانجبت قريحتهم احتواء الانتفاضة الاولى والالتفاف عليها على رغم ان الانتفاضة الاولى كانت يمكن ان تحقق سياسيا ما لم تحققه منظمة التحرير التي وقعت في فخ اوسلو الذي ادخل الفلسطينيين في بئر عميق من الصعب الخروج منه الا بقرارات جريئة لقيادة مختلفة تماما ً وانجبت اوسلو ومن ثم كانت الدمقرطة الامريكية والصراع على نظام السلطة بين رئيس الوزراء ممثلا بعباس وقائد منظمة التحرير وفتح ياسر عرفات وكان خيار اسرائيل محمود عباس والخيار الامريكي محمود عباس لكي تتم مدرجات خطة صفقة القرن المتزامنة والزمنية والمتدرجة ووصولا ً الى الانقسام الذي لا يمكن ان ينتهي الا بقيادات جريئة تستطيع ان تقول ابحثوا عن الفدرالية مع ما تبقى من غزة والضفة ، حتى هذ الخيار لا يمتلك الفلسطينيين اوراق كثيرة منه فالاسرائيليين ودول الاقليم لهم راي اخر .

اذا عن ماذا تتحدثون عن صفقة القرن ؟! صفقة القرن يا سادة هي الصفقة التي صنعها هيترتزل بنظريته وقادة اسرائيل التاريخيين وقادة امريكا واوروبا ، هذا من جانب وما صنعها ايضا سوء ورداءة القيادة الفلسطينية وهذا اقل تعريف لها ، اما عن تصريح وزارة الخارجية الروسية التي تستنكر مؤتمر البحرين الاقتصادي ومازالت متشبثة بمؤتمر مدريد والمبادرة العربية عام 2002 فماذا فعل الاتحاد السوفييتي سابقا وماذا تفعل روسيا كقوة عظمى الان من اجل حل الدولتين الذي انتهى مفعوله ووقته .

اذا على الشعب الفلسطيني ان يخرج خارج الصندوق الكلاسيكي يترجم عن ذاته بقيادة جريئة تنسف كل ما قبله من ردات فعل اودت بالشعب الفلسطيني الى الهلاك بمشروع وحدوي ناضج يعتمد على كل طاقات الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه وان يعاد التفكير في الثقافة الفلسطينية والسياسية والاقتصادية وتنظيمها من جديد ضمن برنامج علمي غير خاضع لردات الفعل .

بقلم / سميح خلف