( لوكان عبد الرزاق بوحارة و محمد الصالح يحياوي على قيد الحياة لكانا رجل إجماع)
استطاع الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر منذ 22 فبراير 2019 أن يُسْقِطَ كثير من أسماء ذات وزن ثقيل في السلطة، مارست حكما دكتاتوريا في البلاد التي حمل دستورها اسم "الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية" أي أنها دولة تتبع نظاما جمهوريا و الكلمة فيها للشعب صاحب السيادة، و في مقدمة الذين أقيلوا، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة و شركائه في الحكم، الذين اقتيدوا بفعل الحراك الشعبي إلى المحاكم، و طالما بدأت بذور التغيير تظهر في الجزائر، لا شك أن كل القرارات التي صدرت من قبل سيتم إلغاؤها بصدور مرسوم رئاسي جديد، و لا شك أيضا أن رئيس الدولة الحالي عبد القادر بن صالح الذي علقت صوره في كل المؤسسات مكان الرئيس المخلوع، لدليل قاطع على أن كل الصّلاحيات أصبحت في يده و له الحق في إصدار المراسيم الرئاسية يرفع بها الحظر على الأحزاب المعارضة الممنوعة من ممارسة حقها السياسي، و في مقدمتها حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ ( FIS ) المحظورة التي كان يتزعمها الراحل الدكتور عباسي مدني، و حركة الوفاء و العدل الغير معتمدة بقيادة الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، و ربما أحزاب أخرى كان لها موقف مغاير لموقف السلطة.
فالذين خرجوا في المسيرات الشعبية كانوا نساءً و شبابا و كهولا و شيوخا و إطارات و لم يكن مكتوب في جبينهم،هذا ينتمي إلى حزب سياسي ما، بل كانوا جميعا معارضين للنظام القديم و طالبوا برحيله، بما فيهم أصحاب "اللحية"، و هم قبل كل شيئ أبناء الجزائر يحملون بطاقة تعريف وطنية و جواز سفر مكتوب فيهما عبارة "الجنسية جزائري" ، إن إسقاط النظام يعطي الحق لهؤلاء المطالبة بحق العودة إلى الساحة السياسية، فمن جهته أصدر أنصار الفيس مؤخرا بيانا موقعا باسم الشيخ علي بن حجر أكدوا فيه أنهم يقفون إلى جانب الحراك، و يتابعون الأحداث، و طالبوا في البيان المؤسسة العسكرية أن توضح موقفها من دولة المؤسسات و القانون، ذلك بالإعلان عن موقفها صراحة من مستقبل الجزائر السياسي بعد مرافقتها للحراك الشعبي في مطالبه، و قد وصف اصحاب البيان الحراك بالصحوة السلمية الهادفة و دعوا الطبقة المثقفة إلى تحمل مسؤوليتها التاريخية في هذا المنعطف التاريخي الهام في مسيرة الأمة الجزائرية.
أما أحمد طالب الإبراهيمي الذي أفل نجمه كما يقال في وقت عاشت فيه الجزائر مخاض سياسي في بداية التسعينيات، أظهر مواكبته للحراك الشعبي، إلا أنه رفض دعوات جمعيات لقيادة المرحلة الإنتقالية، التي وصفته برجل الإطفاء، بسبب حالته الصحية التي حالت دون ذلك، و باعترافه هو شخصيا، بأنه لم يعد قادرا على الإستمرار ، و لعل موقف الإبراهيمي كان واضحا جدا، بتركه السياسة و تفضيله العزلة، ليتفرغ لنفسه، بعدما فشلت مساعيه أمام السلطة في اعتماد حزبه الذي أسّسه و هو "حركة الوفاء والعدل"، فكان محطته الأخيرة التي يتوقف عندها، مثلما توقف من سبقوه فيها ، و منهم العقيد محمد الصالح يحياوي رحمه الله، و علي بن محمد وزير التربية الوطنية الأسبق أطال الله عمره، و آخرون حكم عليهم بالعيش على الهامش من قبل سلطة دكتاتورية .
قبل فترة من انطلاق الحراك الشعبي في الجزائر، شهدت الساحة السياسية غيابا شبه كليا للأحزاب الإسلامية أيام الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة و المحيطين به، الذين كانت لهم مواقف وصفها ملاحظون بالعنيفة جدا تجاه الإسلاميين، تميزت بمنع أبناء زعيم الفيس المحظور لحضور جنازة والدهم الدكتور عباسي مدني، الذي توفي مؤخرا بمنفاه في قطر، و هو موقف أثار استياء الشعب الجزائري، الذي أصرّ على استمراره في المسيرات الشعبية السلمية حتى تتحقق مطالبه في الذهاب إلى مرحلة انتقالية و اختيار شخصية توافقية ، و هو مطلب يعكس تصريحات الفريق أحمد قايد صالح الذي رفض مرحلة انتقالية و أعلن على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في وقتها المحدد و هو الرابع من جويلية القادم و اعتبرها ( أي الإنتخابات ) أولوية من الأولويات، و هذا يدعوا إلى البحث عن رجل "الإجماع" لحل الأزمة و إيجاد حل توافقي يرضي جميع الأطراف، تبقى مسألة عودة الفيس إلى الساحة و كذلك اعتماد حزب الإبراهيمي تحتاج إمّا إلى إصدار مرسوم رئاسي من قبل رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، يعلن فيه إعفاؤه عن أنصار الفيس و يسمح لهم بالعودة، أم أنه يترك الخيار للشعب و هو الذي يقرر، أي الذهاب إلى استفتاء شعبي.
و الحديث عن رجل "الإجماع" يعيد إلى الذاكرة أسماء تركت بصمتها في الساحة بفعل وعيها السياسي و نضالها النزيه في بناء دولة الحرية و القانون، و من بين الأسماء نذكر عبد الرزاق بوحارة، العقيد محمد الصالح يحياوي، و أحمد السبع الذي كان ضابطا في جيش التحرير الوطني، و عين في اللجنة الدائمة أيام محمد الصالح يحياوي و غيرهم، هؤلاء خرجوا من حزب كانوا يصفونه ذات يوم بالعملاق، إنه حزب جبهة التحرير الوطني الذي يعيش اليوم نكبة سياسية و يحتاج إلى " نوّاحات" أو " بكّايات" يرثينه في مأتم افتراضي على عهده الذهبي المفقود، خاصة ما يشهده اليوم من صراعات داخل الحزب و داخل البرلمان، لقد ترك رجل الإجماع عبد الرزاق بوحارة الذي توفي في 10 فيفري 2013 و لا أحد من قادة الحزب تذكره و لو بكلمات قصيرة، ( كعينة فقط ) رسائل كثيرة في خطبه التي كان يلقيها في التظاهرات الوطنية، حيث كان يدعو إلى إزالة التناقضات و إلى التحرر من بعض الأفكار و المقولات التضليلية ، و هي نفس مواقف العقيد محمد الصالح يحياوي، الذي غادر الحياة يوم 10 أوت 2018 ، لو بقي على قيد الحياة لكان هو الآخر رجل إجماع أو رجل توافقي، خاصة و أن الإثنان يتميزان بميزات هامة ، إذ يملكان صفات القائد و لهما شخصية كاريزماتية تختلف عن الآخرين، لكن الموت يأخذ و لا يستأذن أو يستشير.
علجية عيش