القوة العربية في مواجهة القوة الفارسية لحماية امنها القومي
الدكتور عادل عامر
إن احتجاجات "الربيع العربي" في المنطقة قد أتاحت لإيران الفرصة لتوسيع نفوذها في المنطقة، وهوما برز في خطابات المرشد الإيراني "على خمانئى" أثناء اندلاع الاحتجاجات العربية، والتي كانت تحث على الثورة على الأنظمة الحاكمة الفاسدة، والتشجيع على قيام نظم حكم إسلامية تتوائم مع مرجعية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إذ اعتبرت إيران أن ثورات "الربيع العربي" بمثابة امتداد لثورتها الإسلامية، إلا أن ذلك الاعتقاد الإيراني يعد بعيد المنال تماماً، وذلك نظراً للبعد الزمنى بين الحدثين من جهة، فضلاً عن الاختلاف بين المذهبين الشيعي الإيراني وبين المذهب السنى لأغلب البلدان العربية
رغم أن واقع العلاقات الفعلي في البيئة الإقليمية المحيطة بالخليج العربيّ خلال العقود الثلاثة الماضية هو أجواء الحرب، وأن السلم التامّ لم يكُن إلا لحظة مؤقَّتة، فإنه يمكن أن يعود ذلك إلى حيوية التفاعلات الإقليمية بحيث تطفو على السطح التناقضات الموجودة فيه. وربما لغياب القوة العسكريَّة المهيمنة، أو ربما
كما نريد أن نعتقد- لنجاح الخليجيّين في فرض استقرار سياسي ولو هشّ نسبيًّا جَرَّاء تدابير سياسية واقتصادية ناجحة، ويمكننا القول إن دول الخليج العربية قد أحسنت التدبُّر مِمَّا حال دون استثمار حالة الفوضى في جوارها الإقليمي إلى أقصى مداه من أطراف عدة، وكان من ضمن تعامُل دول الخليج العربية مع التفاعلات العسكريَّة أنها كانت جزءًا من هياكل عسكريَّة كثيرة ومناورات وتمارين تعبويه في الإقليم.
اتَّخَذَت تدخُّلات النِّظام الإيرانيّ في شؤون دول الخليج أبعادًا غيرَ مسبوقةٍ وعلنيَّةً في الوقت ذاته، فقد أعلن -ويعلن- النِّظام الإيرانيّ صراحةً عن تدخُّلاته في الشؤون الداخلية للعراق ولبنان واليمن وسوريا. لذلك حوّل الخليجيُّون تركيزهم من مبدأ تَجَنُّب النزاع إلى استراتيجية ردع التوسُّعات الإيرانيَّة، خصوصًا أن قدرات الخليجيّين تزداد جرَّاء النُّضج المستمرّ الذي تشهده مؤسَّسات دول الخليج العسكريَّة من ناحية، والتغييرات التكنولوجية التي عظَّمَت من قوتها وقلّلت من نقاط ضعفها
. ومن أشكال الأخطار الإيرانيَّة العسكريَّة المناورات العسكريَّة الإيرانيَّة للحرس الثوري بكل فروعه في مياه وسماء الخليج، إذ أظهرت تلك المناورات عدم الاستقرار لكونها تُدار بفلسفة استفزازية أكثر من التمرينات التي ينفّذها الجيش النِّظامي الإيرانيّ ووحداته الأخرى، كما أن من مؤجِّجات الصراع الإيرانيَّة تجارِبهم الصاروخية لتعويض ضَعْف القوة الجوِّية الإيرانيَّة، وإظهار أسلحة جديدة كل عام،
فقد كان من تبعات هذا الإجراء انتقال هذه الصواريخ إلى مسارح العمليات في يد الحشد الشعبي والحوثيين في اليمن، وقوات الأسد في سوريا. كل ذلك في مجال الأسلحة التقليدية، في حين يقف المشروع النووي الإيرانيّ كخطوة للتسلُّح النوويّ وانهيار التوازن الاستراتيجي على ضَفَّتَي الخليج، مما يعني توغُّل التدخُّلات الإيرانيَّة وتنفيذ مشروع التمدُّد والهيمنة وفرض النفوذ. كيف ستصبح قوة الجيوش العربية إذا اتحدت بقيادة مصر والسعودية والجزائر؟ يمتلك العرب قوة اقتصادية وعسكرية كبيرة، وبخلاف عقد المؤتمرات الطارئة لمواجهة التحديات الحالية، فإن اتحاد الجيوش العربية سيشكل قوة هائلة.
ووفقا لجمع المعلومات عن الجيوش العربية وقوتها العسكرية والاقتصادية على موقع غلوبال فاير باور، فإن اتحاد هذه الجيوش بقيادة أقوى 3 جيوش عربية هي مصر والسعودية والجزائر، سيخلق قوة جبارة وهائلة وأيضا من الناحية الجغرافية والسكانية سيتمكن العرب من إدخال أكبر عدد من القوات للخدمة. على سبيل المثال، إذا تجمع الناتج القومي المحلي العربي فإنه على الأقل سيتجاوز 5 تريليون و990 مليار دولار سنويا، وسيشغل هذا الناتج المرتبة الرابعة بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين والاتحاد الأوروبي. وسيتمكن العرب من إنتاج كمية هائلة من البترول، سوف تتجاوز إنتاج 24 مليون برميل يوميا، وهذا سيمثل 32% من الإنتاج العالمي.
أما بالنسبة للقوة العسكرية وهي محور حديثنا، فسيكون قوام الجيش العربي الموحد 4 ملايين جندي، و9 آلاف مقاتلة حربية، و4 آلاف طائرة مروحية، و19 ألف دبابة، و51 ألف مدرعة حربية. كما سيمتلك العرب 900 سفينة حربية، 2600 قاذفة صواريخ، وأكثر من 14 غواصة. ووفقا لموقع غلوبال فاير باور، فإن جيوش مصر والسعودية والجزائر هي الأقوى عربيا، إذ تمتلك هذه الجيوش معظم الأسلحة المتطورة جويا وبحريا وبريا.
ويعتمد تصنيف موقع GFP المختص بالشؤون العسكرية على العديد من العوامل أبرزها العدد الإجمالي للأسلحة المتاحة وتنوع السلاح وحداثته والميزانية الدفاعية للدولة وعدد جنودها وتضاريسها الطبيعية التي تلعب دورا دفاعيا في كثير من الأحيان كالجبال والأنهار.
تحيط بدول الخليج بيئة إقليمية غير مستقرة، ففي سوريا اندلع القتال بين المعارضة والنظام المدعوم من القوات الإيرانية والروسية، فروسيا تريد استعراض قواتها لتعود إليها مكانتها كقوة عظمى، في ظل تراجع الدور الأمريكي، ولو عبر تحويل سهول سوريا ومُدُنها إلى ميدان رماية لتجريب الأسلحة الروسية،
فإحياء زمن الحرب الباردة هو الهيكل الوحيد الذي يعيد موسكو إلى الواجهة. وفي العراق تبع رجال المنطقة الخضراء غير الأكفاء خطوات قاسم سليماني قائد فيلق القدس، الذي سوَّقَته طهران لهم كمخلِّص من “داعش”،
في صورة متعالية تقترب من “الميتافيزيقا” من أجل دعم الروح القومية الإيرانيَّة التي تحتاج إلى بطل، حتى وصل الأمر بهادي العامري، قائد الحشد الشعبي العراقي، إلى جعل قاسم سليماني المتصدي الوحيد لعدم سقوط بغداد، فلولا سليماني “لكانت حكومة حيدر العبادي في المنفى، ولَمَا كان للعراق وجود!”. أما في اليمن فتخوض القوات الخليجيَّة معركة كبيرة، ويبدو أنها مضطرّة إلى لعب كل أوراقها، فلا خيار إلا أن تكسب رهان الحزم.
من ناحية أخرى، لا يمكن إغفال قوة إقليمية خطيرة مثل إسرائيل ومصالحها في المنطقة بصفة عامة، وسوريا بصفة خاصة، فإسرائيل في اندفاعها التواجدى نحو الهيمنة والسيطرة على الإقليم الشرق أوسطى قد لا يتحقق بصورة جيدة إلا من خلال المشاركة بل والحسم لبعض الملفات الشرق أوسطية لا سيما الأزمة السورية، إذا تعتبر المصالح الأولية لوجود إسرائيل في المنطقة هو السيطرة والتهدئة والتأمين لحدودها، ولذلك هناك رأيين في الداخل الإسرائيلي بشأن سوريا،
الأول يرى : أن بقاء الأسد في السلطة هو الأفضل لإسرائيل إذ أن البديل قد يكون إما فوضوي، أو استيلاء الإسلاميين أو الجهاديين أوكليهما على الحكم في سوريا، بينما يرى الرأي الثاني : أن بقاء الأسد في السلطة سيترك إسرائيل في مواجهة تحالف خطير على حدودها الشمالية يضم إيران، سوريا، " حزب الله " خاصةً وأن ذكرى حرب لبنان ( معركة الوعد الصادق ) 2006 لم تشظ من أذهان القيادة الإسرائيلية، ومن ثم فإن رد الفعل الإسرائيلي إزاء الملف السوري يبقى حذر ودقيق للغاية حتى الآن
الضروري أيضاً في هذا الصدد، امتلاك القوى الإقليمية لعناصر القوة الشاملة، التي تؤهلها للعب مزيد من الأدوار بالمنطقة وتحقيق أهدافها وتأمين مصالحها، بالتالي تحقق هيمنتها وسيطرتها على الإقليم، الأمر الذى سوف يؤدى لسباق تسلح غير عادى بين القوى الإقليمية، وهوما يُنذر بإتباع سياسة داخلية تقشفية من شأنها زيادة حجم الأنفاق العسكري على حساب المجال التنموي، مما يؤدى لانخفاض الاحتياطي النقدي للدول،
وهوما يعرض اقتصاد هذه الدول لتذبذبات خطيرة، ولكن كل ذلك في سبيل تحقيق مبدأ التوازن الإقليمي لهذه القوى، غير أن القوى الإقليمية تٌعد غير قادرة بشكل دقيق في التعرف على نوايا بعضها البعض، ليكون من أهم خصائص هذا النسق الشرق أوسطى الجديد أيضاً هي انتشار حالة من عدم الثقة في كافة تحركات وتوجهات أي قوى إقليمية في المنطقة، مما يهدد الهدف الأساسي لكافة القوة الإقليمية
وهو البقاء، الأمر الذى سوف يفرض علي القوى الإقليمية عمل إعادة صياغة لشبكة العلاقات والتحالفات في المنطقة، ومن ثم تشكيل تحالف بقيادتها وإعادة التعاون مع دول أخرى للحفاظ على مكانتها المحورية داخل قلب النسق الإقليمي، الأمر الذى يجعل من كل هذه الخصائص للإقليم الشرق أوسطى الجديد بمثابة ضربات لشكل وماهية النسق الإقليمي الجديد التي قد تصيبه بالضعف والشلل في مجمل تفاعلاته، الأمر الذى يحثنا على رصد أهم عوامل القوة الشاملة للقوى الإقليمية الشرق أوسطية الفاعلة داخل النسق .