رحلة العمر

شعر مصطفى الزايد

مُـدّي الخُـطى إنّ المَسـيرَ مُـواتِ * * * فَـلَـقَـدْ نَـذرتُ لِـمـا أريـدُ حَـيــاتي

خَمسـينَ عامـاً أسْـتَحِثُّ رَواحِـلي * * * فـي قَـفْــرةٍ يَـحْـمِـلْـنَ أمْـنـيّــاتـي

مـا رُعْـتُـهُـنَّ بِـأنّـــةٍ أو زَجْــــرةٍ * * * حَـتّى شَــكَـوْنَ تَـصَـبُّـري وأنَـاتي

فــإذا وَرَدْنَ غَـديـرَ مـاءٍ خِـلْـنَـــهُ* * *مــاءَ الـمُـنـى ونِهـايـةَ الـغـايــاتِ

فـإذا ارْتَحَـلْـتُ بِهِـنَّ أيْأسَـهُـنَّ مِنْ* * *يَـأسـي حُـداءٌ صــادقُ الـنَّـبَـراتِ

يمْشـيْـنَ خَلـفي ما دَرَيْـنَ بِغـايتي* * *ولـعـلّهـا تَخْـفـى لـدى الـجَـلـوات

مَـعْ أنّـهـا الأجْـلى ولكــنْ أيـنَ لِلْــــ ـــــبَهْمِالتماسُ الدّرْبِ في الظُّـلُماتِ

أبصـارُهُنَّ على الثّـرى ما جُـزْنَهُ* * *نحـوَ السَّـمـاءِ بـثـاقـبِ الـنّـظراتِ

يَكْبِـتْـنَ زفراتِ الضَّـنى وعيـونُها* * *يَحْبِسْـنَ في ليل ِالسُّـرى دمعـاتي

وشـموخُهنَّ شـموخُ نفـسي للعُلا* * *وحـنـيـنُـهُــنَّ مُـكَـتَّــمُ الـعَــبَــراتِ

خمسـيـنَ عـاماً ما لمَحْـنا سـابـقاً* * *لـقـوافـــلٍ أو رائــــدَ الـنُّجـعـــاتِ

لـم نـسـتـظِـلَّ بغـيـرِ ظـلِّ سـحابةٍ* * *تمـضي مـفـرقـةً مـع الـنَّـسـمـاتِ

أتملّـكُ الصحـراءَ وحـدي لـم أتِهْ* * *وعـيـونُ قـلـبي تُـبْصـرُ النّجمـاتِ

ولِهِـمَّـتي رغـمَ المَـواجـعِ يَنثـني* * *هَـمّي إذا أغـرقتُ في الـسُّـبُحـاتِ

ما كنتُ أحسدُ ساكنينَ قصورَهـم* * *وقـلـوبُـهـم فـي عــالـمِ الأمــواتِ

أو راكـدي فِـكْـرٍ مُـناهُـم زُخـرفٌ* * *ومَـدائــنٌ مَـبْـذولــةُ الـشّـهَـــواتِ

أو مُـدّعـينَ إلى الحقـيقةِ مُنْـتَمىً* * *وطـمـوحُهُـمْ لم يـبـلـغِ السّـمَـواتِ

فَبِهِـمْ قـدِ اسْـتَـبْدَلْـتُ أجملَ غُربةٍ* * *مـتـغـافــلاً عَـمّـنْ ســعـى لِأذاتـي

ولـربَّ لـيـلٍ فـيـهِ قـمتُ أخُصُّـهـمْ* * *فـي الغافـليـنَ بِصادقِ الـدّعـواتِ

فَلئِنْ تَقاصرَ بي افْتـقارٌ عن جِدىً* * *فيـدايَ مـا قَصُرَتْ لـدى الخَلواتِ

وهَجَـرتُ لا كِـبْـراً ولا حَسـداً ولا* * *لـهـوانِ نـفـسٍ أو حِــذار وُشـــاةِ

لـكـنّـما لـيَ غـايـةٌ شُـغـلـتْ بـهـا* * *نـفـسـي عـن الـنّـدمـانِ والـلّــذاتِ

أنا زَيْدُ هذا العصرِ يُنْكِـرُ هِجْرَتي* * *العـاكـفـونَ عـلى الـسُّـهـا وَمَـنـاة

الزّاعميـنَ وقدْ تَقـاصَرتِ الـرّؤى* * *أنّ الـهـــلاكَ بـمـــا أراهُ نجـــاتي

والمدَّعـيـنَ الكـونَ يـبـلعُ مَنْ بـهِ* * *جـازَ الـثّـرى مـتـطـلـعــاً بـثـبــاتِ

ولقد تضيقُ الأرضُ بالروحِ التي* * *هـبطتْ إلـيهـا مـن عُـلا الجـنّـات

فَـقـرارُهـا إذْ لمتُجانِـسْ طـيـنَهـا* * *فـي أصلِـهـا الـنُّـوريِّ لا الــذَّراتِ

أسـعى وَتَـتـسعُ الـمـساحةُ كلّـمـا* * *أوغـلْـتُ يُـشـرقُ نورُهـا في ذاتي

وتـلـوحُ لي فـيـهـا بـروقُ بشـائرٍ* * *تـزدادُ مـن فـرحٍ بـهـا خـلـجـاتي

فـأكـادُ أسـمـعُ بلْ وأبصرُ بـل أنـا* * *كــونٌ يــــردِّد ُمُـحْـكــــمَ الآيـــاتِ

بــل ذرّةٌ مـشـحـونـــةٌ بِـعـــوالــمٍ* * *مـكـنـونـةٌ عــن عـالـمِ الـغـفــلاتِ

فَـشـهِـدتُ أني «لا» وأنّ الـ«لّا» بها* * *نَـفيٌ لِـغـيـرِ الـلّــهِ فـي الإثْـبــاتِ

بـيـديـهِ سـوّاني فـلسـتُ مُـنـافـراً* * *طَـبْـعَ الجـبـلّـةِ مثـلَـمـا الطّـفـراتِ

عـبْـدٌ لـــهُ وخلـيـفـةٌ فـي أرضــهِ* * *لـم أعْــدُ قَـدْري آكِـــلَ الغَـــذواتِ

مـا أتعـسَ الـقـومَ الـذينَ تطاولتْ* * *ذاتٌ بـهـِـم تســـمـو لأعـظـمِ ذاتِ

فـلَـرُبَّ إكـــرامٍ لـنـاقـصِ هِــمَّـــةٍ* * *أغـرى جَـراءتـهُ عـلى الخَطَـراتِ

ولـعـلّ إدنـاءَ امــــرئٍ إقـصـــاؤهُ* * *إن كـانَ فـيـــه دنـاءةُ الـنـزعــاتِ

إبليسُ فوقَ الأرضِ أعْبَدُ منهُ في* * *عـالي السّـمـاءِ ورِفـعـةِ الـقُرباتِ

أنـا عـالَـمٌ لا حـدَّ يحجـزُ دّعَــوتي* * *ورسـالـتـي مـوصـولـةُ الكـلـمـاتِ

أنـا وارثٌ كُــلَّ الـنَّـبِـيّـيـنَ الألـــى* * *خُـتُـمـوا بمَـنْ مَـلأ الـدُّنى بِـدعـاةِ

ما عابَني خَلَقُ الثيابِ وغايتي الـ* * *أسْــمى وأخـلاقي سَــمَت بِـثـبـاتِ