كيفية الوقاية من الفساد وطرق مواجهته
الدكتور عادل عامر
تتسم اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCAC) بأنها اتفاقية متعددة الأطراف تتفاوض بشأنهـا الدول الأعضـاء فـي الأمـم المتحـدة. تعتبـر تـلك الاتفاقية أول وثيقة في مكافحة فساد دولي ملزم قانونا. وتضم الاتفاقيـة 71 مادة مقسمة إلى 8 فصول على أن تقوم الدول الأطراف بتنفيذ عدة تدابير لمكافحة الفساد والتي قد تؤثر على القوانين والمؤسسات والممارسات.
تهدف هذه الإجراءات إلى منع الفساد وتجريم بعض التصرفات وتعزيز إنفاذ القانون والتعاون القضائي الدولي وتوفير آليات قانونية فعالة لاسترداد الموجودات والمساعدة التقنية وتبادل المعلومات وآليات لتنفيذ الاتفاقية بما في ذلك مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
وفقا للمادة 63، الفقرة 7، من الاتفاقية فقد أسس المؤتمر في دورته الثالثة آلية استعراض تنفيذ الاتفاقية. وتم تأسيس الآلية كذلك وفقا للمادة 4، الفقرة 1 من اتفاقية مكافحة الفساد التي تنص على أنه يتعين على الدول الأطراف أن تنفذ التزاماتها بموجب الاتفاقية على نحو يتفق مع مبدأي المساواة في السيادة والسلامة الإقليمية للدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
إن آلية الاستعراض هي عملية حكومية دولية بهدف العام يتمثل في مساعدة الدول الأطراف في تنفيذ الاتفاقية. ويجب أن تكون الآلية قابلة للتطبيق على جميع الدول الأطراف. يقوم باستعراض كل دولة طرف دولتان أخريان من الدول الأطراف.
وتشارك الدولة الطرف المستعرَضة مشاركة فعالة في عملية الاستعراض. وتكون إحدى الدولتين الطرفين المستعرِضتين منتمية إلى المنطقة الجغرافية نفسها التي تنتمي إليها الدولة الطرف المستعَرضة، ويكون لديها، إن أمكن، نظام قانوني مماثل لنظام الدولة الطرف المستعرَضة. ويجرى اختيار الدول الأطراف المستعرِضة بالقُرعة في بداية كل سنة من الدورة، على ألاَّ تقوم الدول الأطراف باستعراضات متبادلة. ويجوز للدولة الطرف المستعرَضة أن تطلب تكرار سحب القرعة مرتين على الأكثر. ويجوز في ظروف استثنائية تكرار سحب القرعة أكثر من مرتين.
يجوز للدولة الطرف المستعرَضة أن تؤجل اضطلاعها بدور الدولة الطرف المستعرِضة في العام نفسه. ويطبق المبدأ ذاته على الدول الأطراف المستعرِضة مع مراعاة ما يقتضيه اختلاف الحال. وبحلول نهاية دورة الاستعراض يجب أن تكون كل دولة طرف قد خضعت لاستعراض خاص بها وأجرت لغيرها استعراضًا واحدًا على الأقل وثلاثة استعراضات على الأكثر. تعين كلُّ دولة طرف خبراءَ حكوميين يصل عددهم إلى 15 خبير لغرض القيام بعملية الاستعراض. وتُعدّ الأمانة وتعمم، قبل موعد سحب القرعة لاختيار الدول الأطراف المستعرِضة، قائمة بأسماء أولئك الخبراء الحكوميين، تتضمن معلومات عن خبراتهم المهنية ومناصبهم الحالية، والمناصب ذات الصلة التي شغلوها أو الأنشطة ذات الصلة التي اضطلعوا بها ومجالات خبراتهم اللازمة لدورة الاستعراض المعنية. وتسعى الدول الأطراف إلى تقديم المعلومات اللازمة إلى الأمانة لتنظيم تلك القائمة وتحديثها باستمرار.
ووفقا لهذا النظام، تتولى الأمانة صياغة مجموعة من المبادئ التوجيهية للخبراء الحكوميين والأمانة بشأن إجراء استعراضات التنفيذ الُقطرية (المشار إليها فيما يلي بـ "المبادئ التوجيهية")، وذلك بالتشاور مع الدول الأطراف. ويقر فريق استعراض التنفيذ هذه المبادئ التوجيهية.
تجري الدولتان الطرفان المستعرِضتان، وفقا للمبادئ التوجيهية، استعراضا مكتبيًا للرد الوارد من الدولة الطرف المستعرَضة على قائمة التقييم الذاتي المرجعية الشاملة. ويتضمن هذا الاستعراض المكتبي تحليلا للرد، يركِّز على التدابير المتخذة لتنفيذ الاتفاقية وعلى جوانب النجاح والتحديات التي صُودفت في تنفيذها.
ويجوز، وفقًا للمبادئ التوجيهية المبينة في الباب الثاني وطبقًا للمبادئ التوجيهية، أن تطلب الدولتان الطرفان المستعرِضتان، بدعم من الأمانة، إلى الدولة الطرف المستعرَضة أن تقدم إيضاحات أو معلومات إضافية أو أن تعالج مسائل تكميلية ذات صلة بالاستعراض. ويمكن إجراء الحوار البناء المترتب على ذلك بوسائل منها التواصل بالهاتف أو بالفيديو أو تبادل الرسائل الإلكترونية، حسبما يكون مناسبًا.
يحب على الدول الاطراف المستعرَضة ووفقا للتوجيهات وبرنامج العمل إعداد تقرير الاستعراض القطري يتضمن ملخص تنفيذي للتقرير، وذلك بالتعاون الوثيق والتنسيق مع الدولة الطرف المستعرَضة، وبمساعدة من الأمانة العامة. ويجب على التقرير ان يحدد أوجه النجاح والممارسات الجيدة والتحديات، وأن يقوم بإبداء الملاحظات اللازمة لتنفيذ الاتفاقية. وحيثما كان مناسبا، يجب أن يشمل التقرير تحديدا لاحتياجات المساعدة التقنية بغرض تحسين تنفيذ الاتفاقية. ويجب أن تبقى تقارير الاستعراض القطري سرية.
تعرف اتفاقية مكافحة الفساد على أهمية الوقاية من الفساد عن طريق الذهاب إلى أبعد من التدابير من الاتفاقيات السابقة في كل من النطاق والتفصيل. توجه تدابير وقائية في كل من القطاعين العام والخاص. يتضمن الفصل الثاني سياسات وقائية مثل إنشاء هيئات لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في تمويل الحملات الانتخابية والأحزاب السياسية. ينبغي لهيئات مكافحة الفساد تنفيذ سياسات مكافحة الفساد ونشر المعرفة ويجب أن تكون مستقلة والموارد الكافية والمدربة بشكل صحيح والموظفين. تلتزم الدول الأطراف أيضا لضمان أن خدماتها العامة تخضع للضمانات التي تعزز الكفاءة والشفافية والتوظيف على أساس الجدارة.
يجب على موظفي القطاع العام أن يكونوا ملزمين بمدونات السلوك ومتطلبات الإفصاح المالية وغيرها والتدابير التأديبية المناسبة. كما يجب تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة المالية العامة ويتم وضع شروط محددة للوقاية من الفساد في المجالات الحيوية وخاصة في القطاع العام مثل السلطة القضائية والمشتريات العامة. يتطلب منع الفساد أيضا محاولة من جميع أفراد المجتمع ككل. لهذه الأسباب يدعو مكتب الأمانة البلدان على العمل بنشاط على تعزيز مشاركة المجتمع المدني ورفع الوعي العام بالفساد وما يمكن القيام به حيال ذلك. تطبيق المتطلبات المقدمة للقطاع العام أيضا في القطاع الخاص وهو أيضا من المتوقع أن تعتمد إجراءات وقواعد السلوك شفافة. على ضرورة ترسيخ السياسات التي تعزز مشاركة المجتمع وتأكيد النزاهة والشفافية والمساءلة وسيادة القانون.
ويقصد بالشفافية " توافر المعلومات التي تتعلق بالسياسات والنظم والقوانين والقرارات واللوائح لكافة المواطنين " أما المسائلة فيقصد بها " مسئولية الأفراد عما يقترفون من أعمال ووجوب مساءلتهم عن أدائهم الوظيفي وما يصدر عنهم من سلوكيات وتصرفات " ويقصد بالنزاهة " الجوانب الأخلاقية والقيم المرتبطة بقيام الموظف بأداء مهامه مثل الأمانة والصدق والعناية والإتقان والحفاظ على المال العام وصونه.
وقد تضمن النص أيضا أن يتم إجراء تقييم دوري للصكوك القانونية والتدابير الإدارية ذات الصلة، بغية تقرير مدى كفايتها لمنع الفساد ومكافحته.
ويقصد بذلك وضع إليه مؤسسية لرقابة جودة التشريعات واللوائح والقرارات والنظم الإدارية ومعاييرها ومراجعة أثارها في مجال حماية النزاهة ومحاربة الفساد بحيث تجعلها مواتية لمعايير الشفافية والنزاهة، وذلك فضلا عما نصت عليه من ضرورة التعاون بين الدول الأطراف فيما بينها ومع المنظمات الدولية والإقليمية لتعزيز وتطوير تلك التدابير سالفة الذكر بما يشمله ذلك التعاون من المشاركة في البرامج والمشاريع الرامية إلي منع الفساد.
وعلى الرغم من كون مصر موقعه على تلك الاتفاقية وبالتالي ملتزمة بما تضمنته من نصوص سالفة الذكر الإ أنها حتى الآن لم تقدم على البساط الواقعي ما يدل على ذلك سوي مجرد تقارير ومشاريع قوانين لم تظهر للنور حتى الآن مثل مشروع قانون تنظيم الافصاح وتداول البيانات والمعلومات.
هذا وقد تضمنت الاتفاقية ضرورة وجود هيئة أو هيئات داخل الدول الأعضاء تقوم بمنع الفساد وذلك بتنفيذ السياسات الواردة بالمادة 5 من الاتفاقية والأشراف عليها وإجراء التوعية والدراسات والتواصل مع الأجهزة المختلفة على أن تتمتع تلك الهيئة بالاستقلالية حتى تستطيع أن تقوم بدورها دون أي تأثير.
وجدير بالذكر أن هناك وجهتين في مصر إحداهما ترى وجود تلك الهيئات سالفة الذكر بينهما الأخرى ترى عدم وجودها وصاحبة الوجهة الأولى هي لجنة الشافية والنزاهة بوزارة الدولة للتنمية الإدارية حيث أوضحت ذلك في تقريرها الثاني والذي تضمن " أن لدى مصر إطارا مؤسسيا شبه متكامل لمحاربة الفساد وكذلك ترسانة تشريعية متطورة من حيث التجريم والعقاب بما يحتاج فقط لمزيد من التعاون والتكامل والعمل المشترك بما يحقق الإرادة السياسية المنعقدة لمحاصرة الفساد الإداري والالتزام بأحكام الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد " ودللت على ذلك بدور الأجهزة الآتية :-
1 -النيابة العامة -نيابة الأموال العامة 2 -جهاز الكسب غير المشروع
3 - الجهاز المركزي للمحاسبات 4 -هيئة الرقابة الادارية
5 -مباحث الأموال العامة 6 -وحدة غسل الأموال
7 -النيابة الادارية 8 -قطاع الشرطة المتخصصة
9 -آليات وزارة المالية 10 -المخابرات العامة
بينما قد جاء الرأي الآخر والخاص ببعض المنظمات المدنية المصرية وبعض الأفراد والذي تم سرده بتقرير مبدئي مقدم إلى مؤتمر للدول الأطراف في الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد بصدد ائتلاف النزاهة والشفافية من أجل إنفاذ الاتفاقية:
بأن تلك الأجهزة سالفة الذكر تفتقد جميعها للاستقلالية وذلك لكونها من أجهزة الرقابة الرأسية وتقوم الحكومة بإدارتها لمراقبة أعمالها ومن ثم فهي تخضع لاعتبارات وتدخلات سياسية وأنها مسئوله أما السلطة التنفيذية ودلل على ذلك بقرار رئيس الوزراء رقم 1864 لسنة 2004 الذي أنهى دور الجهاز المركزي للمحاسبات في مراجعة تقارير تقييم التشريعات الداخلة في برنامج الخصخصة وجعل المراجعة عن طريق لجنة يمثل فيها الجهاز بعضو واحد فقط يحظر عليه الرجوع لرئاسة الجهاز مما جعل رأى العضو شخصيا
ولا يعبر عن رأى الجهاز ، وأن هيئة الرقابة الإدارية ومباحث الأموال العامة تستأذن السلطة التنفيذية قبل اتخاذ إجراءات قضائية وخاصة في الحالات المتعلقة بأشخاص يحتلون مناصب سياسية فضلا عن أنه لا يتم إعلان تقارير تلك الأجهزة إلى رأى العام إلا بعد موافقة رأس السلطة التنفيذية وأن جميع الأجهزة الأخرى محدد ميزانياتها وصلاحياتها بواسطة الحكومة وذلك بالإضافة إلى كون لجنة الشفافية والنزاهة وإلى أنشأتها وزارة الدولة للتنمية الإدارية لا يوجد بها عضو واحد من المعارضة وينحصر دورها في رسم السياسة والاستراتيجية فيما يخص جهود مكافحة الفساد إلى جانب التوعية والدراسة والتواصل مع الأجهزة المختلفة وبذلك فان هذه اللجنة تقوم فقط بما جاء بالجزء الأخير (ب) من الفقرة الأولى للمادة السادسة من الاتفاقية دون تنفيذ مقتضيات البند (أ) من ذات المادة سالفة الذكر كما أن تلك اللجنة لا تتمتع بالاستقلالية لكونها منشأة بقرار وزاري وتابعة لوزارة التنمية الإدارية .
وبذلك ننتهي إلى كون إذا كان لدينا الهيئات التي تتطلبها الاتفاقية فأنها تفتقد للاستقلالية ولذلك فلابد من إرساء ما يضمن استقلال تلك الأجهزة حتى تقوم بدورها دون ضغوط أو إنشاء هيئة جديدة مستقلة لتقوم بالدور المطلوب بالمادة السادسة من الاتفاقية.
هذا وقد وضعت الاتفاقية تدابير وقائية لمكافحة الفساد بالقطاع العام وهي أن يتم ترسيخ وتدعيم نظم للتوظيف في القطاع العام في الدولة يقوم على مبادئ الكفاءة والشفافية ومعايير موضوعية مثل الجدارة والأنصاف والأهلية ويقدم للموظفين أجور كافية ومنصفه وتعزيز الشفافية في تمويل الترشيحات لانتخاب شاغلي المناصب العمومية وفى تمويل الأحزاب السياسية ومنع تضارب المصالح العامة مع مصالح الموظفين الخاصة.
ونجد هنا المشروع المصري قد وضع عدد من القوانين لتنظيم هذه الأمور مثل قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 وقانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وقانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 وقانون الوظائف القيادية رقم 5 لسنة 1991 إلى جانب لوائح العاملين بالشركات وكذلك قانون كادر المعلمين.
إلا انه لم يراعى زيادة أجور الموظفين بحيث تتناسب مع ارتفاع مستويات التضخم مما أدى إلى قيام موظفي الحكومة وعمال شركات القطاع العام بالعديد من الاضرابات والاعتصامات احتجاجا على قلة أجورهم ، بينما نجد من ناحية أخرى قد تم أجراء تعديل في راتب رئيس الجمهورية بنسبة 300 % في عام 1987 حيث صدر القانون رقم 101 لسنة 1987 ليقضي بزيادة مرتب رئيس الجمهورية بنسبة 300% سارية من تاريخ إصدار القانون وفى نفس مدة الرئاسة وهو ما يعد مخالفا للمادة 80 من الدستور في هذا التاريخ والتي تنص على " يحدد القانون مرتب رئيس الجمهورية ولا يسرى تعديل المرتب أثناء مدة الرئاسة التي تقرر فيها التعديل " .
وذلك فضلا عن كون الحكومة لم تقدم حتى الآن تشريع يمنع تضارب المصالح مع ملاحظة أن القوانين السارية قد فقدت فعاليتها بعد تطبيق سياسات التحرير والخصخصة وأن النصوص القانونية التي تحول دون تضارب المصالح يتم تجاهلها من قبل الحكومة مثل: -
ا-إعادة تشكيل كافة مؤسسات اتخاذ القرار الاقتصادي بحيث أصبحت تضم عدد من رجال الأعمال المرتبطين بالحزب الحاكم والذين يقومون بمزاولة أنشطة من المفترض أن تقوم هذه المؤسسات بمراقبتها وبالتالي يؤدى ذلك إلى تعزيز فرصهم في الربح لاطلاعهم على كافة المعلومات المتعلقة بأنشطتهم بل ومشركتهم في اتخاذ القرارات المتعلقة بها بحيث يستطيعوا توجها على نحو ما يردون مما يؤدى بالطبع إلى أبعاد المستثمرين وقلة مساحات المنافسة وتوسيع رقعة الاحتكارات ولعل مشكلة صناعة الحديد هي الأكثر وضوحا في هذا الشأن.
ب-إسناد مناصب وزارية للأصحاب شركات خاصة تعمل في نفس المجال الذي تراقب عليها تلك الوزارات مثل وزارة النقل والمواصلات ووزارة السياحة، وكذلك من أسباب الفساد في الوظيفة العامة هو طول فترة العمل بها من يؤدى إلى استغلالها.
ومن هذا يجب على الحكومة المصرية إزالة التناقص بين الواقع الحالي وما تتطلبه الاتفاقية. وقد تضمنت الاتفاقية انه على الدول الأطراف أن تضع مدونات سلوك للموظفين العموميين بهدف تعزيز النزاهة والأمانة والمسئولية وضمان الأداء الصحيح والمشرف للوظائف العامة وقد دعت الاتفاقية في إطار ذلك الدول الأطراف أن تأخذ في الاعتبار بالمبادرات ذات الصلة التي اتخذتها المنظمات الإقليمية والإقليمية والمتعددة الأطراف ومنها المدونة الدولية لقواعد سلوك الموظفين العموميين الواردة في مرفق قرار الجمعية العامة 51/59 المؤرخ 12 كانون الأول/ ديسمبر 1996.
وقد قررت مصر بتلك المدونة الأخيرة أن لديها مدونة سلوك للموظفين العموميين تؤدى ذلك الغرض، ولكن بالنسبة لما يخص وضع تدابير ونظم تلزم الموظفين العموميين بالإفصاح للسلطات المعنية عن الأنشطة الخارجية وعمل وظيفي واستثمارات وموجودات وهبات أو منافع كبيرة قد تفضي إلى تضارب في المصالح مع مهامهم كموظفين عموميين فأنها منظمة وتنطبق فقط على كبار الموظفين العموميين الذين يمكن أن يكونوا عرضه لذلك بسبب مناصبهم، ويعيب على الاتفاقية كون المادة الثامنة قد جاءت اختيارية غير ملزمة للدول الأطراف وذلك على الرغم من أهميتها.
وفيما يخص المشتريات العمومية وإدارة الأموال العمومية فقد نصت الاتفاقية على انه يتم تنظيمها على نحو يقوم على الشفافية والتنافس وعلى معايير الموضوعية في اتخاذ القرارات وذلك في مجال إجراء المناقصات وعقود الاشتراء واقامة نظام فعال للمراجعة الداخلية بما في ذلك نظام فعال للطعن ضمانا لوجود سبل قانونية للتظلم والانتصاف من القرارات المتخذة بالمخالفة للقواعد والإجراءات واتخاذ تدابير لتعزيز الشفافية والمسائلة في إدارة الأموال العامة
ونجد المشرع المصري قد نظم تلك الأمور بالقوانين الآتية: -
ا -قانون المحاسبة الحكومية رقم 127 لسنة 1981 والمعدل بالقانون رقم 139 لسنة 2006 والذي يضع قواعد تلتزم بها الجهات الإدارية في تنفيذ الموازنة العامة للدولة وتأشيرتها وتسجيل وتبويب العمليات المالية التي تجريها وقواعد الرقابة المالية قبل الصرف ونظم الضبط الداخلي وإظهار وتحليل النتائج التي تعبر عنها المراكز المالية والحسابات الختامية لهذه الجهات بحيث تعطى صورة حقيقة لها.
ب -القانون رقم 87 لسنة 2005 والمعدل للقانون رقم 53 لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة والذي قد حقق قدرا كبيرا من الشفافية حيث قد جاء متوافقا مع دليل إحصاءات المالية العامة الصادر عن صندوق النقد الدولي عام 2001.
ج – قانون المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998.
إلا انه على الرغم من ذلك يوجد بعض أوجه القصور التي تحول دون تفعيل الرقابة الشعبية والبرلمانية للموازنة وهي عدم وجود قدر كاف من الشفافية في مرحلة وضع الأسس الرئيسية للموازنة وافتقار إعداد الموازنة للمرونة فلا يسمح بإجراء تعديلات في الموازنة الجديدة إلا بقدر طفيف لا يسمح بإيجاد بدائل قد تكون أكفاء وأصلح.
وذلك فضلا عن وجود صلاحيات لرئيس الوزراء أو وزير المالية بحرية النقل من باب إلى باب مما يجعل اعتماد مجلس الشعب للموازنة ليس محل احترام.
ولا يغيب عنا أن تدابير تعزيز الشفافية في الإدارات العمومية يستلزم إبلاغ الناس بكيفية تنظيمها واشتغالها وعمليات اتخاذ القرارات فيها وتيسير وصول الناس إلي السلطات المختصة باتخاذ القرار بتبسيط الإجراءات الإدارية وكذلك نشر معلومات عن مخاطر الفساد في إدارتها ولكن نجد المبدأ التقليدي والأساسي في مصر هو سرية أنشطة وأعمال الإدارة ويرجع ذلك لتعدد المصادر التشريعية التي تنص على ذلك بحيث أصبحت السرية هي المبدأ العامة والذي تولد لدى أذهان الموظفين بحيث لم يصبح هناك تفرقة بين ما تتطلب التشريعات عدم الإفشاء به وبين ما هو مباح
ويمكن للكافة أن يعلموه فضلا عما يرسيه الرئيس في مرؤوسه من ضرورة السرية وذلك في صيغة تعليمات رئاسية عليا قد تكون هذه التعليمات ترجع لمحاولة التستر على أعمال الفساد المرتكبة داخل الإدارة مما يصعب معه اكتشاف تلك الأعمال ومحاولة مكافحتها ونجد أيضا أن مشروع القانون الذي يقر بحق المواطنين في الحصول على المعلومات مازال حبيس أدراج البرلمان على الرغم من تقديمه منذ حوالي عامين ن قبل الحكومة وهو تحت عنوان قانون تنظيم الإفصاح وتداول البيانات والمعلومات إلا انه مع ذلك وأن رأى هذا القانون النور فسنجده معطل من الناحية الفعلية
وذلك لأنه قد جعل من حق الجهات المخاطبة بالقانون نشر المعلومات دون وجوب، وجعل اللجنة المختصة بوضع قواعد وأسلوب الإفصاح مكونه من تسع جهات حكومية على الأقل مقابل أربعة أشخاص من خارج الجهاز الحكومي وليس من بينهم أي من مؤسسات المجتمع المدني " مادة 11 " وكذلك قد ترك لرئيس الجهة التنفيذية تقرير مدى سرية المعلومات التي يمكن أن تستثنى من تلك المشمولة بالقانون وأعطى له الحق في حجب المعلومات إذا ما كانت متصلة بالأمن القومي واستقرار البلاد وتلك عبارات فضفاضة تجعل من سلطته الامتناع عن إعطاء المعلومات " المادة 20 " وهناك استثناءات أخرى كثيرة على ذات النحو قد ورد ت بذلك المشروع.
ولا يقتصر انتشار الفساد على القطاع العام فقط بل قد يمتد ويتوغل في القطاع الخاص أيضا ولذلك فقد وضعت الاتفاقية سبل وقائية لمنع ضلوعه في القطاع الخاص وذلك من خلال تعزيز التعاون بين أجهزة إنفاذ القانون وكيانات القطاع الخاص ذات الصلة ووضع مدونات قواعد سلوك لضمان ممارسة المنشآت التجارية وجميع المهن ذات الصلة أنشطتها على وجه منضبط وتعزيز الشفافية بينها وكذلك منع تضارب المصالح بين مقتضيات الوظيفة العامة واعتبارات العمل في القطاع الخاص
وذلك بفرض قيود ولفترة زمنية معقولة على ممارسة الموظفين العموميين السابقين أنشطة مهنية أو على عمل الموظفين العموميين في القطاع الخاص بعد استقالتهم أو تقاعدهم عندما تكون لتلك الأنشطة أو ذلك العمل صلة مباشرة بالوظائف التي تولاها أو أشرفوا عليها أثناء مدة خدمتهم وعدم السماح باقتطاع النفقات التي تمثل رشاوي من الوعاء الضريبي.
ونجد هنا المشرع المصري قد منع الموظف العام من العمل بالقطاع الخاص قبل مرور خمسة سنوات على تركة الخدمة ولكن هذا المنع يأتي من الناحية النظرية فقط ولكن من الناحية العملية فليس هناك من يمتثل إليه فنجد معظم الموظفين العموميين فور تركهم الخدمة يلتحقون بالعمل بالقطاع الخاص ولا يوجد من يمنعهم على الرغم من خطورة ذلك نظرا لأهمية المعلومات التي يعلمونها والتي من الممكن أن يستخدمونها لصالح العمل الجديد والأخطار من ذلك القيادات الأمنية والذي يعملون فور تقاعدهم بوظائف أمنية ذات صلة بشركات القطاع الخاص ، ولذلك فيجب أحكام الرقابة في هذا الشأن من قبل الجهات المعينة وفرض عقوبات مدنية وجنائية على المخالفين .