المفهوم القانوني لرشوة الاجنبي
الدكتور عادل عامر
في غضون العقد الأخير، لجأت البلدان بشكل متزايد إلى استخدام التسويات- وهي أي إجراء لا يصل لمرحلة المحاكمة الكاملة- لحسم القضايا المتعلقة برشوة المسئولين الأجانب، وفرضت عقوبات بمليارات الدولارات. ومع هذا، فثمة فجوة في المعرفة فيما يتعلق بممارسات التسوية في مختلف أنحاء العالم والتصرف في هذه العقوبات النقدية- خاصة من منظور استرداد الأموال المنهوبة رشوة أي موظف عمومي أجنبي سوف تخضع لعقوبة تتناسب مع وتكون عقوبات رادعة لهذه الجناية.
ويجب مقارنة العقوبات مع تلك القابلة للتطبيق على رشوة الموظفين العموميين للدولة الطرف، ويجب، في حالة الأشخاص الطبيعيين أن تتضمن الحرمان من الحرية بقدر يكفي لتمكين المساعدة القانونية الفعالة المتبادلة والترحيل.
إذ تأخذ في الاعتبار أن الرشوة هي ظاهرة منتشرة في معاملات الأعمال الدولية بما في ذلك التجارة والاستثمار، والتي تثير اهتمامات أخلاقية وسياسية خطيرة وتقوض من الحكم الرشيد والتطور الاقتصادي وتشوه الشروط التنافسية الدولية؛ وإذ تأخذ في الاعتبار أن كافة الدول تشارك في مسئولية مكافحة الرشوة في معاملات الأعمال الدولية؛
لمكافحة رشوة الموظفين العموميين الأجانب بشكل فعال، على كل دولة طرف أن تتخذ تلك الإجراءات حسبما يكون ضروريا، ضمن إطار عمل قوانينها ونظمها بخصوص الاحتفاظ بالدفاتر والسجلات والإفصاح عن السجلات المالية، والمحاسبة، ومعايير التدقيق، لحظر القيام بحسابات خارج الدفاتر وعمل سجلات خارج الدفاتر الرسمية أو القيام بمعاملات بدون تعريفها بشكل كاف، وتسجيل مصاريف وهمية لا وجود لها، وقيد مطلوبات مع تحديدها بشكل خاطئ، بالإضافة إلى استخدام مستندات مزيفة من جانب الشركات التي تخضع لتلك القوانين والأنظمة بغرض رشوة موظفين عموميين أجانب أو إخفاء تلك الرشاوى.
مبادرة استرداد الأموال المسروقة (ستار) هي شراكة بين مجموعة البنك الدولي ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، وترمي إلى دعم الجهود الدولية لمنع الأموال الفاسدة من الحصول على ملاذ آمن. وتعمل المبادرة مع البلدان النامية والمراكز المالية لمنع غسل حصيلة الفساد ولتسهيل استرداد الأموال المنهوبة بطريقة أسرع وأكثر منهجية.
ولأن الموظف العمومي هو الأداة التي تقدم بها الدولة خدماتها للمواطنين وهو المظهر البشري للدولة كشخص معنوي عام فقد جاءت التشريعات تحمي هذا الموظف من نفسه ومن الأهواء التي قد تعتريه كبشر، فجرمت الرشوة وعاقبت عليها، وقد عرفت الرشوة بداية في القطاع العام إلا أن ذلك لا يعني عدم وجودها في القطاع الخاص بل كانت موجودة، لكن القوانين لم تكن تجرمها في البداية، بيد أنه وبعد انتشارها في القطاع الخاص كان ضروريا على التشريعات التصدي لها وتجريمها، حفاظا على القطاع الخاص من استفحال هذه الظاهرة فيه.
لقد ظلت جريمة الرشوة ولاتزال محل إشكالات قانونية عديدة لم تحسم منذ زمن بعيد، لذا اختلف الفقهاء في أمرها وتضاربت حولها أحكام المحاكم، وتعتبر جريمة الرشوة من أقدم الجرائم الإنسانية وجدت في كل الأزمنة والشعوب - وإن تغيرت صورها ومظاهرها في المجتمعات المختلفة قديما وحديثا فقد عرفتها أعتق المجتمعات القديمة كالإغريق والرومان...وتناولها قانون اللوائح الاثني عشر حيث كان يعاقب كل من يرتشي من القضاة بالإعدام آخذين بنفس الصرامة في التعامل مع هذه الجريمة عند الإغريق، غير أنهم استعاضوا عنها فيما بعد بغرامة تساوي المبلغ الذي أخذه المرتشي وتناولتها كذلك شريعة حمورابي الضاربة في أعماق التاريخ، والتي تكاد تكون أقدم تشريع عرفته البشرية.
ولئن كانت جريمة الرشوة عرفتها المجتمعات البشرية منذ أقدم العصور، وتفشت فيها بصورة فاحشة، وجرمتها تشريعاتها وعاقبت عليها، فإن الشريعة الإسلامية التي جاءت لتطهر الناس من الفساد وتقيم العدل بين خلق الله - شعارها في ذلك لا فرق بين الفقير والغني والقوي والضعيف- كان من الطبيعي أن تجرمها باعتبارها داء خطير فتاك يهدد تماسك وأمن واقتصاد الأمم والشعوب[1]، لذلك فقد كانت الشريعة الإسلامية سباقة في تحريم الرشوة ولاسيما رشوة الحكام وأصحاب السلطة ومن يتقلدون المسؤولية وتبرأ الإسلام ولعن كل من خاض في مستنقع هذه الجريمة وتوعده بسوء المصير
وان قانون العقوبات المصري الصادر عام 1937 يكرم غالبية اشكال الفساد مضيفا ان مصر تبنت موجزا عددا من التشريعات واجراءات التي تستهدف مواجهة جميع اشكال جرائم الفساد وخاصة المرتبطة بالتطور التكنولوجي لثورة المعلومات وبما ان التشريع المصري تناول بالتجريم العديد من التصرفات والافعال التي اعتبرتها كذلك اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد مؤثمة وجريمة الرشوة التي تقع من موظف عام او مستخدم الرئيس او عضو مجلس ادارة احدى الشركات او الجمعيات او النقابات او المؤسسات او الجمعيات المعتبرة قانونا ذات نفع عام كذلك كل مدير او مستخدم في احداها المواد من 103 حتى 111 الكتاب الثاني من قانون العقوبات وقد مد المشرع تجريم الى كل من عرض او قبل الوساطة في الرشوة.
وقد وضع المشرع المصري وضع اطار قانوني للعاملين متضمن طرف شغل الوظائف والعلاقة مع رب العمل وتأديب العاملين وذلك لضمان حسن سير العمل ومكافحة الانحراف الذي قد يرتكبه العامل ويقود الى اعاقة التنمية ومن تلك القوانين نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 وقانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وقانون الوظائف القيادية رقم 5 لسنة 1991 الى جانب لوائح العاملين بالشركات.
والمشرع المصري افرد الجهات ومؤسسات ومحاربة الفساد في القطاعين الحكومي والخاص ومنها الجهاز المركزي للمحاسبات والنيابة الادارية والرقابة الادارية والنيابة العامة والقضاء. اذن لدى مصر اطار مؤسسي شبة متكامل لمحاربة الفساد كذلك ترسانة تشريعية متطورة من حيث تجريم والعقاب بما يحتاج فقط لمزيد من التعاون والتكامل والعمل المشترك بما يحقق الإرادة السياسية المنعقدة لمحاصرة الفساد الإداري والالتزام بأحكام الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد. ويجب على الحكومة الدول محاصرة الرشوة وعلماً لأن مكافحة هذه الأمة ليست من مسئولية الحكومة فقط ولكن يجب أن تكون هناك تعبئة وطنيه لكل الفاعلين اقتصاديين والسياسيين والنقابين والمجتمع المدني من أجل محاربه آفة الرشوة.
وحيث أن تشريع المصري يخلو بصفه عامة بنص على فئة الموظفين العموميين الأجانب والموظفين الدوليين. فإن تشريع المصري يفتقد الى نوع من التشريعات الذكية التي يمكن أن تحتصر ظاهرة الفساد.
الرشوة» تعتبر من إحدى الجرائم الأكثر ضررا بالمجتمعات، باعتبار أنها من الجرائم التي تمس نزاهة وظائف عامة وقيادية، ومن أكثر الجرائم المخلّة بالأمانة والشرف، خاصة بعد أن نجحت أجهزة الدولة المعنية وعلى رأسها الرقابة الإدارية في الحد من هذه الظاهرة داخل مؤسسات الدولة، للقضاء على الأضرار الفادحة التي تنعكس على أداء الأجهزة الإدارية بالدولة والمجتمع أيضا.
وجرائم الرشوة لها قرينة ودلالة واضحة على الإخلال بمبدأ العدل والمساواة، لا سيما أن «جرائم الرشوة» عادة ما ترتبط بجرائم مالية كبرى نتجت عن وقائع فساد إداري داخل مؤسسات الدولة، خصوصا الأجهزة المحلية.
ان عدم تطبيق نظام المساءلة بشكل دقيق والتساهل مع المفسدين هي من اهم اسباب الفساد الاداري والمالي.

[1]- زكري عبد القادر، مقال منشور في مجلة الملحق القضائي ، تحت عنوان : جريمة الرشوة بين القانون المغربي والقانون السعودي ، عدد 12-13سنة 1984 ،ص:65