(نابليون اعتبر اليهود الورثة الشرعيين لفلسطين ودعا إلى تسليم مملكة القدس لهم)
الجغرافيا الدينية واحدة من العوامل التاريخية التي تشكل رؤية الغرب للإسلام والمسلمين عامة، فالهجرة كانت عاملا قويا في الدفاع عن "السامية" وساهم الإرث التاريخي المعقد والإعلام المتطرف وتصاعد الأزمات الاقتصادية في العالم، في ارتباط دين أو مذهب بمنطقة معينة، إلى درجة أن بعض الأقليات اعتقدت أن احتلالها الأراضي العربية ليس احتلالا، بل هو ملكه الضائع تريد استعادته، فإسرائيل جعلت من القدس عاصمة لها، اعتقادا منها أنها صاحبة الأرض أو الملك، في إطار مشروع تهويد القدس
تمثل إسرائيل اليوم في الجغرافية الدينية جيل اندمج مع المجتمع، بعدما أخذ وقتا طويلا ليتغير، بحكم ما يملكه من مقومات اقتصادية جعلته أكثر قوة، وبدا البحث عن استعادة هويته وإثبات ذاته، حيث تعتبر أرض فلسطين في الجغرافية الدينية الفضاء الذي وجب أن يسكنه اليهود ويقيمون فيه طقوسهم الدينية، ويشكلون فيه مملكتهم المقدسة، حيث عملت الحركة الصهيونية بكل الوسائل التأثير على الدولة العثمانية وإجبارها على تسليم أرض فلسطين لليهود، ونشأ صراع كبير حول مسألة معاداة السامية، وقد وجهت نظرية معاداة السامية نظرتها العدائية والعنصرية، وساهم عنصر "المصاهرة" التي تمت بين اليهود والأوربيين في انتشار اليهود، ومن المؤكد أن إسم اليهود يدل على مجموعات بشرية يعيش جزء كبير منها حالياً في فلسطين، ويتواجد الجزء الآخر منهم في شتى البلدان والدول الأوروبية، وأما الصهيونية فهي تعود إلى جبل صهيون، الذي يقع جنوب غرب مدينة القدس، وتُعتبر تلك البقعة بالذات أحد أهم المناطق المقدسة عند اليهود، لأنها في اعتقادهم المكان الذي بنى فيه سليمان هيكله ونقل إليها تابوت العهد.
تجمع العديد من الكتابات أن اليهود كانوا يعيشون نوعا من الإنغلاق فيما يطلق عليه اسم "الغيتو" ضمن أوطانهم في اوروبا، وقاموا بتزوير التوراة وما جاء على لسان ابرهيم عليه السلام حول مسألة الأرض وتوريثها لنسله من بعده، وكرسوه في كتبهم السوداء حتى الوقت الحاضر، وبات الحديث عن أرض الميعاد أمرا واقعا بالنسبة ليهود العالم، وتم اختيار فلسطين، لأنها تقع حسب الإعتقاد الديني بين النيل والفرات، لقد ظهرت أولى دعوات إعادة اليهود إلى أرض فلسطين (ارض الميعاد) عام 1921 على يد محام انجليزي شهير اسمه هنري فينش في مؤلفه (العودة العالمية الكبرى)، وصدرت كتب و مؤلفات تدعو إلى عودة اليهود، منها كتاب بعنوان: "نداء إلى اليهود" للدكتور جوزيف بريستلي، وكراسي: "خطاب ودي لليهود" صدر عام 1787، وكتاب "علامات الأزمنة" للكاتب والكاهن الإنجليزي جيمس بيشنو عام 1794، وكاتب آخر اسمه ريتشارد برذرز وهو ضابط بحرية بريطاني، أصدر كتابا يدعو فيه إلى ( تجديد مملكة إسرائيل) وكتب اخرى ذكرها فيليب سيمون ورفائيل ميرجي في كتابهما بعنوان: "ماهير كهانا وغلاة التطرف الأصولي اليهودي".
ومثلما ظهرت دعوات في بريطانيا لعودة اليهود إلى أرض فلسطين، ظهرت دعوات أخرى في فرنسا أيام نابليون، فقد تطلع الفرنسيون لإستغلال هذا المشروع لصالحهم من خلال كراس بعنوان: (إعادة تأسيس الدولة اليهودية)، كما وجه نابليون نفسه نداء إلى يهود العالم في 22 ماي 1799 أثناء حصاره مدينة عكّا في حملته على بلاد الشام، يدعوهم إلى الإنضواء تحت لوائه والقتال من أجل إعادة تأسيس مملكة القدس القديمة وتسليمها لليهود الورثة الشرعيين لفلسطين، وعقد مؤتمرا لليهود بفرنسا وتم تشكيل مجلسا أعلى لهم، ثم جاء مشروع تشرشل لتوطين اليهود في فلسطين عندما كان قنصلا لبريطانيا في دمشق وضابط أركان جيش الحلفاء، حيث وجه نداءً إلى يهود أوروبا عام 1842 يدعوهم فيه إلى استيطان فلسطين، وكان للولايات المتحدة الأمريكية نصيب من هذا الإهتمام، فقد كتب الرئيس الأمريكي جون آدمز لصديقه الكاتب والصحفي اليهودي مردخاي مانويل نوح عام 1881 عبر في رسالته عن أمله في أن يرى اليهود في أرض يهودا مرة أخرى أمّة مستقلة، وظهرت في امريكا حركات تبشر بعودة اليهود إلى بلدهم (المزعوم) ومنها حركة المورمون والأوفنست والسبتين، ومارست هذه الحركات كل أساليب الدعاية للترويج بوجود الأمة اليهودية وأبدية العداء للسامية والتفرد العرقي، ورفعت شعار: " أرض إسرائيل لشعب إسرائيل".
و المتتبع لمسيرة اليهود في التاريخ العربي أو الإسلامي يقف على أن اليهود كانوا يعيشون في أريحية، إذ كان الكثير منهم يتولون مناصب عليا في بلاط الخلفاء في العصور الاموية والعباسية وفي الاندلس ثم في عصور الانحطاط و حتى في عصور الفاطميين والمماليك والعثمانيين، واستطاعوا أن يخلقوا لهم مكانة، حيث ما تزال حارات اليهود في معظم البلاد العربية، فنسمع عن يهود سوريا ويهود مصر والعراق، واليمن، ويهود تونس ويهود الجزائر والمغرب، ولهم معابدهم ومقابرهم الخاصة، فالقدس تعتبر من أهم مدن العالم ولذا ترى إسرائيل أن فلسطين ( القدس) هي ممكلة اليهود، ولا أحد ينازعهم فيها، و تعمل منذ قرون على ترحيل اليهود إلى فلسطين، حسب الأرقام، اليهود اليوم يسيطرون على أكثر من 85 بالمائة من أرض فلسطين، ولذا فهي ترى (أي إسرائيل) أن من حق اليهود ممارسة طقوسهم الدينية في المسجد الأقصى، ويحاول الإسرائيليون اليوم طمس كل ماهو عربي في أرض فلسطين وإلغاء التاريخ العربي والوجود العربي ككل، وإضفاء على فلسطين الطابع اليهودي، حتى تصبح الجغرافية الفلسطينية كلها يهودية، بدليل ان إسرائيل قامت بتغيير أسماء الشوارع والحارات من أسماء عربية إلى اسماء عبرية، وشيدت جدار الضم والتوسع الصهيوني حول القدس، والذي من بين أهدافه تسريع حركة المستوطنين، وتشجيعهم على السكن في المستوطنات ضمنها، إلى جانب تجسيد فكرة "يهودية الدولة"، وعزل كل من هو عربي مسلم خارج الحدود التي تريد إسرائيل رسمها بعد الانتهاء من بنائه.
جل الدراسات اثبتت أن العلاقة بين الجغرافية والدين لها عواقب وخيمة على الممارسات، خاصة لدى الشباب، فالحروب والصراعات عبر التاريخ كان لها بعدا دينيا، تولدت عنها حالات تطرف و أشعلت الحرب بين الجماعات، ثم توسع هذا البعد الديني وأعطيت له صبغة سياسية، أي صراع على السلطة، فارتفعت معاداة السامية والإسلاموفوبيا في أوروبا، والعرب المسلمون اليوم أمام تحديات كبرى للحفاظ على جغرافيتهم الدينية بحكم ما يمتلكونه من عبء تاريخي ثقيل يتصل بالاستعمار والصراع الدائم مع إسرائيل، كما يتحمل الإعلام جزءاً كبيراً من المسؤولية، كونهم فتحوا الباب على مصراعية للهجرات الإسرائيلية باسم التبادل الثقافي، مع ما يشهده التطور التكنولوجي وثورة المعلومات، حيث أضحى الفضاء الإلكتروني بفضل الإنترنت أحد العناصر الأساسية التي تؤثر على الرأي العام، و القیام بعمليات حشد وتعبئة حول العالم، مما مكن اليهود من الإندماج في البيئة العربية.
علجية عيش