الأمير عبد القادر وصفه عثمان يحي بربّ السّيف و القلم و الأب الرّوحي للثورة الجزائرية


تشير بعض الكتابات أن الأمير عبد القادر الجزائري كان متأثرا جدا بعالم الكلام الصوفي محي الدين ابن العربي، الذي جسّد وحدة المذاهب و الأديان من خلال ما له من أثر على الفكر الإسلامي ( سُنّة و شيعة) و على الفكر الإنساني بتعدد دياناته (الإسلام و المسيحية و اليهودية و حتى الوثنية)، و سر قوة الفكر الصوفي الأكبري الذي يكمن في رمزيته و في مجالات التأويل التي يفتحها على العقل و القلب معا


اختلفت الكتابات بين الإسم الصحيح لهذه الشخصية الصوفية، بعضهم يقول أن اسمه ابن عربي، و آخرون يضيفون له لام التعريف فيتحدثون عن الصوفي محي الدين ابن العربي، الذي احتل الصدارة في عالم التصوف، و ما له من تأثير لظروف عامة و خاصة، يعرفها عالم اليوم، عالم ما بعد الحديثة، إلا أن بعض الكتابات تقول أن هناك شخصية أخرى و هي تعود للقاضي المالكي أبو بكر بن عربي، إلا أننا في مذكرات الأمير عبد القادر و هي عبارة عن سيرة ذاتية كتبها الأمير عبد القادر في السجن سنة 1849 صدرت المذكرات عن دار الأمة الطبعة السابعة 2010 ، حيث نجد في الصفحة 61 قد ورد في هامش الصفحة حديث ابو القاسم بن محمد البلوي القيرواني المعروف بالبرزلي عن ابن العربي و ذكر اسم أبو بكر بن العربي الأشبيلي قاض من حفاظ القرآن، عندما سأل هذا الأخير الغزالي في مسألة تقليد الشافعي و كان مذهب المقلد مخالفا لأحد الخلفاء الأربعة و غيرهم من الصحابة، و لم يذكر اسم محي الدين ابن العربي، و هذا ما يؤكد على وجود خلط بين الأسماء، كما نراه في كتاب الرباط و المرابطة للدكتور فهد سالم خليل الراشد، إذ يقول في الصفحة 22 : " يأبى ضيف الشام و يقصد به الأمير عبد القادر إلا أن يقضي هجرته الأخيرة بدمشق في نفس الدار التي أقام بها شيخه الأكبر ابن عربي ( بدون لام التعريف) قبله بستة قرون أين عاش و قُبِرَ ، علامة على حياة استثنائية لرجل استثنائي...الخ.
ما يهم هنا هو مسار العالم الصوفي محي الدين ابن العربي، فقد لقب الشيخ محي الدين ابن العربي بالعديد من الألقاب، فكثيراً ما يدعوه مريدوه بألقاب التعظيم والتبجيل مثل سلطان العارفين، وإمام المتقين، ومربي الشيوخ والمريدين، وابتداءً من القرن العاشر الهجري، بعد أن فتح السلطان سليم الأول دمشق سنة 922 للهجرة وأمر بتشييد مسجد الشيخ محيي الدين وبناء ضريحه إلى جانبه، أصبح ابن العربي يُعرف باسم الشيخ الأكبر، كما كان هذا العالم الصوفي محل شدٍّ و جذب بين الأتباع و الخصوم فكان محل نقد إلى درجة التكفير، و قد كان الشيخ ابن تيمية من اشد خصوم ابن العربي، حيث حكم عليه بالكفر و الزندقة، و لا شك أن من تتلمدوا على يده هم كذلك محل شك و اتهام، لاسيما فكرة التشيع، خاصة و أن ابن العربي لم تكن لها علاقة مع البلاط الموحدي، فاضطر إلى الهجرة من المغرب إلى المشرق.
فقد دار جدل قوي بين ابن تيمية و ابن العربي حول العديد من المسائل و كان ابن تيمية يرد على ابن العربي برسائل حول فكرة "الولاية"، و اختلافهما حول إن كانت الفصوص هي الفتوحات، لدرجة أن ابن تيمية اتهمز اين العربي بالكفر و الزندقة، لأنه قال أن الكون خيال في خيال، تشير بعض الكتابات و منها ما جاء به ساعد خميسي في دراسته حول المفكر الصوفي ابن العربي بعنوان: "ابن العربي المسافر العائد" ، أن المجاهد الشهير الأمير عبد القادر الجزائري من أبرز تلامذة و أنصار ابن العربي في العصر الحديث ، و كان حلم الأمير ان يدفن بجوار معلمه ابن العربي، و قد تحقق له ذلك ، حسبما جاء في هذه الدراسات فالأمير عبد القادر من الذين تأثروا بابن العربي و عملوا على إحياء فكره و تجربته الصوفية، و دراساته لاسيما كتابه "فصوص الحكم"، الذي ادعى أنه تلقاه من النبيّ (ص) في رؤيا و أمره أن يخرج به إلى الناس، حيث يقول: فإني رأيت رسول الله في مبشرة رأيتها في العشر الأواخر من محرم سنة سبع و عشرون و ستمائة بمحروسة دمشق و بيده (ص) كتاب و قال لي: هذا كتاب "فصوص الحكم خذه و اخرج به إلى الناس ينتفعون به، فحققت الأمنية و أخلصت النية بلا زيادة و لا نقصان.
و كان الأمير عبد القادر يدعو معلمه ابن العربي بـ: سيدنا و ينزل نفسه إلى أقل مرتبة إعلاءً لمرتبة ابن العربي، و كلما ورد اسم ابن العربي على لسانه إلا و أضاف عبارة : رضي الله عنه، بحيث رفعه إلى مرتبة الصحابة، يقول صاحب الدراسة أن من أهم ما قام به الأمير عبد القادر الجزائري تجاه شيخه محي الدين ابن العربي أنه قام بنشر "الفتوحات المكية" و هو الكتاب الذي حققه عثمان يحي، و قد أهداه هذا الأخير إلى الأمير عبد القادر الجزائري، و جاء في هذا الإهداء: "إلى ربّ السيف و القلم الأب الروحي للثورة الجزائرية الخالدة، الأمير عبد القادر الجزائري ناشر الفتوحات المكية لأول مرة.
كما عمل الأمير عبد القادر بتعاليم ابن العربي، حيث ظل وفيا للشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي ابن عليوة مؤسسة الطريقة العلاوية بمستنغانم، فكان كما وصفه بعض مفكري الإسلام من أعظم أولياء الله المسلمين لأنه اتبع تعاليم شيخه ابن العربي، كما سعى الأمير عبد القادر لبعث مدرسة أكبرية عربية في عهده، و كرس حياته كلها لهذا الغرض حتى تعيش أفكار ابن العربي في إطارها الزماني و المكاني، إلا أننا نقف على عكس ما جاء به ساعد خميسي في الصفحة 25 من نفس الكتاب، بأن ابن العربي كان يعدُّ عبد الله بن بدر الحبشي اليمني أقرب تلامذته إليه و أحبهم إلى قلبه، فقد كان بدر الحبشي الصاحب المخلص و الرفيق الملازم لإبن العربي منذ أن لقيه بفاس، و قد أهداه كتاب الفتوحات المكية ، في حين يقول في صفحات سابقة أن كتاب الفتوحات المكية أهداه محقق الكتاب عثمان حي للأمير عبد القادر، كما يعد صدر الدين القونوي من اقرب تلامذة ابن العربي، و قد تعلق به ابن العربي كثيرا.
و لعل ذلك يعود إلى نجاح القونوي في نشر صوفية ابن العربي في الوسط الشيعي، الملفت للإنتباه أن الذين دافعوا عن ابن العربي ( الفكر الأكبري) من الشيعة و منهم عبد الرزاق القاشاني، السؤال الذي وجب ان يطرح هو كالآتي: هل تأثر الأمير عبد القادر بفكر ابن العربي؟، لدرجة أنه تمنى أن يدفن بجانب الشيخ الأكبر محي الدين بن العربي و قد تحقق حلم الأمير عبد القادر بحيث دفن بجانب ضريح ابن العربي ( 1807-1883)، و هو ما لم يتحقق للكثير من مشايخ التصوف الذين تمنوا مجاورة ضريح شيخهم ابن العربي، و بالعودة إلى أن الأمير عبد القادر تتلمذ على يد الصوفي ابن العربي و أنه تأثر به كما جاء في الصفحة 42 من الكتاب، فهذا يطرح كثير من التساؤلات، خاصة و أن ما جاء في مذكرات الأمير عبد القادر، لا نجد أنه تتلمذ على يد الصوفي ابن العربي، و أن هذا الأخير كان من مشايخ الأمير.
ففي الصفحة 50 من مذكراته، جاء بأن الأمير عبد القادر أخذ عن والده التفسير و الحديث و الفقه و النحو و أصول الدين، و أن والده أخذ كل هذه العلوم و المعارف من مشايخ آخرين منهم شمس الدين اللقاني شيخ المالكية بالقاهرة، له شرح المنظومة الجزائرية في العقائد، و الشيخ علي الأجهوري من علماء الحديث و القائمة طويلة، و نقرأ ايضا أن الأمير عبد القادر أخذ جوهرة البيان و المنطق عن بعض علماء وهران كالشيخ محمد بن نقريد و الشيخ بن جلول و غيرهم، و أخذ جملة العلوم التي حصلها من علماء فاس كالشيخ عمر الفاسي و المسناوي، و الفقيه الزروالي و الشيخ إدريس العراقي، ما يمكن استنتاجه أن الأمير عبد القادر الجزائري تأثر فعلا بشيخه ابن العربي، فحمل عنه رداء الصوفية، فكانت له دلالات الرؤية الكمالية التي يحملها للعالم كله، كما تأثر بالشيخ الدرقاوي الذي كان يمثل العين النابضة بالحياة الصوفية، و قد تم له ذلك على يد الشيخ محمد بن مسعود الفاسي وارث السجادة الشاذلية.
علجية عيش