دحلان بين الثابت والمتغير .
نحن بحاجة لأن نتناول شخصية واداء والطبيعة الفكرية لدحلان بدون عواطف او تشويش وفي مرحلة من اهم المراحل التي تواجه القضية الفلسطينية بأبعادها التاريخية والاجتماعية والثقافية كظاهرة اتت من مركب حركة فتح " فتح التي لها وما عليها " فالواقعية تفرض على الجميع الان الاخذ بكل المناخات التي احاطت بالتجربة الفلسطينية وما تلاها من تجارب في محيط العمل الوطني والاسلامي ، واذا ما كانت ظاهرة الفشل التي لحقت بالثورة الفلسطينية في تحقيق اهدافها المرجوه سواء الاستراتيجية او اطروحاتها التكتيكية فيما بعد والخلط بينهما هو هذا الواقع الذي فرض معطيات ونتائج جديدة على الارض ربما اعقد بكثير من الواقع الذي انطلقت من اجله ، لذلك الانتماء لنظرية العواطف في التحليل او اتخاذ الموقف هي من اهم المعوقات التي ادت الى تراجع الثورة وعدم ممارسة السلوك الموضوعي اجرائيا ونظريا في عمل اي مراجعات في المحطات المختلفة ، واين كان الاخفاق واين كان النجاح ولذلت تعثرت فكرة التصحيح وتعثرت فكرة الاصلاح على اثارة العاطفة وما يستوجب من التزامات على قاعدتها تخرج عن الموضوعية فالقدس لم تعد هي القدس الان وغزة لم تعد غزة والضفة لم تعد هي الضفة وفلسطيني الشتات هائمين على وجوههم في اصقاع الارض وشباب فلسطين تاكلهم امواج المحيطات والبحيرات والانهار وغابات ومسالك الجبال ، ووحدة البرنامج لم تعد قائمة حتى في ادنى مستوياتها المطلبية وفقر وبطالة وتشكيك واضطهاد وقطع رواتب واقصاء وحالة تيه تصيب الجميع ،وفي ظل تغير المفاهيم الاقليمية والدولية للصراع مع الكيان الصهيوني وتطبيع علني بدأ فلسطينيا وانتهى عربيا بحيث اصبح من الصعب السيطرة على تلك التحولات التي اصابت القضية الفلسطينية في العنق ،وما كان هذا الواقع يفرض على الفلسطينيين الا بضعف حركة فتح وتفتتها وانقسامها وضعف الحركة الوطنية واليسار الفلسطيني الذي تلقى ايضا ضربة قاسمة نتيجة التحولات الدولية وموازين القوى في اول التسعينات من القرن الماضي وسقوط الاتحاد السوفيتي ، وظهور قوى الاسلام السياسي كمنافس لمنظمة التحرير محاولة مليء الفراغ الذي تركته في الصراع ، بالتاكيد رافق ذلك كله انتشار الفساد وضعف الاداء واضمحلال الخطاب السياسي الفعال والمجدي الذي يتناسب مع المرحلة ، فالفساد اصبح واقعا سواء في الضفة او غزة ، وكما هي اطروحة الكفاح المسلح ظلمت في بداياتها ونهاياتها فايضا فكرة المقاومة ظلمت ايضا بنفس المقدار والمعايير الذي ظلمت فيها فكرة الكفاح المسلح الذاتية والموضوعية ، وهنا لسنا بصدد ان نتحدث عن ذلك وان اختلفت من حصار منظمة التحرير وهي خارج الوطن وحصار المقاومة وهي داخل الوطن وحصار شعب باكمله الحصار قائم على غزة وكما هو ايضا قائم على الضفة وبطرق اخرى واوجه اخرى .
دحلان ابن هذه التجربة بوجهها الفتحاوي وعمقها الوطني وتأثر بها وببرنامجها ، ويحمل نفسه الان من مسؤوليات اخلاقية ووطنية وفتحاوية ما قد يرفضه الاخرين ولا يستطيعون تحمله ودفع تكاليفه الباهظة معنويا وماديا واستهداف وتعقيدات وازمات تكتسي الحالة الفلسطينية ، ارث صعب وفيه ما يقال وحاضر مؤلم في ظل ازمات اقليمية ودولية متشعبة ولكن بالتاكيد ان مركزها في خريطة الشرق الاوسط فلسطين والامن الاسرائيلي ووجوده واستقراره على الارض ومشاريع تطرح بالتأكيد بانها لن تعطي الفلسطينيين ما يأملون به حتى في برنامجهم المتواضع والمنخفض ، وما سيأتي على الابواب امريكيا سيطرحه ترامب من مشروع لحل الصراع بالمنظور الاقتصادي الامني وليس بمعطيات القرارات الدولية والمشاريع السابقة التي اقرتها الامم المتحدة ، وهو على الابواب بعد الانتخابات الاسرائيلية المعادة ، وفي ظل واقع رديء خلفه الانقسام وعجز الجميع عن تجاوز معضلاته واهدافه التخريبية للقضية والشعب الفلسطيني وكما خلفته سلوكيات الطرح الثقافي على حركة فتح وعلى كل اركان العمل الوطني والاسلامي .
مهام وطنية قبل فيها دحلان طوعا بان يضع نفسه في هذا الواقع المعقد وما يتمخض عنها من التزامات ،تنظر لها غالبية الشعب الفلسطيني بان يحقق لهم ما عجز الاخرين عن تحقيقه ، وهذا يلقي على كاهله مالا تتحمله الجبال ، وهو الذي كانت اولوياته كسر فرضيات الانقسام على المجتمع الفلسطيني والحالة الاجتماعية والحالة الوطنية برمتها ومعالجة نتائجه ، اما سياسيا فتجسد طرحه في عدة مبادرات سياسية تدعو للوحدة والشراكة ووحدة البرنامج .والتزامه الكامل ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية ، اما فتحاوياً فموقعه الوطني يضمن له مكانة عالية اذا ما فكر في خوض مرحلة جديدة في مراحل النضال الوطني الفلسطيني ، ولكن كما قلت فضل ان يبقى يحمل ارث هذه الحركة برغم الحالة التي اصابتها من ويلات وسوء برنامج وسوء تطبيق وتفشي ظواهر من الفساد رافقت اوسلو ما قبل وما بعد ، بقي يتحمل هذا الارث في عملية محاولة اصلاح لما شاب هذه الحركة من سلبيات وقرارات ظالمة ودكتاتورية وتصلب في قرارتها وعدم مقدرتها عن الخروج من منخفض اوسلو التي مازالت تعاني منه حركة فتح للان سلوكيا وتنظيريا ً وتطبيقا ً .
التيار الاصلاحي لحركة فتح الذي يقوده محمد دحلان وسمير المشهراوي واخوة اخرين في شراكة في منظور البحث عن حلول حركية ووطنية للواقع خاضت تجربة وان كان قد تم خوضها سابقا في ظروف مختلفة فشلت جميعها ، ولكن التيار الاصلاحي الان اصبح علامة بارزة في مسارات التغيير الحركي وان مازال يعاني من ارث ثقافي وسلوكي تم اكتسابه عبر مسيرة هذه الحركة من الصعب اصلاحه في يوم وليلة او في عدة شهور او سنة او اثنين او ثلاث ، لم يتوقف التعميم العام عن النداء بوحدة حركة فتح وعودتها لمساراتها النضالية التي اقرتها مؤتمراتها السابقة وما اوصى به المجلس المركزي من اعادة تقييم التجربة الفلسطينية على ضوء تحديد المواقف من التزامات اوسلو وفك الارتباط الامني مع الاسرائيليين وسحب الاعتراف باسرائيل و تجديد الشرعيات الفلسطينية رئاسة ومجلس تشريعي ومنظمة تحرير .
دحلان يمسك بين يديه وعقله وتدبيراته الثابت وهو اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية والحق المشروع لعودة اللاجئين وتطبيق قرارات الشرعية الدولية على كل الارض الفلسطيني ودعم كافة وسائل النضال الوطني من خلال ماعون الشراكة الوطنية الكاملة فهو تحدث ان عصر الزعيم الاوحد والقائد الاوحد قد ولى مع ايمانه بالشراكة الوطنية الكاملة في ادارة الشراع الوطني ، اما بالنسبة للمتغير فهناك ازمات ملحة تعاني منها الايكونة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة فتح وانقسامها وسوء برامجها واداءها وتسلط تيار فئوي على مقاليد القرار فيها ، اما الازمات الوطنية الاخرى فهي ازمات الحركة الوطنية يساره بيمينه وحالة ما فرضه الاحتلال من ادوات على قطاع غزة وظهور ظاهرة الفرز على ضوء الرأي ووجهة النظر وما نتج عنه من اقصاءات وفصل للعديد من الكوادر واستهداف اطر حركة فتح في داخل قطاع غزة وهذا ما اعترف به رئيس الوزراء الحالي شتية ان كل ما يعاني منه موظفي حركة فتح من اثار الانقسام ، في حين ان كوادر هذه الحركة واعضائها وموظفيها لم يكونوا طرفا ً مقررا ً في الانقسام وتكريسه والاطراف معروفة وهي برنامج ونهج الرئيس عباس وبرنامج ونهج حماس ، فكيف يمكن ان يدفع ابناء فتح وموظفيها هذه الضريبة القاسية عليهم بحجة اضعاف حماس التي لها مصادرها الخاصة في تمويلها سواء من الضرائب او المشاريع في داخل او خارج غزة ومن جهات اقليمية ودولية ممولة .
اذا ً الاستهداف كان لانهاء حركة فتح بيقظتها وحيوية كادرها في قطاع غزة لتلحق ببرنامج ضعيف متلكئ معلل ومبرر وتحت مصطلحات لا تمت صلة يستخدمها هذا النهج القائم في الضفة الغربية مثل المقاومة الشعبية السلمية والمقاومة الذكية حتى في رداءة هذا التعبير في انعكاساته على حركة التحرر الوطني لم يجد تنفيذا ً على الارض بل اصبح تنظيم حركة فتح في الضفة الغربية هو عبارة عن تنظيم شكلي يفتقر للحياة التنظيمية الداخلية وحيويتها وما اعطاه النظام الداخلي لها من صلاحيات في تقويم واصلاح الخط الحركي .
اذا المتغير الذي يتعامل معه محمد دحلان هي كل تلك الظروف المحيطة التي تم سردها سابقا ً وما يقوم به التيار الاصلاحي في حركة فتح من عمليات حيوية على المستوى التنظيمي والتثقيفي وعلى مستوى النشاط الاجتماعي للنهوض بمجتمع يراد له ان يتم تدميره وتدمير بنيته الاساسية والمجتمعية فاصبحت غزة تعاني من كل شيء في حياتها ولذلك يسعى التيار الاصلاحي دوما لاعادة اللحمة الاجتماعية وتجاوزالماضي على قاعدة ان الجميع كان مخطئ في السابق ولا يمكن الوقوف على تلك الاخطاء المتداخلة التي نتج عنها الانقسام وتكريسا ً لما يخطط للضفة وغزة ولذلك طرق دحلان التيار الاصلاحي كل الابواب للتعاون في مجال انقاذ غزة ومواطنيها بالتعاون مع كل القوى وفي مقدمتها حماس والجهاد الاسلامي وباقي فصائل العمل الوطني من خلال لجنة التكافل والنواب في التشريعي وغيره من الانشطة المختلفة .
جسد التيار الاصلاحي في داخل حركة فتح الان اللبنات الاساسية في المجتمع الفلسطيني في كل امتداداته النقابية ومنظمات المجتمع المدني والاطر السياسية الاخرى ولم يقتصر هذا النشاط وتلك الركائز في داخل غزة والضفة بل في جميع انحاء العالم وهي خطوة ناجحة تؤسس لعمل وطني متكامل وشامل يجمل كل مكونات المجتمع الوطني سواء داخل الوطن او خارجه .
قد يتحدث البعض الان انني اتحدث بجانب من العاطفة فالعاطفة هنا محلها ما قدمه القائد الوطني محمد دحلان من عطاء متشعب الدروب في كل مربعات الضعف والفقر في قطاع غزة وفي لبنان وساحات اخرى ، هي تلك العاطفة التي تبوب لمرحلة قادمة تحتاج الى مزيد من المراجعات امام الازمات القائمة واخطرها صفقة القرن وماذا لو طرحت هذه الصفقة بعد اسابيع على الوضع القائم في الضفة وغزة وما تمليه من قرارات جريئة على الواقع في غزة وفي الضفة التي قد يفهمها البعض الاخر وكالعادة بالشبهات وغيره في حين ان من الصعب التوقع عمليا بالمستقبل القادم وطرق علاجه ومواجهته ولكن بالحد الادنى اعتقد ان التيار الاصلاحي سيقوم بواجباته الوطنية والاخلاقية للتصدي لكل محولات الفصل الجغرافي والسياسي والوطني في حين ايضا ان محمد دحلان سيبقى متمسكا بالثابت ويتعامل مع المتغير ولم يزج بنفسه في موقع يدينه التاريخ والوطنية الفلسطينية .
بقلم / سميح خلف