الغزال النافر
نَـفَـرَ الـغـزالُ وكـادَ يَطــرقُ بـابي
لـكـنّــهُ ولّــى كَـعـهــــدِ شــــبـابـي


أدْنــاهُ مـني مـــا تَـلـــذّذَ سَــــمـعُـهُ
ونَـفــاهُ شَــيْـبي وانْقِـضاءُ رِغـابي


مَـهْــلاً أيـا ريــمَ الـفــلاةِ فــإنَّ لـي
قَـلْـبـــاً فَـتــيّـاً دائِـــمَ الإعْـشــــابِ


بُســتـانُ عِـشْــقٍ لا تَـمُـرُّ غــزالـةٌ
إلا اسـتـضافَ بـروضهِ الخَـــلّابِ


ولَـكَــمْ تَـبَـقَّـتْ فِـيـــهِ آثـــارٌ لِـمـنْ
قَـطّـفْـنَ زهـراً واسْـتـقـينَ خَـوابي


بعضُ الجِـراحِ تَظـلُّ أوسـمـةً بــهِ
تَـذكــارُهـا كَالغـيـثِ فَـوقَ يَـبــابِ


تُحْـيي مُـواتـاً فـيــهِ غـايـةُ هـمِّهــا
مـــاءٌ وزَهــرٌ نـافِـــحُ الأطـيـــابِ


فـبِـهِ الصَّـبـابـةُ لا تمـيـلُ تصابـيـاً
عـــنْ مَـنْـهَــجِ الأخــلاقِ والآدابِ


ولَـقَـدْ تَـراني في الـلَّـيالي ناسِــكـاً
تَـبـكي بُكـايَ عَـضائـدُ الـمِحْـرابِ

لَمْ تُـقْـصِني عَنْ لـذّةٍ سُـبُـلُ الهُـدى
أوْ تُـزْرِ بي عِـنـدَ الـتُّـقى أكْــوابي


ولَـقَــدْ تَـراني لِـلـنَّـبـيــذِ مُـعـاقِــراً
عِـنْـدَ الـمَســاءِ مُــوالـيَ الأنْخــابِ


عُـمِلَـتْ لأجْـلي مَـزَّةً صَفـراءَ مـنْ
عَـالي الـدَّوالي وَناضـرِ الأعْـنـابِ


يُنْسـيـكَ خَـمْـرَ الأنْـدريـنَ مَذاقُـهـا
وَتُـمـيـتُ فَـيـك تَـشَــهِّـيَ الجُــلّابِ


لا الثّلج يُطفِئ في الكؤوسِ أوارَها
يـومـاً ولا تـكـوي غــداةَ شـــرابَ


وَعلى بَـقـايـا الـذِّكـريـاتِ أدِيـرُهـا
مِـنْ صـالـحِ الإخْـوانِ والأحْـبـابِ


فَـكـأنَّـني مـنهـا بِمَجْـلِـسِ أنْـسِـهِــمْ
وكـأنَّـهـا مِـنْهُـمْ مـيــاهُ سَـــــحـابِ


ونَـديـمـتي بِـنْتُ البَـيـانِ تَـغَـنَّجَـتْ
دِلّاً وقـد شَـمَـخَـتْ عَـلى الأتْـرابِ


مِـنْ آلِ قَـيــسٍ أو بَـنـاتٍ بُـثـيـنـــةٍ
عَـربِـيَّـةُ الألْـفــــاظِ والأنْـســـــابِ


كَـرَزِيَّـةُ الشَّـفَـتَـيْـنِ بَـالـغـةُ الـنَّـقـا
حَــوْراءُ عَـارِيــةٌ مِـنَ الإغْـــرابِ


وَطْفـاءُ تَحْـسَـبُ أنَّ خَـيلاً أقْـبَـلـتْ
دُهْـمـــاً بِـرَفِّــةِ حَـالِـكِ الأهْـــدابِ


إنْ أقَـبَـلَتْ خِـلْتَ الـنُّجـومَ تَـنَـزَّلَتْ
أوْ أدْبَرَتْ فَـالـشَّـمْـسُ خَلـفَ نِقابِ


رَقَـتْ فَـشَـفَّـتْ عَـنْ بَديـعِ جَـمالِهـا
كُـلَـلٌ بِها اسْـتَغْـنَتْ عَـنْ الأثْــوابِ


فَـبَـدا بَـيـاضُ أديـمِهــا مُـتَـوَهِّـجــاً
كَـالـبَــدْرِ أوْ كَـصَبـيحــةِ الإيَّـــاب


وَبِـجـيـدِهـا الــدُّرُّ النَّـظـيـمُ قَــلائِـدٌ
تُـغْـني فَـصَاحَـتُـهُ عَـنِ الإعْــرابِ


وَيُـرَنِّـمُ الـحَـليُ الـمُـصاغُ قَـوافِـيـاً
«مُـتـفـاعِلاً» كَـبَــلابِـلٍ فـي غَـابِ


أسْـقي وتسْـقي لَسْـتَ تَعرِفُ بَينَـنـا
سـاقي المُـدامـةِ مِنْ سَـقِيِّ رضابِ


فَـإذا تَغَـنَّتْ أوْ حَـدَتْ أو أهْـزَجَـتْ
خِـلْتَ الخِـبـاءَ مُـزَعْـزَعَ الأطْـنابِ


وَتَـلوحُ أطْـيـافُ الـنِّـيـاقِ وسَـيْرُها
مُـتَـوَحِــــدُ الإيْـقـاعِ بِـالأعْـقــــابِ


تَجْري سِـراعـاً بالحُـداءِ كَـهـاربٍ
يَطوي القِـفـارَ بِـلـهْـفـةِ الـمُـرتـابِ


فَأصـيحُ «رِفْـقـاً بالقَـواريرِ» الّـتي
ضَــمَّ الـهَــوادجُ فـي نِـداءِ عِـتـابِ


رَوَّعْتَ يا حـادي الـنِّـياقِ قُـلـوبَـنـا
بُـمُـذَهَّـباتٍ فـي الـقَـريـضِ عِـذابِ


أشْـبَهْـنَهُـنِ على الـرِّضـاءِ حَـلاوةً
وَضَـراوةً في سَــوْرةِ الإغْـضـابِ


وتَهُـزني لِـلْـكـأسِ تُوقِـظُ نَـشْـوتي
كَـتَحـنُّـنِ الأوتَــارِ فـي الإطْــرابِ


يَـا... أيْـنَ أنْتَ؟ فَأنْـثَـني لأضُمَّـهـا
ولَـعَـلَّ فـي هَـــذا أصَــحَّ جَـــوابِ

مصطفى الزايد